<%@ Language=JavaScript %> أ.د. محمد الدعمي حركة "احتل".. هل يلفظ "رأس المال" أنفاسه الأخيرة؟
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

حركة "احتل".. هل يلفظ "رأس المال" أنفاسه الأخيرة؟

 

 

أ.د. محمد الدعمي

 

 

إنها لمفارقة طريفة بحق أن تواجه الرأسمالية أزمة وجود، أي أزمة حياة أو موت، بعد حوالي عشرين سنة من أزمة الوجود التي مرت بالاشتراكية ولم تتركها دون القضاء المبرم على الكتلة الشيوعية، حيث عُدّ سقوط الأخيرة الانتصار المطلق والنهائي للنظام الرأسمالي إذ قفزت الولايات المتحدة نحو قمة هرم العالم الأحادي القطبية، تاركة الشيوعيين والاشتراكيين يلعقون جراحهم بألم وهم يشهدون العالم بأسره يتجه نحو الرأسمالية التي اتخذت هذه المرة أسماء وأقنعة متنوعة كـ" العالم الحر" و"السوق الحرة" و "العولمة" و"العالم الديمقراطي"، من بين عناوين أخرى. ولكن هاهي الدوائر تدور، وإذا بالجمهور الغاضب في نيويورك ولندن وروما وسواها من رموز رأس المال وعواصم جبروته يقرر الانتفاض واحتلال واجهات الرأسمالية بطريقة تذكرنا بما حدث في بداية تسعينيات القرن الماضي عندما خرج مثل هذا الجمهور في عواصم دول الكتلة الاشتراكية ليهد جدار برلين مؤذناً بانتهاء وجود الكتلة الاشتراكية! إنه عالم دوار بالفعل.

لست اشتراكياً بالمعنى الراديكالي لهذا العنوان، أي بالمعنى المنطوي على الشيوعية، ولكن عليّ، وبتجرد، أن أعترف بعبقرية المفكر الألماني العملاق كارل ماركس Karl Marx الذي أرّخ لـ"رأس المال" في كتابه الفذ (رأس المال) Das Kapital إذ حاول بلوغ تحقيب من نوع جديد، اقتصادي في جوهره، لتاريخ العالم، متتبعاً سلوكيات علاقات الإنتاج ومعطيات وسائل الإنتاج على نحو متلازم من العصور البدائية الأولية، ومن العصور الإقطاعية إلى البورجوازية، ثم إلى الرأسمالية.

والحق، فان جلّ مايحدث اليوم عبر حركة "احتل" Occupy عبر عواصم رأس المال ومراكز فاعليته تدل على أن الرجل ذا اللحية البيضاء الكثة لم يكن "لا يفهم"، أو مجرد مفكر طوباوي حالم؛ بل أن الأحداث المتواترة تؤشر صحة نبوءاته بأن "رأس المال"، وثن المادية العمياء الذي يمثل "عبادة الدولار" Cult of the Dollar اليوم، لابد أن يخفق في الهيمنة المطلقة على العالم، وان ما كانت تفعله الانظمة الرأسمالية منذ بداية الثورة الصناعية في بريطانيا الفكتورية (القرن التاسع عشر) لم يكن سوى استعمال حقن إطالة حياة من خلال أنواع الإجراءات الترقيعية والجراحات التجميلية والاشتراكيات المزيفة التي حاولت أن توصل إلى العالم خطاب مفاده أن رأس المال هو الحاكم "العادل" المطلق لعالم اليوم وليس من المجدي مقاومة جبروته والاستهانة به!

وكما تنبأ ماركس ورفيقه أنجلز، من بين اشتراكيين آخرين كوليام موريس، فان أطر الاقتصاد الرأسمالي الحديث لن تقوى على الإمساك بالعالم، الصناعي خاصة، إلى ما لا نهاية، إذ لابد أن تطفو بثور الأمراض الداخلية لهذا الاقتصاد على بشرة العالم الرأسمالي، حتى وإن جاء ذلك على نحو عفوي نابع من ضغوط رأس المال على الإنسان وعلى الجماعات البشرية التي قد تجد نفسها فجأة في حال من عبودية وثن المال والاقتصاد الربوي درجة الإحساس باللاجدوى وبإفراغ الحياة والوجود الآدمي من محتواهما الإنساني الحق.

قد تبدو ظاهرة "احتلال" في عواصم العالم الرأسمالي للبعض وكأنها ظواهر عابرة لاتستحق الرصد والمتابعة، إلا انها في حقيقة الحال، ستبرهن على أنها ظواهر جادة وخطيرة قد تتطلب معاول تدق عنق رأس المال وتهد إمبراطورية "الأصفر الرنان" على سبيل تحقيق حلم إنساني "يوتوبي" Utopia بعالم تسوده قيم الإنسانية والأخلاق والمحبة والتعاون، بدلاً عن قيم الأنانية والرذيلة والضغائن والتسابق.

يقول محلل سياسي أميركي، معلقاً على ظاهرة "احتلال" وول ستريت، أي شارع المال والمصارف في نيويورك: يصعب علينا أن نستمكن ما الذي يريده محتلو الشارع "الرمز"، إلا انها موجه تذمر واحتجاج عاصفة وعابرة للبلدان والقارات ولايمكن أن تنتهي بدون ثمة تغييرات: "هناك من يشتكي من نسب "الفوائد" (أي الربا) من القروض، وهناك من يخشى فقدان وظيفته أو بيته بسبب أزمة عدم القدرة على سداد الديون، وهناك من يشتكي غياب الضمان الاجتماعي أو الصحي؛ إلا انك لابد أن تطور شعوراً بانهم لا يعرفون لماذا يتجمعون ويحتجون على نحو دقيق".

بلى، سقط العالم "الاشتراكي" بسبب اختلالات لم تتمكن قياداته من معالجتها، وكذا الحال، كما يبدو، مع العالم الرأسمالي حيث تخفق ماكنة نظامه العملاق من تحقيق الاستجابة المناسبة لتطلعات الإنسان وأحلامه، وهكذا. ويبقى السؤال المؤرق الجوهري، هو: ما الحل، وما البديل؟

*كاتب وباحث أكاديمي عراقي

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا