<%@ Language=JavaScript %> د. بهيج سكاكيني "الحكمة" الفلسطينية...أين هي من غضب ونقمة الجمهور الفلسطيني؟

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

"الحكمة" الفلسطينية...

 

أين هي من غضب ونقمة الجمهور الفلسطيني؟

 

د.  بهيج سكاكيني 

 

المتتبع للأحداث على الساحة الفلسطينية، منذ اتفاقيات اوسلو المشؤومة في بداية التسعينات والتي تمت من وراء ظهر الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبدرجة حرفية عالية من السرية مع الكيان الصهيوني، يدرك جيدا ان الفذلكات والشطحات الفكرية للذين انتهجوا هذا المنحى التدميري لم تأتي سوى بسلسلة من التنازلات المبدئية عن الثوابت الفلسطينية وحقوقه المشروعة. لا يغرنك التغريدات القادمة من مهندسي اوسلوا وزبانيتهم، وكما يقول المثل الشعبي " العبرة في النتائج". ويحق لشعبنا أن يتساءل عما اتت به "الحكمة" الفلسطينية من نتائج عملية على الارض، بعيدا عن ترديد الشعارات والمواقف التي تطلق في العلن والتي باتت ممجوجة لدى شعبنا، لأنها غير مقرونة بتبني أية خطوات عملية أو ميكانيكية أو استراتيجية واضحة لتحقيق هذه الشعارات والتصريحات التي تطلق يوما بعد يوم من قبل القيادة الفلسطينية المتنفذة، التي ما زالت تصر ليلا نهارا على المفاوضات كخيار استراتيجي، لأسباب لم تعد خافية على أحد. حيث أن انتهاء المفاوضات يعني فيما يعنيه سقوط السلطة وتوقف ضخ مئات الملايين من الدولارات اليها، ويعني انتهاء منظومة بشرية متكاملة وضخمة، تعتاش من وجود السلطة وتتمتع بامتيازات اجتماعية واقتصادية وسياسية لم تكن تحلم بها يوما من الايام. إن الاصرار على المفاوضات بالرغم من السياسات التعسفية والعنصرية وقضم الأراضي الفلسطينية على امتداد فلسطين التاريخية التي ينتهجها الكيان الصهيوني يوميا على الارض، وادانة المقاومة المسلحة واعتبارها عبثية، والعمل على فرملة التحركات الشعبية ووضع العراقيل أمام تطور الحراك الشعبي المناهض للاحتلال الصهيوني للوصول الى حالة استنهاض شعبي واسع، تحت شعارات "الحكمة" الفلسطينية وعدم اعطاء نتنياهو أو غيره من الزعامات الصهيونية اليمينية والقوى الفاشية في دولة الكيان العنصري الاعذار والمبررات، لانتهاج سياسة أكثر تطرفا تجاه الشعب الفلسطيني، أصبحت مقولة وموقف لا يقنع حتى الطفل الفلسطيني، الذي حرمه الاحتلال العنصري من طفولته ان لم يكن من حياته.

 الحكمة الفلسطينية تقتضي إيقاف أي تعاون أو تنسيق أمني مع الاحتلال واجهزته الأمنية. ولا بد لأي فلسطيني ان يتساءل عن ماهية هذا التعاون أو التنسيق، حيث أن استخدام كلمة تعاون او تنسيق أمني تستخدم بشكل مغالط للمعنى اللغوي لهذه الكلمات ولما يجري حقيقة على الأرض. حيث أن المقصود به هنا، هو انسحاب القوى الأمنية الفلسطينية من المنطقة التي تدخلها قوات الامن الإسرائيلية لاعتقال نشطاء المقاومة، أو البقاء في مراكزهم لحين الانتهاء من مهمة الاعتقالات، أو عملية اغتيال النشطاء في مقاومة ومقارعة الاحتلال. والتعاون والتنسيق الأمني يعني اصطحاب القوى الأمنية الفلسطينية للمخابرات الإسرائيلية وجيش الاحتلال للتدليل على أماكن تواجد المراد اعتقاله في الحي أو المخيم الفلسطيني. والتعاون والتنسيق الأمني يعني قيام الامن الفلسطيني بقمع المظاهرات المنددة للاحتلال، أو المؤيدة لفكرة القومية العربية والمناوئة للغطرسة الامريكية وهجومها البربري عبر ادواتها الإرهابية على بعض الدول العربية مثل سوريا وليبيا. وهنالك اخبار تتردد من ان القوى الأمنية الفلسطينية في الفترة الأخيرة تصدت لمظاهرة كانت داعمة للأسرى واضرابهم عن الطعام.

