<%@ Language=JavaScript %> د.عدنان عويّد الثورة والثورة المضادة في سورية

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

الثورة والثورة المضادة في سورية

 

 

د.عدنان عويّد

 

     إن الثورة في الفقه السياسي, هي أسلوب في الممارسة, يهدف إلى خلق تغيير غير عادي في بنى المجتمع أو مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية, بما يحقق تقدماً ملموسا ومستداماً لخدمة المجتمع ورقيه, أو لخدمة طبقة ما من طبقاته وغالباً ما تُحدد أهدافَ هذه الثورة القوى الطبقية التي تشكل حاملها الاجتماعي. أما الثورة المضادة, أو ما يسمى (مضاد الثورة), فهي ثورة تحدد طبيعتها ومهامها وأسلوب ممارستها القوى الطبقية التي تمثل حواملها الاجتماعية والتي غالباً ما تكون ضد مصالح الجماهير الكادحة والفقيرة والمسحوقة. وهي ثورة في المفهوم السياسي (رجعية), أي لا يهما مصالح المجتمع ككل بقدر ما يهمها مصالح قوى طبقية محددة هي القوى الطبقية المستغِلة, ومن يلف حولها من برجوازية طفيلية, وتجار أزمات, وخارجون عن القانون وغيرهم من القوى الاجتماعية التي تعمل لمصالحها الأنانية الضيقة فقط. والثورة المضادة إذا جاز لنا أن نسميها ثورة, كل الذي يهمها هو تجريد القوى الطبقية المناوئة لها - وهي هنا الجماهير الكادحة و من يقف إلى جانبها من الشرائح والقوى الاجتماعية التي تلتقي مع هذه الجماهير مادياً ومعنوياً - من قيادتها للدولة والمجتمع من جهة, ثم إعادة هيكلة البنى أو المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لمصلحتها من جهة ثانية. بيد أن أخطر أشكال الثورة المضادة, هي التي تتخذ من الأيديولوجيا منطلقاً لثورتها, وبخاصة الأيديولوجيا الدينية, فخطورة هذه الثورة تكمن في كونها تقوم على تشويه وعي القوى الاجتماعية للوقوف إلى جانبها, حيث تذوب هنا البنية الطبقية المحددة أو تتلاشى, ليحل بدلاً عن الطبقة التي تجمعها المصالح المادية والفكرية, قوى اجتماعية متداخلة طبقياً يجمعها البعد الفكري (الأيديولوجي) الغيبي فقط, ويتخذ من هذا البعد الأيديولوجي رموزاً عقيديّة وشخصانية محددة تشكل الملاط الذي يشد هذه الكتل الاجتماعية المتناقضة طبقياً مع بعضها. كأن تتخذ شخصية الرسول محمد (ص) مثلاً, أو أي خليفة أو قائد إسلامي, أو تتخذ مسألة (الحاكمية لله), رمزاً أو شعاراً تلتف حله القوى الاجتماعية المغيبة أو المشوهة فكرياً لانطلاق الثورة. أما الأكثر خطورة في هذه الثورة, فهو غياب برنامج العمل الذي تهدف إليه الثورة, الأمر الذي يترك آلية عمل ومنطلق وأهداف الثورة سائبة, أو في حالة (دشر) فكري وعملي معاً, بالتالي تتحول الثورة هنا إلى فوضى قاتلة, يغلب عليها طابع الغنيمة والربح, أو تحقيق المكاسب الشخصية المادية والمعنوية الأنانية الضيقة, تحت إسم الشعب ومصالح الشعب.   

     من هنا نتساءل, هل ما جرى ويجري في سورية منذ ثلاث سنوات, هو ثورة أم مضاد ثورة (فوضى)؟.

     إن ما جرى ويجري حتى اليوم يشير وبشكل واضح إلى أن هناك مضاد ثورة في سورية (فوضى), للأسباب التالية:

     أولاً: غياب الوضوح الطبقي في هذه الثورة, بحيث نجد فيها كل القوى الاجتماعية التي تعبر عن نسيج الشعب السوري, ففيها الغني (التاجر والصناعي), وفيها الفقير (العمال والفلاحون), وفيها شرائح وسافات من الأنتلجينيسيا, (ضباط ومثقفون ودكاترة ومهندسون), وفيها من الخارجين عن القانون, (اللصوص وتجار الحشيشة ومروجو الدعارة والمتآمرون مع الخارج) .

     ثانياً: هي ثورة تحركت منذ البداية على بعد أيديولوجي ديني (إسلامي), اتخذ من مسألة (الحرية الفضفاضة في دلالاتها, والحاكمية لله, ومن رمز الرسول, والصحابة) شعارات لها, بدلاً من برنامج عمل وأهداف واضحة تماماً لما هو مطلوب أو مراد من هذه الثورة, لذلك اشتغل من كان وراء تحريك هذه الثورة من الداخل والخارج, على استغلال الوعي الديني المتجذر والمشوه في عقليّة المواطن السوري, وبالتالي تحريك هذا المواطن نحو أهداف ضبابية غير واضحة المعالم, وهذا ماساهم في انتشار الفوضى, التي تجلت في تشكل الجماعات والفرق الإسلامية المسلحة, ودخول أو إدخال القوى الإسلامية المتشددة إلى سورية من كل حدب وصوب, بغية إقامة الخلافة الإسلامية, وهذا ما ساهم في تضارب المصالح والأهداف منذ البداية ما بين القوى الدينية والقوى العلمانية من جهة, وهي التي راحت تقول بأن الثورة قد انحرفت عن أهدافها وصودرت, وبين هذه القوى الإسلامية من داخل الكيان السوري والقوى الوافدة من الخارج, على المصالح والأهداف أيضاً من جهة ثانية, هذا مع تأكيدنا على استغلال الدين الإسلامي أبشع استغلال من اجل تحقيق مصالح وأجندات داخلية وخارجية, عبر فتاوى لا تمت إلى الإسلام بصلة, الأمر الذي أساء للإسلام والمسلمين العقلانيين عموماً. فمسألة نكاح الجهاد, والذبح بالسكين, واستخدام السوط في محاسبة المخالف لتعاليم الإسلام كما فهمهما هؤلاء, ثم فرض سلوكيات وقيم تجاوزها الزمن وغير ذلك من ممارسات,  تركت عند الكثير من المسلمين والعلمانيين وحتى عند أصحاب الديانات الأخرى ردود فعل تجاه الإسلام وعقيدته, على انه إسلام قتل وذبح ودعارة وظلم, وليس إسلام محبة ورحمة وإنسانية وأخلاق. 

     ثالثاً: تحرك في أتون هذه الثورة, كل الإعلام الكاذب وبخصاصة إعلام أعداء سورية في الخارج ومن تعاون معهم من أعداء الداخل, وظهر كل ما لم يتوقعه إنسان من تزوير للحقائق وفبركة مشاهد إعلامية يعجز الخيال عن وصفها. كما تحرك أيضاً, الخارجون عن القانون بكل أشكالهم وانتماءاتهم, وتحرك تجار الأزمات والحروب, وراحت تتشكل مافيات وعصابات السرقة والمخدرات, التي مارست بدورها كل أشكال الرذيلة من أجل تحقيق مصالح أنانية ضيقة على حساب الشعب وماله ودمه, مستغلة في ذلك غياب سلطة الدولة في الأماكن التي سيطر عليها المسلحون.

     رابعاً: تجلى في هذه الثورة الغباء السياسي لدى الكثير من عناصر المعارضة وجهلها لمفهوم الثورة. فالثورة أية ثورة لا يمكن لها أن تنجح إذا لم تكسب الشعب إلى جانبها أولاً. ثم لا يمكن لها أن تنجح إذا اعتمدت في تمويلها على الخارج, أو في غياب مشروعها النظري  السياسي أو ما يسمى برنامج عملها ثانياً.

     إن كل هذا الغباء والجهل, وغيره الكثير, كان حاضراً لدى العديد من الحوامل الاجتماعية لهذه الثورة. فهم لم يستطيعوا كسب الشعب بتصرفاتهم الرعناء, ومحاولته فرض سلوكيات على الشعب تعود إلى 1400 سنة كما اشرنا قبل قليل, لم تعد بنية العقل السوري المتعدد الديانات والطوائف والمذاهب, والمتطور حضارياً تقبل هذه السلوكيات. كما انهم خسروا الشعب عندما دخل المسلحون إلى لأحياء الشعبية وراحوا يقاتلون الجيش النظامي, الأمر الذي اضطر الجيش أن يدافع عن نفسه, وهنا اضطر المواطن أن يترك منزله وحلاله وماله لينجو بنفسه, ويرك كل ذلك نهباً للصوص والخارجين عن القانون, هذا إضافة إلى حالات الدمار التي نالت البنية التحتية والخدماتية والاقتصادية التي حلت بالدولة. وهذا في الحقيقة ما جعل الشعب ينقم على الثورة وثوارها.

     أما مسألة التمويل والاعتماد على الخارج, فهذه كانت من أهم المسائل التي أساءت للثورة والثوار. فمن مول الثورة هي القوى الخارجية المعادية للنظام السوري كنظام يدخل في نطاق محاور دولية, وبالتالي فإن مسألة مساعدة الثورة من هذه القوى الخارجية جاءت لإسقاط النظام في أهدافها وطموحاتها, وليس من أجل تحقيق مصلحة الشعب السوري, إنه لمن المضحك المبكي أن تقف السعودية ودول الخليج وأمريكا وفرنسا وبريطانية من أجل تحقيق الحرية والعدالة واليدقراطية للشعب السوري. من هنا تورط قسم كبير من قادة الثورة في لعبة المحاور الدولية قبل نجاح الثورة, وهذا ما حولهم إلى أداة حقيقية بيد الخارج, وما يجري اليوم في مؤتمر "جنيف2 " يدل على ذلك. فأي ثورة وقسم من قادتها يرفضون مشاركة بقية قيادة المعارضة في هذا المؤتمر بناءً على أوامر الخارج؟!. وأي معارضة هذه وهي تنفذ في هذا المؤتمر ما يخدم مصالح الخارج وليس مصالح الشعب السوري؟!. 

     خامساً: لقد اختزلت الثورة بكل أطياف حواملها الاجتماعية وأهدافها المعول عليها ومن يمولها في الداخل والخارج, على قضية إسقاط السيد رئيس الجمهورية "بشار الأسد". وهنا يُظهر الجهل والغباء لدى المتزمتين من قادة هذه الثورة, والخبث السياسي  لمن يمولها من الخارج.

      إن الدول المركزية عادة, وأقصد هنا الدول المتعددة الطوائف والمذاهب والأعراق, لا تحكم من خلال التجربة إلا عبر نظام سياسي مركزي يتجلى به دور رئيس الجمهورية متميزاً بكل وضوح, إن هذه الدول غالباً ما تكون دول "عميقة", بل هي من يمثل مفهوم الدولة العميقة. أي الدولة التي أخذت حالة استقرارها  وأمنها وآلية عملها, القائمة عليه عبر تكريس قيم سياسية وإدارية مدروسة في بنية الدولة منذ عشرات السنين, بحيث أصبحت آلية عمل الدولة تقوم على حفظ النظام السياسي القائم, وإحاطته من الداخل والخارج بسياج إداري وعسكري وامني يقف على قمة هرمه رئيس الجمهورية, أو ما يسمى بالفقه السياسي ( الكاريزما), ولذلك ليس من السهولة اختراقه والتأثير فيه, وبالتالي فإن، أية محاولة لاختراق هذا النظام ستفشل من جهة, وإن طالت في مقاومتها ستدمر كل الانجازات التي بنتها هذه الدولة العميقة من جهة ثانية. وإن نجحت هذه الثورة ومن يساندها من الخارج على إسقاط هذه الدولة, فستدخل هذه الدولة بالضرورة في حالات صراع طائفي وعرقي لا يعلم نتائجها إلا الله من جهة ثالثة, وهذا ما حدث في العراق وليبيا بعد سقوط الدولة العميقة بتدخل خارجي.

     إن أعداء سورية يدركون ماذا يعني سقوط الرئيس بشار الأسد, إن سقوطه يعني سقوط الدولة وتفتيتها وإدخالها في حالة صراع طائفي وعرقي لا يعلم نتائجه المدمرة غير الله وحده وأعداء سورية الحقيقيين في الداخل والخارج.     

     ملاك القول: إن ما يجري في سورية ليس ثورة, إنها ثورة مضادة أو مضاد الثور, أو فوضى خلاقة, حركتها العاطفة, والأيديولوجيا الغيبية ورموزها, والمصالح الأنانية الضيقة, والغباء والجهل السياسي, وتحولت عبر قسم كبير من حواملها الاجتماعية إلى أدوات رخيصة بيد آل سعود وأمراء الخليج والغرب وأمريكا وحتى الكيان الصهيوني. إن قسماً من قادة فصائلها حكمهم الجهل والوهم بأنهم يستطيعون أن يعيدوا التاريخ إلى الوراء 1400 سنة, كما حكم بعضهم الفهم الخاطئ للديمقراطية اللامشروطة, متأثراً بقراءاته النظرية أو بتجارب الغرب, وقسم منهم حركه الحقد وشهوة السلطة, أما ما تبقى من هذه المعارضة فقد حكمها العقل والمنطق واستطاعت أن تعاين الواقع وتطرح شعاراتها وبرامج عملها وفقاً لنظيرة الوعي المطابق, فجاءت أطروحاتها ومواقفها منسجمة مع مصالح سورية وشعبها.

     أما مسألة إسقاط الرئيس بشار الأسد, فأنا أقول هنا كباحث لقضايا النهضة العربية منذ ثلاثين عاماً, إن الدولة العميقة في سورية لم تزل بحاجة لمسألة النظام الرئاسي المنتخب من الشعب, وإن وجود الرئيس بشار الأسد في هذه المرحلة التي نمر بها اليوم, يشكل صمام الأمان في الحفاظ على سورية من أعداء الداخل والخارج, والأهم هو الحفاظ عليها من مخططات التفتيت الذي فضحه المعارض "اللبواني" على قناة الجزيرة, مع تأكيدي على أهمية الديمقراطية والتعددية السياسية, وعندما أركز هنا على فكرة النظام الرئاسي المنتخب من الشعب, فأنا آخذ من تجارب بعض الدول ما يخدم هذه الفكرة مثل أمريكا وروسيا والصين والدول الغربية ذات النظام الرئاسي المنتخب من الشعب, كونه يشكل صمام الأمان لاستقرار دولهم وبخاصة الكونفدرالية, أو الدول المتعددة الديانات والأعراق.

     إن ما يقوم به الشعب المصري اليوم بعد إسقاط نظام الإخوان, يؤكد مسألتين هما: الأولى. إن فهمنا للديمقراطية لم يزل قاصراً وتحكمه الأيديولوجيا والعصبيات الدينية والعشيرية والقبلية. و الثانية: إن الشعب المصري بدأ يدرك بالملموس أهمية (القائد الكاريزما) في عودته إلى ترشيح "السيسي" لرئاسة الجمهورية.

     هذا رأيي قد لا يعجب البعض, ولكني متمسك به وسأظل أدافع عنه لأني مقتنع به حتى يثبت التاريخ عدم صحته.

كاتب وباحث من سورية

d.owaid50@gmail.com

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا