<%@ Language=JavaScript %> د.أحمد زايد هل تغادر الروح الثورية الميدان ؟

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

هل تغادر الروح الثورية الميدان ؟

 

 

د.أحمد زايد

 

لا اقصد بالطبع من هذا السؤال أن يغادر الثوار الميدان‏,‏ أو أن يمتنعوا عن الثورة والاحتجاج إذا ما عن لهم أن الثورة لا تسير في مسارها الصحيح‏.

فالثورة تستمر من خلال استمرار مدها دون أن يصيبه جزر قط, عبر فن الحضور الثوري الدائم الذي لا تنقطع به السبل أو يفقد الهدف أو الطريق.

ولقد كان الميدان ولايزال هو رمز الثورة المصرية. وأحسب أن الاستمرار في التعلق بالميدان يؤشر علي أن الفعل الثوري لم يحدث الأثر المتوقع منه. وإذا كان الأثر المتوقع لا يحدث في القريب العاجل أبدا, فإن ثمة آثارا سريعة لابد أن تتحقق من الثورة. وإذا صح ذلك لأمكن القول ـ بشكل افتراضي علي الأقل ـ أن الثورة لم تبرح مكانها, ولم تغادر الميدان إلي آفاق أخري في الحياة إلا في النزر اليسير.وكما يقول الراحل إبراهيم أصلان بحق: فالأحداث الكبيرة هي كبيرة فقط لأنها تصوغ وتلون المناخ أو المزاج العام الذي يعيش فيه الخلق من عباد الله, وهي تؤثر بالتالي أعمق التأثير في تفاصيل الحياة اليومية وفي طبيعة العلاقة العادية بين الإنسان ونفسه, وبالآخرين, وبالدنيا التي يعيش فيها( شيء من هذا القبيل,ص28).

قد يكون الأمر بحاجة إلي بعض التوضيح بالإجابة عن سؤال آخر: إذا كان للروح الثورية أن تغادر الميدان, فإلي أي آفاق تذهب؟ وبسرعة وقبل أن يساء فهمي, تغادر إلي نفوسنا وعقولنا وإلي ممارساتنا الحياتية, فتلك هي التي سوف تغير المجتمع وثقافته, وتصوغ المناخ الثوري العام, الذي يدفع بالثورة إلي الإمام في كل أرجاء المجتمع, وليس في قطاع منه فحسب. وطرح هذا السؤال لا يرتبط فقط بشدة الزخم الثوري في الميدان واستمراره, بل ما نلاحظه حولنا من استمرار لنفس المشكلات القديمة, بل لنفس طريقة التفكير ونفس الممارسات التي مللنا من قبل من نقدها, والتي قامت الثورة أصلا من أجل التغلب عليها وتجاوزها. لقد خرج الناس علي أثر الثورة ينظفون الشوارع, ويتحدثون عن أمل في العدل, وفي القضاء علي الفساد, وفي القضاء علي كل صور التجاوز في تطبيق القانون. لقد كانت محاولة تنظيف الشوارع وتزيين الأرصفة بلون العلم رمزا علي رغبة حقيقية في أن تسري نظافة الثورة وطهارة مبادئها في السلوك اليومي للبشر, النخبة منهم والجماهير, فيصبح السلوك سلوكا ثوريا, وموجها بروح ثورية, وهو إذ يتصف بهذه الصفة فإنه سوف يكون سلوكا نشيطا وفعالا وقادرا علي إحداث تغيير. وهذا هو ما قصدته بالضبط عندما طرحت السؤال حول مغادرة روح الثورة الميدان, أنها مغادرة إلي نفوسنا وعقولنا وممارساتنا في السياسة والحياة, فيتلون المناخ أو المزاج العام الذي يعيش فيه خلق الله.

وربما يعترض البعض هنا بالقول إن الثورة قد أحدثت تغييرا في النفوس بالفعل, إذ كسرت حاجز الخوف في هذه النفوس, وجعلت الناس أكثر قدرة علي القول والإفصاح والتعبير عما سكن نفوسها من أوجاع. هذا حق لا ينكره أحد, وإن كان البعض يتحفظ أحيانا علي الأساليب التي يعبر بها الناس عن أنفسهم, والتي لا تخضع لمبادئ عامة متفق عليها للتعبير والاحتجاج, وإنما تخضع لما يراه الناس حتي وإن اشتمل علي تعطيل المصالح العامة كالمواصلات والطرق علي سبيل المثال. أقول لا أحدا ينكر أن الثورة قد كسرت حاجز الخوف, ولكن هناك الكثير الذي لايزال بحاجة إلي تغيير. أنا لا أتحدث هنا عن القضاء علي الفقر والبطالة أو مشكلات التعليم والصحة, فتلك أمور نعرف جميعا أن التعامل معها يأخذ وقتا طويلا نسبيا, ولكن أتحدث عن أمور يمكن تغييرها ببساطة, لا بل تثويرها: مثال ذلك الطرق التي يتعامل بها موظفو الدولة مع الجماهير, وما تحمله من صور للفساد, و الطرق التي نتعامل بها مع مشكلات كتوزيع أنابيب الغاز وغيرها من السلع, أو نظافة الشوارع, أو الأساليب التي نتعامل بها مع طلابنا في قاعات الدرس, أو حتي مع أولادنا في الأسرة, ونظرتنا إلي المرأة ودورها في الحياة الاجتماعية والسياسية.. الخ. هذه القضايا التي يمكن أن تمسها الروح الثورية بسرعة. إن روح الميدان الثورية يجب أن تثور الأداء وأن تبث في عروقه مبادرات جديدة وقدرة علي طرح الأفكار وتنفيذها بثقة وحماس. إن ثورتنا المجيدة لم يكن لها قائد يشع الكاريزما علي المجتمع لتثويره, ولكن الثورة نفسها يمكن أن تكون لها كاريزما ثورية. فالكاريزما الثورية يجب ألا تظل تراوح مكانها, بل يجب أن تنتشر وتسري في عروق المجتمع.

وعند هذه النقطة يثار سؤال مهم: من الذي يجب أن يمسك بزمام عملية التثوير هذه: الشعب أم حكامه ؟ لا شك أن المسئولية مشتركة. ولكن لاشك أيضا في أن أول من يقدم النموذج هو الشخص الذي بيده زمام الأمور; أي من يمتلك قدرا ـ ولو قليلا ـ من السلطة تجعله يؤثر في الأحداث والأفعال. ولذلك فإن رجال الدولة, هم أولي الناس بأن يقدموا القدوة والمثل في تثوير السلوك. ولديهم أشياء بسيطة يمكن فعلها دون أن يتجشموا كثير عناء. من ذلك مثلا أن يهجروا كراسيهم, وأن يثوروا علي فكرة اعتلاء الكرسي/ المنصة الضاربة بجذورها في ثقافة بيروقراطية عتيقة, وأن ينزلوا إلي الناس, يتحسسون مشكلاتهم ويساعدونهم في حلها. ومنها أن يتخلوا عن الكثير من مظاهر السلطة والأبهة في الرايحة والجاية; وأن يشرفوا علي حل مشكلات نظافة البيئة وتوزيع السلع بأنفسهم. ومنها أيضا الإسراع بإنفاذ القانون, وتخليص المجتمع من الأشرار الذين يروعون الناس وينشرون الخوف في المجتمع; وإيجاد أدوات فعالة للاتصال بين الشعب وحكامه, والعمل علي تشجيع المبادرات التي يقدمها السكان لحل المشكلات, ومساعدتهم علي تنفيذها.

مجمل القول أن الثورة سوف تظل تراوح مكانها إذا لم تنبض أوردة المجتمع وشرايينه بالنبض الثوري. فالمجتمعات لا تعمل بالقوانين والأطر الشكلية فقط, وإنما ـ وكما يقول مونتسكيو بحق ـ بتشغيل نوابضها من القيم الفاضلة والسلوك الفاضل. ولاشك أن الفعل الثوري هو فعل فاضل بالضرورة, ولكنه يظل سلوكا مثاليا منقطع الصلة بالواقع, إذا لم يتحول إلي نابض في قلب المجتمع. هنا يكون الفعل الثوري قادرا علي أن يتحرك في كل الأرجاء, وأن يرقص رقصته الخاصة, فيخرج من النفوس أجود ما لديها من طاقة, ومن العقول أفضل ما لديها من فكر, ومن السلوك أبهي ما فيه من فضيلة.

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا