فتوى الحائري ... له ام عليه ؟

 

 

عارف معروف



تنطوي فتوى السيد الحائري بتحريم انتخاب العلماني لأي مرفق من مرافق الدولة العراقية على جانبين ، يتعلق الاول بالحدس والموقف الذي انبنى على اساسه ، وهما مسوغان ومنسجمان . اما الجانب الثاني فيتعلق بالنتائج والاث...ار المترتبه على الجانب الاول ، وهو مضاد للغاية منه وضار بالنتيجة !
فقد حدس السيد الحائري ، وفق قراءته للواقع ومجرياته من ان تجربة دورتين انتخابيتين ومعاناة المواطن العراقي المريرة خلالهما ستجر قطاع من الناخبين ، قد يكون مؤثرا ( والا لما اضطر السيد الحائري الى التوجس واعلان موقف قد يكلفه خسارة مؤثرة) الى التعبير عن رفضه للقوى والاحزاب التي تسيّدت العملية السياسية وهي دينية ،في الغالب .

ومن هنا فان الحصافة والمصلحة اقتضت من السيد الحائري ان يتخذ موقفا استباقيا او مايمكن ان يسمى بهجوم وقائي مسبق ، فاعلن فتواه وهو في ذلك منسجم مع نفسه ومصلحته وما يمثله من بناء فكري واجتماعي.

اما الجانب الثاني فيتمثل في ان هذا النوع من الفتيا ووفقا لمفرداته المعلنه هو نوع من التكفير او انه يقوم على اساس تكفيري تمّجه الناس وبالذات الشيعة الذين عانوا ويعانون من آثاره المؤذية كما انه يستدعي الى الذهن ممارسات مشابهة ، عراقيا ، وعربيا ، مازالت تلقي بظلالها المقيته على ذاكرة الواقع السياسي والاجتماعي ، ناهيك عن ان المنطق والتجربة تقول ان هذا النوع من الفتيا والمواقف سوف لن يتوقف عند حدّ ، فاذا حرّم اليوم انتخاب العلماني على اساس شرعي مستمد من تاويل النصوص القرانية و الاحاديث النبوية فانه يمكن ان يطال غدا المواطن الاخر المختلف دينيا ثم المختلف طائفيا لينتهي بشمول الاخر المختلف سياسيا ضمن نفس الطائفة وهو امر له اشاراته الملموسة ودلائله في اكثر من صعيد، لتنتهي العملية السياسية برمّتها الى طغيان تكفيري مرعب باسم الدين.
ان مثل هذا الموقف سيحّمل السيد الحائري وربما المؤسسة الدينية كل ما زخرت وتزخر به العملية السياسية الجارية منذ حوالي العقد من السنين من خطايا بل وجرائم وممارسات وبيلة اقترنت بالقوى والاحزاب الدينية وشخوصها الامر الذي حسبته جيدا مرجعية السيد السستاني فنأت بنفسها عن مثل هذا المأزق واعلنت حيادها وبعدها عن مناصرة اي جهة او قائمة سياسية كما انها كانت اوسع افقا من ان تنزلق الى منزلق ما هو سياسي ويومي عبر ممارسة الفتيا بتحريم انتخاب هذا او ذاك ، الامر الذي يحفظ لها هيبتها اولا ويجنبها ويجنب المؤسسة الدينية ككل وزر كل ما نائت به العملية السياسية وقواها من ممارسات وهو الشيء نفسه الذي ادركه السيد مقتدى الصدر ونأى باسمه واسم عائلته عن الاقتران به كما اعلن .
الامر الاخر الذي يبدو انه غاب عن ذهن السيد الحائري هو حقيقة ان الناس المخاطبين بهذه الفتوى ، او لنقل مقلدي الحائري والمتاثرين بهم هم، اصلا، سوف لن ينتخبوا العلمانيين اما الناس الاخرين فانهم سينتخبونهم لو ارادوا دون الالتفات الى فتوى الحائري ومن هنا يتبين ان هذه الفتيا ، اصلا ، فعل غير منتج وضار بعقابيله وآثاره التي سيكون السيد الحائري اول واكبر المتضررين منها !