يقول قائل ان الحكمة الفلسطينية اثمرت في تغيير الموقف الاتحاد الأوروبي من قضية الاستيطان. لا بد أن نذكر هنا أن دول الاتحاد الأوروبي هي من ساهمت مساهمة بناءة في تطوير هذه المستوطنات عبر استثمارات العديد من الشركات الأوروبية بمشاريع داخل المستوطنات السرطانية، وشراء الكثير من منتجاتها، وصمتت هذه الدول أو غضت النظر عن هذا لعقود من الزمن، هذا بالرغم من معرفتها التامة بما يدور على الأرض، كما يتبين من تصريحات بعض مسؤوليها الجوفاء، بان هذه المستوطنات هي غير قانونية بحسب القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة. أما عن التغير في المواقف الأمريكية التي يدعيها البعض فهي شكلية بامتياز، ولو ارادت أمريكا بالفعل الوقوف ضد سياسة الاستيطان الإسرائيلية لعملت على ذلك منذ عقود على سبيل المثال على تجريم كبار الصهاينة الأمريكيين لتبرعاتهم السخية في بناء المستوطنات اليهودية وتطورها من بؤر صغيرة الى مدن، وتشجيع الشبان اليهود الأمريكيين للذهاب وبناء مزيد من المستوطنات، والتصرف بعقلية الكابوي مع السكان الأصليين كما فعل اجدادهم في أمريكا مع الهنود الحمر الذين ابيد معظمهم كما أبيدت حضارتهم، وتم الاستيلاء على اراضيهم . إن كان هنالك تغيرا في المواقف الأوروبية أو الامريكية، فانه نابع من عملية استغلالهم الأوضاع السائدة في الوطن العربي واستثمارها لإنهاء القضية الفلسطينية، بما يضمن الامن للكيان الصهيوني واسقاط حق العودة، والعمل على إعطاء فلسطيني الضفة والقطاع كانتونات هلامية يطلق عليها اسم الدولة الفلسطينية. ان الاتحاد الأوروبي والإدارة الامريكية تدركان جيدا ان الأوضاع الان ملائمة لحل ضمن هذا الإطار يكون كارثيا للشعب الفلسطيني، وهي بالتالي تسعى جاهدة لإقناع الطرف الإسرائيلي بهذا الحل وعلى أنه الحل الأمثل لإسرائيل وضمان امنها، ولكن هذا ما يزال يقابل بتعنت إسرائيلي ومن هنا كان لا بد من استخدام بعض الضغوطات على الكيان الصهيوني بالقبول بهذا الحل وهو ما يسمى زورا "حل الدولتين"، وذلك لضمان الصبغة اليهودية لدولة إسرائيل. وهو الحل الذي انخرطت فيه السلطة الفلسطينية التي ما زالت تؤمن بالمفاوضات اللانهائية مع عدو ما زال يستبيح الأرض وأمن وحياة الانسان الفلسطيني يوميا، والذي استغل المفاوضات والتعاون والتنسيق الأمني باعتبارها الفرصة الذهبية للاستيلاء على المزيد من الأراضي وتوسيع العمليات الاستيطانية وخلق وقائع جديدة يوميا على الأرض، وقمع الفلسطيني بأيدي فلسطينية، وفي نفس الوقت إعطاء الانطباع امام الرأي العالمي بأن إسرائيل تسعى الى السلام. لنتذكر كلام الصهيوني شامير بعد مؤتمر مدريد للسلام "انني أستطيع أن افاوض العرب مئة عام دون ان اعطيهم شيئا".

الوضع في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 متفجر والشعب الفلسطيني في حالة من الغليان تشبه حالة أيام الانتفاضة الأولى عام 1987، على أثر قتل الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير على ايدي قطعان المستوطنين اخوان داعش البرابرة، الذين قاموا باختطافه وهو متوجه الى الجامع لصلاة الفجر، وقتله والتشنيع بجثة الشهيد وحرقها بعد ذلك. ومن المؤكد أن ايدي هذه القطعان الهمجية لن تقف عند هذا الحد مع تصاعد الدعوات والتحريض العنصري والفاشي لقتل العرب التي تطلق علانية على شبكات التواصل الاجتماعي من قبل النازيين الجدد من الصهاينة، والذي يتظاهر البعض منهم في المدن الرئيسة في فلسطين المحتلة ويقومون بالاعتداء على الفلسطينيين تحت اعين وحماية الشرطة الإسرائيلية التي لا تتدخل، وكأن الامر لا يعنيها. لغاية الان لم تتحرك السلطة الفلسطينية بشكل مسؤول وجدي لحماية المواطنين الفلسطينيين، وهو ما أدى الى تكوين مجموعات من الشبان في لجان شعبية هنا وهناك لحماية المواطنين في العديد من الاحياء والقرى من هجمات محتملة للمستوطنين الصهاينة، هذه الظاهرة التي انتشرت وتوسعت في فترة الانتفاضة الأولى.

 ان التلويح الذي يأتي من هرم السلطة بالذهاب الى المؤسسات الأممية كردة فعل على الممارسات الصهيونية أصبح اضحوكة ولا يقنع رجل الشارع الفلسطيني. هرم السلطة اكتفى "بمطالبة الحكومة الإسرائيلية بإنزال أشد العقاب بالمستوطنين الذين قتلوا الفتى محمد أبو خضير وانهاء ظاهرة المستوطنين، حتى نطمئن ان لديهم نوايا طيبة فعلا، وإلا فليس لديهم أي نوايا طيبة لأي عمل سياسي ولا أي سلام بيننا وبينهم". الذي يبدو ويتضح، أن مهندس أوسلو لم يقتنع بعد مرور أكثر من عشرون عاما أن الكيان الصهيوني لا يريد السلام وغير معني به، وأن كل المفاوضات العبثية هي التي اوصلتنا الى ما نحن عليه الان. والسؤال الكبير الذي بات يطرح الان وبشكل ملح الى متى تبقى حالة الاستفراد والاستئثار بالقرار الوطني الفلسطيني من قبل حفنة متنفذة ومهيمنة؟ لقد انتفض شعبنا في كافة المناطق الفلسطينية وخاصة في القدس وغزة وداخل الخط الأخضر في الطيبة وقلنسوة وام الفحم والمثلث وغيرها، على الرغم من الوهن العربي وحالة التشرذم والانقسام الحاد الذي تشهده الساحة العربية، وفي ظل تآمر على الدول التي ما زالت ترفع شعار القومية العربية وللأسف يتم هذا التآمر من قبل جامعة الدول العربية التي ارتضت ان تكون مطية واداة لتنفيذ السياسة الامريكية في المنطقة وبأموال بترودولار خليجية، وفي ظل تعاون وتنسيق أمني، واستخباراتي، وسياسي، بين العديد من الدول العربية والكيان الصهيوني في محاولات مستميتة للتغلب على محور المقاومة.

كل المؤشرات تنذر بزلزال انتفاضة فلسطينية ضد الاحتلال بالدرجة الأولى، ولكنها في نفس الوقت ضد مسار اوسلو والمفاوضات العبثية التي تديرها السلطة الفلسطينية. والذي يبدو أن بعض عناصر السلطة بدأت تتحسس ذلك كما يبدو من تصريحات السيد عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الذي صرح مؤخرا " ان التنسيق الأمني واتفاقية اوسلو أصبحت قابلة للبحث والنقاش"، وأن القيادة الفلسطينية لن تسكت عما يتعرض له الشعب الفلسطيني وأنها تدرس كل الخيارات بما فيها وقف التنسيق الأمني واتفاقية أوسلو". والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل هذه التصريحات تطلق لامتصاص نقمة وغضب الجمهور الفلسطيني، أم أن السلطة أو على الأقل بعض عناصرها حزمت أمرها بالقطيعة مع نهج أوسلو والتنسيق الامني بعد أكثر من عقدين من الزمن؟ السلطة أما خيارين لا ثالث بينهم أما الانحياز الى الشارع الفلسطيني الذي لم يعد يحتمل هذا النهج المدمر والسياسات الصهيونية الفاشية والتصدي للاحتلال وظهور قيادة موحدة مؤمنة وفاعلة في هذا الاتجاه وأما البقاء على النهج العقيم والمدمر وقمع الجمهور الفلسطيني. الى أي منحى ستتجه الأمور؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

05.07.2014

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا