<%@ Language=JavaScript %> الفضل شلق قبائل كروية في خدمة السلطة

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

قبائل كروية في خدمة السلطة

 

 

الفضل شلق

 

تعاني مصر أزمة ما بعد الثورة. طبيعي أن تكون الأزمة كبرى والقضايا شائكة شديدة التعقيد بعد عقود طويلة من سوء الإدارة والعرقلة وتفاهة السلطة؛ وكان كل ذلك مفتعلاً كي تبدو مصر على غير حقيقتها وبغير ما تريد.

 في غمار النقاش الصاخب حول قضايا مصر الكبرى يسقط في ملعب رياضي أكثر من سبعين قتيلاً ومئات الجرحى، في اشتباك بين أنصار فريقين، اشتهر أحدهما بشدة تأييد جمهوره للثورة ضد نظام مبارك.

 لا ينكر أحد أهمية الرياضة. يقال منذ القدم: العقل السليم في الجسم السليم. ممارسة الرياضة تساهم في بناء اللياقة البدنية؛ أما مشاهدة الرياضة فهي تسلية. التسلية أيضاً ضرورية لكنها كمالية. لا تستحق أن يموت من أجلها الناس. نوع من البلاهة أن يموت الناس في سبيل كرة يتدافشها لاعبون. في أيام الرومان كان يفرض على الناس أن يؤمّوا ملاعب تجري فيها ألعاب «رياضية» يموت فيها اللاعبون.

 في مصر يموت المتفرجون. تنقلب الأمور رأساً على عقب مرتين: مرة عندما يتحول الكمالي إلى أساسي؛ ومرة ثانية عندما يموت المتفرجون لا اللاعبون.

 ما كان ممكناً أن يحدث ذلك لولا تشكل الناس في قبائل كروية تتحكم في كل منها عقلية القطيع والتعصب. عقلية القطيع هي الانضمام إلى جماعة لا يعرفها المنضم إليها، لكنه يتماهى معها، وتشكل هي هويته. عقلية التعصب هي في الانشداد والتأييد والدعم لمن يرمز إلى القطيع، سواء انتصر أو انهزم، وسواء أنجز أو فشل. أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. تنصره حتى ولو ارتكب جريمة.

 شكلت الرياضة، والفرق الرياضية، والممارسة الرياضية، ركناً أساسياً في الدول النازية والفاشستية الحديثة. صحيح أن الألعاب الأولمبية تنسب إلى الإغريق الذين كانت مدنهم تتنافس رياضياً، إضافة إلى المنافسة القتالية بين هذه المدن. وصحيح أيضاً أن روما عندما كانت عاصمة الامبراطورية الرومانية وكان عدد سكانها حوالى مليون نسمة، وكان عدد الفقراء والعبيد فيها كبيراً، كانت تزود فقراءها بالألعاب الرياضية في ستاد كبير، وتزودهم بالقمح وبقية الأغذية التي تستوردها (تفرضها ضريبة) من مصر وليبيا وسوريا وإسبانيا.

 كان وجود القبائل الرياضية ضرورياً من أجل خدمة السلطة الحاكمة. يقال إن زياد ابن أبيه أعاد تعشير الأعشار في البصرة عندما حكم العراق. تعشير الأعشار يعني إعادة تشكيل القبائل بإدخال قسم من قبيلة في قبيلة أخرى. وما من قبيلة في تاريخ البشرية إلا وهي خليط من سلالات متعددة، أو متنافرة سابقة. تلعب السلطة دوراً كبيراً في تشكيل وإعادة تشكيل القبائل. وما الطائفة إلا قبيلة كبرى. عندما غزا الأميركيون العراق أعادوا تشكيله على أساس «مكوّنات»، هي قبائل كبرى. يُفهم من تعبير القبيلة الأصل البيولوجي، ومن تعبير الطائفة الأصل الديني، ومن تعبير القومية الأصل الإثني. تعددت الأصول والنهايات واحدة، وهي الحروب الأهلية.

 هذا لا ينفي أن العصبية الرياضية موجودة في كل البلدان. في إنكلترا قُتل العشرات في مباراة كرة قدم بين فريق إنكليزي وفريق إيطالي قبل ثلاثين عاماً. استطاعت السلطات بعد ذلك القضاء على أعمال العنف المرتبطة بالقبائل الرياضية. فهل في مصر سلطة تمنع العنف الرياضي؟ أم أن السلطة قد تهاوت؟ أم أن السلطة تشجع أعمال العنف؟ يعرف الجميع أنه لا تزال هناك مؤسسات العسكر والأمن الداخلي التي ما زالت متماسكة، وما زالت قادرة على تشجيع أعمال العنف أو منعها. ويعرف الجميع أيضاً أن العنف في مباراة بور سعيد جاء في وقت تصاعدت المطالبات الشعبية بتنحي العسكر عن السلطة وتسليمها للمدنيين. هل تتصاعد أعمال العنف بشكل مقصود؟ هل يجري تعميم الفوضى من أجل أن يصير الحكم العسكري مطلباًَ جماهيرياً؟ ومن أجل أن تعود حالة الطوارئ مبررة ضد البلطجية، كما نص قرار إلغاء (أو تعليق) حالة الطوارئ منذ بضعة أيام؟

 سوف يتسابق المحللون لربط الفوضى بالثورة، والعنف بالتحرر. سوف يتسابقون لإلقاء اللوم على المجتمع وتخلفه، بما يتناقض مع الوعي الراقي الذي شهدناه في حوارات المصريين خلال العام الماضي. ظهر وعي كان مغموراً أيام الاستبداد في ظل حكم مبارك وأجهزته؛ فهل يراد لنا الاعتقاد أن الصورة الحقيقية للشعب المصري هي غير ذلك؟

 هل يُراد لنا أن نفقد الثقة بالناس وجماهيرهم؟ وهل في ذلك إلا خدمة للسلطة؟ وهل غير السلطة الملتزمة بشعبها من يستطيع منع ما حدث، أو على الأقل، إزالة أسباب ما حدث؟ وهل يجب أن يحاسَب على ما حدث غير السلطة التي تتحكم بمصر الآن وتدفع شعبها للإحباط؟

 لا شك في أن للإحباط دوراً كبيراً في ما حدث. والمسؤول عن الإحباط معروف. التعمية التي تمارسها السلطة هي أحد أهم أسباب الإحباط. المشاكل الأساسية معروفة. الحلول معروفة، أو يمكن أن يسعى إليها. لكن المطمطة المقصودة في إدارة شؤون الحكم ستكون لها نتائج وخيمة، أقلها ما حدث في بور سعيد في مباراة رياضية.

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا