<%@ Language=JavaScript %> جيوفانا بورادوي الارهاب وإرث عصر التنوير ترجمة وإعداد زيد العامري الرفاعي

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

الارهاب وإرث عصر التنوير

 

 

جيوفانا بورادوي

ترجمة وإعداد زيد العامري الرفاعي

 

تقديم

يمثل  هذا البحث الذي اعتمد الفصل الثاني من كتاب الفلسفة في زمن الرعب للامريكية جيوفانا بورادوي، استعراضا عاما لاراء كل من الفيلسوفين هابرماس ودريدا حول دور الفلسفة في مواجهة الارهاب وصلة عصر التنوير به التي وردت في حوارات المؤلفة معهما ؛ فضلا عن تناوله لعلاقة الفلسفة بالتاريخ، والحديث عن تاثير احداث القرن العشرين في نشاة الفيلسوفين وكذلك نوع مشاركة الفيلسوف في المجتمع واخيرا عرض عام لموقفهما من احداث سبتمبر متناولة فكرة التسامح وتطورها التاريخي.

ولمزيد من الاستزادة، الحقت الفصل بكامل هوامشه. المترجم

 

 

قد يعجب المرء ان يرى ثمة حاجة عند الحديث عن احداث 11 سبتمبر والارهاب العالمي، ان نتطرق وبصورة نقدية للحديث عن المثل السياسية العليا لعصر التنوير. لان هجمات سبتمبر والرد العسكري منه والسياسي عليها يتطلب فعلا اعادة النظر في صحة المثل التنويرية ومشاريعها الفكرية.

 تتفق رؤية كل من هابرماس ودريدا على منشأ ومصدر النظامين القضائي والسياسي - القانون الدولي المؤسسات الراهنة- في الغرب الان  هو الارث الفلسفي الغربي الضارب جذوره في عصر التنوير، وهو عصر تميز بكونه نسق فكري عام مرتكز على عدد من النصوص الاساسية. وازاء هذه الحقيقة، فمن غير الفيلسوف يمتلك العدة ليتفحص نقديا صحة الاطار القائم ازاء سوابقه التاريخية؟ ولابد من تبيان ان المعركة ضد الارهاب ليست بمثل لعبة شطرنج لانه ببساطة  ليس هناك قواعد مسبقة: فمن حيث الاساس ، فلا يوجد فرق بين خطوة (حركة او نقلة ) شرعية وبين خطوة غير شرعية فضلا عن إنعدام وجود اساس يتقرر بموجبه اتخاذ افضل الخطوات( النقلات) ؛ كما انه ليس هناك قطع معروفة الهوية. وأخيرا ، تجد أن لوحة الشطرنج لاتتمتع بالاستقلال والانعزال  التامين لانها تتطابق مع ماعرفه كانط انه" التملك الجماعي لوجه الارض" . تميزت الفلسفة منذ فجرها الاغريقي، بانها مكان لاحجية مفاهيم من هذا النوع. والفلسفة، اذ تصوغ مجال تخصصها، ماضية في طريق تقدمها، تعرف اكثر من اي علم اخر كيفية اعادة توجيه نفسها حتى لو بدى لها تجزأ وتلاشي  مرجعياتها واصولها . وهذه هي المسالة مع المفهوم المحير للارهاب ولتجربة الرعب الذي تنبثق منه.

 بين هابرماس ودريدا، في سلسلة الحوارات التي اجريتها معهما، بوضوح الاخطار الناتجة من المنهج البراغماتي الذي يتحاشى وعن قصد مواجهة التعقيد المفهومي لفكرة الارهاب. تجد الفلسفة نفسها امام حادثة تاريخية مفردة ذات اهمية عالمية، وهو وضع فريد. ولقد القت ماسي تاريخ القرن العشرين ،وبضمنها الكولونيالية والشمولية وجرائم النازية، بتاثيراتها على منهجي هابرماس ودريدا في الفلسفة. لكن رغم جدية خطر الارهاب العالمي الذي هو المأساة الفاتحة للالفية الجديدة، فلا تزال الفلسفة غير مدركة لمدى انغماسها فيها وتفاعلها معها.

 1- هل للفلسفة كلمة عن التاريخ؟

اكد ارسطو بما ان الفلسفة   تهتم أصلا بمبادئ الكليات ، على خلاف إنشغال التاريخ بدراسة الجزئيات، اي الاحداث الفردية،" فحتى الشعر يكون اكثر فلسفة من التاريخ".1 وفي تحليله هذا يعتمد ارسطو على الجنس الشعري للتراجيديا. إذ نجد ان كل التراجيديا الاغريقية، بدءا من اورستيا(Oresteia) وحتى انتيجون(Antigone)، تظهر وتبدي، وبشكل اساسي، التوق العقلاني لفهم،وبقدر الامكان حتى تفسير، احاسيس الابطال وصراعاتهم الداخلية. والتراجيديا، في محاولتها لايجاد معنى عقلانيا وكليا للعواطف التي تسوق الوجود الانساني، تسير بطريق موازي للفلسفة. وبالمقابل، بما ان التاريخ لايدور حول الكليات ولايهتم بها، فانه يبقى غامضا وعصيا على التحليل الفلسفي. وبما اننا لانعثر، وفقا لراي ارسطو، على اي مبدا من مبادئ الكليات فيما اقدم عليه نابليون في حملته الروسية بارسال 500 الف جندي عام 1812 متسببا في هلاك 470 الف منهم، فليس للفلسفة إذن ماتقوله في فهم هذا الشان؛ الامر الذي ينطبق ايضا حول 11 سبتمبر والذي وفقا لهذا التفسير، له وضعية حدث طارئ معزول.

 

بعد ارسطو، ظل موقف الفلسفة، في التراث الغربي، غير مهتما بالتاريخ، حتى اواسط القرن الثامن عشر2 حينما كشفت الثورتان الفرنسية والامريكية أهمية عدم فقدان الاتصال بالماضي والانقطاع عنه. وعندئذ فقط بدأت الفلسفة التساؤل ان كان للعقل مسؤولية اخلاقية و مسؤولية اجتماعية جوهرية حقيقية؛ وبناء على ذلك ان كان على الفلسفة ان تبني علاقة اكثر فعالية مع التاريخ. وقد أكبر كانط،مع موقفه المحافظ، الروح الثورية لانها اعطت الافراد معنى لاستقلالهم الذاتي بوجه السلطة وبضمنها سلطة الماضي. وتبين لكانط مثلما تبين لفلاسفة اخرين من فلاسفة التنوير ان لاستقلال العقل وقعا وتاثيرا تاريخيا لان العقل وحده يمكنه ان يحدد كيفية اعادة صياغة الحاضر الى مستقبل افضل. مع ذلك، ظل العقل بالنسبة اليهم ملكة ذهنية يمتلكها كل فرد لانة ينتمي ببساطة الى النوع البشري وقوته-اي العقل- مستقلة بالكامل عن حوادث التاريخ.

 خطى هيجل، بعد كانط بجيل واحد فقط، الخطوة النهائية الاخيرة في تضييق المسافة بين التاريخ وبين الفلسفة حين اوضح ان العقل نفسه متصل اتصالا وثيقا بالتاريخ. لان العقل بالنسبة له- اي هيغل- ليس ملكة ذهنية مجردة يمتلكها جميع البشر منذ الولادة، ويمكن تاكيده على اسس مستقلة بذاتها؛ بل ينمو وينتج من طريقة فهم الفرد لنفسه انه جزء من المجتمع. واذا كان فعل الزمن وفعل الثقافة هما اللذان يشكلان قدرة التفكير بصورة راسخة، فنجد ان دراسة التاريخ وحدها يمكنها تبيان طبيعتنا ومكاننا في العالم. ومن وجهة نظر هيجل،بما ان العقل نفسه معتمد على التاريخ، فيجب عكس مقولة ارسطو: باستثناء الفلسفة، لاشي اكثر فلسفة من التاريخ.

 وللعلاقة بين التاريخ وبين الفلسفة وقع وتاثير مباشر على معنى المسؤولية والحرية. واذا اعتقدنا ان العقل تشكل قبل وجود التاريخ، فيتحصل للانسان عندئذ امكانية إعتبار نفسه وحدة مستقلة ذات ارادة حرة، والتي هي، بالاضافة الى حاجاته الاستثنائية، مصدر اختياراته. وفي منتصف القرن التاسع عشر، طور التراث الليبرالي هذا المعنى من استقلال الفرد الى فكرة الحرية السالبة والتي وفقا لها انا حر حين اترك وحدي لايتدخل احد بشؤوني وقادر على اختيار مايسرني3. وكان جواب هيجل والذين جاءوا بعده، وبضمنهم ماركس وفرويد، ان هذا مفهوم واهم كاذب لانه لاينفذ ولايسبر دون السطح ويسأل لماذا الافراد يختارون مايريدون. ولان هذه الخيارت محددة بمدى قرب الفرد من كل الموارد- الاقتصادية، الفكرية، التعليمية، النفسية، الدينية، التقنية – فان فكرة ان يترك الناس لوحدهم لاتخاذ خياراتهم دون تدخل الاخرين لايجعلهم احرار؛ بل على العكس، تتركهم لرحمة القوى المسيطرة في ازمانهم.

 ويشير الاعتقاد، بان ليس هناك شي اكثر فلسفة من التاريخ، الى ان الحرية الحقيقية تبدأ حين ندرك ان خيارت الفرد تتشكل بتفاوض مستمر مع القوى الخارجية. و بذلك تقاس الحرية بدرجة قدرتنا على التحكم بهذه القوى التي قد تتحكم بنا بطريقة اخرى. وفي إطار هذا المنظار، تقع على الفلسفة مسؤولية مشاركة المجتمع، وليس جواز مشاركته فحسب، حول معنى واهمية احداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي تؤثر على فهمنا للعالم ولانفسنا.

 

2- نماذج المشاركة في المجتمع: الفاعلية السياسية والنقد الاجتماعي

في القرن العشرين، كان لتقويم وتقدير العلاقة بين الفلسفة وبين الحاضر تأثيرا حاسما على كيفية تفسير الفلاسفة لمسؤوليتهم تجاه المجتمع والسياسة. وهنا لابد من التمييز بين نموذجين مختلفين من الالتزام الاجتماعي والالتزام السياسي، المصطفين تقريبا مع المنهج الليبرالي ومع الارث الهيغلي. وهما الفاعلية السياسية والنقد الاجتماعي. وخير من يمثلهما الفيلسوف البريطاني برتراند رسل والالمانية هانا ارندت، على التوالي. وكلاهما انشغلا بالسياسة وزاولاها بحيث اصبحا من المثقفين المهتمين بامور المجتمع. و كل منهما،كما اعتقد، فهم العلاقة بين الفلسفة وبين السياسة من منطلق غايات مختلفة. فبينما اتخذ رسل الاهتمام السياسي قضية خيار شخصي على اساس ان الفلسفة ملتزمة بتحصيل وطلب الحقيقة الازلية، نجد ان الفلسفة عند ارندت كانت وثيقة الصلة دائما بالتاريخ ولذلك فاي اشتغال بها يحمل ويتضمن معنى سياسي. ان التمييز بين الفاعلية السياسية وبين النقد الاجتماعي يفسر ويبين المدى الفكري لمساهمات هابرماس ودريدا عن احداث سبتمبر والارهاب العالمي.4

 رسل: ناشط سياسي

كان رسل، وهو شخصية فلسفية بارزة في المنطق وفلسفة الرياضيات والميتافيزيقيا، احد اهم الناشطين السياسيين العاملين في المشهد الدولي. وشمل تاريخ انشغاله السياسي معظم القرن العشرين بدء من الحرب العالمية الاولى حتى المراحل المتاخرة من الحرب الباردة. وهو داعية للسلام قضى ستة شهور في السجن عام 1918 وخلال العشرينات والثلاثينات كتب كتبا كثيرة الهبت واثارت الجدل حول الحرية الجنسية، وخواء مؤسسة الزواج، وحول نظم التعليم المتطورة. واصبح بعد منحه جائزة نوبل للاداب1950 عضوا منافحا لحملة نزع الاسلحة النووية. وساهم في انشاء منتدى السلام الاطلنطي المخصص لبحوث السلام ومؤسسة رسل للسلام المكرسة لدراسة نزع الاسلحة والدفاع عن الشعوب المظطهدة. عام 1966 قادت جهود رسل لانشاء اول محكمة دولية لجرائم الحرب وسميت هذه المحكمة باسمه والتي اعتبرت الولايات المتحدة مسؤولة عن الابادة البشرية في حرب فيتنام مما ادى لتجريمها. ومات عام 1970 عن عمر 92.

 يمثل مثال رسل نموذج الناشط السياسي لانه فهم وادرك ان المشاركة العامة بامور المجتمع هي مساهمته الفردية لقضايا ملحة معينة. قد يختار الناشط السياسي وبحرية، الاشتراك بالسياسة والذي يدعوه لاختيار القضايا التي يتدخل فيها مساندا او معارضا. ان الافتراض المسبق لكل هذه الخيارات يعني قبول مفهوم الليبرالي عن الحرية "عش ودعه يعيش "والتي فيها يمنح الشخص قوة السلطة الذاتية المستقلة للعمل والتفكير خارج القيد الاجتماعي.

 ان شرط الفاعلية السياسية عند رسل هو ان يمنح التاريخ الفلسفة نفس الحرية السلبية التي يمنحها المجتمع لافراده. وبربطه المعرفة بالتجربة، بدت التجريبية ( Empiricism ) لرسل انها التوجه الوحيد الذي يضمن بقاء الفلسفة مستقلة عن الضغوطات التاريخية. " التجريبية هي الفلسفة الوحيدة التي تمنح الدمقراطية المبرر النظري".5 "بسبب ان كل من الدمقراطية والتجريبية (المرتبطتين ارتباطا وثيقا) لايتطلبان تشويه الحقائق لصالح النظرية." 6 خذ مثلا الجدل بين نظرية بطليموس عن مركزية الارض وبين نظرية كوبرنيكوس عن مركزية الشمس. من خلال الملاحظة، نعرف ببساطة ان بطليموس كان مخطئا وكوبرنيكوس محقا. يؤكد رسل ان مسؤولية الفلسفة "حسبما تدرس في جامعات العالم الدمقراطي الغربي هي، في الاقل في النية، جزء من طلب المعرفة ساعية في الوقت نفسه الى نفس النوع من الفصل المطلوب في العلم ولكنه غير المرغوب من قبل السلطات، للوصول الى استنتاجات ترضي الحكومة وتسرها ." 7

 تكمن تخصصية مشاركة الفيلسوف، بالنسبة للناشط السياسي من طراز رسل، في مشاركة المجتمع بادواته التحليلية ومساعدته على التفكير الواضح حول القضايا الشائكة المعقدة وتمييز الحجج الصالحة من الطالحة ودعم المفيدة  منها ومقارعة  الضارة والشريرة. في السنوات الحالية نرى نعوم تشومسكي بإعتباره ناشطا سياسيا يتبع خطى رسل بالانغماس في قضايا المجتمع وقد كتب كتابا وجيزا عن احداث سبتمبر.8

 ارندت : ناقد اجتماعي

وفي المقابل، فان حياة ارندت والتزامها السياسي يعرضان ويقدمان تعريفا مختلفا لنشاط الفيلسوف في المجتمع. وكانت،وهي احدى مفكري القرن العشرين السياسيين البارزين، قد عانت مباشرة اثار صعود النازية في المانيا والتي هربت منها الى امريكا. وفي عامها الثالث والعشرين قدمت اطروحتها للنشر. القي القبض عليها بعد حرق الرايشتاغ عام 1933واعتقلت مع امها واستجوبها الشرطة لاكثر من اسبوع. بعد اطلاق سراحها هربت عبر تشكوسلوفاكيا وسويسرا الى باريس حيث قضت سبع سنوات تعمل في خدمة المنظمات اليهودية التي سهلت ارسال الاطفال الى فلسطين. اثناء اقامتها في نيويورك نقدت تركيز الحركة الصهيونية على فلسطين بدلا من اوروبا: وكانت احدى القضايا التي ساندتها هي تشكيل جيش يهودي يقاتل الى جنب الحلفاء. من عام 1933 والى 1951 حيث اكتسبت الجنسية الامريكية وصفت نفسها انها شخص "بلا جنسية". ماتت بعمر 69 ودرست في عدة جامعات امريكية وساهمت في الصحافة .

 اذا كان الالتزام الاول للفلسفة، عند رسل، هو تعقب المعرفة اللامحدود بزمن، فالالتزام الاول للفلسفة عند ارندت هو القوانين البشرية والمؤسسات البشرية التي تتطور عبر الزمن. ومثل هذه القوانين بالنسبة لارندت لاتعين الحدود بين المصلحة الخاصة وبين المصلحة العامة بل تهتم ايضا بوصف العلاقات بين المواطنين. في كتابيها الحالة البشرية(1944) واصول الشمولية Origins of Totalitarianism (1958) تؤكد ارندت حاجة الفلسفة لادراك الضعف الكبير للقوانين البشرية وللمؤسسات البشرية التي تراها ازدادت باضطراد مع انطلاق الحداثة التي اعتبرتها نموذجا فكريا وتاريخيا. وبهذا المعنى، فهمت مسؤوليتها الفلسفية من حيث نقد الحداثة- تقويم التحديات الخاصة التي تواجه الفكر من قبل التاريخ الاوربي الحديث وفيها يظهر مفهوم الشمولية بانه التحدي الاقصى.

 وعلى نقيض الطغيان الذي يؤدي للفوضى، لم تسد حالة الفوضى النظامين الشموليين في اوربا في منتصف القرن العشرين، الستاليني والنازي. بل على الاصح انهما دعما وعززا القوانين القاسية التي طرحت إما بصورة قوانين طبيعية [القوانين الطبيعية للتفوق العنصري] او بصورة قوانين تاريخية[القوانين الاقتصادية للصراع الطبقي]. في قراءة ارندت، نجد أن الشمولية هي خطر سياسي حديث يقوم على جمع القهر والاكراه المنهجي المتعسف، بايديولوجية علمانية شمولية. 9 "فالرعب الشمولي" الذي مورس في معسكرات الابادة وفي القولاغ لم يكن الوسيلة بل هو "جوهر الحكومة الشمولية." 10 وبالمقابل، فجوهر الرعب ليس قتل المخالف بقدر ماهو الغاء الاختلاف واستئصاله عند الناس، وبالتحديد الغاء فرديتهم وقدرتهم على العمل المستقل ذاتيا. فاحتكار السلطة الذي سعت اليه النظم الشمولية "يتحقق ويدام فقط في عالم الانعكاسات المشروطة، عالم الدمى المتحركة بدون ادنى اثر من العفوية. وبما ان موارد الانسان متنوعة وواسعة، فيسهل التحكم به بالكامل فقط حين يصبح من جنس الحيوان." 11

 والنظرة التشيئية الاختزالية، التي طرحتها ارندت بانها جوهر هوية النظام الشمولي، لاتقتصر على ضحايا القتل الجماعي في معسكرات الاعتقال والقولاغ بل انها مطلوبة من قبل المنفذين ايضا. وفي جوابها عن السؤال الذي وجهته لها مجلة نيويورك عام 1961 لتغطية محاكمة النازي الهارب ادولف ايكمان الذي القي عليه القبض من قبل الموساد في الارجنتين واحضر الى اسرائيل للمحاكمة حيث اعدم؛ خرجت ارندت في القدس عن صمتها الطويل الذي فرضته على نفسها حول "المسألة اليهودية" منذ انشاء دولة اسرائيل وفشل جهود يهودا ماغنز لتاسيس اتحاد فدرالي دمقراطي بين دولتين في فلسطين. واعيد مراجعة المراسلات ونشرها في كتاب، 12 وفيها ركزت ارندت على وصف ايكمان انه شخص بليد لم يتعلم من الزمن رافضا التدقيق النقدي لاي من افعاله الاجرامية. رأت  ارندت  في  ايكمان من خلال  تصرفاته العادية الطائشة- من حيث استخدامه للعامية وعدم الكره الظاهري لليهود والافتخار بكونه مطيع للقانون- تجسيدا "لابتذال الشر وتفاهته." 13

 بلا شك ان ايمانها بان الفلسفة تدور حول تبني جو سياسي صحي سليم ورعايته- متشكل من المشاركة العامة والتنوع البشري والمساواة- عكست الحاجة الملحة لردها الشخصي عن الرعب الشامل: رد مبعثه المحنة، التهجير،الخسارة والمنفى. ومع ذلك، فهو ايضا علامة لاتجاه قديم ورثته ارندت من الاغريق. منذ سقراط، احتضنت الفلسفة التوتر والقلق الشديد ولكنه المثمر بين الفعل وبين التامل، بين الزمن وبين الازلية، بين حياة فاعلة وبين حياة تاملية.

 

3- الفلسفة وصدمات تاريخ القرن العشرين

مع الاختلاف الواسع في منهجيهما الفلسفي، يبدو ان هابرماس ودريدا يتبعون نموذج ارندت. فهما مثل ارندت وعلى خلاف رسل، لاينظران للالتزام السياسي على انه مكمل لالتزامهما بالفلسفة وهو خيار يمكن قبوله، وتاجيله او رفضه معا. فكلاهما وجد الفلسفة واعتنقها في سياق صدمات ومحن التاريخ الاوربي للقرن العشرين : الاستعمار والنظم الشمولية وجرائم النازية. ولذلك تجري مشاركتهم لموضوع احداث سبتمبر والارهاب العالمي في نفس الاتجاه.

 ولد هابرماس ودريدا بفارق عام بينهما (1929 و1930 على التوالي) وكانا مراهقين خلال الحرب العالمية الثانية. عاش هابرماس في المانيا تحت القبضة الهتلرية بينما عاش دريدا في الجزائر ايام كانت مستعمرة فرنسية.

 يتذكر هابرماس حالة الصدمة التي إنتابته  واصدقاءه حين علموا بفظائع النازيين في محكمة نورمبورغ وبالتالي في سلسلة الافلام الوثائقية. "اعتقدنا بحتمية وضرورة التجديد الروحي والاخلاقي". 14 وكان التحدي بخصوص كيفية تحقيق تجديد اخلاقي في بلد ذات "ماضي استعصى على الفهم والتحليل "15، موضع بحث وتحقيق عند هابرماس طوال حياته والذي تابعه بشغف واولاه اهمية استثنائية من جهة كونه فيلسوف ومن جهة كونه مثقف يهتم بشؤون المجتمع. كانت المهمة ضخمة بحيث يحق للمرء التساؤل كيف انه رفض عروضا اكاديمية كثيرة جاءته من خارج بلاده فلم يغادر المانيا ويلغي "المسالة الالمانية" من مركز حياته وفكره. ويمثل الدور الحاسم الذي اداه اثناء المناظرة التاريخية(Historikerstreit) دليل مقنع لعمق التزام هابرماس بقضايا المجتمع.

 في منتصف الثمانينات بدأ عديد من من المؤرخين الالمان التشكيك " بتفرد" جرائم النازية وبالتالي فتحوا الباب لقراءة تصحيحية تهدف لمساواتها مع مأسي ونكبات سياسية اخرى في القرن العشرين. وقد استشاط هابرماس غضبا بالاخص ضد المؤرخ البرليني ارنست نولت الذي اشار الى ان "النقص الواضح في المراجع والمصادر عن الاشتراكية القومية، يبين ان هذه المصادر لاتعرف او لاتريد الاعتراف لاي مدى، كل شي عمله النازيون لاحقا،باستثناء تقنية الغاز، قد ورد كثيرا في مصادر تعود لبداية العشرينات"16. يدعي نوتل ان جرائم النازية تتساوى اساسا مع التصفيات الستالينية وحتى العنف البلشفي، "باستثناء استخدام الغاز."

كان هابرماس في تلك المناسبة هو الصوت الاكثر صراحة ضد تطبيع الماضي الالماني ودفاعا عن حاجة المانيا المطلقة للتعامل مع الجانب المظلم من ماضيها. أشار الى ان "الانكار" لمواجهة حقيقة النازية كان موجودا في الامة عند سقوط الرايخ الثالث. واشار ايضا الى خطر هذه الانكار حين وصف وجهة نظر جيله، قائلا" قد كبر الان احفاد اولئك الذين كانوا عند نهاية الحرب العالمية الثانية شبابا غير قادرين على تحمل الذنب الشخصي. ولم تصبح الذاكرة بعيدة جدا " لانه بغض النظر عن البعد الذاتي، لاتزال نقطة انطلاقها هي نفسها - "صور ارصفة التفريغ في اوسشفتز." 17

 الذنب ليس ببساطة فرديا والمسؤولية لاتاتي فقط مع الاختيار الشخصي؛ فهذه مسالة يشترك بها كل من هابرماس ودريدا لانهما مثل ارندت من فلاسفة فترة مابعد جرائم النازية.

 يوضح هابرماس كيف ان الذنب والمسؤولية متداخلة في سياق تعاملنا الحياتي اليومي مع بعضنا الاخر: مقتبسا لوديج تنجشتاين، يسمي هذا السياق" شكلا (من اشكال) الحياة".

هنا الحقيقة البسيطة هي ان الاجيال اللاحقة قد كبرت ونمت ايضا من رحم شكل الحياة الذي كانت فيه تلك (الاحداث) ممكنة. ترتبط حياتنا الخاصة بسياق الحياة التي كان فيها وقوع اوسشفتز ممكنا ليس بسبب الظروف الطارئة ولكن بسبب داخلي. إن شكل حياتنا مرتبط بشكل حياة اباءنا واجدادنا عبر شبكة من الاعراف الاسرية والمحلية والسياسية والفكرية التي يصعب تفكيكها- يعني عبر وسط تاريخي جعلنا مانحن عليه الان. لايستطيع احدنا ان يتنكر لهذا الوسط ويهرب منه، لان هويتنا باعتبارنا افراد وباعتبارنا ألمان متداخلة ومحبوكة بلا انفكاك معها.18

 ومع ذلك لايجب الافتراض ان هابرماس يعطي اولوية للدور التكويني للتاريخ ويبرزه، لانه بهذا يعمل اما على تقليل اهمية المشاركة الفردية في الحقل السياسي او الاعتقاد باكتسابنا الهوية السياسية ذاتيا من التقاليد والاعراف المتكونة تاريخيا. بل على العكس، خصوصا في سياق الهوية الوطنية الالمانية، نجده يدافع عن فكرة الوطنية الدستورية؛ لان بمثل هذه الوطنية وحدها،المعتمدة على الاتحاد الحر بالدستور من جانب المواطن، تستطيع اقامة اتحاد وطني تقدمي. بالنسبة لهابرماس انه امر اساسي ان يفهم الالمان انفسهم كونهم أمة فقط على اساس ولاءهم لدستورهم الجمهوري بدون التعلق بمايسميه بالعكازات ماقبل السياسية للقومية ومجتمع القدر والحظ."19

 عانى دريدا وشهد هذه العكازات مباشرة عندما طرد عام 1942 من مدرسته في اعدادية بني عكنون الموجودة في دير قرب البيار في الجزائر حيث عاش وترعرع حتى التاسعة عشرة من عمره ليس بسبب سلوكه المشاكس بل تطبيقا لسياسة عرقية في فرنسا ومستعمراتها. ظهر الانتماء والهوية عند دريدا باعتبارهما مجموعة من الحدود غير المستقرة. واذ يتذكر بالم، فالشاب الذي طرد عام 1942 "اسمر وعربي يهودي لم يفهم شيئا عما حوله ولم يشرح له اي فرد ادنى سبب ولاحتى اباؤه ولااصدقاءه."20 يوضح تكوين دريدا تحدي الوجود عند حدود المساحات المتعددة: اليهودية والمسيحية، اليهودية والاسلام، اوربا وافريقيا، فرنسا الام ومستعمراتها، البحر والصحراء .وهو نفس التحدي الذي يمثله دريدا للفلسفة.

 واللغة التي يتذكر استعمالها في ذلك الوقت – زمن طرده من المدرسه- توضح تعدد الاصوات:

في اسرتي وبين اليهود الجزائرين، نادرا مانسمع الختان بل التعميد،ليس بار ميتزفاه بل " العشاء الرباني" وكان من نتائج عملية التثاقف(التغيير الثقافي) المدمرة، انني عانيت دائما وبوعي شبه كامل، من حوادث غير مؤكدة، شعرت بها على هذا النحو، غير "كاثوليكي"، عنيف، بربري متصلب، "عربي"، مختون، منغلق، ومتحمل سرا تهمة القتل الطقوسي.21

 بالنسبة لدريدا، في ذلك الوقت ولبقية حياته، تفرعت كل كلمة الى شبكة من السياقات التاريخية والسياقات النصوصية. وغالبا ماكان هدف وغاية مداخلاته السياسية هو تبيان وكشف تلك القارات المخبوءة. وطالما نستعمل اللغة بلا انعكاسية، نبقى غير واعين بها(اي بالمجاهيل) تماما؛ لان المشكلة في حالة هذا الجهل المبارك هو، انه بالاعتماد عليها(المجاهيل)، اننا نعيد عدد من الافتراضات المعيارية التي لسنا بها واعين.

 خذ الكائن البشري مثلا، فمعظم الناس يفترض انه امر لايحتاج لتوضيح: الكائن البشري هو فرد من النوع البشري. المشكلة هي ان كل من "البشر" و"النوع" مصطلحات تفرعتا الى الغاز مبنية تاريخيا التي وسعت وبالتالي عقدت بلا نهاية المدى الدلالي للعبارة. فمن جهة، نجد ان النوع البشري كما هي حالة كل الانواع، مكتوب ومنقوش باطار التاريخ التطوري: ان مسالة متى اصبحنا بشرا تعتمد على مبدا التصنيف الذي نتبناه والذي يكون نظريا مختلفا عما هو عليه اصلا.22 ومن جهة اخرى، ان صفة "بشري" التي تصاحب اما فكرة الكائن الفرد او النوع كاملا تضعنا وجها لوجه مع قضية ماذا يعني "بشري"، هل يعني ان نتصرف باعتبارنا بشر؟ كيف نحدد السلوك البشري؟ لايمكننا حتى الشروع في تناول هذا السؤال دون الاشارة الى فكرة الطبيعة البشرية، بشريتها او عدمها.

 ومثل هذا السؤال اهمية خاصة وجدية في رد دريدا عن احداث 1968. 23 إذ كانت مشاركة دريدا لتلك الحقبة من الصراع الايديولوجي العظيم والاضطراب السياسي متعلقة بمسالة اي مفهوم من مفاهيم الوجود البشري هو حقا في خطر. بدأت تأملاته عبر استجواب" الانثروبولوجية " التي رأها تسود المشهد الفكري الفرنسي والتي سلمت جدلا بارث النزعة الانسانية المرتبط بالمثل الاغريقي للانسان (anthropos) . ظلت النزعة الانسانية، بدءا من عصر النهضة الايطالي وحتى التنوير، مخلصة لما يسميه دريدا "وحدة الانسان." ليس هناك "علوم انسانية" بدون الايمان بمحاولة "انسانية" فريدة ومتميزة والتي تستوعب "الانسان" باعتباره  فكرة أو مفهوم.

 في اثناء ويلات الحرب العالمية الثانية، أراد الفلاسفة الوجوديون مثل سارتر طرح وعرض رؤية جديدة من النزعة الانسانية التقليدية. ورأى سارتر اعادة تعريف الانسان من حيث "الحقيقة البشرية" والتي عنى بها ان الموضوع البشري لايمكن فهمه بمعزل عن عالمه.24 هذا الاعتماد المتبادل بين الموضوع وبين العالم منح سارتر طريقا لارساء، وبقوة، المسؤولية الاخلاقية و المسؤولية السسياسية في تكوين الموضوع نفسه. و بدى ارساء وتثبيت الحقيقة الانسانية في المسؤولية تجاه عالم الفرد هو الترياق الضروري للاانسانية الانظمة الشمولية.

ومع ذلك، يجادل دريدا انه حتى لو كان الوجوديون هم اول من طرح السؤال عن معنى الانسان، الا انهم لم ينجحوا في تجاوز المثال الكلاسيكي عن وحدة الانسان. 25 "وبالرغم من ان موضوعة التاريخ حاضرة تماما في خطاب الفترة، فليس هناك انجازات كبيرة في تاريخ المفاهيم ؛ فمثلا نجد انه لم يتم دراسة تاريخ مفهوم الانسان أبدا. وكل شي يحدث كما لو ان العلامة "انسان" ليس له اصل وليس له حد تاريخي او حد ثقافي او حد لغوي." 26 وموقف دريدا هنا هو انه بعد إعطاء مفهوم الانسان، حدودا تاريخية ثقافية ولغوية، سيصعب حينها الالتجاء كثيرا الى اية براهين اساسية. وستجهض تعددية الروايات التاريخية كل محاولة لتاويل وتفسير المفهوم بصياغات زوجية غير مختزلة - رجل مقابل امراة، انساني مقابل لاانساني- انسان مقابل حيوان- عقلانية مقابل فطرة- ثقافة مقابل طبع- والتي ستؤدي في راي دريدا لتبسيطات خطرة.

 تضيف زاوية دريدا بعدا جديدا كاملا لمفهوم النقد الاجتماعي، خصوصا لجيل كان عليه ان يعي فشل مثال النزعة الانسانية لحماية اوربا من الشمولية ومن الابادة الجماعية. وكما هو الحال عند هابرماس، فالذنب والمسؤولية عند دريدا بالنسبة لفظائع القرن العشرين لايمكن قصرها على اولئك المتورطين فيها مباشرة. وبنفس الطريقة، فالالتزام السياسي للفلسفة ليست قضية خيار شخصي، عند كليهما. وبالانشغال بالفلسفة ينشغل الفرد اليا في عناء حساب زمانها: وبهذا المعنى لايمكن اعتبارهما ناشطين سياسين، بل يقعان، وان كان بطرق مختلفة، في اطار الناقد الاجتماعي. بالنسبة لارندت وهابرماس ودريدا، فالالتزام الفلسفي الاول هو تجاه القوانين البشرية والمؤسسات حيث تتطور عبر الزمن. وهذا الاعتقاد يشير الى انهم من فلاسفة مابعد فترة جرائم النازية. وكان تحديهم المشترك هو كيفية اعطاء دورة ايجابية للركود الثقافي الذي وقع فيه جيل معلميهم بعد تجربة المنفى الشخصي وفضائع الثلاثينات وفضائع الاربعينات.

 من ناحية، يتخذ هابرماس القيمة الكونية للمؤسسات الجمهورية والمشاركة الدمقراطية باعتبارها معطى، ورثناه من التنوير. وتحدث ضد تطبيع الماضي الالماني قائلا " بعد اوسشفيتز وعينا القومي يتشكل فقط من افضل العادات والتقاليد في تاريخنا، وهو تاريخ ليس غير مدقق بل اننا تملكناه نقديا." 27 والمشكله لديه هي ليست فشل التنوير باعتباره مشروع فكري لكن موقفه النقدي الاصلي نحو التاريخ ضاع فاتحا المجال للبربرية السياسية. من الناحية الاخرى، يعتقد دريدا ان الكونية ( العالمية) هو ماتسعى اليه المؤسسات الجمهورية والمساهمة الدمقراطية في سعيهم اللامحدود للعدل. وهذا المسعى، مضمون فقط اذا كنا منفتحين لاعتبار كل من الجمهورية والدمقراطية،  من حيث كونهما مؤسسة ومساهمة، لا باعتبارهما مطلقات بل باعتبارهما بنى تتطور صلاحيتها بمرور الزمن وبذلك فهما بحاجة لاعادة النظر المستمر.

 

4- إرث التنوير في العولمة

تتمثل ايديولجية الارهابين الذين هاجموا البرجين والبنتاغون، في رفض هذا النوع من الحداثة والعلمانية المرتبط بالعرف الفلسفي مع مفهوم التنوير. في الفلسفة لايصف التنوير مرحلة وحيدة بعينها والتي تزامنت تاريخيا مع القرن الثامن عشر بل ايضا يصف ترسيخ الدمقراطية وفصل السياسة عن الايمان الديني وهو ما ركزت عليه الثورتان الفرنسية والامريكية.

 كتب كانط ان "التنوير هو خروج الانسان من  جهله وبدائيته (عدم نضجه وقلة خبرته) التي يفرضها على نفسه. وبدائيته هي عجزه عن استعمال فهمه الخاص لوحده دون الاستعانة بالاخرين." 28 يؤشر التنوير انقطاعا مع الماضي الذي يتوفر فقط على اساس استقلال الفرد في وجه السلطة، اكثر من كونه مجموعة متماسكة من الاعتقادات. هذا الاستقلال بدقة هو اشارة وعلامة الحداثة. "واذا سؤل هل نعيش الان في عصر مستنير، فالاجابة بالطبع لا ، لكننا  نعيش في عصر يسير في طريق التنوير." 29

 في 14 شباط 1989 ، بعد اكثر من 200 عام من مقال كانط، ذكر العالم انه مازال محقا: لايثق المرء قطعا انه يعيش في عصر مستنير  بل في عصر فيه التنوير بحاجة ثابتة من التثقيف والرعاية. في ذلك اليوم اصدر الامام الخميني فتوى موت ضد سليمان رشدي بسبب كتابه الايات الشيطانية والذي ظل متخفيا بسببها تسع سنوات حتى عام 1998 حين عقد ممثلون من الحكومتين البريطانية والايرانية في الامم المتحدة صفقة لالغاء الفتوى. 30

 ومواجهة الفيلسوف لارث التنوير ليس مسالة نظرية فحسب بل يتضمن تشعبات سياسية دقيقة. وأعتقدت حالي حال كثير من الفلاسفة الذين نضجت تجربتهم في الثمانينات ان هابرماس ودريدا مختلفان بحدة تجاه التنوير:هابرماس يدافع عنه ودريدا يرفضه. ثم ادركت خطأ هذا الاعتقاد المشوه، لان الهوس الفكري لتلك الحقبة- الصراع بين الحداثة وبين مابعد الحداثة- كان هو المتهم الرئيسي. ومثلما لايمكن انكار اتصاف هابرماس بالحداثة وبالقيم السياسية للتنوير، كذلك نجد خطأ الادعاء السائد في تلك السنوات بان دريدا هو مفكر ضد التنوير. 31

 يسير هابرماس في خطى النظرية النقدية32 التي تعزى وتنسب للفلسفة وظيفة تشخيصية لعلل المجتمع الحديث وللخطاب الفكري الذي يؤكد تمردهما ويبرر اهدافهما وبواعثهما. وكما هو الحال في الممارسة الطبية السريرية، فالتشخيص بالنسبة للنظرية النقدية ليس مغامرة تخمين وتنظير بل هو تقويم موجه نحو امكانية العلاج. ومثل هذا التقويم يسبغ على الفلسفة عبء وامتياز المسؤولية السياسية. ويشكل الاعتماد المتبادل بين النظرية وبين الممارسة احد بديهيات النظرية النقدية التي تركز على التحرر والانعتاق وتعتبرهما مطلبا لتحسين الوضع البشري الحالي. ويسمي هابرماس هذا المطلب "بمشروع الحداثة غير المكتمل". ويتطلب هذا المشروع الذي بدأه كانط ومفكرون اخرون من عصر التنوير، الايمان بمبادئ تكون صلاحيتهاعامة شاملة لانها (اي المبادئ) تجري وتتم عبر تنوعات تاريخية وثقافية.

 وفي المقابل، نجد ان الارضية الفكرية لتفكيكية دريدا مدينة كثيرا لفكر القرنين التاسع عشر والعشرين الذي بناه نيتشه وهيدجر وفرويد. بالنسبة لدريدا فان كثير من المبادئ التي عزى لها العرف الغربي صلاحية شاملة كلية لاتحتل كل ما نشترك به او نامل له. بل تفرض مجموعة معايير تفيد بعضا وتضر اخرين اعتمادا على السياق والمضمون. بالنسبة لدريدا، فتعيين الحدود التاريخية منها والثقافية لمثل هذه المبادئ هو شرط سابق لاعتناق مطلب التنوير في العدالة والحرية للجميع. ومع ذلك فمنهج دريدا للاخلاق والسياسة له بعد اضافي: يسميه المسؤولية امام التغاير والاختلاف، والذي هو خارج حدود الوصف ويكون مستبعدا وصامتا. وهذا الاحساس بالمسؤولية، بالنسبة له، يفصح ويبين مطلب العالمية(الكونية) المرتبط بالتنوير.

 

4- فكرة التسامح

 يشترك  هابرماس ودريدا في ولاءهما وانحيازهما للتنوير. والفرق في مناهجهما ليس فرقا تاريخيا فقط (لانه يبين علاقتهما بالتاريخ) بل هو تصوير للغنى والتنوع الدال ان الفلسفة هي الوحيدة القادرة لعرض وتفسير اللحظة الراهنة. وهنا نعرض لامر في صلب الموضوع ونعني به التسامح، الذي هو مفهوم رئيسي في كل من التنوير و الدمقراطيات الغربية. 33

رأي دريدا عن التسامح

يشدد دريدا على الاصل المسيحي المتميز لفكرة التسامح التي تجعلها اقل حيادية باعتبارها مفهوم سياسي ومفهوم اخلاقي مما هي فعلا. ان الاصل والتركيز الديني لفكرة التسامح يجعلها الاثر المتبقي من الايماءة السلطوية والذي يكون فيه الاخر ليس مقبولا كونه طرف مكافي بل تابع،وربما ذائب في المجتمع ومندمج فيه، واسيء فهم اختلافه فعلا. " حقا التسامح هو قبل كل شي شكل من اشكال الاحسان. وهو لذلك احسان مسيحي وان استخدم اليهود والمسلمين هذه اللغة ايضا.... اضافة للمعنى الديني المتسامح... يجب ان نتذكر ايضا مضامينها وارتباطاتها البيولوجية والوراثية او العضوية. ففي فرنسا استعملت عبارة "حد التسامح " لتصف الحد الذي وراءه ليس من اللياقة الطلب من المجتمع او الامه الترحيب باية عمال اجانب ومهاجرين وماشابههم." ان فكرة التسامح بالنسبة لدريدا غير ملائمة ومناسبة لاستعمالها في السياسة العلمانية. فنبرتها الدينية الشديدة، وجذورها العميقة في المفهوم المسيحي للاحسان تهزم اي ادعاء للكونية. 34 ودريدا وهو متيقظ لكل حقائق اللغة يشير انه ليس مصادفة ان يصادر الخطاب البيولوجي مفهوم التسامح ليشير للخط الواهن بين الاندماج وبين الرفض. وكما هو الحال مع زرع الاعضاء (البشرية ) وادارة الالام، فان حد التسامح( التحمل) يعين ويشير الى التحمل بانه الحد الاقصى لصراع الكائن لادامة توازنه قبل ان ينهار .

التسامح هو عكس الضيافة التي يشير اليها دريدا باعتبارها بديلا. وهنا فالفرق بين التسامح (التحمل) وبين الضيافة ليس فرقا في دقة الدلالة بل انه يشير الى المهم في منهج دريدا في الاخلاق والسياسة: الالتزام الفريد الذي يملكه احدنا تجاه الاخر.

 لكن الضيافة المطلقة او غير المشروطة لاتعني دعوة كهذه [انا ادعوك، ارحب بك في بيتي شريطة ان تتكيف لقوانين ومعايير بلدي واعرافي وذاكرتي وهكذا]. الضيافة المطلقة او غير المشروطة، الضيافة نفسها مفتوحة او انها سلفا مفتوحة لشخص ما لانتوقع قدومه ولا هو مدعو، لاي شخص يصل باعتباره زائر غريب، ووافد جديد غير معرف وغير مرئي، باختصار الاخر تماما.

 موافقة دريدا عن الضيافة بدل التسامح (التحمل) هو اعادة معقدة لنص اساسي طرحه كانط عن مسالة الضيافة في اطار العلاقات الدولية. 35

 الذين فسروا دريدا على انه فيلسوف مابعد الحداثة- مفكر ضد التنوير وله ميل نحو النسبية- سيتسعملون تفكيكيته للتناول العالمي للتسامح دعما لهذه الحجة. 36 وعلى العكس، بالنسبة لدريدا، فتعيين الحدود التاريخية والحدود الثقافية لمفاهيم محايدة ظاهريا من التراث التنويري مثل التحمل تمتد وتتجدد اكثر من ان تشوه برنامجها. 37 يتطلب النقد الاجتماعي والمسؤولية لاخلاقية لاجل مواجهة تحديات زماننا الكونية النوعية تفكيك المثل الاجتماعية المحايدة الزائفة، مثل الهيمنة الخطيرة. وبعيدا عن تقليص مطلب العدالة والحرية العالمية، فالتفكيكية تجدد هذا الطلب.

 رأي هابرماس عن التسامح

بالمقارنة، نجد ان هابرماس يقف بالتسامح على الجبهتين الاخلاقية والقانونية. ودفاعه عن التسامح ناتج من مفهومه للدمقراطية الدستورية بانها الموقف السياسي الوحيد الذي يمكنه ان يوفر تواصلا حرا وغير قسري وتكوين الاجماع العقلاني. يقول صحيح ان للمصطلح اساس ديني ومن ثم تملكته السياسة العلمانية في خطابها. والاكثر من هذا، ان التسامح بحد ذاته احادي الجانب : "من الواضح ان حد التحمل والذي يفصل ما لايزال "مقبولا" عن غير المقبول، قد اسس اعتباطا من قبل السلطة القائمة". ولكن في رايه يتم تحييد احادية التسامح اذا ما طبق التسامح في اطار النظام السياسي التشاركي في مثل تلك الانظمة في الدمقراطية البرلمانية. في رد مباشر على دريدا، أوضح هابرماس هذه المسالة:

 من هذا المثال يمكن ان نتعلم ايضا أن التفكيكية المباشرة لمفهوم التسامح تقع في اشكالية،لان الدولة الدستورية تناقض بدقة البديهة التي منها يشتق المعنى السلطوي للمفهوم التقليدي للتسامح. في المجتمع الدمقراطي الذي افراده يمنحون بصورة تبادلية لبعضهم البعض حقوق متساوية، لايترك مجال للسلطة ان تقرر وبصورة احادية حدود مايجب التسامح معه. وعلى اساس حقوق المواطن المتساوية من الالتزام المتبادل للبعض الاخر، لااحد يمتلك امتياز تحديد الحدود المتسامح من وجهة نظر مايفهمونه ويعتقدونه قيميا.

 ينطبق الاعتراض الذي يوجهه هابرماس الى دريدا وتفكيكيه لفكرة التسامح على موقف سياسي محدد جدا: الدمقراطية التشاركية الفعالة. وفيها لايمكن للتسامح ممارسته على انه سلطة الاقوى.

 ويبدو ان العولمة قد غيرت ظروف ومعنى التشارك اقتصاديا وسياسيا. من يشارك في ماذا؟ واذا صح ان طرقا كثيرة للمشاركة قادمة ومفتوحة، فلماذا نجد ان حد التسامح يتراجع خصوصا من جهة الذين دخلوا المنتدى العام مشاركين فيه؟ هل نعترف ان العولمة تنشر وهم التشارك اكثر منه حقيقة التشارك الكوني؟ هل العالم الاول المتقدم والغني صادق في تقديم وتعزيز نفسه على انه متسامح؟ ماذا يجب علينا العمل مع مفهوم التسامح؟

 يتجه هابرماس للحداثة ليرد على هذه التحديات؛ إذ تبدو له مقولة عدم التسامح الديني - ويعتقد ان الاصولية هي تجسيد له- ظاهرة حديثة على وجه التحديد. يفهم هابرماس الحداثة مثلما يفهمها كانط انها تغير في موقف الاعتقاد اكثر من كونها مجموعة متماسكة من العقائد. يشير موقف اعتقادي ما الى طريقة اعتقادنا اكثر مما يشير الى مانعتقد به. لذلك ليس للاصولية علاقة باي نص معين او باي عقيدة دينية بل جل همها هو كيفية الاعتقاد وصوريته؛ سواء ناقشنا اعتقادات الاصولي الاسلامي او المسيحي او الهندوسي، فنحن نتكلم عن ردود الفعل العنيفة ضد الطريقة الحديثة لفهم الدين وممارسته. بهذا الخصوص، الاصولية ليست عودة بسيطة الى طريقة للارتباط بالدين سابقة على الحداثة: انها استجابه مرعبة تجاه الحداثة ينظر اليها باعتباره تهديد اكثر من كونها احتمال للتهديد.

 ويسلم هابرماس بان كل عقيدة دينية تعتمد على نواة دوغمائية للاعتقاد؛ والا فلن تستوجب الايمان. ومع بدء الحداثة، "على الاديان ان تخرج من صفتها الجامعة العالمية وان تخرج كذلك من القبول السياسي لعقيدتها" لكي تتعايش مع المجتمع المتعدد. ان التحول من موقف الايمان قبل الحداثة الى موقف الايمان بعد الحداثة الحديث كان تحديا للاديان العالمية. فهذه الاديان، التي يدعم ادعائها للحقيقة مواقف سياسية، قد بدى " محيطها يضطرب خارج حدودها". تقرب الحداثة الامم المختلفة وتتسبب في زيادة التعقيد الاجتماعي منه والسياسي بحيث يتعذر تقبل واستساغة الدعوات المطلقة. "في اوروبا نجد ان تشظي العقائد وانقساماتها وعلمنة المجتمع قد اجبر هذه العقائد الدينية ان تتامل مكانها غير الاستثنائي ضمن الخطاب العالمي المشترك مع الاديان الاخرى والمحدد بالمعرفة العلمية".

سرعت العولمة رد الفعل الدفاعي والذي صاحب الخوف مما يعرفه هابرماس" الاقتلاع العنيف لطرق الحياة التقليدية" والتي اتهمت بها الحداثة. لاننكر، يقول هابرماس" ان العولمة قسمت المجتمعات في العالم الى رابح ومستفيد وخاسر". "بهذا المعنى اعتبر العربُ الغربَ بكامله كبش فداء لتجربتهم الخاسرة." على المستوى النفسي تخلق مثل هذه التجربة مجالا مناسبا لوجهة عالمية مستقطبة والتي فيها تهدف القوى الروحية المختلفة الى مقاومة القوى العلمانية للتاثير الغربي، وللتخلص من مثل هذا الاستقطاب الخطير بين لااخلاقية الغرب وبين الروحية المزعومة للاصولية الدينية، يدعو هابرماس الى نقد ذاتي جدي من طرف الثقافة الغربية. لانه اذا كانت الرسالة المعيارية التي تصدرها دمقراطيات الغرب الليبرالي هي النزعة الاستهلاكية فقط، فستجد الاصولية البيئة مناسبة لها للنمو نموا مطردا.

 

الارهاب مرض من امراض التواصل البشري (هابرماس)

والعلاقة بين الاصولية وبين الارهاب يتوسطها العنف الذي يفهمه هابرماس انه مرض من امراض التخاطب والتواصل البشري. يبدا حلزون العنف على هيئة حلزون للخطاب المشوه الذي يقود عبر الارتياب المتبادل غير المنظبط الى انهيار التخاطب والتواصل". على ان الفرق بين العنف في المجتمعات الغربية- سببه عدم المساواة الاجتماعية، التمييز والتهميش- وبين العنف في الثقافات الاخرى هو اننا نجد في الاخيرة "اؤلئك الذين اصبحوا معزولين ومنقطعين في البداية عن بعضهم الاخر عبر التخاطب المشوه منهجيا " لايعترفون بالبعض الاخر بعتبارهم افرادا مشاركين في المجتمع. ولايفعل الاطار القانوني للعلاقات العالمية شيئا في طريق فتح قنوات جديدة لان مانحتاجه هو تغير في التفكير والعقلية "الذي يتم من خلال تحسين ظروف المعيشة ومن خلال التحرر من الاضطهاد والخوف. يجب بناء الثقة في الممارسات اليومية التخاطبية وبعدها فقط يمكن مد تنوير فعال الى وسائل الاعلام والمدارس والبيوت ويجب ان تفعل هذا بالتاثير على بديهيات ثقافتها الاساسية".

ان علاج اضطراب التواصل المنهجي المؤدي للعنف بين الثقافات هو اعادة بناء صلة اساسية من الثقة بين الناس والتي لايمكن ان تتم في ظل سيادة والخوف والاضطهاد. وتعتمد مثل هذه الصلة على تحسين الظروف المادية والثقافة السياسية حيث يجد الافراد انفسهم متفاعلين مع بعضهم الاخر لانه يستحيل بغياب ايا من هذين العاملين فهم الاخر والتعرف عليه.

 عند هابرماس،  يمكن للعقل علاج علل الحداثة، بما فيها الاصولية والارهاب، اما رأي دريدا فهو انه يمكن كشف وتعيين هذه الامراض المدمرة وتشخيصها ولكن لايمكن علاجها والتحكم بها كاملة اوالتغلب عليها. فيبنما تكون العوامل الممرضة،عند هابرماس، معنية بالسرعة التي فرضت بها الحداثة نفسها ورد الفعل الدفاعي الذي الهبته في طرف الحياة التقليدية، يرى دريدا ان رد الفعل الدفاعي يأتي من الحداثة نفسها. فالارهاب بالنسبة له عرض من اعراض اضطراب المناعة الذاتية التي تهدد حياة الدمقراطية التشاركية والنظام القانوني الذي يوافق ويؤمن عليها وامكانية الفصل الحاد بين الابعاد الدينية وبين الابعاد العلمانية. تتضمن حالات المناعة الذاتية الانتحار الفجائي للالية الدفاعية المفترض انها تحمي الكائن من العدوان الخارجي. من وجهة نظر هذا التحليل الجدي، فان تحذير دريدا هو التقدم ببطء وصبر في البحث عن علاج.

 

الارهاب عرض من اعراض الحداثة (دريدا)

اطروحة دريدا هي ان ذلك النوع من الارهاب العالمي وراء هجمات سبتمبر ليس العلامة الاولى لازمة المناعة الذاتية إنما هو الظهور الحديث له وتجليه. خلال الحرب الباردة، قامت الدمقراطيات الحرة الغربية بتسليح وتدريب اعداءها المستقبليين بطريقة شبه انتحارية. وأدى انتشار الترسانة النووية،علاوة على الاسلحة البكتريولوجية والكيمياوية الى اضعاف استعراض القوة المتناظر في الحرب الباردة. الان تواجهنا حقيقة او واقع الصراع غير المتناظر والذي بحد ذاته يمثل مرحلة اضافية لازمة المناعة الذاتية. في عصر الرعب ليست هناك امكانية التوازن : لان القوى غير المحسوبة، أكثر من الدول ذات السيادة، هي التي تمثل التهديد الحقيقي؛ وهنا يصبح مفهوم المسؤولية غير محسوب. من مسؤول عن ماذا، عند اي مرحلة من التخطيط، في وجه اي هيئة قضائية؟

 ان شبح الارهاب العالمي،مثل الحرب الباردة، ينتاب احساسنا بالمستقبل لانه يقتل الضمان والامل اللذين تعتمد عليهما العلاقة الايجابية مع حاضرنا. تركتنا احداث سبتمبر مع كل رعبها ننتظر الاسوأ. وان عنف هجمات سبتمبر كشفت هاوية الرعب الذي سوف ينتاب وجودنا وتفكيرنا لسنوات وربما لعقود قادمة. ان اختيار تاريخ 9- 11 اسما للهجمات كان هدفه ان يعزو للهجمات ضخامة تاريخية وهو مما يقع في مصلحة الاعلام الغربي وفي مصلحة الارهابيين.

 بالنسبة لهابرماس ودريدا، للعولمة تاثيرها الكبير ازاء الارهاب. فما هو مهم عند هابرماس هو تفاقم  اللامساواة بسبب تعجيل الحداثة، اما دريدا فقراءته له متميزة اعتمادا على المضمون والنص والسياق. العولمة عنده مكنت عملية الدمقراطية السريعة والسهلة نسبيا في معظم اوربا الشرقية التي كانت سابقا جزء من الاتحاد السوفيتي. لذلك يعتقد دريدا انها شي جيد. "الحركات الحديثة نحو الدمقراطية ...... تدين كثيرا وربما بكل شي تقريبا للتلفزيون، لتواصل الموديلات والمعايير والصور المنتجات المعلوماتية وهكذا". على النقيض، فدريدا قلق جدا حول تاثير العولمة على ديناميكية الصراع والحرب."بين قادتي الحرب المزعومين، بن لادن وبوش، حرب الصور والخطابات التي تجري بخطى متسارعة على الهواء، تخفي وتحرف بسرعة الحقيقة التي تكشفها". وفي حالات اخرى فالعولمة ليست سوى خداع خطابي يهدف الى اخفاء الظلم. وهذا في نظر دريدا هو مايحدث في الثقافات الاسلامية حيث يعتقد ان العولمة جارية فيها ولكنها في الواقع ليست حادثة. يقترب دريدا هنا من هابرماس ليس فقط بفهم العولمة تحت عنوان اللامساواة بل ايضا يربطها مع مشكلة الحداثة والتنوير.

 

العالم الاسلامي: إشكالية السلطة والثروة

في خلال القرون الماضية القليلة التي يجب اعادة دراسة تاريخها بعناية[ من حيث غياب عصر تنويري، الاستيطان والامبريالية وغيرها] ساهمت عوامل عدة بظهور الواقع الجيوسياسي التي نشعر بتاثيراتها الان بدءا بمفارقة واشكالية التهميش التي يتناسب ايقاعها مع النمو السكاني. هذه الشعوب ليست محرومة فقط مما نسميه بالدمقراطية[بسبب التاريخ الذي ذكرته على عجاله] ولكنها مسلوبة حتى من مواردها الطبيعية في ارضها. هذه " الثروات" الطبيعة في الحقيقة هي السلع الوحيدة التي لاينتفع منها فعليا،مع انها في موجودة في اراضيهم.

 إن موقف العالم الاسلامي موقف فريد من ناحيتين: فمن جهة نجده يفتقد تاريخيا ممارسة التجربة الحديثة للدمقراطية التي يعتبرها دريدا، سويا و هابرماس، ضرورية لثقافة تسعى لمواجهة التحديث بصورة ايجابية. من ناحية اخرى ازدهرت كثير من الثقافات الاسلامية في تربة غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط التي يعرفها دريدا انها المورد المقيم وغير المنتفع منه. هذا الموقف يجعل الكتلة الاسلامية شديدة التاثر والحساسية للتحديث القاسي الذي جاءت به اسواق العولمة وسيطرت عليه عدد من الشركات العالمية.

عند هابرماس الارهاب هو تاثير صدمة التحديث الذي انتشر حول العالم بسرعة المرض، بينما يراه دريدا انه علامة وعرض لمرض حقيقي خاص بالحداثة التي تركز دائما على المستقبل والتي فهمت بصورة غير سليمة انها الضمان والامل والاستقلال. وكلاهما تاملات جدية عن ارث التنوير: البحث الذي لايهدأ عن البعد النقدي الذي يجب ان يبدا بفحص الذات ونقدها.

 

 

...............

الهوامش

1- ارسطو، فن الشعر(مطبعة جامعة مشيغان، 1967) ص33

2-هناك استثناءات مهمه لوجهة نظر ارسطو السائدة. ومن بينها مثال بارز هو الفيلسوف الايطالي في القرن الثامن عشر جيامباتيستا فيكو الذي دافع عن اسبقية التاريخ والذاكرة على العقل المعتبر انه ملكة مستقلة عن الزمن. وأساس فكره هو المبدأ التالي "الحقيقي والمخلوق متساويان". واذا فهمنا "بالمخلوق" انه مجال الحقائق والحوادث البشرية من انتاج البشر، فان مايوافق عليه فيكو هو فكرة ان المعرفة التاريخية ممكن ان تبلغ اليقين المطلق. وعلى نقيض موقف ديكارت العقلاني، فاطروحة فيكو هي ان بامكان العلوم الانسانية ان تقدم معرفة صحيحة لان المجتمعات فضلا عن الحوادث التاريخية هي من انتاجنا وصنع ايدينا.أنظر:

Giambattista Vico, The New science :Unabridged Translation of the Third Edition, rev. ed. trans. Thomas Goddard Bergin and Max Harold Fisch (Cornell University Press,1984)

3- مقال جون ستوارت ميلل عن الحرية هو بيان سياسي لمبدأ الحرية السلبية." تهدف هذه المقالة الى تاكيد مبدأ واحد بسيط جدا...ان الغاية الوحيدة التي تكفل لاجلها البشرية، افرادا ومجتمعات،في التعارض مع حرية اي من افرادها، هي الحماية الذاتية. يعني الهدف الوحيد التي تستعمل فيه السلطة بصورة قانونية على اي فرد من افراد المجتمع المتحضر، ضد ارادته، هي منعه من ان يسبب الاذى للاخرين. ان صلاحه، ماديا او اخلاقيا، ليس بضامن كافي". ص 48

4- حين يطلب التعبير عن نماذج الالتزام السياسي بين فلاسفة القرن العشرين، يعتقد كثير من القراء بجون بول سارتر بدلا من رسل وارندت. اود ان اؤكد ان ان تركيزي هنا هو على المقارنة بين طريقيتين مختلفتين لفهم العلاقة بين الفلسفة وبين السياسة. ويبدو لي ان مثل هذه المقارنة اكثر وضوحا في تقارب هاتين الشخصيتين. وايضا فالاساس الذي عليه وضعت كل من ارندت وهابرماس ودريدا معا هو معاناتهم وتحسسهم للتاريخ كصدمة. ويعطينا تفسير ارندت للفلسفة بانها استجابة للصدمة التاريخية نموذجا لما هو شائع وعام في خط مسيرة هابرماس ودريدا.

5-برتراند رسل، الفلسفة والسياسة(مطبعة جامعة كمبردج 1947) ص20 .

6-برتراند رسل، الفلسفة والسياسة، ص26

7-برتراند رسل، الفلسفة والسياسة، ص8

8- نعوم شومسكي، 9-11 (مطبعة 2001)

9-لااناقش هنا كثيرا من الاوجه التي تناولتها ارندت في تشريح الانظمة الشمولية.وربما كان اغفالي الكبير هو وصفها الذي عرضته عن تاسيس الانظمة الشمولية في منتصف القرن العشرين كنتيجة للافتقار المستمر للمفهوم الغربي للمواطنة. ورمزيا، يعني هذا انتصار البرجوازي، الفرد الجشع بحثا عن الثروة والقوة باي ثمن على المواطن، المؤمن بقيمة الحياة السياسية. في قراءتها، فامبريالية القرن التاسع عشر وسعيها لغزو العالم خارج حدودها الاقليمية، يفتتح مرحلة الحركات السياسية التي همها هو استقلال الهوية القومية والطائفية او العرقية اكثر من حرصها على عالم مستقر مستقل. انظر هانا ارندت اصول الشمولية(Allen & Unwin,1967).

10- " اذا نريد ان نكون سعداء على هذه الارض،حتى على حساب راحتنا وسعادتنا في هذا القرن،يجب ان نحاول المشاركة في حوار مستمر طويل مع جوهر الشمولية". هانا ارندت،" الاتفاق والسياسة(عوائق الاتفاق والتفاهم) في

 Essays in Understanding, 1930-1954, ed. Jerome Kohn (Harcourt, Brace & Co.,1994),p.323

11-هانا ارندت اصول الشمولية،ص 457 .

12- هانا ارندت، ايكمان في القدس: تقرير عن تفاهة وابتذال الشر(Viking Press, 1963 ).

13- القضية الاولى التي تكررت في هذا الكتاب هو ان العدالة الجنائية والسياسية والاخلاقية تتضمن افعال معينة لافراد معينة، لذلك يعتبر الحكم فاسدا وباطلا حين يتم اغفال هذه القضية- الميزة- وتناسيها. ان احدى اتهاماتها الرئيسية لاجراءات المحاكمة في القدس هي ان المحاكمة قد خططت عن قصد، برغم محاولات القضاة، للتعامل مع مصالح المجموعة - خلال الاحداث التي كان ينظر فيها واثناء زمن المحاكمة، التي تمت بعد خمسة عشر عاما من نهاية الحرب. وجدت انه لمن المشكوك فيه ان لاتحظى مسالة التعاون اليهودي بالاهمية المطلوبة. خلال المحاكمة. ونجد ايضا، في قراءتها، ان الحكومة الاسرائيلية ارادت محاكمة تذكر العالم باسره بمعاناة اليهود والتي ستسمح اخيرا للناجين من اليهود اقامة دعاوى رسمية. الحقيقة هي ان المصالح السياسية التي وجهت المحاكمة كانت بالنسبة لها اعتداء على اصول العدالة ولم يهم كم كانت متعاطفة مع البواعث. اصبح الخلاف حادا لدرجة ان الصهيوني البارز جيرشوم شولم، صرح بقسوة ان تقرير ارندت عن محاكمة إيكمان كان ينقصه "حب الشعب اليهودي". انظر

Seyla Benhabib, “Arendt’s Eichmann in Jerusalem” in The Cambridge Companion to Hanna Arendt, ed. Dana R. Villa (Cambridge University Press,2000),pp.65-85.

وانظر هذا المصدر الرائع ايضا عن الموضوع

Richard J. Bernstein, Hanna Ardent and the Jewish Question(MIT Press, 1996); and Dana R. Villa, Politics, philosophy and terror: Essays on the Thought of Hanna Arendt (Princeton University Press,1999).

14– يورغن هابرماس،"الايدولوجيات والمجتمع في عالم مابعد الحرب" في كتاب

Autonomy and Solidarity: Interviews with Jürgen Habermas, ed. With an intro. by Peter Dews(Veso,1986),p.43.

15- ان تعبير " الماضي الذي صعب ادارته او التحكم به" ظهر في سياق التاريخ الثقافي لالمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وقد صيغ المصطلح ليعبر عن محاولات الالمان لتقبل ماضيها النازي. وقد استعاد موقعا مركزيا خلال المناظرة التاريخية عن تطبيع الماضي الالماني. انظر في هذا الخصوص:

Charles S. Maier, The unmasterable Past: History, Holocaust and German National identity (Harvard University Pess,1988).

16-

Ernest Nolte, "Vergangenheit, die nicht verghen will. Eine Rede,die geschrieben, aber nicht gehalten warden konnte," Frankfurter Allgemeine Zeitung, June 6,1986.

17-

Jürgen Habermas, "On the Public Use of History" In Habermas, The New Conservatism :Cultural Criticism and the Historians' Debate, ed. and trans. Shiery Weber Nicholsen, with an intro. by Richard Wolin (MIT Prss,1969) ,p.229.

18-

Jürgen Habermas, "On the Public Use of History",p.233.

19-

Jurgen, Habermas, "Yet again: German Identity-A Unified Nation of angry DM-Burgers," in When the Wall Came Down: Reactions to German Unification .eds. Harold James and Marla Stone (Routledge, 1992),pp.86-102

20-

Jacques Derrida, "Circumfession," in Geoffrey Bennington and Jacques Derrida, Jacques Derrida, trans. Geoffrey Bennington (University of Chicago Press,1993),p.85.

21-

Derrida,"Circumfession,"p.73

22- بالاضافة، ان فكرة النوع نفسها لها تاريخ معين يعود الى ارسطو الذي استخدم eidos للنوع في مقابل الخاص( اي فرد) والجنس(المملكة الحيونية). انظر ارسطو

"Categories,"2a14, in The Categories; On Interpretation, trans. Harold P. Cooke (Harvard University Press,1973).

23- البحث الذي يحل فيه دريدا هذا النوع من الاشكال هي"غايات الانسان" وقد القاه في مؤتمر "الفلسفة والانثروبولوجيا" المنعقد في نيويورك في تشرين الاول 1968. وقد سؤل دريدا ان يعلق حول حالة الجدل عن النزعة الانسانية في الفلسفة الفرنسية في فترة مابعد الحرب العالمية الثانية. ويعلن منذ البداية المضامين السياسية لمداخلته." سيتذكر ان هذه الفترة كانت اسابيع افتتاح مباحثات فينا للسلام واغتيال مارتين لوثر كنج. وبعد فترة قصيرة حين كنت اعد طباعة هذا البحث، احتلت قوى النظام جامعة باريس- وللمرة الاولى بناء على طلب العميد- ومن ثم اعادة احتلالها من قبل الطلبة في الاضطراب الذي تعرفونه... وجدت ببساطة من الضروري ان اؤشر وؤرخ وعرفكم الظروف التاريخية التي اعددت فيها هذا البيان او البلاغ. بدو لي ان هذه الظروف تعود، بكل الحقوق، الى حقل ومجال واشكالية مؤتمرنا" . انظر

Jacques Derrida, "The Ends of Man," in Margins of Philosophy, trans. Alan Bass(University of Chicago Press,1982),p.113.

24- انظر:

Jean Paul Sartre, Being and Nothingness .An Essay on Phenomenological Ontology, special abridged ed., trans. and with an intro. by Hazel E. Barnes(Citadel Press,1956), and The Emotions: Outline of a Theory, trans. Bernard Frechtman (Philosophical Library,1948).

25- دريدا ينقد بعمق استحواذ الوجودين الفرنسيين على التراث الالماني، وبضمنه هيغل، هوسرل وهيدجر، والذي يراه اقل اعتمادا على المنهج الانثروبولوجي لوحدة الانسان الجوهرية."ان القراءة الانثربولوجية لهيغل وهوسرل وهيدجر هي خطا في جانب واحد، وربما هو الخطا الاكثر خطورة. وهذه القراءة هي التي وفرت افصل المصادر المفهومية للفكر الفرنسي في فترة مابعد الحرب." أنظر:

Jacques Derrida, "The Ends of Man,"p.117.

26-

Jacques Derrida, "The Ends of Man,"p.116.

27-

Jürgen Habermas, "On the Public Use of History," p.234.

28-

Immanuel Kant," An Answer to the Question: "What is Enlightenment?" in Kant's Political Writings, ed. Hans Reiss, trans. H.B. Nisbet (Cambridge University Press,1970),p.54.

29-

Immanuel Kant," An Answer to the Question: "What is Enlightenment?"p.58.

30- اية الله روح الله الخميني، بيان بالراديو، 14 شباط 1989 . انظر رسائل رشدي، حرية الكلام، حرية الكتابة( مطبعة جامعة نبراسكا، 1993 )، ص130 .

31- كان عند كانط تجربة مباشرة عن التحيز والتحامل الديني عندما ازعج، بنشر مقالته عن الدين، فريدريك وليلم الثاني، ملك بروسيا. الذي على خلاف سلفه فريدريك الكبير، لم يكن من دعاة التسامح الديني. وبينما تلقى سليمان رشدي تهديد بالموت في كل العالم والذي شمل ايضا دور نشر اعماله ومترجميها، فان كانط طلب منه رسميا ان يتعهد بعدم الكتابة ثانية عن الدين.ووافق مترددا على الطلب الذي ذيله " الخادم المطيع لجلالته" وقد منحه هذا التوصيف ان يعاود الكتابة عن الدين بعد وفاة الملك التي حدثت بعد ثلاثة سنوات.. اوضح كانط لاحقا انه بعد وفاة الملك قد اصبح في حل من وعده لانه لم يعد من رعايا ذلك الملك. انظر:

Immanuel Kant, Gesmmelte Schriften (G.Reimer,1900) ,7:7-10.

32- اكد Christopher Norris بجلاء الحاجة للاعتراف بلاتجانس مابعد الحداثة، محذرا الباحثين من خطر خلط المواقف الفكرية الصحيحة بالتشويش الفلسفي. ويعتبر جان بودريارد، بالنسبة لنوريس، الممثل الجوهري للحركة المضادة للتنوير التي اتهم دريدا خطا انه ينتسب اليها. من وجهة نظر نوريس، فان بودريارد يساوي" ماهو حاليا صالح في طريق الاعتقاد، بحدود مايمكن ان يعرف من الموقف الباحث عن الحقيقة اومن الموقف النقدي. وهذا يتفق بالطبع، مع الموقف البراغماتي، ضد الاصولي او نظريات المعرفة المعتمدة على الاجماع، وهي نظريات تسلم جدلا بان" الحقيقة في اي موقف مفترض هي ليست الا مسالة قيم واعتقادات تحدث ان تسود بين افراد بعض ما موجود من " مجتمع المفسيرين." انظر : النظرية غير النقدية: مابعد الحداثة، المفكرون وحرب الخليج(مطبعة جامعة ماساشوستس، 1992) ص16 . وعلى العكس من ذلك، فان التوجه التفكيكي لدريدا لايلغي ولاينكر معيار المرجع، الشرعية والحقيقة. موقف نوريس والذي اتقبله واوافقه تماما، هو ان احدى فضائل عمل دريدا هو " انه يطرح قضايا المسؤولية الاخلاقية(سويا مع المسائل المعرفية) التي لاترى بالعودة المباشرة للمصدر، النوايا، سلطة النص، القراءة الصحيحة، الضمان السلطوي وهكذا"(18). وهذا هو مايوفر لنوريس ان يدعي بان ان دريدا" يديم نبض نقد التنوير حتى حين يخضع ذلك التراث لاعادة تقويم جذرية من حيث مفاهيمه وفئاته المؤسسة"(17).

33- يعتبر Max Horkheimer هو الذي صاغ مصطلح " النظرية النقدية" في مقالة بعنوان" النظرية التقليدية والنقدية". أنظر

(Max Horkheimer, Critical Theory: ٍٍSelected Essays, trans .Matthew J. O'Connell and others[Continuum,1968],pp.188-252).

وهذه المقالة التي نشرت عام 1930 حين كان مدير معهد البحوث الاجتماعية في فرانكفورت، تمثل الاراء المتداولة بين مجموعة من الفلاسفة والمنظرين الاجتماعيين ومن بينهم ثيودور ادورنو، هربرت ماركوز ووالتر بنيامين. ويعتبر هابرماس هو كبيرمفسري الجيل الثاني لهذا النوع او الاتجاه من المفكرين التي عرفت بمدرسة فرانكفورت. كانت المواقف المرتبطة بمدرسة فرانكفورت متجانسة سواء بين ممثليها المختلفين او عبر الزمن. اضف الى ذلك، ان التطور الفلسفي لهابرماس قد وسم بالتقديرات المختلفة لمواقع منظري مدرسة فرانكفورت الاصلية. وان مناقشة هذا التعقيد للعلاقات ضمن التوجه العام للنظرية النقدية يقع خارج نطاق هذا المقدمة.والمراجع بهذا الخصوص كثيرة. ساذكر مقالتين لهابرماس كرست او اهديت للجيل الاول من المنظرين النقديين المرتبطين بمردسة فرانكفورت:

The Entwinement of Myth and Enlightenment: Max Horkheimer and Theodor Adorno," in Jürgen Habermas, The philosophical Discourses of Modernity: Twelve lectures, trans. Fredrick Lawrence(MIT Press,1987),pp.106-130, and " Psychic Thermidor and the rebirth of Rebellion Subjectivity," in Habermas and Modernity, ed. Richard J. Bernstein (MIT Press, 1985), pp.67-77.

ويمكن للقارئ ايضا ان يتعرف على مقالة كتبها Albrecht Wellmer " العقل، اليوتبيا وديالكتيك عصر التنوير" في كتاب هابرماس والحداثة، ص 35-66 . اخيرا بامكان القارئ مراجعة مقالة Romand Coles عن ثيودور ادورنو باعتباره من منظري الجيل الاول النقديين القريب من هابرماس، المعنونة" الهوية والاختلاف في المواقف الاخلاقية عند ادورنو وهابرماس" في كتاب

The Cambridge Companion to Habermas, ed .Stephen K. White(Cambridge University press, 1995),pp.19-45.

34- ان التسامح Tolerance او toleration كما يحب بعض الفلاسفة استعمالها(انظر

Michael Walzer, On Tolerance [Yale University Press,1997]

قد تناولها اخرون من جهة كونها موقف وفضيلة اكثر منها مفهوم سياسي نقش في التارخ الاوروبي الحديث. انظر

Toleration: An Elusive Virtue , ed .David Heyd (Princeton University Press,1996).

35- في المحاورة يوسع دريدا رفضه لعالمية التسامح ليشمل فكرة الدين التي بسبب جذرها الابراهيمي لايمكن استعمالها بصورة غير تمييزية في كل النصوص حول العالم(ص117-118،124-127 ).

36- في القسم المعنون "شروط التسامح"(ص159-162) في هذا الكتاب، اتناول تفسير علاقة دريدا المعقدة بكانط حول مسائل التسامح والضيافة.

37- بالنسبة لدريدا فالتسامح هو مبدأ لايمكن اختزاله الى قاعدة تطبقية. وكما انه لايمكن تعريف العدالة بتعاريف قانونية بسبب وجود قوانين غير عادلة، ففكرة التسامح يجب ان تبقى متميزة عن اي اختيارات او معايير سياسة معينة. يبدو ان كانط يشير الى موقف مشابه حين يستدعي ويتذكر الموقف المتنور لفردريك الكبير ملك بروسيا:" ان اميرا لايرى انه دون مقامه ان يقول ان من واجبه، في مسائل الدين، ان لا يفرض اي شي على شعبه بل يترك لهم كامل الحرية، ان اميرا يصل الى انه يتنازل عن قبول لقب المتسامح، لهو نفسه امير متنور." انظر كانط:" جواب عن سؤال: ماهو التنوير؟" ص58 .

38- سبق نقد دريدا للتسامح احد ممثلي النظرية النقدية، هربرت ماركوز، في مقالة قصيرة عنوانها" التسامح القمعي"(1956). ويكتب ماركوز حول نفس التحفظات التي عند دريدا، قائلا:"ان ماأعلن وما مورس وطبق على انه تسامحا هذه الايام هو في كثير من مظاهره الفعالة يخدم قضية القمع والاضطهاد". انظر

Robert Paul Wolff, Barrington Moore, Jr. and Herbert Marcuse, A critique of Pure Tolerance (Beacon Press, 1956) p.81.

يؤيد ماركوس الفهم التقليدي الليبرالي للتسامح" ان ممارسة التسامح المتعصب والمتحامل ... التسامح الذي هو عنصر الحياة، رمز المجتمع الحر، لن يكون ابدا هدية القوى السائدة؛ يمكن، في ظل ظروف سيادة الاغلبية الطاغية، ان تربحه وبجهد مستمر الاقليات الراديكالية الراغبة لتحطيم هذا الطغيان والعمل لظهور اغلبية حرة وذات سيادة- غير متسامحة مع الاقليات، والمليشيات ومتمردة على قواعد السلوك الذي يتسامح مع التدمير والاضطهاد "(123).

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا