<%@ Language=JavaScript %> سمير كرم التأثير المتبادل بين العرب وأميركا
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

التأثير المتبادل بين العرب وأميركا

 

 

سمير كرم

 

يمكن القول إن البعد الاجتماعي منسي او ـ على الأقل شبه منسي ـ في ربيع الثورات العربية، ويبدو انه ينتظر صحوة جديدة في الحركة الثورية تؤكد أن الديموقراطية والتحرر السياسي لا يكفي وحده بين أهداف الثورة.

ولكن على العكس من ذلك، يبدو ان البعد الاجتماعي هو وحده المحرك الأول والأهم في ربيع الثورة الاميركية الذي يحمل حتى الآن عنوان «احتلال وول ستريت» وما تبعها من حركات تحمل الشعارات نفسها في طلب صريح لتغيير نمط الرأسمالية الاميركية الذي ركب على ظهور العمال الأميركيين عشرات السنين.

ولا نبتعد عن الحقيقة بأي درجة إذا قلنا إن النظام الاميركي تحت ضغط الثورة الاحتجاجية يحاول ان يعوض موقفه المهتز تحت هذا الضغط، بوجوده المحسوس في ربيع الثورات العربية، وبصفة خاصة وجوده العسكري الذي حسم المواجهة العنيفة في ليبيا بدور حلف الاطلسي، واحتمالات تدخل مماثل في سوريا على الرغم من كل التأكيدات الصادرة من هذا الحلف بأنه لا ينوي التدخل في سوريا... من دون أن يقدم تفسيراً او تبريراً لهذا الامتناع حتى الآن.

ولا نبتعد عن الحقيقة ايضاً إذا قلنا بصريح العبارة ان النفوذ الاميركي مسؤول اكثر من اي عامل آخر عن الوضع الراهن الذي وصلت اليه ثورة مصر. يغيب البعد الاجتماعي عنها ويختفي بصورة تامة البعد الخارجي، نعني بُعد السياسة الخارجية الذي يجعل سياسة مصر تبدو استمرارا لما كانت طوال سنوات حكم نظام حسني مبارك.

في الوقت نفسه ينبغي ان نتنبه الى غياب تام للعامل الاسرائيلي عن ثورة الاحتجاج الآخذة في الاتساع في انحاء الولايات المتحدة طلباً للتغيير الاجتماعي. ولا يكاد المرء يصل الى إجابة على السؤال: متى تتنبه الثورة الاحتجاجية الاميركية، وهي تأخذ في النمو قوة واتساعاً، الى ان اسرائيل تشكل عبئاً على ظهور العاملين الاميركيين، وأن الأوان قد آن لرفع هذا العبء عن كاهل اميركا؟

ان العبء الاسرائيلي على كاهل الشعب الاميركي لم يدخل بعد عنصراً ضمن عناصر الاحتجاج الذي يمثل 99 في المئة من الشعب الاميركي، ضد نسبة الواحد في المئة التي تمثل اغنياء اميركا الموغلين في الثراء ومعهم مؤسساتهم. وقد تبدو هذه المسألة حتى الآن مسألة عربية اكثر منها مسألة تهم الشعب الاميركي، سواء قبل او بعد ربيع الثورات العربية. ولكن لن يظل هذا الوضع ممكناً مع كل ما يردده الاعلام الاميركي على اختلاف توجهاته، من محافظ الى ليبرالي الى يساري، من ان الحركة الاحتجاجية الاميركية انما استلهمت الربيع العربي وتأثرت بأسلوبه والطريقة التي تحدى بها الواقع الذي كان يبدو جامداً.

إن ظهور العامل الاسرائيلي ضمن احتجاجات العاملين الاميركيين لن يتأخر كثيرا. سترتفع في ميادين التحرير الاميركية لافتات تعبر عن الاحتجاج المباشر والصريح على العبء الذي تمثله اسرائيل على الدخل القومي الاميركي. ولن يكون هذا مرهونا الا بظهور الاحتجاجات على السياسة الخارجية الاميركية وتكاليفها المبالغ فيها والتي لا تكف عن التصاعد حتى بعد اختفاء الخطر السوفياتي وتوابعه. وبمعنى اوضح امتداد الاحتجاجات الاميركية الى الجانب المتعلق بالنفقات الدفاعية التي كانت تبرر بالخطر السوفياتي وتبرر الآن بالخطر الارهابي.

صحيح ان دعم اسرائيل المالي والعسكري المباشر لا يكلف دافع الضرائب الاميركي إلا ما بين ثمانية مليارات وعشرة مليارات سنويا وهذا لا يشكل نسبة كبيرة من الدخل القومي الاميركي. ولكن اذا اخذت تكاليف السياسة الخارجية الاميركية ـ بما فيها التكاليف الامنية ـ المترتبة على دعم اسرائيل فإنها لا بد ان تحسب بأرقام اعلى كثيرا، خاصة وهي مسؤولة عن تكاليف مواجهة ارهاب بقصد ازالته تماما من دون تغيير السياسات الاميركية المتسببة فيه وفي وجوده واستمراره. وهذا بصرف النظر عن تراجع هذا الخطر في الآونة الاخيرة، حتى وفقا للتقديرات الرسمية الاميركية نفسها.

ولعل الاختلافات البادية في المسلك الاميركي تجاه اسرائيل في الفترة القصيرة الاخيرة، وخاصة المتعلقة برغبة اسرائيل في الإقدام على شن هجوم مباشر على ايران بحجة ازالة مؤسسات مشروعها النووي، وهو ما تعارضه الولايات المتحدة لاعتبارات تتعلق اساسا بعدم ثقة اميركا بقدرة اسرائيل على شن مثل هذا الهجوم من دون ان يؤدي الى ردود افعال ايرانية ذات ابعاد كارثية على اسرائيل وكل من يمكن ان يساعدها في مثل هذا الهجوم، حتى بفتح مجاله الجوي للقاذفات والمقاتلات الاسرائيلية.

واذا اضفنا الى هذا البعد المتعلق بسياسة اسرائيل تجاه الفلسطينيين وطموحاتهم الوطنية، بما في ذلك استمرار اسرائيل بعناد في التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية (العربية)، نستطيع ان نتوقع امتداد الاحتجاجات الاميركية في حركة «احتلال وول ستريت» الى هذا الجانب من السياسة الخارجية الاميركية. ولا بد من الاشارة هنا الى اتساع نطاق التعاطف بل التأييد الشعبي الاميركي للفلسطينيين وتطلعاتهم الى قيام دولة فلسطينية.

وعلى الرغم من ان حملة انتخابات الرئاسة القادمة التي ستزيد من نشاط الحركة الاحتجاجية ببعدها الاجتماعي ستخضع لتقليد اميركي عاش طويلا، هو ابتعاد الحملات الانتخابية الرئاسية عن قضايا السياسة الخارجية، الا ان حملة العام المقبل تظهر دلائل على انها ستتناول من السياسة الخارجية الاميركية ما يتعلق اساسا بميزانية «البنتاغون» (وزارة الدفاع الاميركية) والميزانيات ذات العلاقة، مثل ميزانيات المخابرات والمساعدات العسكرية الخارجية، بما في ذلك المساعدات التي تخص اسرائيل.

وعلى ذكر حملة الانتخابات الرئاسية - وما ينتظر من انعكاساتها على الثورة الاحتجاجية الاميركية ـ فإن التوقعات التي تبني على الازمة الاقتصادية تصورا بأن الجمهوريين (اي التيار السياسي المحافظ) يمكن ان يستفيدوا هذه المرة بالضغط من اجل انتخاب مرشح رئاسي جمهوري محافظ، لأن ذلك يضمن سياسة ترمي الى تقليص النفقات الحكومية، فإن مثل هذا التوقع لا يبدو صائباً في ضوء حقيقة ان الجمهوريين المحافظين يؤيدون جانبين من السياسة، يلقيان معارضة قوية من الثورة الاحتجاجية: فالمرشحون الجمهوريون يؤيدون زيادة الإنفاق على الميزانية العسكرية، ضمن سياسة خارجية متشددة، ويؤيدون في الوقت نفسه فتح كل ابواب الفرص امام الرأسماليين الاميركيين الكبار لتحقيق مزيد من الارباح، والأحرى ان نقول انهم يؤيدون إطلاق هذه الفرص لتحقيق ارباح بلا اية حدود او قيود.

وعلى وجه التحديد فإن طروحات المرشحين الجمهوريين للرئاسة الاميركية في انتخابات العام المقبل تناقض وتتعارض الى اقصى الحدود مع تطلعات الثورة الاحتجاجية التي لا يمكن تصور غياب تأثيرها على عملية التصويت عندما يحين وقتها. ولا يعني هذا ان الرئيس الحالي باراك اوباما سيكون ذا حظ اوفر للفوز بالرئاسة، باعتبار ما كان يعد به في حملته الانتخابية السابقة (2008). وهنا لا بد من التأكيد على حقيقة واضحة وضوح الشمس هي ان السياسات التي انتهجها اوباما خلال السنوات الثلاث التي انقضت من رئاسته هي التي اوصلت آلام العمال الاميركيين ومحدودي الدخل والفقراء الاميركيين الى نقطة الذروة التي اسفرت عن انطلاق حركة «احتلال وول ستريت» واتساع نطاقها ووضوح اهدافها.

ان التنبؤ بنتيجة انتخابات الرئاسة الاميركية في العام المقبل ـ وهي مهمة اتسمت دائماً بالصعوبة ـ سيكون امراً بالغ الصعوبة بشكل خاص. فمن ناحية هناك تأثيرات الاحتجاجات التي اكتسبت للمرة الاولى في الاعوام الثلاثين الاخيرة طابعاً تنظيمياً وجماهيرياً واسع النطاق، وهناك، من ناحية اخرى، ما تواجهه الولايات المتحدة في الوقت نفسه من تحديات تتمثل في ربيع الثورات العربية وما يتعلق بأهداف هذه الثورات في مجال السياسة الخارجية ..اي في مجال مواجهة تحديات النفوذ الاميركي والضغوط الاميركية. فإذا اضفنا الى هذا صعوبة مواصلة التأييد الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي لإسرائيل، بما يعنيه من نفقات على دافع الضرائب الاميركي، لا بد ان نتوقع مواجهة ساخنة ـ على اقل تقدير وتجنبا للمبالغة ـ بين الحركة الشعبية الاميركية والسلوك الاميركي الرسمي التقليدي في عهود حكم الديمقراطيين والجمهوريين على السواء.

كيف ستكون التأثيرات المتبادلة بين ربيع الثورة الاحتجاجية الاميركية وربيع الثورات العربية وما ينتظر لها من تطورات في العام المقبل، وهو نفسه عام انتخابات رئاسية اميركية تؤكد الشواهد انها لن تكون انتخابات ككل الانتخابات السابقة؟

إنه سؤال مركب وشديد التعقيد. العناصر التي يمكن ان تشكل الإجابة الموضوعية له لا بد ان تأخذ في الاعتبار حجم الوجود الاميركي في منطقة الثورات العربية، التوقعات المتصورة للثورات العربية وهي تكرس وجودها او تصحح مساراتها، التأييد العربي من هذه الثورات لقضية الشعب الفلسطيني، وضمن ذلك ثورة العرب على الغطرسة الاسرائيلية وعلى الدعم الاميركي لهذه الغطرسة كسياسة لم تعد تلائم تطلعات الشعب الاميركي في ثورته الاجتماعية الجديدة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخه.

إن منطق هذه التطورات المحتملة المتوقعة يؤكد ان غياب البعد الاجتماعي عن الثورات العربية ووجوده بوضوح في الثورة الاحتجاجية الاميركية الاولى يمكن ان يؤدي دوراً بالغ الاهمية في الساحتين. والامر المؤكد في هذا السياق هو ان تطورات العام المقبل المنتظرة في الوطن العربي لا بد ان تتجه نحو تعويض غياب البعد الاجتماعي عن الثورات العربية وبشكل خاص في مصر، انما ايضا في ليبيا وفي سوريا وفي اليمن وقبلها في تونس ـ وهنا لا يمكن إنكار اي تأثير يمكن ان يكون للثورة الاميركية، ثورة الـ99 في المئة من الفقراء والمضغوطين اقتصادياً، على الثورات العربية التي تحتم عليها ان تبدأ من البعد السياسي، سعيا نحو الديموقراطية. بينما لا بد ان تتجه تطورات الربيع الاميركي في العام المقبل نحو التخلص من حتميات فرضت على السياسة الخارجية الاميركية ان تكوّن روابط مع اسرائيل تفوق كل احتياجات اميركا السياسية والامنية والاستراتيجية.

وفي هذه الظروف ـ حيث لا بد من الاحتراز من ميل التوقعات الى بلوغ حدود قصوى - لا بد ان نقول انه اذا بقيت السياسة الخارجية الاميركية بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2012 على اسسها القديمة، وبقيت الاهداف الاجتماعية للثورات العربية من دون ان تتحقق، فإن هذا يعني ان الكتلتين السياسيتين العربية والاميركية ستتعرضان لحالة من الفوران قد تمتد لفترة طويلة، ربما لسنوات، من اجل تحقيق هذه التغيرات.

مع ذلك لا بد من مراقبة احداث العام المقبل ـ في الولايات المتحدة وفي الوطن العربي ـ بكل دقة وبكل اهتمام، لأن الارجح ان الثورة الاجتماعية الاميركية والثورة الديموقراطية العربية ستسيران نحو تحقيق ما لم يتحقق من اهدافهما.

إن عالماً جديداً في اتجاهاته وتوجهاته ينتظر ما سيجري على جانبي الاطلسي على يد الشعوب ليحقق لهذه الشعوب ما ترمي اليه.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا