<%@ Language=JavaScript %> ابراهيم فتحى القضايا الكبري لعصرنا الحاضر
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

القضايا الكبري لعصرنا الحاضر

 

 

ابراهيم فتحى

 

كلما ازدادت حدة الأزمة الاقتصادية في البلاد الغربية المتقدمة ارتفعت أصوات اعتذارية تدعي أننا نعيش في عصر جديد لم يسبق له مثيل‏,‏ترك الرأسمالية والاشتراكية وراءه; عصر أفضل منهما وأكثره تماشيا مع الثورة العلمية التكنولوجية, عصر المجتمع ما بعد الصناعي ما بعد الحداثي, مجتمع المعرفة, مجتمع الرفاهية والاستهلاك الجماهيري الواسع. ويري كثيرون أن هذه الألقاب للمجتمعات المعاصرة هي أسماء للتحبب والإعزاز والتدليل( للدلع والكلمة عربية) ولا تدل علي واقع.

وتشهد علي ذلك حركة الاحتجاجات الواسعة في بلدان كثيرة تنتسب إلي هذه المجتمعات المزعومة, حركة ترفع علي راياتها أن عصرنا هو عصر مجتمعات الواحد في المائة. أما المجتمعات غير المتطورة فعنها ما أورد نيلسون مانديلا في إحدي خطبه أن ثلثي سكان كوكب الأرض لم يقم أحد منهم بمكالمة هاتفية واحدة طوال حياته( في مجتمع ثورة الاتصالات), كما أن نصف أطفال كوكبنا لم يعرف طريقه إلي أي مدرسة( في مجتمع المعرفة). وثمرات الثورة العلمية التكنولوجية واقعة في قبضة شركات احتكارية ضخمة عابرة للقوميات لا تعمل إلا من أجل تحقيق أقصي الأرباح.

ويتظاهر المنتجون المباشرون في الإنتاج المادي والذهني ويعتصمون محتجين علي البطالة الضخمة وفوضي الإنتاج الواقعية رغم ادعاءات التخطيط وعلي الهوة الهائلة بين دخول الأغلبية الفقيرة والقلة الغنية الممتازة. حقا لا ينكر أحد أن الثورة العلمية والتكنولوجية أدت إلي مجتمع له سمات محددة قد يطلقون عليه اسم مجتمع ما بعد صناعي, وفيه درجة من البرمجة للإنتاج الكبير والسيطرة الاحتكارية علي السوق, كما يتسم بتصاعد نشاط الدولة الاقتصادي الذي يصل إلي خمس أو ربع الإنتاج الكلي. ولكن ثلث أو نصف الأنشطة الاقتصادية العامة يتعلق بالدفاع والأمن والتسليح, وفي الولايات المتحدة مثلا باستكشاف الفضاء. وهناك زعم يدعي تحول السلطة من أصحاب رأس المال إلي المديرين في الشركات الحديثة الكبيرة. ونلاحظ في الحركة الاحتجاجية المعاصرة هجوما حادا علي مديري البنوك والشركات الذين تحولهم امتيازاتهم المالية الضخمة إلي ملاك كبار. وهناك زعم مبني علي تحول ما يقرب من نصف المستخدمين إلي دائرة الخدمات يدعي أن المجتمع لم يعد صناعيا متجاهلا التصنيع المتزايد لدائرة الخدمات واستعمالها للأدوات والآلات والمعدات والحاسوب في الطب والإسكان والترفيه والإدارة. فنحن مازلنا في نطاق المجتمع الرأسمالي الذي وصل إلي مستوي تكنولوجي جديد مما يؤدي إلي نمو كمي للمثقفين العلميين والتكنولوجيين. ولكن الفئة العليا منهم وحدها هي التي تنضم إلي صفوف الطبقة الحاكمة. فالكثير جدا من المعلومات لا يعني بالضرورة قدوم عصر معلومات ومجتمع معرفة, فهناك تدخل لا ينتمي إلي المعرفة في استخدامها وعرضها وتوزيعها من زاوية الوظيفة السياسية والتوجيه وتحويلها أحيانا بواسطة مثقفين محترفين إلي معلومات مضللة أو محرفة بواسطة دكاترة تجميل في صناعة العلاقات العامة, حيث تسيطر عدة شركات كبري تمتلك الصحافة وقنوات التليفزيون والإنتاج السينمائي يتضاءل عددها مع مرور الوقت لتصنيع التوافق أو فبركته وفرض الانقياد العقلي أو الانصياع علي الجميع. فهناك صناعة ثقافة تحشو الرءوس بما تنتجه من قوالب اصطلاحية واكليشيهات عن مجتمع المعلومات وما بعد المجتمع الصناعي ونهاية الإيديولوجيا تدعي أنها مفاهيم صحيحة وحقائق أكيدة لإدراك الواقع وتوجيه السلوك, ولكنها في حقيقة الأمر أنماط إيديولوجية متجمدة تحاول تزييف وإخفاء حقيقة أن التطور التكنولوجي واقع في قبضة المصالح الرأسمالية الكبري التي تستهدف الربح في المحل الأول. وتصل من ذلك إلي ادعاء أنه لم تعد في عصرنا صراعات اجتماعية بين الطبقة العاملة والمثقفين العاملين من جهة والرأسمالية الاحتكارية من جهة أخري, فلم تعد الرأسمالية موجودة في زعم المجتمع ما بعد الصناعي وأوهامه عن انتهاء عصر الثورات ودخولها إلي متحف التاريخ وهو شيء يكذبه الواقع.

ويرتبط بما سبق ظهور نزعة جديدة هي ما بعد الحداثة بعد سقوط نظام المعسكر الاشتراكي وهزائم حركات الطبقة العاملة في البلاد الرأسمالية. وهي نزعة تضاف إلي عدد من المابعديات الأخري: ما بعد الصناعة وما بعد الفوردية..إلخ, وهي تقوم علي ارتياب بالمفاهيم الكبري التي تأكدت بعد عصر التنويرمثل مفهوم الحقيقة الموضوعية والعقلانية والهوية والتقدم وتحرير الإنسانية والأسس النهائية للتفسير. ويبدو لبعض المثقفين أن المجتمع ما بعد الصناعي بفضل التقدم التكنولوجي وهو المجتمع المعاصر في البلاد المتقدمة يمثل للبلاد العربية هدفا مأمولا في المستقبل بدون آلام الثورات الاجتماعية. وقد يقفز بعضهم من ذلك إلي ضرورة إعادة التفكير في مفاهيم مثل الطبقة والإيديولوجيا والكل الاجتماعي والطبقي والإنتاج المادي والطبيعة الإنسانية والعدل. ومن إعادة التفكير يقفزون إلي الرفض. ومن المفيد بطبيعة الحال التشكيك الصحي في عدد من اليقينيات المغرورة وبعض المفاهيم الكلية المصابة بجنون العظمة وبعض المعايير القمعية والأسس المضعضعة; فهو شك منعش رغم أنه شاق. ولكن علي العكس من ذلك تماما فإن الشك في حكايات القضايا الكبري مثل ثورات تحرير العاملين, واللجوء إلي العقل, وتجارب الوصول إلي الحقيقة الموضوعية وتحقيق التقدم هو تخل عن أهم إنجازات وعن أهم تراث للإنسانية, وكذلك عن الأطر المفهومية التي تعمل هذه القضايا من خلالها والتي لاتزال أسسا يستند إليها النشاط العملي. وتصف ما بعد الحداثة القضايا الكبري وحكاياتها بأنها لا تزيد علي أنتيكات عتيقة وعبارات نشاز لا تنسجم مع الحقبة المعاصرة. وتدعي ما بعد الحداثة أن الحركات السياسية التي كانت ذات يوم حركات جماهيرية فعالة قد كفت الآن عن التأثير وسحقها كعب السلطة الحاكمة تماما وإلي الأبد. وهي تنشر الولع بالالتباس والإبهام وعدم التحديد ثم اليأس من أي إمكان للتغيير في نظام يبدو لها كلي القدرة. ولا يبدو لها محتملا قيام أي فعل سياسي بعيد المدي. ولا يبقي سائدا عندها إلا السياسية الجزئية المحدودة, ويبدو عندها المجتمع في كليته كما كانت تقول مارجريت ثاتشر وهما لا وجود له, فلا يوجد إلا الأفراد; وكذلك الحلم بنظام اجتماعي جديد لا سبيل إلي تحقيقه لأن هناك أجزاء فقط كل منها مكتف بذاته. وعلي خلاف من ذلك تظل الجماعات السياسية في الواقع المعاصر تسعي إلي أن تفهم شروطها الظالمة لكي تتمكن من تغييرها, وأن تفهم الطريقة التي يتداخل بواسطتها وضعهم الجزئي الخاص مع سياق أوسع يساعدهم علي تقرير مصيرهم. فليست السوق الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية هي نهاية التاريخ في عالم لا مساواة واستغلال ونضال من أجل التحرر الوطني والاجتماعي.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا