في السياسة والسياسة البراغماتية

 

مروان بن عبد الملك, وآل سعود أنموذجاً

 

 

د.عدنان عويّد

 

     السياسة في بعدها الإيجابي, هي فن وعلم حكم المجتمعات, بما يحقق دولة المواطنة بكل ما تحمله هذه الدولة من دلالات إنسانية, التي أهم ما فيها, هو, أن يعلم من اختاره الشعب من سياسين لقيادته أو قيادة الدولة, هو تحقيق جوهر هذه الدعوة, أي هم اختاروه لتحقيق مصلحة الشعب وليس مصالح أنانية ضيقة .

     أما السياسة في بعدها السلبي, فهي فن وعلم الكذب والخداع والغش والتدليس و وتحقيق المصالح الأنانية الضيقة, واستغلال كل ما هو متاح مادياً ومعنوياً من قبل من وصل إلى السلطة بالغلبة أم عن طريق الوسائل الدستورية, من أجل السلطة والبقاء فيها.

     أمام هذا الموقف البراغماتي (النفعي), أقف عند موقف سياسي في التراث العربي الإسلامي, لم يتوان فيه طالب السلطة من العمل على تغيير مكان (الكعبة ذاتها) عندما شعر أن أعداءه أو منافسيه في مكة راحوا يشكلون خطراً على سلطته.

     في حديث للرسول محمد (ص) أخرجه البخاري ومسلم من طريق الزهري عن أبي هريرة مرفوعا ) لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاث مساجد, مسجدي هذا, والمسجد الحرام, والمسجد الأقصى.).  وللحديث رواية أخرى خطيرة في دلالاتها عند ابن ماجة, وبها زيادة خطيرة هي : (إن صلاة في بيت المقدس خير من ألف صلاة في سواه. ).  ويرى البعض أن هذا الحديث بروايتيه, هو حديث وضف سياسياً, وظهر في عهد "عبد الملك بن مروان, عندما آلت إليه الخلافة, حيث أراد صرف أنظار المسلمين إلى بيت المقدس, عندما راح " عبد الله بن زبير" الذي سيطر على مكة ويأخذ البيعة من المسلمين له, يدفع حجاج الشام الذين يأتون إلى الحج لمبايعته في الخلافة بدلاً من "مروان بن الحكم".  أمام هذا الموقف الزبيري أراد " عبد الملك" أن يمنع أهل الشام  من الحج إلى مكة, فقام ببناء قبة فوق صخرة المعراج في القدس ( وهي القبة المعرفة اليوم بلونها الذهبي), ثم دعا الناس على زياراتها بدلاً عن الحج, أو تعويضاً عنه. الأمر الذي كان بحاجة إلى سند (شرعي). أي بحاجة إلى نص مقدس لتبريك وشرعنة دعوته هذه... وهذا ما جرى تماماً, حيث يذكر اليعقوبي في تاريخه : ( ومنع عبد الملك بن مروان أهل الشام من الحج, وذلك لأن ابن الزبير يأخذهم إذا حجوا بالبيعة له, فلما رأى عبد الملك ذلك منعهم من الخروج إلى مكة, فضج الناس وقالوا : تمنعنا من حج بيت الله وهو فرض علينا, فقال لهم: هذا ابن شهاب الزهري يحدثكم أن رسول الله قال : (ألا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام, ومسجدي, ومسجد بيت المقدس, وهو يقوم – أي مسجد بيت المقدس- لكم مقام المسجد الحرام, وهذه الصخرة التي يروى أن رسول الله وضع قدمه عليها لما صعد إلى السماء تقوم لكم مقام الكعبة, فبنى على الصخرة قبة ... وامر الناس بأن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة ). (عن كتاب السلطة في الإسلام – العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ, إصدار المركز الثقافي العربي. 1998, ص 272).

     هكذا نرى كيف يوظف الدين لمصلحة السياسة من جهة, وكيف تمارس السياسة البراغماتية المصلحية من ناحية ثانية.

     إن ما لفت انتباهي في هذه المسألة التاريخية قضيتان هما : الأول هو الموقف المعاصر لآل سعود من القضية الفلسطينية ومسألة القدس الشريف والمتضمن بالضرورة التساؤلات التالية:  ترى لماذا هذا التآمر بين آل سعود والكيان الصهيوني ضد القضية الفلسطينية؟. ولما لم يكن للسعودية ذاك الدور الفاعل قي مسألة تهويد القدس؟. أنا أجزم أن آل سعود لهم رضا كامل في السكوت عن  مسألة تهويد القدس, مثلما لهم رضا كامل أيضاً في استمرا الكيان الصهيوني باحتلال فلسطين حتى لا يوظف هذا الحديث المسند ضد مصلحتهم ويتحول الناس من زيارة المسجد الحرام, إلى زيارة المسجد الأقصى, أو على الأقل أن لا يذهب جزء من المسلمين إلى الأخذ بهذا الحديث؟! .

والثاني: هو استخدم آل سعود الفتاوى الدينية والفكر الوهابي في تحقيق مصالحهم كما نشاهد ونسمع اليوم.

 

 

كاتب وباحث من سورية

d.owaid50@gmail.com

 

 

     

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا