<%@ Language=JavaScript %> منير درويش ياسين الحافظ والربيع العربي
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

ياسين الحافظ والربيع العربي

 

 

منير درويش

 

إذا كانت أسرة المناضل العربي ياسين الحافظ قد تعرضت لمأساتين متتاليتين، الأولى قبل سنتين، بوفاة أبنته الصغرى (36 عاماً)، ثم قبل عدة أشهر بوفاة ولده هيثم (41 عاماً)، فإن العزاء جاءها من الربيع العربي وما حققه من إنجازات خلال الأشهر العشرة الماضية، والتي شهدت تحولات كانت في اتجاهها العام تلتقي مع ما أسس له الحافظ من وعي، إما في منظومته الفكرية أو في نشاطه السياسي، خاصة قضايا الحرية والديموقراطية والعدالة، التي ميزت مطالب هذا الربيع. هذا الوعي شكل العامل الأساسي في حركة الحافظ السياسية، ومراهنته عليها للتحرر من الاستعمار والتبعية، أو في نجاح واستمرار أية وحدة عربية سعى لها وأسس لأفكارها.

لم يكن الحافظ مخطئاً في تحليله للواقع العربي المتأخر، ولكنه ربما نظر لهذا الواقع من خلال الوعي الظاهر، وتجاهل الوعي الكامن الذي شكل الاحتقان وهو يتأسس ويتجذر على شكل وعي ثوري متراكم لا يحتاج لأكثر من ثغرة صغيرة حتى ينفجر. وهو ما تنبأ به قائلاً «رغم التأخر العربي، إلا أن احتمال الانفجار يبقى قائماً في أي لحظة». وهو ما حصل في الدول العربية التي شهدت الثورات الشعبية التي تفجرت من خلال بؤر صغيرة أو حوادث هامشية، بدأت مع محمد بو عزيزي في تونس لتسقط بعدها أعتى الدكتاتوريات العربية المتبقية في العالم، وتتابعت حتى طالت الدول العربية بأشكال متعددة، فأرعبت العالم ودفعت بشعوب عدة لأخذ هذه التجربة بعين الاعتبار حتى في الدول الديموقراطية نفسها.

لقد أعادت هذه الثورات الصورة الحقيقية للتاريخ العربي بعد أن بدا للكثيرين بأنه اختفى إلى غير رجعة، وهذا ما لم يتجاهله الحافظ. لكن عودة التاريخ العربي الآن جاء حقيقياً وفاعلاً وليس على شكل أهازيج ومدائح وأشعار، كما بدأ شيئاً فشيئاً يفرض نموذجاً سياسياً أبسط ما فيه أنه جعل العالم يحسب حساباً لنا بعد أن تجاهل وجودنا وألقى بنا على أطراف السياسة.

بالتأكيد لم تكن هذه الثورات بلا ثمن، بل كان ثمنها غالياً جداً في الدماء التي سالت، وعدد الشهداء الذين سقطوا، والاقتصاد الذي تخرب، والإشكالات الاجتماعية المعقدة التي ظهرت، بل أنها لم تخلُ من بعض التجاذب عندما حاولت قوى عديدة من استغلالها لصالحها، وخاصة الولايات المتحدة التي حاولت رغم سياساتها المعادية للعرب أن تظهر وكأنها حليفة لهذه الثورات ومدافعة عن الحقوق التي رفعتها في وجه الطغاة الذين نصبتهم ودعمت وجودهم ولم تجد بداً من التضحية بهم.

لم يصل الوعي العربي حتى الآن للمستوى الذي حلمنا به بعد انطلاق الثورات، لكنه استطاع أن يرسم ملامح هذا المستقبل، ولم يعد ممكناً الآن برغم كل الظروف أن توصف الواقع العربي بأنه فيل عاجز أمام الضفدعة الإسرائيلية الفاعلة (مقالة ياسين. الفيل العربي، والضفدعة الإسرائيلية). وعليه، رغم عدم الوضوح لهذا المستقبل فإن الوعي السياسي الذي رافق الظاهرة كفيل بأن يمنح العرب فرصة كبيرة لمستقبل هو بكل ما يحمل، أفضل بكثير من الواقع الذي عشنا فيه لسنوات طويلة. بعد أن جعلت الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والسياسات الغربية من الوطن العربي سوقاً للنهب والاستغلال، تعيد حساباتها على ضوء الواقع الجديد.

لم تكن السنوات الطويلة التي تلت موت الحافظ بلا أحداث كبرى، لكن مسار التاريخ فيها كان رتيباً ومملاً ولم تختلف هذه السنوات عن التي عاشها الحافظ وهو يشهد الانحدار العربي، خاصة بعد هزيمة حزيران ووفاة عبد الناصر، لا بل إنها شهدت مزيداً من التراجع والانهيار، حتى استطاع شعب تونس العظيم وهو ينزل إلى الشارع بصدور عارية أن يفتح الباب واسعا أمام الشعوب العربية للثورة على الظلم والطغيان طلباً للحرية والكرامة.

لكن المخاوف الكبرى التي تبرز الآن هي في تجاهل موضوع العروبة وتغييبها، وهي التي تشكل القضية المركزية في وعي الحافظ. ولم يكن هذا التجاهل من قبل مجموعات بعيدة أو معادية أصلاً للعرب، بل من قوى طالما تبنتها ودافعت عنها، فأصبحت القضية الوطنية هي الركيزة الأساسية التي بنيت عليها، وأصبحت التجزئة ليست واقعاً قائما بل إيديولوجية مبررة، يحاول البعض فرضها على هذه الثورات، رغم أن الحافظ لم يتجاوز الدولة الوطنية بل جعل استمرارها وقوتها في ظل العالم المتغير والمتشابك رهناً بتطور مفهوم الوحدة للأمة.

والشيء الآخر الذي له أهمية في هذه الثورات، والذي حذر منه الحافظ دوماً، هو رفض كل أشكال التدخل الخارجي في الشؤون العربية، وهو ما تتجاهله قوى عديدة مؤثرة في هذه الثورات، برغم أن وعيها العام وتوجهاتها السياسية ترفض رفضاً قاطعاً التدخل لأنها تدرك أنه لن يصيب النظام بل سيؤدي لإسقاط الدولة ومؤسساتها ككل.

وإذا كانت مطالب الديموقراطية، والحرية والعدالة التي تبناها الحافظ هي التي حركت الشعوب العربية بعد حالة الإذلال السياسي والاقتصادي الذي طال كل شيء حتى المشاعر الوطنية، وإذا كان التأخر التاريخي والتخثر المجتمعي غائباً عموماً في وعي الثورات، فإن الغائب الأهم كان الشعور العربي الذي يوحد هذا الحراك ويدعمه. إذ يجري الخلط بين التأسيس للحالة الوطنية على أسس لبرالية تبنتها كتلة كبيرة من اليساريين العرب الذين شعروا بفشل مشروعهم السياسي والفكري بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فأخذت تتخلى عن انتمائها العربي، حتى أن بعض الذين كانوا يصفون الحافظ بالمفكر العربي اكتفوا الآن بلفظ المفكر بعد حذف صفة العربي. في الجانب الآخر هناك التيارات الدينية الإسلامية المتعددة المشارب والمشاريع التي تنكر إلى حد كبير فكرة العروبة وتتنصل منها رغم تبنيها لفكرة الاعتراف بالآخر.

نحن لا نكتب الآن لنعزي أسرة ياسين الحافظ بمصابها الأليم، ولكن لنقول إن التراث الثقيل الذي تركه هو وغيره من المثقفين بدأ يعطي ثماره فلنعمل عل جبرنته أي تحويله إلى الجبر في الرياضيات بتحليله وتركيبه كي يرتسم تجارب على أرض الواقع.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا