<%@ Language=JavaScript %> رغيد الصلح الانتفاضات العربية والصراع على المنطقة
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الانتفاضات العربية والصراع على المنطقة

 

 

رغيد الصلح

 

تستهدف اليقظة العربية تبديل الوضع الراهن في المنطقة عبر تحقيق الانتقال من النظم المطلقة إلى النظم الديمقراطية، فضلاً عن تحقيق جملة أهداف على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والوطنية . وأطلت هذه اليقظة على المنطقة فيما تشهد ويشهد معها العالم متغيرات مهمة ومتسارعة .

هذه المتغيرات أسهمت في تحويل اليقظة العربية إلى حدث عالمي، وحولت المنطقة مجدداً إلى بؤرة صراع دولي متنام . وكما كانت المنطقة سبباً رئيساً من أسباب انقسام المجتمع الدولي في بدايات القرن الفائت إلى معسكرين وإلى وقوع الحرب العالمية الأولى، وكما كانت المنطقة أيضاً من أسباب الانقسام الدولي إلى معسكرين وإلى بدء الحرب الباردة، فإنها تبدو اليوم سبباً مهماً من أسباب انقسام دولي جديد بين معسكري الحلف الأطلسي ومعسكر “دول بريكس” الذي يضم الصين وروسيا والهند والبرازيل . هناك بالطبع فارق كبير بين المعسكرين، فالحلف الأطلسي هو كيان دولي قديم يتسم بدرجة عالية من التماسك، أما تحالف “دول بريكس” فإنه مولود حديث وغير متماسك كفاية ولكنه تمكن حتى اليوم من الصمود في وجه تحديات جدية . فما هي المواقف التي يتخذها كل من التحالفين؟ وكيف يمكن أن تؤثر هذه المواقف في مستقبل اليقظة ومن ثم المنطقة العربية؟

بدأت هذه الأحداث، وكأن هناك إجماعاً بين الحلف الأطلسي وبريكس على الحفاظ على الوضع الراهن . فبينما سعت دول الأطلسي الرئيسة بادئ الأمر إلى إبعاد عواصف التغيير عن نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فإن “دول بريكس” سارت على الطريق نفسه . ولبث الإعلام الصيني فترة ينعت فيها الجماهير المصرية التي طالبت بالتغيير ب”الغوغاء” . واستمر هذا الموقف بعد أن ضربت هذه العواصف نظام العقيد القذافي، إذ سهلت “دول بريكس” بما في ذلك روسيا ذات المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الضخمة في ليبيا، اتخاذ القرار الدولي بمنع تحليق الطيران فوق الأراضي الليبية .

إلا أن صورة هذا الوفاق الدولي أخذت تهتز اهتزازاً شديداً بعد أن تم تغيير النظامين المصري والتونسي . لقد بدت دول الأطلسي، وخاصة بريطانيا وفرنسا، وكأنها تحولت إلى قوة تدخل وتغيير بل إلى قاطرته، وإلى أنها الحليف الدولي الرئيس للثوار العرب الذين يطالبون بالديمقراطية وبالعدالة الاجتماعية . بالمقابل، ظهرت “دول بريكس” وكأنها قوى وضع عربي راهن، وأنها تسعى إلى الحفاظ على النظم المطلقة في وجه المطالبين بالتغيير! فكيف يمكن تفسير هذا الواقع؟ كيف يمكن تفسير انقلاب دول الأطلسي وهي المستفيد الأكبر من الأوضاع الدولية الراهنة، على الأوضاع العربية الراهنة؟ وكيف يمكن تفسير وقوف “دول بريكس” التي تشكل أكبر تحد للوضع الدولي الراهن، إلى جانب الوضع العربي الراهن؟

حوّل البعض هذه المفارقة اللافتة للنظر إلى مناسبة للربط بين موقف الصين وروسيا، ركني تحالف “بريكس”، تجاه الانتفاضات الديمقراطية العربية، من جهة، وبين نظامي الحكم في البلدين . فالنظام الصيني لايزال، في نظر هؤلاء، نظاماً استبدادياً . لقد خافت النخبة الصينية الحاكمة من أن تجدد مظاهرات ميادين الربيع العربية ذكريات ساحة تياننمين في بكين، حيث طالب أنصار الديمقراطية في الصين بقيام نظام ديمقراطي تعددي . ووصلت هذه المخاوف إلى حد منع ترداد مصطلح “ثورة الياسمين” في الإعلام الصيني . أما النظام الروسي فإنه، في نظر أصحاب مثل هذه التفسيرات، لايزال نظاماً أوتوقراطياً، يشابه، من حيث الأسس والجوهر أنظمة عربية استهدفتها الانتفاضات العربية . ولقد بذلت موسكو جهداً ملحوظاً، كما يقول أصحاب هذا التحليل، في حماية بعض الأنظمة العربية المستهدفة .

قد يقدم هذا التحليل شيئاً من التفسير للغرابة البادية في موقف كل من التحالفين، ولكن هذا التفسير يبقى ناقصاً وغير معبر عن واقع الحال، وإذا لم نفتش عن العوامل المصلحية التي تؤثر في مواقف القوى الكبرى، إذا لم نفعل ذلك، لن نتمكن من تفسير العلاقة القديمة بين الدول الديمقراطية الليبرالية في الغرب، من جهة، وبين الأوتوقراطيات العربية، من جهة أخرى . فإذا أخذنا العوامل المصلحية في الاعتبار نفهم، إذاً، موقف التحالفين المتنافسين من حركة التغيير العربية .

إذا كان لابد من تغيير الوضع العربي الراهن، فإن دول الأطلسي تفضل أن يتم التغيير الآن وليس في المستقبل القريب أو البعيد . فهذه الدول لاتزال تملك درجة عالية من التأثير في المنطقة، من ثم فإنها تتوقع وتسعى إلى أن يتم التغيير في الظروف الراهنة وتحت خيمة الغرب ومن دون أن يمس مصالحه الجوهرية . في هذا السياق عمدت دول الغرب هي نفسها في بعض الأحيان، إلى قلب أنظمة موالية لها، كما فعلت في فيتنام خلال مطلع الستينات عندما أطاحت حكم نغو دينه دييم، وإلى تسهيل استيلاء العسكريين الموالين لها على السلطة . في حالات أخرى لم يكن لدول الأطلسي علاقات سابقة بقوى التغيير، لكنها سعت إلى التأثير فيها بعد أن أطاحت الأنظمة الموالية للغرب، كما حدث في العراق عام 1958 عندما تمت إطاحة الحكم الملكي في العراق، فسعت دول الغرب إلى دعم فرقاء التغيير الذين عارضوا انضمام بغداد إلى الجمهورية العربية المتحدة .

مقابل ذلك، فإن من وجهة نظر “بريكس” قد لا تكون الظروف الراهنة هي الأفضل لتبديل الوضع العربي الراهن، ولا بأس إذاً، من الاصطبار حتى تتحقق ظروف أفضل يتقلص خلالها النفوذ الغربي في المنطقة بحيث يكون التغيير أفضل من وجهة نظر الدول الأربع البازغة . إن مثل هذا التلكؤ سوف يلقي بظل سلبي على العلاقة بين هذه الدول الصاعدة وبين قوى التغيير العربية، وقد يؤدي إلى استعادة نفوذ دول الأطلسي في المنطقة على نحو يهدد مصالح “دول بريكس” على المدى القريب والبعيد . إنه قد يحرمها، مثلاً، من الإمدادات النفطية في وقت تشتد فيه حاجتها إليها، ويمكّن الغرب من ابتزاز “دول بريكس” على أكثر من صعيد استراتيجي واقتصادي . فإذا شاءت هذه الدول الأخيرة الدفاع عن مصالحها الحيوية فإنه من المفروض بها أن تقدم دعماً نزيهاً لقوى التغيير يقوم على المصالح المشتركة بين العرب والدول الأربع البازغة .

* كاتب من لبنان يقيم في بريطانيا

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا