<%@ Language=JavaScript %>  صائب خليل    من أجل الإستعداد لانفصال سلمي وعادل عن كردستان وحقناً للدماء

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 من أجل الإستعداد لانفصال سلمي وعادل عن كردستان وحقناً للدماء

 

 

 

 صائب خليل 

21 تشرين الثاني 2012

 

هاهي الأمور تصل إلى نتيجتها الحتمية الخطرة ، ويكاد الإشتباك المسلح يشتعل بين بغداد وكردستان ، ومازال الصمت الجبان والبلاهة السياسية وتميع الموقف تحمي كل المغالطات والإبتزازات في هذه العلاقة المريضة من أن تكشف الخلل الذي ترك ليرسل جذوره عميقة تحت البلاد .

يغالط نفسه من يرى أن مازال هناك أمل في "حل" الخلاف بين حكومة بغداد وكردستان ، (ما لم يكن ذلك الحل جزء من الإبتزاز واستمراراً له) . فما تطالب به كردستان ، ويبدو أنه يلقى تأييداً ، أو على الأقل لا يجد معارضة من الشعب الكردي ، يراه الجانب العربي ، وليس الحكومي فقط ، إبتزاز وتمييز عنصري واحتلال أراض واحتيال وضحك على الدقون . لذلك فلن يكون بمقدور أي من الحكومتين أن تتراجع ، حتى لو أرادت ذلك ، فالجانب الشعبي العربي يطالب حكومته بإيقاف هذا التعامل الهزيل مع الإبتزاز الكردستاني ووضع الأمور في نصابها ، وتجابه حكومة كردستان إحتجاجات الحكومة بخطاب متحدي وبفرض واقع على الأرض يتقدم باستمرار إلى مواقع مفاوضات جديدة ، مع الإستمرار بادعاء المظلومية والإتهام بالشوفينية والتذكير بجرائم صدام والمطالبة بالمزيد من المكاسب - قواعد المدرسة الدبلوماسية – العسكرية الإسرائيلية بالضبط !

لقد كانت العلاقة الكردستانية – الإتحادية علاقة عدم ثقة من الجانبين لم يحاول الكرد على الأقل إخفائها ، وكانت علاقة ابتزاز متبادل في مختلف القضايا ، كان الجانب العربي هو الخاسر فيها دائماً (عدم تنفيذ المادة 140، مقابل تزوير نفوس واحتلال أراضي ورشوة مسؤولين وسلب أسلحة الجيش وتنسيق مع الإحتلال وتهريب نفط وعقود مشبوهة وكمارك وغيرها..) . وقد حققت تلك السياسة مكاسب خيالية لكردستان على حساب المكون العربي ، لعل أهمها نسبة الـ 17% التي لا نعرف أساساً لها ويبدو أن ما حددها هو كمية الرشوة المقدمة لأياد علاوي ، وتثبيتها لاحقاً بمساعدته وبابتزازات متتالية للآخرين .

لقد تحققت بالفعل مخاوفي التي عبرت عنها في أول مقالة لي حول الموضوع و "غارت" هذه الجريمة في ضمير العرب ، ضد الكرد ، وأسهم الجشع الكردي والنفاق العربي في طمطمة هذه الجريمة ، مثلما فعل مع غيرها من جرائم الظلم والإبتزاز الواضحة ، التي تركت تتجذر حتى لم يعد هناك من حل . رغم هذا تعرضت قصة الـ 17% إلى فضيحة كبيرة حين تورطت كردستان ونشرت تقريراً لبرلمان كردستان بأن نسبة سكان الإقليم إلى العراق هي 12.6% ، وحينها أثرت الموضوع ثانية دون جدوى . وبعد أربعة أشهر أضافت كردستان إلى نفوسها أكثر من مليون نسمة في تقرير جديد لتحل المشكلة ! وهكذا تستمر كردستان بنهب 3 مليارات دولار من المحافظات كل عام إضافة إلى 15 مقعداً برلمانياً ، وملحقات كثيرة أخرى .

الحقيقة هي بلا شك أسوأ من ذلك التقرير ، فقد وصلني بالفعل من الأستاذ فؤاد الأمير إيميل جاء فيه :

" كنت اقرأ قبل أيام التقرير السنوي لسنة 2011 للشركة النفطية (Gulf Keystone Petroleum LTD K) التي تعمل في كوردستان ، والتي "اكتشفت" حقولا "جديدة" جيدة منها حقل شيخان . ويقول التقرير الذي صدر في أيار 2012 ، واستناداً إلى معلومات من موقع كردستان الرسمي (www.krg.org) أن عدد نفوس الاقليم هو ( 3757058 ) وأن مساحة الاقليم هي 40643 كيلومتر مربع ."

وهذا يعني أن نسبة سكان كردستان هي 11% وهي تتناسب تماماً مع الإحصائيات القديمة التي رفضتها كردستان وأصرت على رقم أتفقت مع أياد علاوي عليه وفرضته كأمر واقع على الحكومة .

تلك حقيقة مرة ، لكن علينا أن نفهم أنه لم يعد هناك أهمية للحقيقة، فهي تمط وتضغط حسب توازن طرفي القوتين المتعاملتين معها . ويمكننا أن نرى نعتبر النسبة بين الواقع المفروض من جهة والحقيقة من الجهة الأخرى ، كمؤشر إلى نسبة توازن القوة بمفهومها العام السياسي والعسكري وغيره ، بين كردستان والحكومة المركزية ، والذي يزيد هنا عن مرة ونصف لصالح كردستان .

الحقائق لا أهمية لها ما لم تقف وراءها قوة وإرادة تدعمها ، فعدا "نسبة علاوي" أو "نسبة العار" كما أسميها احياناً ، كتبنا كثيراً ، وكتب غيرنا كثيراً عن النفط وسرقات أشتي هورامي المفضوحة ، ليس للعراق فقط بل للإقليم نفسه ، وتسليم الشركات عقوداً بالغة في سخائها ، وعن استيلاء الإقليم على أراضي جيرانه والبدء بالتنقيب عن النفط فيها وفرض احتلالها كأمر واقع ، إستمر بالتمدد حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه .

كذلك وقف التحالف الكردستاني الموقف الداعم للإحتلال الأمريكي والشركات الأمريكية في كل ما أرادته في العراق ، وكان هذا عنصراً آخراً في الجفاء العربي تجاه كردستان حيث تبين الإحصاءات أن الغالبية الساحقة من العرب ترى في الأمريكان إحتلالاً وتهديداً لهم ويرى الغالبية الساحقة من الكرد فيهم حماية لهم .

ويختلف موقف الشعبين والحكومتين من إسرائيل أيضاً ، وبشكل يبدو أن الكرد غير قادرين على فهمه أو تخيله. فهم يستغربون من انزعاج العرب من الـ"مصافحات" ودعوات بين السطور لتطبيع العلاقة ، (شارك فيها المنبوذ من عائلته وناخبيه مثال الآلوسي) . ولم يكن ممثل اقليم كردستان في واشنطن "قباد الطالباني" يخفي طموح اللوبي الكردي هناك الى الوصول الى "علاقة ستراتيجية ومؤسساتية" كالتي تتمتع بها اسرائيل في اميركا .(1)

لم تنجح محاولات مثال الآلوسي والكرد للتطبيع بين إسرائيل والعراق ، لكن العلاقة استمرت في التطور بينها وبين كردستان وتأسست مجلة "كرد وإسرائيل" العلنية وحظي أصدقاء إسرائيل ممن يعدون من مجرمي الحرب وعملاء إسرائيل في المنطقة مثل سمير جعجع الذي استقبل بالترحاب الأكبر في البلاد . هذا مع استمرار قناعة الشارع بوجود علاقة مباشرة وطيدة مع إسرائيل نفسها ، والقلق الشديد منها ، واعتبارها عملاَ عدوانياً من الإقليم .

وإذ تدور الشكوك القوية جداً ، بمسؤولية إسرائيل عن الكثير من أعمال الإرهاب في العراق ، خاصة ما يتعلق بالعلماء والطيارين والضباط العراقيين ، حيث يعتبر القاء التهمة في هذا الأمر على "الطائفية" سخيفاً جداً ، فمن الطبيعي أن يقلق المواطن العربي أن تكون كردستان مركز انطلاق هذه العمليات الإرهابية ، خاصة وأنه من غير المسموح للقوات الإتحادية دخول كردستان ومعرفة ما يجري فيها ، بأي شكل كان ، وأن أي تحد لذلك التابو يهدد بالإشتباك ، كما حدث خلال الأيام القليلة الماضية . ويدعم هذا القلق المنطقي تقارير إيرانية عديدة عن تواجد قواعد التجسس الإسرائيلية في كردستان عند حدودها ، وما قد يعنيه ذلك من توريط للعراق في علاقته مع جيرانه ، وهو ما يحدث بالفعل مع سوريا ، إضافة إلى الإرهاب الداخلي .

ولا يقتصر هذا القلق على الجانب السري ، فيرى العراقيون العرب أن وزير الخارجية العراقي الكردي يقود السياسة الخارجية الكردية بما يتوافق مع سياسة كردستان التي كثرما تناقض سياسة العراق وفي معظم القضايا الأساسية ، مثل الموقف من سوريا ، الذي تتخذ فيه كردستان بكل قوة ، الجانب الأمريكي الإسرائيلي طبعاً ، ويمتنع السفير العراقي الكردي في روسيا عن استقبال رئيس الحكومة عند زيارته ، لكنه يسارع لاستقبال رئيس كردستان !

كذلك سعى التحالف الكردستاني بقوة لإصدار قانون نفط تطالب به الشركات الأمريكية من جهة ، ويتيح للتحالف الكردستاني شرعنة عقوده النفطية التي اتاحت للشركات تحقيق أرباح أكبر على حساب البلد ويعطي حرية للإقليم للتصرف بثروته النفطية . وتكمن خطورة القانون المقترح في تحطيمه لمركزية إدارة النفط ، ليس على مستوى العلاقة مع كردستان فقط وإنما مع بقية أجزاء العراق . ومازالت معركة قانون النفط مستمرة حتى اليوم ، وتستعد الأطراف لـ "إشتباك" جديد قريب .

وفي هذه الأثناء كان الإعلام الكردي المعادي للعرب يصل حدوداً غير طبيعية ، حتى في الأجهزة الإعلامية الناطقة بالعربية ، وساهم أحياناً بشكل صريح ووقح بتحقير العرب وتأليب الرأي الكردي ضدهم من جهة وبإثارة متعمدة للطائفية التي تهدد البلاد من جهة أخرى ، كما أشرت إلى كل ذلك في سلسلة من 4 مقالات تحت عنوان " أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم " .

كذلك كانت حكومة كردستان سباقة إلى دعم المشاريع الأمريكية – الإسرائيلية لتقسيم العراق كمشاريع الصهيوني بايدن ، وأيدت الجهود لإقامة فدرالية الجنوب وغيرها ، رغم ما يعنيه ذلك من تداعيات محطمة للعراق ، لو أن البصرة تصرفت كما تتصرف كردستان اليوم وطالبت بنفس الصلاحيات و "الحقوق" !

ويرى العرب مسعود البرزاني بشكل خاص ، عدوانياً لا يتورع عن استعمال لغة التهديد والإهانة . وتذكر له ولحزبه حركات إنزال العلم العراقي ورفع علم كردستان مكانه في كل مناسبة ، وأيضاً عبارات تهديد منفلتة منها انه سيشعل " حرباً اهلية حقيقية " ان تم تأخير تنفيذ المادة 140 ! وانتهج سياسة مستقلة تنهي وحدة البلد التي سخر منها وأسماها بـ " أحلام العصافير" . وطالما استضاف مسعود المدانين المطلوبين للقضاء إبتداءاً من حازم الشعلان وانتهاءاً بطارق الهاشمي . لقد خرج الإقليم بقيادته عن أي شكل معقول من الفدرالية وبشكل تدريجي لم يثر الإنتباه إلا بعد عبوره خط العودة . ففي عام 2010 علقت مجلة " فورن بوليسي" الشهيرة على قرار الکونغرس بافتتاح قنصلیة فی کردستان العراق بأن هدفه هو تقسیم العراق ، وأنها " تعتبر تدخلا فی الشؤون الداخلیة للعراق " وأنه " یوجه صفعة لمکانة الحکومة المرکزیة فی هذا البلد " . لكن القنصليات تكاثرت ولم تعد "مكانة الحكومة المركزية" تحس بالصفعات ، فقد جرى "تطبيعها" ، وكانت نتيجة كل ذلك هذه الفدرالية المريضة الممزقة .

وافتضح تهريب النفط من كردستان وكشفت سرقات عديدة أخرى أوضحها بعض خبراء النفط العراقيين وبعض المتابعين ، وتزايد العدوان على أراضي المحافظات المجاورة في جميع الإتجاهات ، كما تم تحريض شركات النفط على ترك الحكومة والتعاقد مع كردستان بعقود سخية خارج السياق العالمي ، في حرب عقود من جانب واحد ، فوجدت بغداد نفسها بين أن تقدم المزيد من التنازلات عن ثروات بلادها كما تفعل حكومة كردستان ، أو تخسر بعض العقود ، ففضلت الخيار الأخير وخسرت عقود عدة شركات كانت متعاقدة معها . وقد أكد هذا وزير النفط العراقي عبد الكريم لعيبي , حين اتهم حكومة كردستان بأغراء شركات النفط العالمية للعمل في الإقليم , واصفا تلك الامتيازات المقدمة بـ" غير الطبيعية " والـ" فائقة جداً " .(2)

يجب أن أقول أن هذا الإشكال يمتد أبعد من حكومة كردستان إلى شعبها . فقد اقتنع هذا الشعب ، حقاً أو باطلاً ، أن العرب خطر دائم عليه وأنه يجب أن يحمي نفسه بعلاقاته مع أميركا والمطالبة ببقاء قواعدها في العراق ، ومن المنطقي إذن أن يسعى لإبقاء علاقة أقوى ما تكون مع إسرائيل ، شقاوة المنطقة وعصابتها المسلحة الكبرى ، وهذا كله بالضد من موقف العرب . كذلك لم يجد العرب مثقفاً كردياً واحداً وقف يدافع عن الحق العربي في خلافه مع كردستان حتى عندما يكون هذا الحق واضحاً ، مثل نسبة الت 17% والتقرير البرلماني الكردي الذي يفندها ، وهو ما يرسل رسالة مفادها أنه لا يوجد كردي لايدعم حكومة كردستان في الصدق والكذب ، خاصة في الصراع مع العراق .

ومن جهة أخرى يتفهم عرب العراق حكومتهم في صراعها مع كردستان ، وإن كان مازال هناك من ينتقدها ويتعاطف مع " القضية الكردية " ، إلا أن ذلك يقل بشكل هائل عن الماضي . ويتفهم العرب تجنب حكومة المركز إجراء إحصاء سكاني مثلاً ، خشية أن تقوم كردستان بتزوير كبير في سكانها ، وقد اعتادوا من أعضائها الكذب والإبتزاز كسياسة ثابتة ، ويتم بذلك تثبيت الكذبة بشكل اصعب واقوى . وهم يرون أن في تصرفات كردستان الآخرى ما يبرر تسلح الحكومة لمواجهة سلاح كردستان الأقوى ، والذي لم يكن سوى السلاح المسروق من جيش العراق ، الذي لا تقدر الحكومة على المطالبة باستعادته ، وهذا كله يدفع للإحساس بالمهانة والنفور .

هذه نظرة موجزة للحال الغريب الذي وصلت إليه تجربة هذه الفدرالية المؤلمة ، وهذه هي مشاعر الطرفين تجاه بعضهما البعض للأسف . لكل ذلك نرى أن على عرب العراق ، بل وواجبهم السعي الحثيث إلى الإستعداد للإنفصال الحتمي القادم ، والعمل على ضمان إجرائه بأكثر الطرق سلمية وعدالة ، حتى لو تطلب الأمر تقديم بعض التنازلات النسبية . فالأمور تتجه في غير صالح العراق ، ويجب استغلال بقية علاقة ود بين الشعبين يمكن ان تقدم فرصة للتفاهم حول الحدود وغيرها ، وقبل فوات الأوان .

يدور الحديث اليوم عن أن كردستان ليست مهيئة للاستقلال وأن الظروف الدولية غير مناسبة ، وأن تركيا لن تسمح به ، إلى آخره من العبارات التي ليس عليها دليل كاف ، وعلى اية حال فليس من شأن العراق أن يهيء تلك الظروف المثلى لخلق كردستان أو أن يستمر بالعيش تحت الإبتزاز في انتظار حلولها ، لمجرد أن من يبتزه ليس مستعد بعد للإنفصال ! وفي تقديري أن من يمكن أن يعرقل هذا المشروع أكثر من تركيا ، هم أصدقاء كردستان الكبار : أميركا وإسرائيل . فكردستان التي قبلت وطمحت (على لسان قباد الطالباني) أن تعمل كهراوة لتأمين مصالحهما في العراق ، لن تجد هاتين الدولتين مستعدتين للتخلي عن أهم مصدر لتأثيرهما في العراق وبرلمانه من أجلها . ولذلك يتطلب الأمر إرادة وعزيمة من الجانبين العربي والكردي للتقدم تدريجياً لتحقيق هذا الإنفصال ، وبسلام قدر الإمكان .

ويمكن لنقاط الخلاف بين الطرفين بالذات أن تصبح نقطة البدء في ستراتيجية لإنفصال تدريجي . فلو فصلنا ميزانية الإقليم عن المركز، وترك يقوم بتصدير نفطه بنفسه (ولا بأس بالمساعدة إن كان بحاجة إليها حتى يكمل إنشاء بنيته التحتية اللازمة لذلك )  ويحصل على موارد أرضه ، بما في ذلك من عامل عاطفي كبير تجذر في التاريخ ، فأن كماً هائلاً من الإشكالات وعدم الثقة سوف يزول ، ولا يعود هناك قلق من التهريب ولا المصافي غير المعلنة ولا حصة الإقليم من المشتقات ولا محاسبة الإقليم على كمية ما يرسله للتصدير ولا مطالبة الإقليم للمركز بدفع مستحقات الشركات لتطوير حقول لا يعلم الأخير متى تنفصل عنه ، ولا خلاف حول سلامة العقود ونسبة ما يعطى منها للشركات وغيرها من الأمور . وتحل كذلك بشكل مباشر المشكلة العويصة لقانون النفط الذي تطالب كردستان اليوم بليه وثنيه وتغيير ملاحقه لكي يشرعن عقوداً سيئة مرفوضة من قبل المركز .

من ناحية أخرى فمما لا شك فيه أن كردستان ستعارض المشروع في النهاية ، فلو حسبنا السرقات المعروفة فقط ، فأن الإستقلال الإقتصادي ، بما فيه النسبة المذكورة والتهريب والكمارك وغيرها ، تعني أن اقتصاد كردستان قد ينخفض إلى النصف ، ولذلك فلن يمكن تحقيق هذا الإنفصال بدون ضغط وإجبار .

كذلك يجب في الوقت نفسه تحديد حدود الإقليم ، وهذا أصعب جزء في القضية . الخلافات كثيرة والظروف ليست في صالح المركز ، لكنها لن تكون في صالحه في أي وقت في المستقبل ، إلا من خلال توازن الرعب العسكري ، وهذه ورطة يجب تجنبها قدر الإمكان .

سارعت كردستان إلى الترحيب بالعرض الأمريكي لوضع قوات أمريكية بين الطرفين ، ولا غرابة في ذلك ، وسارع التيار الصدري إلى القول بأن ذلك يتطلب موافقة البرلمان وعقد معاهدة ، وأنا أقف بالضد بشدة من هذا المشروع ، وإن وافقت الحكومة عليه فسأعتبر القصة كلها تمثيلية من الحكومة وكردستان لإعادة قوات الإحتلال إلى البلاد ! ما يجب أن تقوله الحكومة ويجب أن يكون واضحاً للجميع ، من لا يطمئن إلى العيش في العراق بدون حماية أمريكية وإسرائيلية ، فلينفصل !

البديل السليم هو قبول اقتراح رئيس الحكومة بوضع المناطق المتنازع عليها تحت إشراف قوات مشتركة . ( وحقيقة الأمر أنه يفترض أن توضع تحت إشراف قوات حكومية فقط ، لأنها بتعريفها ، "قوات مشتركة" ) فليس من المعقول أن تدار "مناطق متنازع عليها" من قبل جهة واحدة فرضت نفسها بالقوة .

إنه الجزء الصعب ، لكنه ليس مستحيلاً ، ويمكن البدء بتحديد الحدود غير المختلف عليها اولاً ، وتثبيتها ( قبل أن يكتشف فيها نفط ! ) . وببذل الجهد الدبلوماسي الدولي اللازم والعمل الجاد من قبل فريق من المخلصين للمراقبة الحازمة ، يمكن إتمام هذا الجزء بدرجة مقبولة من العدل . وفي كل الأحوال فأن خسارة بسيطة في الأرض ، قد تكون أقل ضرراً من وضع مكهرب ومعلق يترك القضية كلها في كف عفريت المستقبل وتطوراته ، خاصة وأن للبلدين أعداء شرسين . ففي العراق ، لو نجحت أميركا مثلاً في تحقيق ما كانت تطمح إليه من تنصيب أياد علاوي أو شخص من نوعه مستقبلاً ، لتم بيع أراضي العراق بنفس أخلاقية الراشي والمرتشي التي تم بيع حصته من ميزانيته لكردستان بها ، وربما أكثر ، بما قد يعني ذلك من مستقبل دموي بين الدولتين والشعبين .

وبعد رسم الحدود ، وترك المناطق المتنازع عليها تحت سيطرة قوات مشتركة ، فسوف يمكن فوراً تنظيم دخول المواطنين والتحكم الأمني الأفضل . وكذلك سوف تحل مشكلة الكمارك والضرائب ذاتياً ، كما سوف ينخفض بشكل سريع امتصاص كردستان للطاقات عالية التعليم من العراق كما يحدث الآن . ثم يتم العمل على تغيير الدستور وإعلان كردستان دولة مستقلة .

إضافة إلى الإشكالات المعرقلة ، يجب أن لا نستغرب من أن يرى طرفي بغداد وكردستان المشروع في غير صالحهما ، فكلا الحكومتين غارقتين في الفساد ، وإبقاء التوتر القومي يساعد على إشغال الشعب بعيداً عن هذا الفساد وأصحابه .

كذلك إن صحت نظرية تصدير إسرائيل للإرهاب من كردستان ، فأن إسرائيل سوف تحاول عرقلة المشروع الذي يقلص سهولة انتقال عناصرها بين البلدين .

لهذا كله ، ورغم الوضع السيء الحالي والضعف الحكومي وامتلاء العراق بمن يعرض نفسه للبيع حتى في المراكز الحساسة مثل أثيل النجيفي في الموصل ، يتوجب الإسراع بالسعي إلى الإستعداد والبدء بحل القضية تدريجياً ضمن الممكن ، وعدم تركها معلقة للمستقبل المجهول .

والحقيقة أن حكومة كردستان تعمل بهمة ونشاط في التحضير ليوم الإستقلال ، بإعادة ترسيم الحدود على الأرض مثلاً . بل أن اعتراض كردستان الشديد على صفقات الأسلحة الروسية والمطالبة بحصة منها للبيشمركه ، لا يفسره إلا أن كردستان تتوقع وتستعد للحرب بعد استقلالها ! وهو ما يمكن أن يفسر على أنه خوف مفهوم ، أو النية للإستيلاء والإحتفاظ بأراض ليست من حقها ، وتوقع اصطدام عسكري نتيجة لذلك . ورغم أن في هذا اعتراف ضمني واضح أن البيشمركه جيش آخر وفي الخندق المقابل للجيش العراقي ، فإن كردستان تطالب الحكومة بدفع رواتب لهذه القوات باعتبارها "جزءاً من الجيش العراقي" !

لقد خسرنا معركة الإحتفاظ بالعراق موحداً ، ورغم أننا وقفنا معاً كما نفهم ، بوجه الظلم والدكتاتوريات العربية مثل صدام حسين ، فإن العرب دفعوا من قبل الإعلام الكردي و "أصدقائه" إلى خندق صدام ، ولم يقم الإعلام الشريف بدوره في التصدي لهذا الأمر . ورغم تغير موازين القوى وتغير اتجاه الظلم في الكثير من الحالات الواضحة ، ورغم اعتراضات المثقفين الكرد على إدارة حكامهم لكردستان ، فلم أجد في قراءاتي في ذلك الظلم الكردستاني للعرب ، رغم تعدده وكثرة مظاهره ، سوى مقالة يتيمة واحدة كان موضوعها الدفاع عن العرب في نقطة سيطرة كردية .

لقد فشل المثقفون الكرد في وضع أنفسهم موضعاً إنسانياً حيادياً بأية درجة كانت ، والدفاع عن القومية الأخرى عندما يكون الحق معها . بل وصل الأمر أن السلطات اللصوصية التي تحكم كردستان ، نجحت في إخماد الإعتراضات على سرقاتها العلنية لنفط كردستان ، بمجرد تصوير الأمر على أنه صراع بين الكرد والعرب ، حتى أني تساءلت في إحدى مقالاتي : " لماذا لا يدافع مثقفوا الكرد عن نفطهم ؟ " . فما دامت السرقة تبدو من العرب ، فلا أحد يحتج عليها ! فهنا يسود منطق "شعراية من جلد خنزير" ، حتى لدى مثقفي الكرد . لقد فشل المثقفون الكرد في لعب دورهم في هذا الصراع بقبولهم اتخاذهم موقفاً قبلياً قومياً موحداً ، أو تركهم الساحة للشوفينيين منهم ومن دفعت لهم إسرائيل الأجور ليقرروا شكل العلاقة بين الشعبين ، وهو ما لا يستطيع أحد أن يتهم المثقفين العرب به أبداً . فلا أعرف أحداً منهم تدنى في خطابه في أي وقت ، إلى ما تدنى إليه " المثقفون " الكرد المعروفين والمذكورين في مقالاتي الأربع المذكورة ، بل بقي عدد مهم من المثقفين العرب حتى اليوم على اندفاعه القديم للدفاع عن كردستان ضد قوميته ودون أن يدرك تغير موازين القوى وانقلاب اتجاه الظلم !

ليس ما وصلنا إليه انتصار بالتأكيد ، ولا يريد المواطن العراقي حتى أن يفكر ببلاده مجزأة ، ولا يتخيل خارطته وقد قطع رأسها ، فلا تعود تشبه خارطة بلاده التي أحبها بكل عمق، وأحياناً أكثر من حياته . وهو يتذكر أصدقاء له في الجانب الآخر من الطيبة والمودة ما قد لا يجده بين أبناء قوميته . لذلك يسود اتجاه لـ " التهدئة " وهي ليست إلا تأجيل خطر للمشكلة وتركها تنمو أكثر، فالتهدئة الوحيدة السليمة ، هي التي تتجه إلى الإستعداد للإنفصال السلمي ، وكل ما عداها قرار خطر، حتى لو كان بأفضل النوايا .

إنها نهاية محزنة للعراقي المحب لوطنه ، كردياً كان أم عربي ، لكنه سيرى في النهاية أنه لا مفر من قبول الحقيقة ، فكثرما يضطر المرء لقطع كفه ، خشية أن يضطر لقطع يده كلها إن هو تأخر كثيراً .

(1) http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2007/04/22/AR2007042201568_pf.html

(2)http://almustaqbalnews.net/ArticleShow.aspx?ID=38713

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا