<%@ Language=JavaScript %> سمير دياب دائماً..الثورة تُغيّر بيسارها

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

دائماً..الثورة تُغيّر بيسارها

 

 

سمير دياب

 

الثورة كما تعرف، هي تغيير جذري في وقت محدد، لبنى السلطة الاقتصادية أو الاجتماعية، عَبرَ فعل الجماهير الغاضبة. وهي بذات الوقت دخول الجماهير في مستوى أرقى من الصراع، هو مستوى الفعل في النضال السياسي.

الثورة التي إجتاحت عالمنا العربي، من أقصاه الى أقصاه، منذ عام،  قامت كما تقوم كل الثورات عندما قررت الجماهير الالتقاء على رفض شروط حياة باتت فوق طاقتها، والمبادرة الى محاولة إنهاء أزمة خطيرة لحقت في مجتمعاتها بعد نفاذ صبرها من أنظمة معفنة حاقدة وفاقدة لشرعيتها.

عام واحد فقط على ثورة غير متوقعة، في منطقة ابتليت بإحتلالات مختلفة أورثت أو زرعت أو تعاقدت مع أنظمة حكم سياسية مختلفة في الشكل، ومنسجمة في المضمون، بهدف منع إقامة منطقة قومية قوية، أو اتحاد عربي ديمقراطي  تنموي مستقل.

عام واحد فقط، أحدث الكثير وغير الكثير، ولو اعترض البعض على هذا الكلام لإعتبار أن الاسلام السياسي هو الذي استلم ناصية القرار كبديل يشكو من البرامج البديلة التي شكت منها الأنظمة القومية. لكن ذلك لا يقلل من قيمة التطورات الجارية في المنطقة، برغم أن المستقبل غامض، وأن الخطر لا يزال متربصاً في كل زاوية شارع ، لأن الشارع العربي يختبر لحظة اختراق الممنوع، ولحظة تجدد ثورية، إذ منحت الانتفاضات الشعبية فرصة نادرة الحصول للتحول، من السكون الى الحركة، ومن حالة الموت الى الحياة، ولو أن النتائج المحققة حتى اللحظة بكل أشكال تحالفات الثورات المضادة المعلنة والمضمرة لا تشكل نهاية  مطاف الثورة، بل انها حلقة من حلقاتها حصلت بسرعة قياسية، قياساً لطبيعة الأنظمة وبطش أدواتها من جهة، ولضعف وتشتت القوى الديمقراطية والتقدمية البديلة من جهة أخرى.

قبل الثورة قدمت الشعوب تضحيات كبيرة، وفي الثورة دفعت دماء كثيرة، إلا انه في الوقت نفسه دقت أسفين في قلب نظام سياسي قديم وعفن، وفرضت ولو القليل من حرية العمل السياسي، أو الاعتراف به، وقلصت إلى حدود من أدوات القمع والمنع والموت المجاني التي حكمت  عقود زمنية على الشعوب العربية بالتخلف والجمود والتراجع.. فالثورة ولو لم تنتصر جذرياً، كما في الأدبيات الفلسفية، ولم تتمكن من الاطاحة بسلطة الطبقة السياسية والاجتماعية المسيطرة، واستبدالها بطبقة اجتماعية أخرى، إلا انها تقدمت خطوات نحو تحرير الشعوب جزئياً من الأسر المؤبد.

في هذه الثورة العربية توحدت الأجيال في تطلعاتها، وعدوى الشعارات ذاتها انتشرت في الميادين العربية لأنها تتنفس من الرئة ذاتها، مطالبة بالحرية والديمقراطية والحياة بكرامة، شجعوا بعضهم بعضاً دون تأشيرات دخول، واحتذى بعضهم بمثال بعض، واستعادوا لحن التضامن العربي المفقود منذ استلام الكروش العروش.

في هذه الثورة العربية لعب الشباب دوراً يليق بهم في النضال ومن خلال استخدام التكنولوجيا سلاحاً إضافياً فعالاً في تشبيك وسائل التواصل الاجتماعي، وخلق شبكات تقنية (زاجلة) تساهم في  تعبئة العمل الجماعي، ولولا استثمار هذه الوسائل لما تمكن الشهيد "البوعزيزي" من إشعال نار الثورة بسرعة في تونس، ثم في مصر، والتي الهمت بدورها الثورات التالية.

الثورة في أبعادها تحمل أبعاداً تختلف جذرياً عن النتائج المحققة في تونس ومصر، أو في ليبيا والبحرين واليمن وسوريا، بغض النظر عن اختلاف وضع كل واحدة وتعقيداتها وتداخلاتها.. ففي الوقت الذي تتدحرج فيه أنظمة الاستبداد، تشهد المنطقة ولادة ولو مؤجلة لعروبة شعبية بعد أن سافرت العروبة السياسية بعيداً عن عروبتها وعن قضيتها المركزية فلسطين وعن أهدافها القومية الوحدوية والتنموية منذ أكثر من نصف قرن،  لتحط تباعاً في أحضان الامبريالية ومشروعها الاستعماري الجديد. فكما قاوم آباء وأجداد الجيل الحالي القوى الاستعمارية القديمة، والصهيونية،  من أجل التحرر والاستقلال والوحدة والتقدم، ها هو الجيل الجديد ينتفض ضد المستعمرين الداخليين والخارجيين للأهداف ذاتها.

قد تبعث مآل الثورة حتى اللحظة مشاعر من اليأس والاحباط  لدى بعض الناس، بفعل نتائج تحالف عسكر الأنظمة والمال والقوى الإسلامية في تونس ومصر، ودرع جزيرة البحرين، وناتو ليبيا، ويمن المبادرة الرجعية، وسوريا العالقة بين تدخل امبريالي أميركي- رجعي لتدويل الأزمة، وبين حل أمني للنظام لإنهاء الأزمة من دون دخان أبيض لإصلاحات وطنية موعودة. لكن الثورة سيرورة، وسيرورتها تكمن في استمرار يقظتها وحركتها وهجومها على الثورات المضادة لتحقيق أهدافها كما تريد الشعوب المنتفضة، لا كما يريد تجار الثورات أعداء الوطنية والقومية، وشركاء المشروع الأميركي الاستعماري. وتتلخص في إحداث اصلاحات جذرية، وإنشاء مؤسسات مدنية لبناء دولة وطنية ديمقراطية مستقلة تقوم على تحقيق المواطنة العربية المتحدة  خالية من التصنيفات القومية والاثنية والقبلية والطائفية والمذهبية والعنصرية والتمييزية.. ودولة تقوم على اقتصاد وطني وقومي مستقل يراعي توزيع الثروات وتعزيز التنمية لحل القضايا الاجتماعية بما فيها حل مشكلة البطالة لدى الشباب التي شكلت فتيل الثورة. 

الحراك الشعبي في بداياته، ودروب النضال متاحة لأن أهداف الثورة كبيرة، وعملية تحقيقها معقدة ومتشابكة طبقياً وسياسياً، ولا بد أن تدرك القوى اليسارية والديمقراطية طبيعة دورها في مرحلة المخاض هذه، وأن تحسن بدينامية ثورية  فهم أبعاد المرحلة الانعطافية ببرامج قادرة مع الجماهير الشعبية من شأنها إبقاء نار الثورة على وهجها، والتحكم بمسار الصراع  الطبقي للثورة، خوفاً من القضاء عليها، أو المراوحة في المكان ذاته عبر تغيير  "الطرابيش" فقط،  من دون الأنماط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهنا تكمن خطورة ما تسعى إليه  الامبريالية الأميركية مع " طرابيشها" الجدد – لابقاء المنطقة وشعوبها وثرواتها تحت السيطرة المطلقة.

الثورات، لا تطلقها مجموعات متمردة أو متآمرة. بل تطلقها الجماهير في شروط "أزمة نظام" فَقَدَ من هم فوق القدرة على الحكم بشكل عادي، وفَقَدَ من هم تحت القدرة على التحمل والخضوع للحكم كما من قبل.

الثورة في أفضل شروط موضوعية ناضجة لها، أما شروط نجاحها أو البكاء عليها فمرهون بقدرة قوى اليسار والديمقراطية على تنظيم صفوفها، وتوحيد طاقاتها في مواكبة هذه الظروف المؤاتية بالنضال اليومي الى جانب الطبقة العاملة والفئات الكادحة، والتفاني في النشاطية والمواجهة والتعبئة والتنظيم الذاتي لحركته بما يساهم في آخر المطاف من إحراز تقدم في سيرورة هذه  الثورة الجبارة التي أطلقها الشعب العربي العاري إلا من وطنيته وعروبته وإرادته، والمنتفض على استلاب كرامته وحريته وتطوره الديمقراطي .

*****

هي الثورة، والثورة تُغيّر دائماً، وفقط، بيسارها حامل المشروع الوطني التقدمي البديل.

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا