هيكل: سايكس ـ بيكو جديدة للمنطقة..

و«لا معقول» سوريا لا يحلّ بدواء «اللامقبول»

 

«يعيد الغرب إنتاج سايكس - بيكو جديدة لتقسيم العالم العربي..التقسيم في المرة الأولى كان تقسيماً جغرافياً وتوزيع أركان، لكن التقسيم هذه المرّة هو تقسيم موارد ومواقع».. بهذا الكلام استهل الكاتب محمد حسنين هيكل توصيفه للمشهد العربي الراهن في الجزء الثالث من مقابلة نشرتها أمس «الأهرام» المصرية تحت عنوان « في غياب مصر ..خرائط جديدة تتشكل ..من رسمها .. ومن يرسمها؟».
في الحوار يرى هيكل أننا «أمام تقسيم جديد لعالم عربي ضاع منه مشروع نظامه، أو أضاع هو مشروع نظامه، ولذلك جاء إلى فضاء المنطقة من يرسم خرائطها الجديدة، في ظروف جديدة، لها مواصفاتها الجديدة»، موضحاً أن «الخرائط الجديدة لا توزع إرث الخلافة العثمانية، وإنما توزع إرث المشروع القومي العربي..الذي فشل في الحفاظ على إرثه».
ما نراه اليوم إذاً، وفقاً لهيكل، هو»مشروع قومي يتهاوي، وبقاياه تجري إزاحتها الآن، كما أن هناك مشروعات أخرى تتسابق إلى الفراغ، بعد أن أضاع ذلك المشروع مكانه وزمانه». وهكذا يوضح هيكل أن سقوط المشروع ليس حكراً على ساحة عربيّة بعينها، إنما مناخ يعم الفضاء العربي بأكمله، فالكاتب المصري الذي أسهب في الحديث عما يلف المنطقة من «أعاصير هائلة» يكاد يرى «من مكتبه» تلك «الحركة النشيطة التي تجري في مواقع صنع القرار في عواصم مؤثرة وفاعلة، ملفات جديدة تطرح وملفات غيرها ترفع وخرائط جديدة تجيء، وخرائط غيرها تطوى».
ملف الصراع العربي الإسرائيلي يراه هيكل وهو يُزاح من اهتمامات البيت الأبيض، ويُحال إلى لجنة فرعية في الأمم المتحدة.
ملف ليبيا أساسي، حيث «يجري توزيع امتيازات النفط فعلا، وبنسب أذيعت على الملأ.. وبعد إرث الموارد سيكون هناك تخصيص المواقع: أي قاعدة للأسطول السادس في طرابلس لأميركا ومراكز استخبارات في بنغازي وطبرق لبريطانيا وإيطاليا ومطالب عبر البحر لفرنسا...».
ملف سوريا «الملتهبة بل المتفجرة» شغل مساحة واسعة من حديث هيكل الذي رأى أن «غير مقبول آخر يجري في سوريا بعد ما سبقته هو الآخر مرحلة من غير المعقول». غير المقبول شرحه الكاتب المصري بما جرى من «عمليـة توريـث لرئاسـة الدولة»، أما «غير المعقول فكان أن بداية التوريث كانــت متوقعة من الرئيس حافظ الأسد إلى شقيقه رفعت الأسد، ثم وقع الشقاق بين الأخ وأخيه. وإذا بإرث الرئاسة ينتــقل بوضوح من الأخ الشــقيق إلى الابن الكبير باسل الأسد، ثم تقع حادثة مؤلمة لباسل، فتنتقل رئاســة الدولة منه إلى الأخ الأصغر بشار».
ورداً على سؤال بشأن ما يريده بعض العرب من تكرار سيناريو ليبيا في سوريا، لم يخف هيكل مخاوفه «البالغة»، مشدداً على أن «علاج اللامعقول لا يجيء بدواء اللامقبول!!»..فـ«التغيير في سوريا مطلوب، لكن تدخلاً عسـكرياً أجنـبياً في ســوريا في هذه اللحــظة مخيــف.. وصحيح أن النظام أساء إلى شرعيته بقســوة، لكن الغزو الأجنبي في هذه الظروف يصعب تقدير عــواقبــه، خصوصا بعد ما جرى في العراق واليمن والسودان وأخيرا ليبيا».
من جانب آخر، يؤكد هيكل أن «بعض ما يجري في سوريا مقصود به إيران كهدف أساسي في ملء فضاء الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «الذين يغامرون باللامقبول لا تهمهم العواقب، وربما هذا سر غضب بعضهم، وبينهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، على البطريرك الماروني بشارة الراعي لأنه تحفظ تجاه ما يمكن أن يجري في سوريا على مستقبل موارنة لبنان».
وفي سياق الحديث عن مشروع إيراني في المنطقة، يلفت هيكل إلى محدودية هذا المشروع نظراً لأسباب عديدة تضعها الجغرافيا بالمسافات، ويصنعها التاريخ بالثقافات»، في وقت يرى أن لدى «المشروع التركي حظاً أكبر، لأن أساسه التاريخي لا يزال في الذاكرة، ولا يزال في المواريث».
و«بمنتهى الأمانة» يفصح أنه ليس» متحمساً لهذه اللهجات بالغمز واللمز على تركيا»، محذراً من أن «العداء لإيران بالتركيز على مذاهب سوف يؤدي إلى كوارث في شبه الجزيرة العربية، بدايتها ما نرى في اليمن والبحرين.. أما التشكيك في تركيا، باستدعاء الجانب المظلم من التجربة العثمانية القديمة، فقد يدفع تركيا للانضمام إلى سايكس بيكو الجديدة، شراكة مع الغرب الأميركي الأوروبي في نصيب من الموارد والمواقع».

(«السفير 24/9/2011»)

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا