<%@ Language=JavaScript %> مازن السيد تونس: الديموقراطية تهزم ... «الديموقراطيين»
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

تونس: الديموقراطية تهزم ... «الديموقراطيين»

 

 

مازن السيد

 

تحول مؤشر المواسم في تونس أمس، إلى الاعلان عن بوادر قدوم «الخريف الإسلامي». وكاد «الديموقراطيون» التونسيون يطلقون مكبرات الصوت لتصدح بالآيات القرآنية في نعي الثورة التونسية على مذبح «النهضة» الإسلامية. لكن «الاكتساح الاسلامي» الذي سارع كثيرون إلى الحديث عنه يبقى غير نهائي في ظل غموض مستمر حول النتائج الفعلية للانتخابات التونسية، مع العلم ان هزيمة القوى الليبرالية واليسارية تبدو مؤكدة.

لم يعلن رسميا عن أكثر من نتائج جزئية لفرز أصوات الصناديق الانتخابية في الخارج، لكن «النهضة» أكدت أنها تصدرت كافة الدوائر التونسية بنسبة تفوق الـ30 في المئة، وإن كانت أوساطها تروج لحصولها على ما يقارب الـ50 في المئة، من الأصوات التونسية. وفيما كانت جهات المراقبة الدولية، تتغنى في كلام يشبه الشعر بـ«ديموقراطية الربيع العربي» المقبلة من تونس، كان «الديموقراطيون» من القوى اليسارية والليبرالية يعلنون «تقبلهم» للنتائج كيفما أتت، ويعبرون عن مرارة تاريخية يمتزج بها اللوم الموزع على الشريك «الديموقراطي» الذي لم يتحول حليفا، و«المؤامرة الإسلامية» العالمية.

الفوز... المبدئي

ومن حي «مونتبليزير» الراقي في العاصمة تونس، حيث يحتل مقر «النهضة» مبنى كانت تشغله مصالح مؤسسة اتصالات تونس، خرج عضو المكتب التنفيذي للحركة الإسلامية عبد الحميد جلاسي ليعلن أمام مناصريه المحتفلين منذ مساء أمس الأول، أن «النهضة» تصدرت كافة الدوائر الانتخابية في تونس، وأنها حصلت على أكثر من 30 في المئة من الأصوات بمجملها، مهنئا «التونسيين بفوز الديموقراطية». كما توقع وجود 5 أو 6 ائتلافات في المجلس التأسيسي المقبل.

لكن أوساط «النهضة» كانت تتحدث عن أرقام تفوق ذلك بكثير، وذهبت إلى حد التأكيد بحيازتها ما يناهز الـ50 في المئة من أصوات الناخبين، حسبما انتشر على صفحات الـ«فيسبوك» الرسمية للحزب.

في الاتجاه نفسه صبت نتائج فرز صناديق الاقتراع في الخارج، التي أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات خلال مؤتمر صحافي تأجل مرتين في قصر المؤتمرات على بعد مئات الامتار من مقر حزب «التجمع» الحاكم سابقا. وأتت هذه النتائج على الشكل التالي: من أصل 18 مقعدا مخصصا للتونسيين المغتربين في المجلس التأسيسي، حازت «النهضة» على 9 مقاعد، أما المقاعد الـ9 المتبقية فتوزعت على «المؤتمر من أجل الديموقراطية» بزعامة منصف المرزوقي الذي حصل على 4 مقاعد، و«التكتل الديموقراطي» بزعامة مصطفى بن جعفر الذي حصل على 3 مقاعد، إضافة إلى مقعد حصلت عليه قائمة «العريضة الشعبية» بزعامة الهاشمي الحامدي المنشق عن «النهضة»، و«القطب الديموقراطي» ذي التوجهات الليبرالية المفضل لدى «النخب المثقفة».

وكانت نسب الأصوات أكثر تعبيرا عن الهوة بين نتائج «النهضة» والاحزاب الأخرى، من اعداد المقاعد وحدها، إذ حصلت الحركة الإسلامية على 45 في المئة من أصوات الناخبين التونسيين في العالم العربي، أما «مؤتمر» المرزوقي صاحب المقعد الثاني عن هذه الدائرة الانتخابية فحصل على 14 في المئة من الأصوات. أما في دائرة فرنسا - باريس، فحصلت «النهضة» على 37.7 في المئة من الأصوات، يليها «مؤتمر» المرزوقي بـ12 في المئة.

أما النتائج غير الرسمية المتداولة في وسائل الإعلام المحلية، فأشارت إلى تقدم كبير لـ«النهضة» في عدد من مراكز الاقتراع. وفي ولاية سيدي بوزيد التي تتحلى برمزية كبيرة كونها موقع اشتعال جسد الشهيد الأول للثورة محمد البوعزيزي، حلت «العريضة الشعبية» الإسلامية التوجه في المركز الاول كما أشارت هذه النتائج غير الرسمية، تلتها «النهضة» أيضا. أما في مجمل المكاتب التي شملتها هذه البيانات والتي لم تتعد بضع عشرات آلاف من الأصوات، فبدا أن «مؤتمر» المرزوقي يحتل المركز الثاني بعد «النهضة» مع العلم أن الطرفين كانا قد أعلنا سابقا تحالفا مقبلا في المجلس التأسيسي.

وسعت «النهضة» الى توجيه رسائل طمأنة للداخل والخارج بعد صدور تلك النتائج. وأكد نور الدين البحيري، عضو المكتب التنفيذي لـ«النهضة»، التزام الحزب باحترام حقوق المرأة وتعهدات الدولة التونسية كافة. وأضاف «مهما كانت نسبة مقاعد النهضة لن ننفرد بالحكم ولن نسمح لأحد بأن ينفرد بالحكم... ونحن نمد أيادينا لكل أحرار تونس من أجل تونس بلا ظلم ولا استبداد، ونحن في حوار مع جميع الأطراف السياسية إلا من رفض ذلك».

الحزب «الديموقراطي التقدمي» بزعامة احمد نجيب الشابي ومية الجريبي، شكل إلى حد كبير مفاجأة في عدم حصوله على أي من مقاعد دوائر الخارج، كما أن النتائج التي نقلتها وسائل الإعلام المحلية من محاضر الفرز المعلقة في مراكز الدوائر الجهوية، أشارت إلى هزيمة نكراء لـ«التقدمي» موازية للفوز الجرار لـ«النهضة». وخرج عضو المكتب السياسي لـ«التقدمي» عصام الشابي في مؤتمر صحافي يؤكد أن «الحزب قابل بقوانين اللعبة السياسية، ولن يعترض على النتائج الانتخابية»، مضيفا أن «التقدمي» سيواصل «نضاله ويبقى على الساحة السياسية» في تصريح بدا كإعلان مبطن لانتهاء الدور السياسي للحزب.

وقالت مية الجريبي، إن «المؤشرات واضحة جداً والحزب الديموقراطي التقدمي في وضع سيئ. هذا قرار الشعب التونسي وأنا أنحني أمام خياره وأهنئ من حازوا تزكية الشعب التونسي». وأضافت الجريبي التي ركز حزبها حملته على التصدي للإسلاميين «سنكون دائماً هنا للدفاع عن تونس الحداثة المزدهرة والمعتدلة» معتبرة أن البلاد تشهد «منعطفاً تاريخياً».

الهزيمة المؤكدة

أمام قصر المؤتمرات، خرجت مجموعة صغيرة ممن يسمون هنا بـ«الديموقراطيين» يحتجون على النتائج المرحلية للانتخابات، متحدثين عن شراء «النهضة» للأصوات حينا، وعن لعبها على وتر «الاضطهاد» من قبل النظام المخلوع في التعامل مع الشعب التونسي «العاطفي والمسلم بطبيعة الحال»، حينا آخر. لم تلق هذه الوقفة الاحتجاجية الكثير من الاهتمام، فحتى «الديموقراطيون» أنفسهم كانوا يقرون ضمنيا بتحملهم للمسؤولية نتيجة تشتتهم بين قوائم مستقلة وأحزاب كبرى فشلت في انجاز تحالفات كبرى، تواجه «الخطر الإسلامي».

المناضلة النسوية المعروفة سناء بن عاشور أكدت لـ«السفير»، في الوقت نفسه أنها «مناضلة لا تنطلق من الخوف. وتتبع منهجا فاعلا، لا ضمن منطق رد الفعل»، لكنها أشارت في الوقت ذاته إلى أنه «من الطبيعي أن يكون لدينا مخاوف ازاء الحقوق التي سيضمنها أو يلغيها الدستور الذي سيصيغه المجلس التأسيسي». وردا على سؤال حول قراءتها للنتائج البادية حتى الآن، قالت بن عاشور إن «في ذلك إشارة إلى توجه المجتمع التونسي نحو المحافظة لا إلى التدين، كون الدين بمفهومه العام ليس حكرا على الإسلاميين كتيار سياسي. ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الضعف الكبير لليسار التونسي».

وتشدد بن عاشور «علينا أن نعترف بهزيمتنا الكبرى (كديموقراطيين ويساريين). وهذه الهزيمة ليست في النتائج فحسب بل في المقاربة. لأننا فشلنا في التكتل والتحالف بشكل يحفظ في الوقت نفسه خصوصية كل طرف. ونحن نعيش الآن في فشل وحدة اليسار والديموقراطيين، وضعا مشابها لما حصل في فلسطين ولبنان وغيرها من الأقطار العربية». وعن ارتباط هذا التوجه نحو الإطار الإسلامي في تونس بالواقع العربي بشكل عام تؤكد بن عاشور «أن هذه الظاهرة واضحة على مستوى الوطن العربي، والمرحلة الحالية تشكل نوعا من اللحظة التاريخية بالنسبة للخطاب الإسلامي»، معتبرة أنه «يجب على اليساريين والديموقراطيين بشكل عام في الوطن العربي أن يتبعوا استراتيجية جديدة يتصلون فيها بشكل أكبر مع قوى المجتمع، وهو ما فشلوا في فعله خلال المرحلة الماضية».

«هزيمة» هي «للديموقراطيين» كما قالت بن عاشور، لكنها أكدت في الوقت ذاته أنها «فرحة بفوز الديموقراطية» متمثلة في العملية الانتخابية نفسها.

«الديموقراطية»

هذه «الديموقراطية» الموصوفة تحدث عنها ملاحظو (مراقبو) المعهد الديموقراطي الوطني للشؤون الدولية والذي شاركت بعثته المشكلة من 49 مراقبا في متابعة سير الانتخابات التونسية بمجمل مراحلها. وفي مؤتمر صحافي شارك فيه رئيس بعثة المعهد رئيس البيرو السابق اليخاندرو توليدو ووزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر، مع شخصيات أخرى، أكد الوفد الدولي في غزل امتد حوالي 30 دقيقة أن «التونسيين قاموا بأداء ديموقراطي أبهروا به العالم... وتفوق في معاييره على العديد من الانتخابات في بلاد كالولايات المتحدة»، كما أشاروا إلى مشاركة النساء بكثافة كناخبات وأيضا كمراقبات، مؤكدين أن التجاوزات كانت شبه غائبة.

وقال المعشر الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس البنك الدولي للشؤون الخارجية، «إننا لا نستطيع أن ننتقل من الدكتاتورية إلى الديموقراطية بين ليلة وضحاها. وستبقى الكثير من المشاكل أمام المسار الديموقراطي»، وذلك ردا على سؤال «السفير»، حول إمكانية التحدث عن مسار ديموقراطي حقيقي في ظل غياب الطروحات الايديولوجية الحقيقية وبروز العنصر الإسلامي كمصدر استقطاب أساسي للشعب عبر القناة الدينية التي تلعب دورا مختلفا عن باقي الأفكار والبرامج السياسية.

وأشار المعشر إلى أن «ما حصل في انتخابات تونس ليس شكليا، وعبر التونسيون عن كثير من الوعي»، مضيفا أن «التحدي الأكبر هو كتابة دستور جديد يضمن التعددية حتى لا ننتقل من مرحلة هيمنة واستفراد بالسلطة إلى مرحلة أخرى مشابهة».

وردا على سؤال حول التخوف من الحكم الإسلامي وتحول نظرة عواصم القرار الغربية إلى هذه الأحزاب الإسلامية، قال المعشر إن «هناك ضرورة لإشراك الإسلاميين في الحكم طالما يقبلون مبدأ التعددية ويبقون تحت سقف الديموقراطية»، معتبرا أن الضمانة لذلك تكون في دساتير ما بعد الثورة على المستوى العربي بشكل عام. ويلفت المعشر إلى أن «الغرب كان ينظر للإسلام السياسي على أنه رديف للقاعدة ويستخدم العنف لتحقيق أهدافه. لكنه بدأ يعي الآن أن كل الإسلام السياسي ليس إسلام القاعدة وأنه من غير الممكن تجاهل الأحزاب الإسلامية، علما بأن الأنظمة المغلقة وضعت المواطن العربي أمام غياب الخيارات إلا الخيار الديني». وخلص إلى القول إن المطلوب الآن هو «فتح الخيارات كي تتنافس الأحزاب الإسلامية مع غيرها على كسب ثقة المواطن العربي في ظل النظام الديموقراطي».

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا