<%@ Language=JavaScript %> منذر خدام سوريا: عندما يتخلى السياسي والمفكر عن دورهما
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 


 

سوريا:   عندما يتخلى السياسي والمفكر عن دورهما

 


 منذر خدام

 

بعد ستة أشهر من بداية انتفاضة الشعب السوري لا تزال الشعارات هي عنوانها العريض. وبدلاً من أن يحافظ المفكر على مسافة منها تتيح له نقدها وتوجيهها، وبدلاً من أن يشغل السياسي موقع الرأس منها ويحوّل شعاراتها الى رؤى سياسية وبرامج، نجد أنهما "يتعمشقان" بأطرافها وينافسانها في حقلها على شعاراتها.

من مفارقات انتفاضة الشعب السوري الباسلة في سبيل الحرية والكرامة والديموقراطية أنها كشفت عن جاهزية كثير من السياسيين والمفكرين للتخلي عن أدوارهم في إنتاج السياسة أو الفكر والتحول إلى مجرد شعاراتيين، وإذ يفعلون فهم يخونون قضيتهم مرتين: في المرة الأولى عندما يتخلون عن دورهم ووظيفتهم الرئيسة في إنتاج السياسة أو الفكر، وفي الحالة الثانية عندما لم يضيفوا شيئا نوعيا إلى حقل الشعارات. وبالنتيجة فهم يشكلون عبئا على الانتفاضة بدلا أن يكونوا عقلها وموجهها.
الشارع المنتفض يمثل قبضة التاريخ التي تهز عرش الاستبداد وتخلخل دعائمه وأركانه، من خلال التحشيد والتظاهر ورفع الشعارات المعبرة عن مطالبه. هذه هي طبيعته لأنه بالأساس حقل تعبوي، فهو ليس معنياً بإنتاج السياسة ولا الفكر الذي يؤسسها، فهذه مهمات تخرج عن نطاقه، إنها من مهمات السياسيين والمفكرين. فبعد ستة أشهر من بداية انتفاضة الشعب السوري لا تزال الشعارات هي العنوان العريض للانتفاضة.
وبدلا من أن يحافظ المفكر على مسافة منها تتيح له نقدها وتوجيهها، وبدلا من أن يشغل السياسي موقع الرأس منها يحوّل شعاراتها إلى رؤى سياسية وبرامج، نجد أنهم جميعاً يتعمشقون بأطرافها ينافسونها في حقلها على شعاراتها. الشارع يقود، لا صوت يعلو على صوت الانتفاضة، ما ترفعه الانتفاضة من شعارات هو وحده الصحيح، لا ينبغي للسياسيين أن يتخلفوا عنها، إلى آخر هذه التعبيرات اللفظية التي إن دلت على شيء فهي تدل على استقالة العقل السياسي والفكري.
يحضرني في هذا المجال شعار إسقاط النظام الذي عممته الانتفاضة على جميع القوى السياسية والفكرية المعارضة، دون أن تكلف الأخيرة نفسها عناء الإجابة عن السؤال الذي يقبض عليه وهو كيف يمكن إسقاط النظام؟ وحتى لا نقع في خطأ التعميم بودي أن أشير إلى محاولتين غير مكتملتين؛ الأولى قامت بها حركة "معا" من أجل سوريا حرة وديموقراطية في رؤيتها للمرحلة الانتقالية التي لم تقرها بعد رغم مضي وقت كاف على طرحها للنقاش العام، والمحاولة الثانية هي ما تقدمت بها هيئة التنسيق إلى مؤتمرها الأخير من رؤية رفضها المؤتمر، وكلفها بإعادة النظر فيها في ضوء مناقشاته، لكن قيادة الهيئة لا تزال تتباطأ في إنجازها.
أما بالنسبة لقوى إعلان دمشق والتيارات الدينية وغيرها من القوى التي صار يضمها المجلس الوطني السوري، وهي الأكثر صخبا في حديثها عن إسقاط النظام فلا تزال تمتنع عن الإجابة عن السؤال عينه. ويكاد يكون الحال ذاته بالنسبة للمشتغلين في حقل الفكر والثقافة بصورة عامة. وإذا كانت القوى السياسية والفكرية المعارضة على اختلافها لا تجاهر بما تراه من إجابة عن السؤال عينه فهذا لا يعني أنه ليس لديها جواب، بل لديها وهي تقوله في كواليسها.
بالنسبة للقوى السياسية المنضوية في هيئة التنسيق الوطنية ترى أنه يمكن إسقاط النظام بالاعتماد على القوى الذاتية للشعب السوري، بشرط تكثيف الجهد لتحويل انتفاضته إلى حركة جماهيرية تشارك فيها جميع فئات الشعب السوري. وهي إذ ترفض التدخل العسكري الخارجي لمخاطره الجمة على الكيان السياسي السوري بحسب رأيها، فهي ترحب بكل عون سياسي وديبلوماسي وقانوني خارجي يسقط الشرعية عن النظام، ويلجم تغوله في قمع الشعب. من الناحية الإجرائية فهي لا ترى ما يمنع التفاوض مع ممثلي السلطة لتيسير عملية الانتقال من النظام الاستبدادي إلى النظام الديموقراطي المنشود، بأسرع وقت وبأقل الخسائر تحقيقا لما تراه من ضرورة تحقيق انتقال سلمي وآمن.
بدورها القوى المنضوية في إطار المجلس الوطني السوري ترى أن هذا النظام لا يمكن إسقاطه إلا من خلال التدخل العسكري الخارجي، وهي تغطي طرحها بما يطالب به المنتفضون من حماية دولية وحظر جوي وصولا إلى ضرب مراكز القوة عند النظام. من الناحية الإجرائية وبضغط من الانتفاضة الرافضة للحوار ثمة مروحة من الآراء تبرز من خلال تصريحاتهم، بعضها يقول بالتفاوض مع النظام على المرحلة الانتقالية لكنه يرفض الحوار مع الرئيس (برهان غليون في مقابلته مع مارسيل غانم)، بدوره رياض الشقفة، المرشد العام للإخوان المسلمين في سوريا، الذي ما انفك حزبه يفاوض النظام على السماح لهم بالعودة إلى سوريا كدعاة وليس كسياسيين، صار يدعو صراحة للتدخل العسكري، ويرى أن المرحلة الانتقالية تبدأ بإزاحة عائلة الأسد عن السلطة، يشاركه في قوله هذا كثير من قادة إعلان دمشق.
ودون الدخول في جدل غير مجد حول من هو المصيب ومن هو المخطئ، هيئة التنسيق أم المجلس الوطني السوري أريد تسجيل الملاحظات الآتية:
أولا؛ الجميع يبني مواقفه على الانتفاضة فحسب، في مزايدة غير سياسية، جعلتهم لا ينظرون إلى الطرف الآخر في معادلة موازين القوى، اعني القوى الداعمة للنظام، وهي ليست أمنية فحسب، بل اجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها.
ثانيا؛ الجميع يتجاهل كون الشعب السوري افتقر إلى حياة سياسية طبيعية طوال عقود من السنين، وأن غالبية الأجيال السورية هي أجيال شكلها البعث على طريقته، وأن عملية إعادة تكوينها بما يستجيب لمتطلبات ممارسة الحرية والديموقراطية ليست عملية سهلة. وإذ تقوم الانتفاضة بجزء مهم من هذه العملية، يبقى دور الأحزاب السياسية، التي تصيّرت في ظروف الاستبداد كأحزاب غير ديموقراطية، يكاد يكون غائبا تماماً.
ثالثا؛ الجميع يتجاهل كون شعار إسقاط النظام يحيل إلى عملية معقدة سوف تستغرق زمنا طويلاً، لها أكثر من بداية محتملة، لكل منها ممكناتها وكلفتها، منهم من ينحاز إلى إسقاط الرئيس كبداية، ومنهم من يشمل مع الرئيس عائلته، وهناك من يرى أن تنطلق العملية بإعداد دستور ديموقراطي جديد مع كل ملحقاته من القوانين التنفيذية ليتسنى بعد ذلك هزيمة السلطة الحاكمة عبر صناديق الاقتراع.
رابعاً؛ ثمة خشية حقيقية من أن تكون الانتفاضة والأحزاب السياسية المعارضة قد ذهبت بعيدا عن ميدان السياسة حيث فيه فقط يمكن استجماع القوى والعوامل والظروف وتكييفها وتوظيفها للوصول إلى الهدف المنشود، وهي في ظروف سوريا على درجة عالية من التعقيد والتشابك.
بقي أن أشير بأسف إلى أن كثير من الأوهام تختلط بالوقائع لتؤسس لسياسة المعارضة السورية، فهل من فرصة للفصل بينها؟!


( معارض سوري (حركة معاً))

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا