<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر شعبوية تثير القرف

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

شعبوية تثير القرف

 

 

 صباح علي الشاهر

 

ثار لغط كبير لحد القرف على إثر إلغاء ما سُمي بالبطاقة التموينية، لم يسأل أحد نفسه عن ماهيّة هذه التموينية، أو ماذا تبقى منها؟

ما يُسمى بالبطاقة التموينية أيها السادة ليس سوى تسع كيلوات من الطحين وثلاث كيلوات رز، وكيلو ونصف  سكر، وقنينة زيت سعة لتر واحد ، لو حسب ثمنها بسعر السوق حالياً لما تجاوز الخمسة عشر ألف دينار، وهو المبلغ الذي تقرر دفعه تعويضاً عن الحصة التموينية، علماً بأن هذه الحصة، وبهذا الشكل ليست منتظمة، وغالباً ما يدفع بعضها ويحجب البعض الآخر، مع إغفال النوعية .

لم يسأل أحد نفسه لماذا تقلصت الحصة التموينية ، ووفق أي تبرير ؟

كانت مفردات البطاقة التموينية تشمل من جملة ما تشمل العدس والشاي، والفاصوليا، وحليب الأطفال ، ومواد التنظيف كالصابون ومسحوق الغسيل، ومعجون الطماطة والدجاج بالمناسبات، وبالتدريج وعلى نحو مخطط تم تقليص هذه الحصة من دونما تعويض نقدي ، حتى آل بها الأمر إلى ما هي عليه الآن .

والحديث عن الحصة التموينية حديث ذو شجون، فلطالما كانت وسيلة النهب الكبرى بالنسبة للمسؤولين الذين تقلدوا المناصب الرفيعة في الدولة، وبالأخص في وزارة التجارة، التي أصبحت تحت هيمنة وإشراف أولئك الأتقياء، الذين ترتسم ملامح التقوى على وجوههم، والذين إذا قاموا أو قعدوا تذكروا الله كثيراً وسبحوا بأسمه الأعلى، ثم أطعموا الناس الفاسد والمُسرطن، والمخلوط بكل ما يخطر أو لا يخطر على البال من نفايات وأوساخ، ثم إتجهوا لربهم شاكرين النعم!!

الغريب ، وبتعبير أدق المُستهجن، أن الحصة كانت تشمل الجميع ، العاجز ، والعاطل عن العمل، ووكيل الوزارة ، وربما الوزير ، فيما بعد حُذف أصحاب الرواتب العليا من الحصة ، بعد أن قلصت بحيث لم تعد تعني شيئاً ، وهذه قضية إنفرد بها العراق .

والحصة التموينية ياسادة ليست سوى إجراء مؤقت ، فرضته ظروف الحصار، وما سُمي في حينه ( النفط مقابل الغذاء) . لقد وضعوا أيديهم على نفطنا مقابل حشو أمعائناً بما فسد من طعام، وكان من المؤمل أن ينتهي هذا الوضع الشاذ حال إنتهاء الحصار، لكن الحكومات المتعاقبة بعد الإحتلال لم تضع الخطط العملية الكفيلة بإنهاء هذا الوضع الشاذ ، مع مراعاة الأوضاع الشاخصة في البلد، وأخذ مصلحة وحاجات المواطن العراقي بعين الإعتبار.

ضمن كل السياقات  يُعتبر العراق بلداً غنياً ، حتى قياساً بشقيقاته دول النفط العربية ، وهو بلد ريعي، يعتمد على مصدر واحد ، ألا وهو النفط ، وقد يضاف له مستقبلا الغاز ، رغم إنه بلد زراعي بالإساس، وكان واعداً صناعياً وسياحياً قبل توالي النكبات والكوارث، لكن الفرد العراقي يعتبر الأفقر من بين أقرانه العرب، ويأتي ربما بالمرتبة الرابعة بين الأفقر عالمياً ، وهذه مفارقة بالغة الدلالة ، تشير وحدها إلى حجم الفساد والهدر، والتخلف الإداري المريع ، وإنعدام الكفاءة والعقلانية في إدارة الدولة ، وهو أمر يبدو أن ليس ثمة ما يُشير إلى تلافيه أو معالجته في الأفق المنظور .

لا توجد إحصائيات صحيحة يمكن الإعتماد عليها حول عدد العاطلين عن العمل، لكن النسبة مرتفعة جداً ، أما إذا حسبت ( البطالة المقنعة ) فإن النسبة تصبح كارثية ، فإذا أضيف إلى هذا عدد الذين يقل دخلهم الشهري ، أو السنوي، عن النسبة المعتمدة دولياً كقياس ، فإن العراق يصبح واحد من ثلاثة أو أربعة بلدان ، هي الأفقر في العالم.

حرمان المواطن لا يعتمد على الدخل فقط ، بل يشمل إنعدام الخدمات أو تدنيها ( السكن ، الصحة ، التعليم، الكهرباء ، الماء، النقل، الطرق، السياحة والإستجمام، وسائل الترفيه إلخ) .

يقولون أن العراق يحتاج إلى خمسة ملايين وحدة سكنيّة جديدة ليواجه أزمة السكن الحالية فقط، من دون إحتساب الزيادة المتوقعة في الحاجات، لكن هذا الرقم ، على ضخامته ، يُعد متواضعاً جداَ، فثمة ملايين من الوحدات السكنية المسكونة حالياً ، والتي لا تصلح للسكن الآدمي، والتي لا تتوفر فيها أدنى مٌستلزمات العيش .

يصعب الإلمام بدرجة الدمار الذي حلّ بالعراق، وبالتالي بدرجة الحرمان الذي يعاني منه المواطن العراقي، لذا فإن المطلوب الآن ، وقبل أي شيء ، توفير الحد الأدنى لعيش هذا المواطن، الذي عانى ويعاني مالم يعانيه أي إنسان على وجه البسيطة.  

في البلدان التي تحترم مواطنيها يتم تخصيص ( راتب شهري) للعاطلين عن العمل لحين حصولهم على عمل ، وللمحتاجين طالما ظل إحتياجهم، راتباً يوفر لهم الحد الأدنى ، ويكفل كرامتهم ، وهذا هو المطلوب حصراً ، لا حصة تموينيّة ، لا تغني ولا تسمن ، أما الردح الشعبوي ، فما هو سوى تهريج يكشف بؤس سياسينا ، وأحزابنا ، ويعكس إنتهازية البعض .

فلنقل وداعاً للحصة التموينية ، وداعاً لذل التسعة كليلو غرامات طحين ، وثلاثة كيلوغرامات رز، وكيلو غرام ونصف سكر، ولتر الزيت . ليس هذا هو  قدر المواطن العراقي الذي تطفو أرضه على حقول النفط والغاز.

على ماذا تندبون يا فالحين ؟!

وداعاً ( لزوية الدغمان) ومبعث الفساد والإفساد، وأهلاً  بالبديل الذي هو ليس خمسة عشر ألفاً، ولا خمسة وعشرون ألفا، وإنما بديلاً يكفل كرامة المواطن الذي من حقه على الدولة ضمان الحياة الكريمة له.. لسنا في زمن المُكرمات، وإنما نحن في زمن الحقوق الواجبة ، التي لا تُعطى ولا تُمنح، وإنما تؤخذ عنوة ، وقسرا، ورغم أنف من شاء أو من أبى، لأنها أولاً وأخيراً حقوق ، حقوق شعب ما وجدت الحكومة إلا لخدمته.   

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا