<%@ Language=JavaScript %>    د.عدنان عويّد قضايا التنوير – القضية (السادسة) في الديمقراطية (1) الديمقراطية.. مفهومها.. مقوماتها.. معوقاتها.

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

قضايا التنوير – القضية (السادسة)

 

في الديمقراطية (1)

 

الديمقراطية.. مفهومها.. مقوماتها.. معوقاتها

 

 

    د.عدنان عويّد

 

 

     بالرغم من تعدد المفاهيم والتعريفات التي تناولت ظاهرة الديمقراطية من قبل المفكرين الذين تعاملوا مع هذه الظاهرة عبر التاريخ, مع تأكيدنا أن حالة التعدد هذه جاءت وفقاً لمواقفهم الطبقية والسياسية والأيديولوجية التي ينتمون إليها, ثم وفقا للمرحلة التاريخية التي أنتجت هذه الصيغة الديمقراطية أو تلك. لذلك جاء تعريفها أو مفهومها عند البعض, بأنها الحياة اليومية المباشرة, التي أفضل ما فيها هو ممارسة وتعبير الفرد عن رأيه وقناعاته بعيدا عن أي خوف من سلطة أو قانون, طالما أن الذي يريد قوله أو ممارسته يصب في مصلحة الوطن والمواطن. أو جاء هذا التعريف أو المفهوم عند البعض الآخر أيضا, بأنها ظاهرة اجتماعية وسياسية وثقافية, لها قوة مادية في جوهرها, ولها أشكالها وحركتها وتعدد محطاتها المتوافقة مع تعدد أشكال الحكم القائمة .. عدوها الجهل, وحليفها الدائم العلم والعلمانية .. صندوق أسرارها وقوتها الجماهير المقهورة والمضطهدة والمستلبة بكل فئاتها وشرائحها .

      أما نحن فنستطيع تعريفها بأنها: منهج في التفكير, وأسلوب في الممارسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. ترمي أهدافها إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي, وتأمين العدالة للمجتمع بكل مستوياتها وفقا لطبيعة المرحلة التاريخية المعاشة.. حواملها الاجتماعية تتبدل تاريخيا وفقا لطبيعة الصيغة الديمقراطية المطروحة وأهدافها, وهذا في الحقيقة ما يؤكد عندنا أيضا, أن الديمقراطية وفقا لهذا التعريف تخضع  للتطور والتبدل في جوهرها مع تطور وتبدل عوامل نشوئها عبر التاريخ, كما يؤكد نسبيتها وينفي اطلاقيتها, في الوقت الذي يؤكد عندنا عناصر استبدادها مثلما يؤكد عناصر قوتها وعدالتها وإنسانيتها .

     إذن إن الديمقراطية وفقا لهذه المعطيات ليست مقتصرة في ممارستها وأهدافها على تحقيق البعد السياسي للمجتمع كما يعتقد البعض, بل إن ممارسة الديمقراطية وأهدافها تصبان في مجمل النشاط الإنساني اليومي لحياة الفرد والمجتمع, بغية تحقيق العدالة والمساواة. كما أنها ليست صيغة واحدة مطلقة, تفرخ مجردة, صالحة لكل زمان ومكان, بل هي صيغ مشخصة ببعدها الاجتماعي التاريخي, وبحواملها الاجتماعية التي تعمل على إنتاجها وتطبيقها وفقا لمصالحها ومصالح القوى الاجتماعية التي تعبر عنها.      

     إذا كانت برأينا, هذه هي الديمقراطية في مفهومها ومعطياتها, فما هي أبرز مقوماتها, وبالتالي معوقاتها أيضا؟ .

     مقومات الديمقراطية:

     أولا: الوعي الديمقراطي. لا يمكن إن تكون هناك ممارسة ديمقراطية سليمة, إذا لم يكن هناك وعي ديمقراطي لدى حملة المشروع الديمقراطي عبر التاريخ, بحيث يستطيع حملة هذا المشروع أن يدركوا آلية عمل الديمقراطية وإنتاجها, وكذلك عوامل نشوئها, وما هي المساحة الاجتماعية والأخلاقية التي تستطيع هذه الصيغة أو تلك من صيغ الديمقراطية أن تمارس نشاطها فيها, فامتلاك هذه المعرفة يشكل القدرة على التحكم وضبط آلية ممارسة الديمقراطية وتحقيق الأهداف المرجوة منها, وبالتالي فأي جهل في هذه الآلية المركبة والمتداخلة في مكوناتها, سيؤدي بالضرورة إلى وضع الديموقرطية في دائرة مبدأ "سرير بروكست", حيث سيعمل حملتها هنا, إما على مطمطة, أو قصقصت  الواقع كي ينسجم مع رغباتهم وشعاراتهم الديمقراطية, وليس وفقا لمراعاة خصوصيات الواقع المعاش .  

     ثانيا: المسؤولية. تشكل المسؤولية الشرط الأساس لنجاح الديمقراطية, فلا ممارسة حقيقية للديمقراطية دون مسؤولية.. مسؤولية الفرد تجاه نفسه, ومسؤوليته تجاه الآخرين. فالمسؤولية تشكل في الواقع الشرط الأخلاقي / ألقيمي لحاملها الاجتماعي, الأمر الذي يفرض عليه – أي الحامل الاجتماعي – أن يخضعَ لعقلانية وعي وممارسة الديمقراطية بما يخدم المجتمع ومصالحه وفقا لطبيعة المرحلة التاريخية المعاشة .

     ثالثا : توافر الحامل الاجتماعي للمشروع الديمقراطي . نستطيع القول في هذا الاتجاه : بأنه, لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا هنا, هو,  ما هي طبيعة هذا الحامل الاجتماعي للمشروع الديمقراطي؟ .                

    لقد أشرنا في موقع سابق أن لكل صيغة من صيغ الديمقراطية حواملها الاجتماعية المسؤولة عن تطبيقاتها, ومعرفة آلية عملها, وظروف إنتاجها,  وهذا يعني أن الصيغة الديمقراطية وحواملها كلاهما يرتبطان بجملة الشروط الموضوعية والذاتية التاريخية للوجود الاجتماعي في مرحلة تاريخية محددة, فعلى سبيل المثال لاالحصر, إن الصيغة الديمقراطية وحواملها من الطبقة الارستقراطية لدى اليونان التي كانت تعبر عن عدالة اجتماعية تقر بالعبودية والتفاوت الطبقي, هي غيرها في المرحلة التاريخية للنظام الرأسمالي, أو لدول العالم الثالث التي يغيب فيها الوضوح الطبقي ولم تزل تتحكم في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المرجعيات التقليدية, من عشيرة وقبيلة وطائفة  .. الخ . لذلك نستطيع القول في هذا الاتجاه : إن طبيعة الحامل الاجتماعي ومدى وعيه الديمقراطي ودرجة مسؤوليته تجاه المهام الديمقراطية التي يمارسها في مجتمعه, وفي مرحلة تاريخية محددة, هي التي تلعب الدور الكبير في تحديد طبيعة النشاط الديمقراطي, ومستوى درجة نجاحه في تطبيق العدالة والمساواة التي يتضمنها هذا النشاط, ثم مستوى مطابقته للظروف الموضوعية والذاتية للمجتمع في المرحلة التاريخية ذاتها .

     معوقات الديمقراطية :

     إذا كانت هذه هي مقومات التطبيق الديمقراطي, فإن معوقاته تكمن حقيقة في غياب هذه المقومات. فغياب الوعي الديمقراطي, والشعور بمسؤوليتها الأخلاقية, وحواملها الاجتماعية, سيؤدي بالضرورة إلى فوضى الديمقراطية, بحيث تتحول الديمقراطية هنا, إما إلى وسيلة لتحقيق المصالح الأنانية الضيقة لمن يحمل المشروع الديمقراطي في ظل هذه الفوضى, أو إلى سلعة يحاول البعض استيرادها من مجتمعات أكثر تطورا من المجتمع الذي يعيش فيه هذا البعض من حواملها الاجتماعية, مع يقيننا بأن النيات القائمة وراء استيراد شعاراتها هي نيات حسنة, يرغب مستوردوها تطوير المجتمع وتنميته, بيد أن النتائج في التطبيق الديمقراطي ستساعد هنا بناءً على هذه الشعارات الديمقراطية المستوردة في تعميق أزمة المجتمع بدلا من انفراجها, بل ستُدخل المجتمع في صراعات داخلية وحروب أهلية بغية الوصول إلى السلطة, وغالبا ما تحرك هذه الصراعات دوافع مصلحيه ضيقة (عشيرة قبيلة طائفة),  بالرغم من السعة الاجتماعية والوطنية لهذه الشعارات الديمقراطية المستوردة, والمطروحة للممارسة هنا من قبل هذه القوى المتصارعة, وهنك أمثلة كثيرة على مأزق و (فوضى الديمقراطية) في دول العالم الثالث بشكل خاص, التي سببتها تلك الشعارات الديمقراطية الفضفاضة المستوردة من مجتمعات أكثر تطورا,  تؤكد صحة ما جئنا عليه . بيد أن الملفت للنظر, هوبروز ظاهرة جديدة للديمقراطية في العالم الثالث, وبخاصة عالمنا العربي, أفرزتها ما سمي بثوراة الربيع العربي, وهي "ديمقراطية البترودولار", حيث رحنا نلمس تحولاً رجعيا في سيرورة التاريخ السياسي للمجتمعات, وهي أن الديمقراطية أصبحت تصدر من قبل امراء النفط التي تعود ببنية دولهم السياسية والثقافية والاجتماعية إلى العصور الوسطى, إلى دول عربية اكثر تطوراً في بنيتها السياسية والاجتماعية والثقافية, كما هو الحال في مصر وسورية والعراق وتونس.

      عموماً نقول : إذا أخذنا الجانب السياسي للديمقراطية في هذه المجتمعات أيضا , فنستطيع القول في هذا الاتجاه : إن الديمقراطية هنا تشكل عنصر إصلاح أساسي في المجتمع, وخاصة إصلاح السلطة, أي هي تعمل على تداول السلطة, وهذا في الواقع ما لا تسمح به السلطات الحاكمة في دول العالم الثالث ومنها وطننا العربي على سبيل المثال, وهذه إشكالية قائمة بذاتها.   

ملاك القول: تظل الديمقراطية في سياقها العام مشروعا إنسانيا بالنسبة للمجتمعات البشرية عموما ومنها مجتمعنا العربي بشكل خاص, يهدف إلى سعادة الإنسان وتقدمه ورقيه, رغم كل معوقاته, والتي يأتي في مقدمتها غياب الحامل الاجتماعي الوعي والمسؤول معا لفكر وممارسة الديمقراطية, هذا الغياب الذي يعكس في المحصلة أيضا غياب جملة من الظروف الموضوعية والذاتية لمقومات التطبيق الديمقراطي السليم في الوجود الاجتماعي لمجتمعاتنا ..  مجتمعات العالم الثالث عموما  . 

  كاتب وباحث من سورية

d.owaid50@gmail.com                                   

                   

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا