<%@ Language=JavaScript %> نهلة الشهال عيش وحرية وعدالة اجتماعية

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

عيش وحرية وعدالة اجتماعية

 

نهلة الشهال 

 

يصعبُ على من لم يكن وسط أرض مصر، متابعاً شارداتها ووارداتها، أن يلم بما يجري فيها. فمصر تلك، أم الدنيا بحق. كثيفة، متشابكة ومفاجئة. قد تكون ملآنة فقراً، وهو حين يبلغ ما بلغ في مصر يصبح معطلاً للإرادة، مشتتاً للعقل. قد يقال في طباع أهلها إنهم يميلون الى الصبر والسلم حد الاستكانة، وإنهم من اخترعوا فرعون ونصَّبوه إلهاً. ولكن ما جرى فيها منذ عام، وحتى اليوم والغد على ما يظهر، ينتزع الاعجاب. لقد أبانت مصر عن طاقات لا تنضب، متقدة الذكاء والتصميم، مشعة وهدَّارة. وهو ما يعاكس تلك المقولات المتشككة، أو يوازنها على الأقل.

 

حين ثارت مصر ضد حكم مبارك منذ عام، وصرخت مطالبة بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية، كانت إنما تستحضر من ذاكرتها واقعات عديدات، أقربها، منذ سنوات قليلة، إضرابات عمال المحلة الكبرى وحلوان، وقبلها بعقود قليلة تمردات الفلاحين في قرى أم الكوم وكمشيش التي ذهبت مثلاً. من تلك تغذَّى شعر الأبنودي وأحمد فؤاد نجم. وقبلهما وإثر واقعات أخرى، خرج شعر لا يُنسى، قاله فؤاد حداد أو قاله صلاح جاهين. ثم قبلهما سيد درويش...وهؤلاء هم جبلة وجدان مصر، وليس جيش الأفندية والمتزلفين، الذين قد يمتلكون سطوة، وقد يستخدمونها، وقد يخيل إليهم أنهم متحكمون، فيكتشفون في لحظة غفلة أنهم كُنسوا.

 

وبسبب الخشية من يقظة ذلك العملاق، وإن البطيئة أوالثقيلة الحركة، فقد جرى تخيل ورسم وتطبيق استراتيجيا ملائمة للاحتواء، تراهن في وقت واحد على معطيات متعددة، منها الفقر والطيبة السالفان، ومنها قوة قيمة الأبوية، ومنها سنوات من القمع فككت كل تنظيم، ومنها القدرة على تفعيل القنوات الجاهزة للإقناع والتشويش والتسيير. بالله عليكم، كيف يمكن من دون مزيج من الديماغوجيا والترهيب التحكم بـ88 مليون إنسان، 40 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، و60 في المئة منهم دون الخامسة والعشرين. ها هي مدونة المجلس العسكري تهددهم بأن الخروج عن طاعة المجلس يعني «الفوضى الشاملة»، و«جر اقتصاد مصر الى الحضيض»، وتتهمهم بأنهم أُلعوبة في أياد أجنبية، ثم تسمي حركة شباب 6 ابريل، وهي من أوائل من تجرأ على تحدي نظام مبارك، قبل الثورة، وحين كان الأمر يبدو طوباوياً تماماً، فتعلن أنهم تدربوا في صربيا (!!)، وتنتهي بتهديدهم بشكل غير مبطن: نحن نحصي كل حركاتكم، وكل كلمة تنطقون بها. ثم: «المجلس العسكري ملتزم حتى اللحظة بضبط النفس». ماذا عن اللحظة التالية؟ هل انتهت نظرية الطرف الثالث؟ ما قيل عنه «اللهو الخفي» في تسمية سينمائية، فجرى تعيين الفاعل. لا شك أن التهجم على شباب هذه الحركة أيسر من التصدي لألتراس الاهلي مثلاً، وهم على ما هم عليه من امتداد وشعبية، وقوة تماسك. ولكن التخبط يظهر هنا بالذات. فإن لم يكن من المستحسن مواجهة هؤلاء، فلمَ تُنصب لهم مجزرة ملعب بور سعيد؟ ثمة احتمالان لا ثالث لهما، فإما أن هناك غباء وسوء تقدير، أو أن هناك تجريباً وسوء تقدير!

 

وفي الاقتصاد، فما يقال لا يتعدى التهويل. اقتصاد مصر يعاني من مشكلة كبيرة نسجتها عقود من النهب والتخريب المتعمد للإنتاج المحلي لمصلحة الربح السريع. هو معطوب أصلاً بسبب رجال الاعمال من أصدقاء جمال مبارك، وهم الجيل الأخير من النهَّابين، الذين وصل بهم الامر حدَّ استيراد المواد الغذائية الاساسية، في وقت تجري فيه مصادرة الاراضي الزراعية لتتحول الى المضاربات في الاسواق العقارية، وتُحوَّل المياه الى أحواض سباحة هؤلاء الافندية. وتستورد مصر بعشرة مليارات دولار سنوياً القمح والذرة والرز والفول والعدس واللحوم والاسماك، بل وحتى القطن الخام! فانكشفت مصر تماماً. لم يخرب الاقتصاد بسبب سنة من الثورة. ولا يمكن لاقتصاد مصر أن ينتعش وفق القواعد التي كان معمولاً بها، والتي عممت الأحياء العشوائية حول المدن وتصحر الريف بشرياً وزراعياً. وأما الدخل من السياحة فقد انخفض الى النصف خلال العام الفائت (وبقاء النصف الآخر هو بالمناسبة معجزة بالمقارنة مع أي امثلة مشابهة في بلدان أخرى). وحدث الانخفاض بسبب تفليت الوضع الامني، وليس لأن مئات الألوف من المصريين يتظاهرون ويطالبون. حدث لأن هناك من قرر مواجهة الاعتصامات والتظاهرات بالقمع، بالغازات السامة المحرمة دولياً، وبالرصاص، وباستجلاب البلطجية من أحزمة البؤس واستئجارهم وإطلاقهم وسط المتظاهرين. ولأن هناك من قرر أن يطوي على الدوام المجازر التي تليها مجازر، صغرت أو كبرت، فلا مساءلة ولا محاسبة ولا من يحزنون، وإنما تُخاط الجراح على قيحها. تعب الاقتصاد لأن المستثمرين الاجانب هربوا بأموالهم: 14 مليار دولار خرجت من البلد خلال العام الفائت، وهي ظاهرة عادية في أي تغيير، فكيف حين يكون هؤلاء هم ممن قدمت لهم ضمانات «تحت الطاولة»، وأغلبهم يجد شركاءه خلف القضبان.

 

لوهلة بدا الحل سهلاً: نغيِّر رأس النظام، وننقذ كيانه. وأبعد من ذلك، فإن تطلب الامر تفاهمات مع حركة ذات شعبية بديهية وتنظيمية كحركة الإخوان المسلمين، فلم لا، طالما تُحفظ «الأسس»: تتحول الديموقراطية الى صندوق اقتراع يحقق التداول على السلطة (فوقياً)، ولا يجري التطرق الى المسائل الجوهرية، وعلى رأسها الخيارات الاقتصادية. ويحصر كل الأمر في مواعيد انتخاب رئيس الجمهورية، وكأن الرئيس العتيد، أياً يكن، سيصبح آمراً ناهياً، نوعاً من فرعون /إله يحسم كل شيء. وفي هذا تزوير فاضح للمشكلة. وهو فاضح ومفضوح، لأن المجلس العسكري، الذي يتولى الإخراج، أصر على بضعة أمور فضحته: المرحلة الانتقالية التي فرضها كانت ذات طبيعة غريبة وملتبسة، فهي تقع بالكامل تحت سلطته، وهو قرر أن الانتخابات ستجري لمجلس الشعب وليس لجمعية تأسيسية، وقرر أن تضع الدستور هيئة من الحكماء ثم يقره البرلمان، وقرر أن الدستور يوضع قبل انتخابات الرئاسة. وحين اضطر شكَّل مجلساً استشارياً... له، لا يمتلك صفة ولا صلاحيات. وحين اضطر الى تغيير الحكومات، كلف هو من يستنسبه، ولم يقم بأي خطوة مهما كانت صغيرة إلا مرغماً وإثر انفجار للغضب. أنقذ المجلس العسكري ثورة 25 يناير من براثن القمع المهول الذي كان يمكن أن يتسبب به لها الأمن المركزي...حتى يتمكن هو من التهامها، بما يذكر بسياقات قصة ليلى والذئب، رغم اختلاف المدلولات الأصلية!

لقد جرى اختيار مسار مقلوب على رأسه. ومصر اليوم تدفع ثمن ذلك. وجرى في سياق هذا الاختيار نسيان أمر عظيم، لا وجود لمرحلة انتقالية آمنة وسالمة من دونه: التفاهم الوطني، أو التسوية الوطنية، كما تشاؤون. ولا يمكن أن يحل تنظيم الإخوان المسلمين محل الوطن بكل تعبيراته، فيُكتفى بالتفاهم أو بالتسوية معه. ومصر اليوم تدفع ثمن التغاضي عن ذلك.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا