<%@ Language=JavaScript %> د.عدنان عويَد قضايا التنوير – القضية (الخامسة) في الحرية (4) في مفهوم الحرية ومعطياتها

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

قضايا التنوير – القضية (الخامسة)

 

في الحرية (4)

 

في مفهوم الحرية ومعطياتها

 

 

د.عدنان عويَد

 

في المفهوم:

     نقول هنا: إن الحرية في سياقها العام, مفهوم إشكالي وأخلاقي معاً. وهي من حيث الشكل, تمثل, الحياة اليومية المباشرة مجسدة في سعادة الإنسان وعدالته وأمانه واستقراره وتطوره وكرامته, بل وكل ما يعبر عن جوهر إنسانيته. أما في المضمون, فهي وعي الإنسان (الفرد والمجتمع), لحاجاته الإنسانية المشروعة, الروحية منها والمادية معاً, والعمل على تحقيق هذه الحاجات دون إكراه أو إلزام.

     إذا كانت الحرية في الشكل واضحة في معطياتها ودلالاتها, فهي بالمضمون بحاجة للتوضيح أكثر. وإذا كانت الحرية في المضمون هي وعي وممارسة الحاجة, أي , (الضرورة), فهذا يعني أن الحرية في هذا المعنى قد فٌتحت على المطلق في دلالاتها. أي هي الحرية في معطياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. أو بتعبير آخر, هي السعي لكشف (وعي - إدراك) وتجاوز كل ما يعيق أو يمنع الإنسان من تحقيق إنسانيته بشكل دائم أو مستمر.

 مقومات الحرية وشروط ممارستها:           

       أولاً- الوعي بمفهوم الحرية. أي (المعرفة) بشقيها, النظري والعملي معاً.

     فعلى المستوى النظري: لا بد لطالب الحرية أو ممارسها أن يدرك أهمية معرفة الحرية ودلالاتها. ففاقد الشيء لا يعطيه, إذ كيف يستطيع الإنسان أن يطالب أو يمارس أية قضية دون أن يعرف معناها ودلالاتها والنتائج المترتبة عليها. وأقف هنا عند دلالات الآية القرآنية الكريمة التالية وهي أول آية نزلت : ( إقرأ بإسم ربك الذي خلق, خلق الإنسان من علق, إقرأ وربك الأكرم, الذي علم بالقلم, علم الإنسان ما لم تعلم.). إن من يتمعن فكرياً في دلالات هذه الآية الكريمة, يجد أن الله قد دعا الرسول إلى معرفة الدين الذي سيقوم بالدعوة له قبل إعلان دعوته, أي أن يتحرر من جهل الحرف وكل ما يترتب عليه معرفياً, من اجل معرفة الرسالة التي سيحملها وينشرها بين الناس. لذلك أمره أن يقرأ ويتعلم بالقلم ما لم يعلم, والمعرفة هنا تكتسب اكتسابا, بل تغتصب بجهد الإنسان ولا تأتي من فراغ. وهذا يدفعنا إلى الحديث عن الشق الثاني في الحرية وهو :

      المستوى العملي: إذا كانت المعرفة النظرية هي الوجه الأول للحرية, فإن الممارسة هي الوجه الآخر لها, وبها تكتمل مسألة اكتساب أو تحقيق الحرية. فالممارسة تبين لنا جوانب صحة رؤانا ومعارفنا والسعي لإغناء هذه المعارف والممارسة معاً, وكذالك اكتشاف أخطاء وعيوب هذه الرؤى والمعارف والممارسة والعمل على تلافيها. 

     ثانياً- المسؤولية تجاه ما نسعى لمعرفته وممارسته. وهي مسؤولية مشتركة ومركبة معاً. مسؤولية الفرد تجاه ذاته واتجاه المجتمع, ومسؤولية المجتمع اتجاه ذاته واتجاه الفرد أيضاً. وهدف هذه المسؤولية هو ضبط ممارسة الحرية بما يخدم إنسانية الإنسان ونموه ورقيه الدائمين. وإذا كانت مسؤولية الفرد مرتبطة به هو ذاته, أي مرتبطة بدرجة وعيه وقيمه الأخلاقية الحميدة, وشعوره بالمسؤولية تجاه الآخرين. ثم أن أي مجتمع من المجتمعات مؤسساته الرسمية والمدنية أيضاً, وبالتالي فإن ممارسة المسؤولية تقع هنا على كافة هذه المؤسسات ممثل بحواملها الاجتماعية.

      ثالثاً – نسبية الحرية: كل شيء في هذه الحياة نسبي, وكذلك الحرية, والحرية غير المشروطة بإنسانية الإنسان تتحول إلى فوضى. لذلك لا بد للحرية من قوة تحميها وتصونها وتضبط حركة سيرها في المسار الصحيح, وهنا يأتي دور المسؤولية بشقيها في ضبط هذه المسيرة, ممثلة بوعي الفرد وثقافته وتربيته من جهة, ثم مسؤولية المجتمع بمؤسساته, وقوانينه وأعرافه وتقاليده  وغير ذلك من جهة ثانية.

مدارس وتيارات الحرية :

المدرسة الليبرالية: وتقسم إلى مدرستين هما :

الليبرالية الكلاسيكية.

 والليبرالية الجديدة.

     أما المدرسة الليبرالية الكلاسيكية فيوجد فيها تياران فكريان تنافسا على استخدام مفهوم الحرية بالذات والقضايا المتعلقة بهذا المفهوم.

     التيار الأول : ويعتقد دعاته أن الحرية الوحيدة التي تكتسب المشروعية هي التي تدعو إلى امتلاك القدرة على التحرر من الإكراه والجبر الذي يفرض على الفرد والمجتمع, وبالتالي فإن تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ومحاولة التخطيط له, يشكل قوة جبرية تحد من حرية الأفراد الاقتصادية, لذلك هم يرفضون تدخل الدولة في هذا الاتجاه, كما أنهم يعارضون ما يسمى دولة الرفاه. وهي الدولة التي تدعوا إلى التصالح الطبقي أكثر من دعوتها إلى حل مسألة الصراع الطبقي حلاً ثورياً.

     التيار الثاني: وهو تيار يدعو إلى توسيع مجال الحريات الاجتماعية,  ويؤكد على ضرورة أن تأخذ الدولة أي دور فاعل وقادر على النهوض بحرية المواطنين, كما يعتقد دعاته أيضاً بأن الحرية الحقيقية يمكن أن توجد فقط عندما يكون المواطنون في حالات ازدهار اقتصادي وثقافي ومتحررين فعلاً من فقرهم المدقع, هذا إضافة إلى تأكيده على تحقيق حقوق المواطنين في الصحة والتعليم والأجر المناسب للعامل. كما أن دعاته يفضلون سن القوانين التي تواجه التمايز في المسكن والعمل, وتلوث البيئة  والمساعدة على تحقيق الرفاه الاجتماعي, والحد من البطالة وتقديم الإعانات والمنافع المادية للمشردين والمنكوبين من الكوارث البيئية. 

     إن هذه المدرسة جاءت في الحقيقة متزامنة مع قيام الثورة الصناعي في أوربا من جهة, وما أفرزته هذه الثورة من معاناة إنسانية للشعب عموماً, والطبقة العاملة على وجه الخصوص من جهة ثانية, هذه المعاناة التي كانت وراء أفكا روسو, ومونتسكيو, وفولتير , وهيوم وغيرهم ممن نظروا للحرية والعدالة والمساواة ودولة القانون, وغير ذلك من الشعارات التي أسست للثورة الفرنسية فيما بعد. هذا إضافة لمعاصرة هذا التيار المد الاشتراكي وقيام المنظومة الاشتراكية, لذلك كانت شعاراته ومطالبه تميل كثيراً إلى العدالة الإنسانية, بغية الحفاظ على استقرار المجتمع الرأسمالي وتجنبه السير في ثورات شعبية سياسية ممكن أن تقضي على النظام برمته في أوربا.           

      المدرسة الليبرالية الجديدة: وهي المدرسة التي بدأت إرهاصاتها الأولية مع نهاية الحرب العالمية الثانية, ومن ثم راحت تتعمق في طرحها وتكشف عن نوايا وطموحات دعاتها بعد انهيار المنظومة الاشتراكية.  

     أما أهم أطروحاتها فهي, العمل على نفي وتدمير وتجاوز كل ما هو إنساني, أو يدعوا إلى الرقي بالإنسان, بالتالي لابد من التمسك بما يساعد على تجسيد وتعميم ثقافة وأخلاقيات ما يساهم في تكريس مفاهيم الموت والدمار وعدم لتواصل والتفكيك والتذرير المجتمعي والدولي, وغير ذلك من المفاهيم المنتمية إلى العبث واللامعقول.هذا وقد روج لأفكار هذه المدرسة العبثية أو ما سمي في الفكر الفلسفي والأدبي والفني بـ (ما بعد الحداثة), العديد من الفلاسفة والأدباء والفانيين. ففي الفلسفة كان سارتر في وجوديته, وروجيه غارودي ودعوته إلى التفتيتية  في كتابه (نداء إلى الأحياء), وهناك ميشال فوكو وجاك ديدرا وهبرماس وبشلار. وفي الفن كان السلفادور دالي في (الدادية) ممثلة في السريالية, كما كانت هناك المدرسة التكعيبية, وفي علم الاجتماع, كانت المدرسة الوضعية والبنيوية والدارونية الاجتماعية والفرويدية والنيو فوريدية... وغي ذلك الكثير , بحيث لم يعد حتى بمقدور المتابع للحركة الفكرية والأدبية والفنية الركض وراءها والوقوف عند دلالاتها أو ممثليها.  

     إن كل ما طرحه دعاة هذه المدرسة, راح يشير في الحقيقة إلى الموت والعدم والعبثية. فنهاية التاريخ  لفوكو ياما, تضمنت على سبيل المثال في سياقها العام الأفكار الأساسية لما بعد الحداثة وهي : موت الفن, وموت النزعة الإنسانية, والعدمية, وعودة الميتافيزيقيا, والتفكيكية, والتشتت واللااستمرارية, والتذرير الاجتماعي والقومي.  

الحرية في التراث العربي الإسلامي

     لقد ساد سجال وصراع عميقان في التراث العربي الإسلامي, ولم يزالا قائمين حتى عصرنا الحاضر بين كل من نادى بالأمس وينادي اليوم بالجبرية أو القدرية, علماً أن مرجعية كلاهما هي القرآن الكريم. فالجبرية أخذوا بالآيات التي تقول بأن الإنسان مسير وليس مخيراً, كقوله تعالى: ( وما يصيبكم من شيء فمن عند الله). فالخير والشر كلاهما مقدر من عند الله, وما على الإنسان إلا الرضا والتسليم بقدره أو ما كتب له في لوح محفوظ. أما القدرية, وهم من قال بحرية الإرادة الإنسانية, فقد اعتمدوا في رأيهم على الآيات أيضاً التي تقول بأن الإنسان مخير في أمره من عند الله كما تقول الآية الكريمة: ( وهديناه النجدين), أي أن الله قد خير الإنسان في فعل الخير أو اشر بإرادته, وليس جبرياً .

     إن هذين الموقفين في مسألة الحرية في تراثنا ومعاصرتنا معاً توقف عليهما الكثير من الإشكالات النظرية والعملية. فإذا كانت الإشكالات النظرية والمعرفية للفكر القدري المنادي بحرية الإرادة قد بدأت إرهاصاتها الأولية تطرح نفسها بعد وفاة الرسول الكريم, وهذا ما يشير إليه ذاك التساؤل الذي راح يٌطرح على الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وهو أول من قال بحرية الإرادة قبل أن يقول بها المعتزلة, كما يقول أبن أبي حديد في نهج البلاغة –( نقلا عن تاريخ الإسلام – حسن إبراهيم حسن- ج1- ص73). عندما سأله احد المقاتلين معه في صفين ثم انصرف عن القتال قائلاً : ( أكان ألْمَسِيرُ بقضاء الله وقدره؟.  فكان رد علي عليه : لعلك تظن قضاءً واجباً, وقدراً حتماً!. ولو كان الأمر كذلك لبطل الثواب والعقاب, وسقط الوعد والوعيد, ولما كانت تأتي من لله لائمة لمذنب, ولا محمدة لمحسن.... وهذا رأي إخوان الشياطين وعبدة الأوثان وشهود الزور وخصماء الرحمن وأهل العماء عن الصواب في الأمور ...إن الله أمر تخيراً, وانهي تحذيراً, ولم يكلف جبرا,ً ولا بعث الأنبياء عبثاً... ). إلا أن هذا الفكر أو التيار القدري فيما بعد يتبلور أكثر فأكثر في الحياة الفكري والسياسية للدولة العربية الإسلامية مع (غيلان الدمشقي وجعد بن درهم ومعبد الجهني) والمعتزلة إلى مدرسة فكرية  تواجه الحكم الأموي الذي حول الخلافة إلى ملك عضوض. ومع الخلفاء العباسيين (الأمين والمأمون والواثق) تحول الموقف القدري إلى موقف سياسي تتبناه الدولة ذاتها, ليأخذ بالانحدار فيما بعد شيئاً فشيئاً مع الخليفة العباسي (المتوكل), الذي اصدر فرمانا أنهى فيه دور الاشتغال بالعقل والتوجه نحو النقل, حيث تحول إلى موقف فكري وسياسي معاً تبناه الحنابلة والأشاعرة وما سمي أهل الحديث.

      أما في عصرنا الحاضر فقد تجسد الفكر القدري لدى كل الكتاب والمفكرين والتنظيمات السياسية والثقافية الليبرالية واليسارية التي تتبنى الفكر العقلاني والعلماني رؤية ومنهجاً في حياتها العملية والفكرية.

     إذا كنا قد قدمنا في هذه العجالة مسيرة الفكر القدري في سياقه التاريخي, فسنشير أيضاً بالعجالة ذاتها إلى مسيرة الفكر الجبري, لنقول: إن بداياته النظرية والسياسة معاً كانت بعد وصول البيت الأموي إلى الخلافة وتحويلها إلى ملك عضوض, حيث اعتبر دعاة هذا الفكر أن ما يقوم به الأمويون هو أمر مفروض ومقرر من قبل الله, وما على الرعية إلا الخضوع لإرادة الله. واه شخصية فكرية عبرت عن  هذا الموقف الجبري المساند للبيت الأموي هو (جهم بن صفوان), ثم راح يؤصل هذا الفكر نظرياً كفكر جبري يقف ضد إرادة الإنسان وحريته الفكرية في النظر إلى النص الديني, أو مسألة التشريع, بعيداً عن القواعد الفقهية الأربعة التي أسس لها الشافعي وهي : القرآن والحديث والإجماع والقياس. ثم مع وصول  (المتوكل – بداية العصر العباسي الثاني) إلى الخلافة, وإصداره الفرمان الذي أنهى به العمل بالعقل كما أشرنا قبل قليل, والفسح بالمجال واسعاً أمام النقل بقيادة الحنابلة ليمارسوا دورهم في تجذير الفكر السلفي الجبري الإمتثالي, حيث راحت تشكل محاكم تفتيش بكل معنى الكلمة لكل من يقول بالرأي أو يخالف أهل الجماعة. ومع مجئ أبو حسن الأشعري, تمت عملية التأصيل الكلامي للفكر السلفي لأهل الحديث, ومع أبو حامد الغزالي صبغ هذا الفكر بنزعته الصوفية. أما الحديث الذي اعتمده أهل الحديث أو ما سمي بأهل الجماعة فقد وضعت كتبه الستة منذ الفترة الزمنية التي بدأ فيها الحنابلة يسيطرون سياسياً على الدولة بعد أن أعطوا ذاك المد اللامحدود من قبل المتوكل, فما بين أعوام ( 256هـ حتى 303هـ), وضع كل البخاري,ومسلم, وابن ماجة, وأبو داوود, والترمذي, والنسائي, كتب الحديث المعروفة لدى أهل الجماعة أو أهل الحديث.    

     إن اخطر ما مثله هذا الفكر في عصرنا الحديث هو ظهور الحركة الوهابية كحركة فكرية وسياسية قام بها محمد بن عبد الوهاب الذي اتكأ فكرياً على الفكر الحنبلي, وفكر كل من ابن تيمية وابن قيم الجوزية. وهي المدرسة التي تمارس اليوم قهرها وجهلها واستبدادها على حياتنا ومستقبلنا يساندها في همجيتها هذه كل القوى السلفية التكفيرية المدعومة مادياً وسياسياً من آل سعود وآل ثاني على وجه الخصوص.

 

كاتب وباحث من سورية

d.owaid50@gmail.com

ملاحظة: إن هذا المقال نشر مع بداية الأزمة السورية, وقد قمت بإجراء الكثير من التعديلات عليه حتى يتناسب مع مشروع التنوير الذي اشتغل عليه اليوم .

 

 

              

       

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا