<%@ Language=JavaScript %> ماجد يوسف إعادة الأداء الثقافي إلي طريقه الصحيح
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

إعادة الأداء الثقافي إلي طريقه الصحيح

 

 

ماجد يوسف 

 

آثرت باستمرار عند حديثي عن الشأن الثقافي‏,‏ والعيوب البنيوية التي تحكم هذا الشأن‏,‏ من خلال خبرة المتابعة للهيئات والمؤسسات الثقافية‏ (‏الحكومية بالذات‏)‏

 

والتعامل معها لأكثر من أربعين عاما الآن.. آثرت, في نقدي لهذه المؤسسات, أن لا أتوقف عند أسماء وأشخاص, مهما كان حجم تأثير هذه الأسماء وهؤلاء الأشخاص في تحديد المسارات, وتكريس السياسات, وترسيخ الأوضاع, التي ربما سارت عليها هذه المؤسسات لحد كبير (وربما لحد الآن) لقناعتي خصوصا بعد الثورة ـ بأن الهدف ليس النيل من فلان (حتي لو استحق ذلك), أو الثأر والتعريض بعلان( حتي لو كان جديرا بهذا).. وإنما تصحيح مسار المؤسسة الثقافية المعينة, والعودة بها إلي الطريق القويم الذي جعلت له وأنشئت من أجله, والذي تم نسيانه في خضم المصالح الذاتية, والفوائد الشخصية, والسياسات البرانية الزائفة, التي صرفت هذه المؤسسة أو تلك عن هدفها الأصلي وغايتها الأساس.

 

ولعل أول هذه الآفات التي نلحظها جميعا علي القائمين بأمر هذه المؤسسات ـ أو علي معظمهم ـ تشدقهم الدائم بالديمقراطية, وتداول السلطة, واحترام الاختلاف والتعدد وحرية التعبير.. إلخ, ولكنهم يقاتلون من أجل البقاء في مناصبهم وكراسيهم المختلفة بكل الوسائل والطرق الممكنة ولعقود متطاولة.. وكأنهم يعنون بهذه القيم (الديمقراطية وتداول السلطة.. إلخ) الدائرة السياسية فقط.. أما إذا وصلت المسائل إلي الدائرة الثقافية.. اختلف المبدأ, وتنكر له الجميع!.. ولست في حاجة إلي ضرب الأمثلة, فلن نعدم ـ عند استعراضنا لمؤسساتنا الثقافية المختلفة, حكومية وغير حكومية ـ برهان ما نقول!.. وبرغم ذلك أكتفي بإشارة واحدة للتمثيل, أشير فيها إلي واحدة من اللجان المهمة في تقرير شأن فن إبداعي مهم من فنوننا الإبداعية, فإذا برئيس هذه اللجنة, يتربع عليها ويرفض أن يتزحزح عنها, ومن ثم يكرس ـ من خلال هذا التشبث غير الصحي بمقعده ـ لتصورات ومفاهيم وأفكار ومرجعيات في ممارسة هذه اللجنة لعملها.. ليست هي وحدها ـ علي الأقل ـ الأفكار والمرجعيات الصحيحة, ومن ثم يثبت ويجمد ـ بمنطق الشلل ـ لموقف بعينه ورؤي بذاتها يري لصحتها وسلامتها (من وجهة نظره طبعا) في فهم هذا الفن الإبداعي الجميل.. ويتخذ موقفا معاديا لاتجاهات التطور فيه, هو وفريق كلاسيكي يظاهره ويقف معه علي نفس الأرضية الرجعية المتصلبة, بينما لا يفتأ يتشدق فيما يكتبه من مقالات بالديمقراطية وتداول السلطة والتعدد.. إلخ!.. وهذا الموقف ليس استثناء في حياتنا الثقافية كما أشرت.. وبغض النظر عن (س) أو (ص) ـ كما قلنا ـ فالأصل في هذه المواقع, هو تغيير المسئولين عنها بعد عدد معين (ومحدد) من السنين.. تمشيا مع التطور والتغير, واتساقا مع ا لموضوعية المفترضة, وإعمالا لديمقراطية الفرصة وتجردها.. ولاختلاف الذائقة.. وجريان الزمن.. إلخ, ومن غير المعقول أن نشجب التوريث ـ مثلا ـ وسرمدية السلطة السياسية وطغيانها, ونتبع نحن نفس الآليات الدكتاتورية في جوهرها في ممارساتنا الثقافية, وفي إدارة مؤسساتنا الثقافية!!

 

ولا تعاني المؤسسات الثقافية فقط, من هذا الفهم الغائب تماما للديمقراطية, كما أشرنا توا.. بل من الحضور الشائه لها ـ أقصد الديمقراطية ـ في سياقات أخري, وهذا الحضور الشائه للديمقراطية المزيفة في بعض نواحي العمل الثقافي, له الآثار السلبية نفسها لغياب أي حضور للديمقراطية بالمعني الصحيح.. فأن تخصص بعض هيئات النشر في وزارة الثقافة.. سلاسل متعددة, أحيانا شهرية, أو نصف شهرية, أو أسبوعية في فترات سابقة!.. لإبداعات الشباب في القصة والرواية والشعر والمسرح والنقد.. إلخ, فهذا هدف محمود بدون شك, وإجراء شديد الديمقراطية في ظاهره وباطنه العذاب.. الغرض الأصلي منه تشجيع الشباب ـ خصوصا في الأقاليم ـ والأخذ بأيدي الناشئة وشداة الأدب الطالعين في كل مكان من الوطن الكبير.. ولكن أن تتحول المسألة إلي نشر واسع لأجيال وأجيال من الشباب.. (أكثره غث وأقله سمين أو ثمين!).. هنا الخطورة التي تميع القيم, وتسطح المستوي, ويتحول حلم النشر الذي كان يحدونا في شبابنا الباكر إلي التفوق والإجادة, إلي استسهال واستهبال, بل إن خطورة هذه المسألة أنها تؤدي بالتدريج الي انحدار معايير الجودة, وإلي هبوط مستويات الكتابة, إلي حد أن كل من كتب أي كلام فارغ, ودبج اية خزعبلات, اعتبر انه عبقري الشعر أو فلتة القص!.. ودليله هو كتابه المنشور!.. أليس لكل ما هو مطبوع مصداقيته وسحره وصك اعتماده!.. الخلاصة هنا, انني اندد بهذه الديمقراطية الزائفة في النشر, وأشدد علي عودة لجان القراءة الأمينة المتخصصة (وذات المصافي الضيقة جدا) في تحديد معايير الجيد والمتميز والموهوب حقا, حتي لا تنبههم الرؤي, وتضيع الفوارق, وينحدر الإبداع, ويجب أن يتحرر هذا ا لمجال تماما (من عقدة كتاب الأقاليم, الذين تتم مجاملاتهم بدعوي بعدهم عن أضواء العاصمة, وقلة الفرص المتاحة لهم, فيتم (التجاوز عن معايير الجودة والكفاءة والكتابة الموهوبة الحساسة بالنسبة لهم ولغيرهم حتي من كتاب العاصمة.. وفي هذا السياق نفسه, يجب ان لا يتسع مجال النشر في مؤسسات الدولة ـ بشكل عام ـ للمعارف والمحاسيب, أو أصحاب السلطات الإعلامية المختلفة الذين تظهر عليهم أعراض الكتابة فجأة بحكم مناصبهم الإعلامية, ومواقعهم المؤثرة, وإنما أن يكون النشر ـ ويظل ـ حقا مشروعا وواجبا ـ كما قلنا ـ لأصحاب المواهب الكبيرة والإبداع الفذ والتجديد اللافت.

 

وقل مثل ذلك علي مؤسسة أخري من مؤسسات وزارة الثقافة, وهي لجان التفرغ التي تمنح الدولة بمقتضاها (منحة تفرغ) للمستحقين في المجالات الإبداعية المختلفة (قصة ـ رواية ـ شعر ـ فن تشكيلي مسرح.. ألخ).. من أجل (الإبداع) طبعا.. وفي هذا السياق ذهلت من عشرات ومئات الأسماء التي تنعم بهبات التفرغ وعطاياه لسنوات عديدة, تصل لدي البعض إلي ما يتجاوز ربع القرن!.. ولا أعرف منهم اسما واحدا لامعا في أي مجال إبداعي!.. انا المتورط في الحياة الأدبية والفنية لما يزيد عن اربعين عاما الآن كما نوهت سابقا!.. التفرغ, والمنح المعطاة (للإبداع) ليست تكايا يا سادة.. أو معونة شتا أو رعاية لشئون اجتماعية, وليست جمعية (رسالة) مثلا, أو غيرها من جمعيات الخير والبر والتكافل الاجتماعي!.. منح التفرغ, حق (للموهوب) و(المبدع الحقيقي) و(الفنان الأجدر) و(الشاعر المخلق).. إلخ, وتوزيع هذه المنح علي الجميع (بمنطق توزيع الفقر, يحرم المبدع الحقيقي من قيمة عادلة لتفرغه وإبداعه لأن الميزانية المحددة وربما المحدودة ستوزع علي الجميع( المستحق وغير المستحق) بمنطق قسمة الغرماء.. فبدلا من أن يأخذ المتفرغ (المستحق الموهوب) مقابلا عادلا ومجزيا لتفرغه وإنتاجه يتقاسمه مع عدد من غير الموهوبين, ومن ثم, يظلم الجميع, يظلم الموهوب المستحق لأنه حصل علي أقل مما هو جدير به, بحكم إمكاناته ومواهبه, ويظلم غير المستحق وغير الموهوب لأنه (يتوهم) أنه يجتاز (موهبة) لا يملكها, ويملك (إمكانيات إبداعية) هو عار منها تماما في الحقيقة, ومن ثم, يظل يزاحم الموهوبين, أو يقدم ـ في أحسن الأحوال ـ ما يتوهمه إبداعا فذا, وهو محض كلام فارغ!.

 

لابد ـ بعد الثورة ـ من إعادة النظر, في هذه الأداءات المسيئة للثقافة, وإعادة الأمور إلي نصابها الصحيح, وفهم الديمقراطية الثقافية علي نحو يدين الغياب الشائن للديمقراطية أحيانا, أو الحضور الشائه لها في أحايين أخري!

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا