<%@ Language=JavaScript %> سمير كرم معنى التدخل الأميركي في سوريا

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

معنى التدخل الأميركي في سوريا

 

 

سمير كرم 

 

بدأت الولايات المتحدة تدخلها العسكري في سوريا.هذا هو معنى ومدلول تحليق أعداد غير محدودة من طائرات التجسس الاميركية بلا طيارين (وتسمى من قبيل التعمية طائرات استطلاع) لمراقبة تحركات القوات النظامية السورية.

 

لن يغير هذا التفسير ببدء التدخل العسكري الاميركي في سوريا ما حرصت المصادر العسكرية (مصادر البنتاغون) والمخابراتية الاميركية ما اعلنته من ان تحليق هذه الطائرات في اجواء سوريا لجمع المعلومات عن مواقع القوات النظامية السورية "هو بغرض المراقبة وليس من باب التحضير لتدخل عسكري اميركي... إن إدارة الرئيس الاميركي باراك اوباما تريد فقط جمع الأدلة وقراءة تحركات الحكومة السورية واتصالاتها العسكرية لاستخدامها لاحقاً في الدفع باتجاه استجابة دولية واسعة ضد نظام الأسد".

 

فإما أن هذه المصادر الاميركية بهذا النفي فيما يتعلق بالتدخل العسكري تفترض السذاجة في الآخرين، بمن فيهم الاطراف المعنية المحيطة جغرافياً بسوريا، ومنهم الذين تربطهم بسوريا علاقات تجعل هذا التدخل جريمة بحقهم، أم الذين تربطهم بسوريا حالة عداء تصل الى درجة احتلال جزء من اراضي سوريا والتلويح بما هو اكثر. او ان هذه رسالة اميركية مشفرة ومعكوسة الى المنطقة بأسرها بأن اميركا تقترب من خطوط اقتحام سوريا، حتى وإن فشلت في استصدار قرار من مجلس الامن الدولي، يعطي لأميركا وحلف الأطلسي إشارة ضوء اخضر بأن تكرر في سوريا ما سبق ان قام به الحلف بقيادة الولايات المتحدة بالتدخل العسكري في ليبيا.

 

لم تكتف المصادر الاميركية العسكرية والمخابراتية بهذه التعمية، بل اضافت ان مناقشات تجري في البيت الابيض ووزارتي الدفاع والخارجية الاميركيتين بشأن إمكانية إيفاد "بعثات إنسانية" الى سوريا، وأن مخاوف قد نشأت خلال تلك المناقشات من عدم إمكانية إرسال مثل هذه "البعثات الانسانية من دون تعرض المشاركين فيها للخطر، مما ستكون نتيجته الحتمية اضطرار الولايات المتحدة للقيام بدور عسكري في سوريا".

 

ومعنى هذا هو ان التصريحات التي بدأت بقصد نفي التمهيد لتدخل عسكري في سوريا بتحليق طائرات الاستطلاع الاميركية في سماء سوريا، انتهت بتأكيد استعداد اميركي لتدخل من هذا القبيل. رافق هذا النفي/التأكيد الاميركي المتضارب المقصود، عدد من الظواهر التي تتعلق بهذا الاحتمال القوي للتدخل، ضاربة عرض الحائط بمجلس الامن والفيتو الروسي والصيني الذي منع صدور قرار من هذا المجلس، تحت ضغوط الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وعدد من الدول العربية تتقدمها المملكة العربية السعودية.

 

اول هذه الظواهر المصاحبة لتمهيدات التدخل الاميركي يتمثل في اهتمام المصادر الاميركية بالاشارة - في اليوم نفسه - الى ان سفينتين حربيتين ايرانيتين، وصلتا الى ميناء طرطوس في سوريا، بعد ان عبرتا قناة السويس بموافقة من السلطات المصرية على هذا العبور. وكأن المصادر الاميركية تعطي مبرراً "إيرانياً" للتدخل الاميركي في سوريا بالقول، بأن إيران تتدخل في احداث سوريا. وبهذا تغفل المصادر الاميركية حقيقة ان وصول السفينتين الإيرانيتين سبقه الحصول على تصريح من السلطات السورية المعنية. هذا فضلاً عن استخدام اسلوب الضغط الاميركي على مصر التي وافقت سلطاتها على عبور السفينتين الإيرانيتين قناة السويس، في حين تعرف هذه المصادر الاميركية قبل غيرها ان حرية الملاحة في قناة السويس مفتوحة لجميع دول العالم بما فيها الولايات المتحدة التي لا تكف سفن اسطولها الخامس والسادس عن عبور القناة، وبما فيها اسرائيل، التي تعبر سفنها قناة السويس في الاتجاهين.

 

اما المظهر الثاني الذي رافق خطوة التحليق الجوي الاميركي في سماء سوريا فكان أنه تزامن مع الخطوة التي اتخذتها السلطات المصرية بسحب سفيرها من دمشق، في خطوة لا بد ان تكون قد فاجأت سوريا، بقدر ما فاجأت الرأي العام المصري، الذي يرقب احداث سوريا بقلق وخشية من التدخل الاميركي والاطلسي.

 

وأما المظهر الثالث الذي صاحب التحليق الاميركي بطائرات التجسس في سماء سوريا وخطوة سحب السفير المصري، فكان إبداء مرونة من الجانب الاميركي في محادثات تجري في القاهرة وفي واشنطن ازاء النزاع بين البلدين، حول تقديم مسؤولين في منظمات المجتمع المدني المصرية - بينهم اميركيون ومصريون - للمحاكمة بتهمة تلقي اموال من جهات رسمية اميركية لممارسة النشاط في مصر.

 

يبقى المظهر الرابع - الذي قد يبدو بعيدا عن هذه التطورات للوهلة الاولى - وهو محاولة الوفد الاسرائيلي في الجمعية العامة للامم المتحدة اضافة صوت اسرائيل الى الدول التي تبنت قرار الجمعية العامة بإدانة العنف في سوريا. وقد قام الوفد المصري بالتصدي لهذه المحاولة الاسرائيلية، الامر الذي تناقض تماما مع قرار القاهرة بسحب السفير المصري في دمشق. ولعل هذا تم في إطار محاولة لإيجاد توازن في الموقف المصري ..لكنه بدا على أي الاحوال ادنى بكثير من الموقف الروسي - الصيني في مجلس الامن. وليس خافياً ان الموقف المصري كما تمثل في سحب السفير قد تم اتخاذه تحت ضغط من جماعة الإخوان المسلمين وحزبها (حزب الحرية والعدالة) وهي حليف "استراتيجي" لجماعة الإخوان المسلمين التي تلعب دوراً أساسياً في احداث سوريا، والتي أيدت بلا تردد دعوة لتدخل خارجي - اميركي اطلسي - في سوريا. لقد ارادت اسرائيل ان تضم اسمها الى اسماء الدول العربية التي صوتت مع قرار الجمعية العامة ولكن وفد مصر رفض هذا رفضاً تاماً، ووجه تهديداً الى الوفد الاسرائيلي بأن تفتح مصر موضوع حقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية المحتلة. وهنا تراجع الوفد الاسرائيلي عن مطلبه (...).

 

الآن يبدو ان التدخل الاميركي (والاطلسي) في سوريا هو السيناريو الاكثر احتمالا، على الرغم من انه يتم ضد ارادة مجلس الامن، وضد ارادة المجتمع الدولي. إن اميركا تريد ان تلحق سوريا بالدول العربية الاخرى التي دخلت في اطار الهيمنة الاميركية - الاطلسية. ولقد يتصاعد التدخل الاميركي في سوريا الى درجة قصوى حتى خلال الايام القليلة القادمة، بل خلال الايام الثلاثة بين كتابة هذه السطور ونشرها. ذلك ان الادارة الاميركية - في وقت تسيطر فيه حملة انتخابات الرئاسة الاميركية على كل الاعتبارات الاخرى - تريد ان تظهر انها لا تحجم عن التدخل، كي لا يظهر ان الفيتو الروسي والصيني على مشروعها بالتدخل "الدولي" من جانب مجلس الأمن كافيان لردع خطة التدخل الاميركي.

 

لكن هذا لا ينفي ان اميركا تخشى رد الفعل الإيراني اذا نفذت هذا التواطؤ العدواني مع اسرائيل، أياً كانت صورة هذا التواطؤ، ونصيب كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في تنفيذه. وليس من المستبعد اصلا ان تكون عمليات التحليق بطائرات التجسس الاميركية بدون طيار في الأجواء السورية رامية الى تحقيق الهدفين في وقت واحد، وهما التجسس على القوات النظامية السورية وتحركاتها والتجسس في الوقت نفسه على الجانب الايراني القريب جغرافياً الى الاراضي السورية. فليس يخفى على احد في هذه الظروف ان قدرة الطائرات الاميركية في مجال التجسس تغطي عدة مئات من الاميال. ومن المؤكد ان ايران لن تقابل بالسكوت مثل هذا الاحتمال في هذه الظروف الصعبة والمعقدة.

 

في الوقت نفسه تعمل اميركا لرد الفعل الإيراني ألف حساب، الامر الذي دفعها الى ممارسة ضغط غير مرئي - ولكنه مفهوم ومتصور - على اسرائيل لكي تمتنع عن شن هجوم عسكري على ايران خشية من "ردود الفعل والنتائج الكارثية التي يمكن ان تصيب العالم بأسره"، حسب تعبير كثير من الصحف الاميركية والبريطانية بشكل خاص.

 

لكن بينما تخشى اميركا من رد الفعل الإيراني اذا تعرضت ايران لهجوم عسكري اميركي و/أو اسرائيلي، فإن الادارة الاميركية تتصرف على نحو يظهر بجلاء أنها تخشى الآن من أي رد فعل يمكن ان ينال من الجانب العربي في هذا الصدد، مع كل ما هو متصور من ان الرد الايراني على هجوم يستهدفها لا بد ان يطال دول الخليج النفطية العربية ومؤسسات النفط الهائلة المفتوحة لأي هجوم جوي او صاروخي.. حتى وإن كانت ايران قد طمأنت اطرافاً عربية الى أنها لن توجه ضرباتها الى اهداف عربية رداً على هجمات اميركية و/أو اسرائيلية على اهداف ايرانية. ان الادارة الاميركية تعطي في تصريحاتها كل انطباع بأنها تحسب ان ايران ستوجه ضربات قاصمة الى المنشآت النفطية في الخليج.

 

ولعل من اكثر القوى إظهاراً للتشكك في النيات الاميركية - سواء ضد سوريا اوايران- هو "الرأي العام المصري"، وهذا تعبير تستخدمه المصادر الاميركية العسكرية والمخابراتية والسياسية الاميركية لأنها تفضله لاعتبارات مفهومة على تعبير الجماهير الشعبية. ويصل الشك المصري الى حد عدم التعامل بثقة مع الخلاف الراهن بين الادارة الاميركية والادارة المصرية - ممثلة في المجلس الاعلى للقوات المسلحة، صاحب السلطة الاعلى في مصر الآن. إن الرأي العام المصري يتابع تفصيلات الخلاف بين واشنطن والقاهرة في الوقت الذي تجري فيه زيارات الوفود الاميركية والمصرية في الاتجاهين، كما يتابع مسلسلاً تلفزيونياً يكاد يعرف خطوات السيناريو فيه من البداية حتى الخاتمة النهائية. وتشير توقعات المصريين الى ان الوئام بين النخبتين الحاكمتين في اميركا ومصر سيعود بالتأكيد في اقرب وقت ممكن. فالتوجيه المنتظر من الجانبين لا بد ان يسير نحو وئام بينهما يحافظ على العلاقات بين الدولتين باعتبارها علاقات تحالف، كما كانت طوال الاربعين عاما الماضية. كما يدرك المصريون ان حرص الجانب الاميركي على المصالح الاسرائيلية يفرض على ادارة الرئيس اوباما ان توجه سياساتها مع مصر في اتجاه المحافظة على علاقات السلام بين مصر واسرائيل. وهذا عامل يؤدي دوره بصورة اكثر حرصاً وإلحاحاً في وقت تتصاعد فيه مطالب المصريين بإلغاء معاهدة واتفاقات "كامب ديفيد" مع اسرائيل. وقد اضر تأكيد الاخوان المسلمين وحزبهم على الالتزام بـ"كامب ديفيد" بصورة الجماعة والحزب بعد ان كانا قد جنيا الكثير من المكاسب السياسية - خاصة في انتخابات مجلس الشعب. والآن فإن الجماهير المصرية ترقب بكل دقة واهتمام الى اين يكون المسار السياسي للإخوان المسلمين وحزبهم في الشهور والسنوات القادمة.

 

هل تتنبه الولايات المتحدة الى ان مواقف الحكومات العربية اصبحت تتناقض بصورة تكاد تكون تامة مع مواقف الشعوب؟ وهل يكون تنبهها الى هذه الحقيقة قبل فوات الأوان؟

 

هل تتنبه الولايات المتحدة بشكل خاص الى ان الشعوب العربية تقف في صف ايران وليس في صف حكوماتها؟ تقف ضد اسرائيل وضد التعامل معها، فضلاً عن التواطؤ معها في الخفاء؟

 

ليس في التاريخ الاميركي مع هذه المنطقة ما يدعو للاطمئنان.

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا