<%@ Language=JavaScript %> د. حسن نافعة هل بدأت قوى الثورة المضادة تستعيد زمام المبادرة؟
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

هل بدأت قوى الثورة المضادة تستعيد زمام المبادرة؟

 

 

د. حسن نافعة

 

في 11 فبراير الماضي نجح الشعب المصري في إجبار «مبارك» على التخلي عن السلطة، عقب ثورة كبرى انطلقت يوم 25 يناير، فتصور البعض أن الثورة حققت أصعب وأهم أهدافها وأن تحقيق بقية الأهداف أصبح مسألة وقت، وظهرت دعوات تطالب بالتهدئة ومنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقتا لإدارة المرحلة الانتقالية بالطريقة التي تمكنه من إنجاز المهمة التي ألقيت على عاتقه بما يحقق أهداف الثورة كاملة. وحين أدلى أحد أعضاء المجلس الأعلى بتصريح أكد فيه تعهد الجيش بتسليم السلطة إلى مؤسسات مدنية منتخبة خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، ساد شعور بالارتياح، واطمأن كثيرون إلى أن القوات المسلحة المصرية، التي حمت الثورة ومكنتها من الإطاحة برأس النظام ليست طامعة في السلطة، وليس لديها خطط للاحتفاظ بها، وباتت هي الضامن الرئيس لقيادة عملية التحول الديمقراطي في سلاسة ويسر. غير أنني لم أشارك الكثيرين هذا التفاؤل.

فبعد أيام قليلة من سقوط مبارك نشرت سلسلة من المقالات تحت عنوان «كيف تدار المرحلة الانتقالية»، استهدفت: 1- تحديد مهام المرحلة الانتقالية، واقترحت أن تنحصر في إزاحة ما تبقى من النظام الذي سقط رأسه ووضع الأسس اللازمة لبناء النظام الجديد. 2- تحديد الفترة اللازمة لإنجاز هذه المهام، مصحوبا بجدول زمني واضح، واقترحت أن تتراوح هذه الفترة بين 18- 24 شهرا. 3- وضع نظام مؤسسي لإدارة المرحلة الانتقالية، اقترحت أن يتكون من: مجلس رئاسي يقوده المشير، ومجلس وزاري تقوده شخصية مستقلة لها رؤية سياسية ملتزمة بتحقيق أهداف الثورة وتتمتع بصلاحيات كاملة، وبرلمان مؤقت يتشكل من أعضاء البرلمان الموازي الذي شكلته قوى المعارضة عقب انتخابات 2010 المزورة، مضافا إليه ممثلون للتنظيمات الشبابية التي شاركت في الثورة.

ولأن المجلس آثر أن ينفرد بإدارة المرحلة الانتقالية دون شريك، ولم يرغب في إلزام نفسه بأي جدول زمني، وتبنى منهجا إصلاحيا يستهدف تحسين شكل النظام وليس تغييره واستبداله بنظام جديد، فقد كان من الطبيعي ألا يأبه بهذه المقترحات أو بغيرها من المقترحات التي تقدم بها كثيرون آخرون واستهدفت ترشيد عملية إدارة المرحلة الانتقالية. لذا لم أتفاءل كثيرا بما يجري، والنتيجة هي ما نراه الآن من فقدان الأمل في التغيير وتسرب إحساس متنام لدى المواطنين بأن الثورة سرقت أو تم إجهاضها وإفراغها من مضمونها. إذ يبدو واضحا الآن، وبعد أكثر من سبعة أشهر من خلع رأس النظام السابق - لم يشعر خلالها المواطن بأن تغييرا حقيقيا قد حدث أو أن الأمور في طريقها نحو التحسن- أن أوهاما كثيرة سقطت وتبددت.

فلم يعد أحد يعرف على وجه اليقين متى تنتهي عملية تشكيل المؤسسات المنتخبة، التي يفترض أن تتسلم السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبدأت الشكوك تراود الجميع حول طبيعة النظام الذي ستفرزه المرحلة الانتقالية، خصوصا إذا استمرت إدارتها بنفس النهج الحالي. ويرى كثيرون أن هذا النهج لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج النظام السابق، لكن بوجوه ومسميات جديدة. ورغم قناعة الجميع بأن مصر تمر الآن بلحظة حرجة بعد أن تمكنت قوى الثورة المضادة من استعادة زمام المبادرة وأصبحت في وضع يتيح لها القدرة على التأثير على الساحة بمجمل تفاعلاتها الداخلية والخارجية، فإن المقترحات المطروحة من جانب مختلف فصائل المعارضة للخروج من الأزمة الراهنة لم ترتفع بعد إلى المستوى المطلوب، وتبدو عاجزة عن مواجهة تحديات اللحظة الراهنة.

لنأخذ على سبيل المثال حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، والذي أصدر منذ أيام قليلة بياناً اعترف فيه بأن مصر تتعرض للمخاطر بسبب «عدم وضوح الرؤية حول المستقبل السياسي وخارطة الطريق والجدول الزمني، واستمرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة في تأمين مسار الثورة»، فقد عاد فأكد أن القوات المسلحة نفسها تتعرض الآن وتعرض مسار الثورة لمخاطر «بسبب تورطها في العملية السياسية». ويرى الحزب «أن المشكلات التي تعترض طريق التغيير والإصلاح يمكن حلها بعد انتخاب سلطة مدنية، وأن مد الفترة الانتقالية لتحقيق بعض المطالب الضرورية لا يحقق تلك المطالب، بل يعرض البلاد لمشكلات أكثر». ويتفق الحزب مع وجهة نظر المستشار طارق البشري في أن حالة الطوارئ «لم تعد قائمة ولا يمكن مدها إلا من خلال استفتاء شعبي، مما يعنى عدم جواز تطبيق قانون الطوارئ منذ يوم 20 سبتمبر 2011». ولتلافي هذه المخاطر يقترح الحزب: 1- الإسراع بالانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشورى دون إبطاء «لأن مد فترة الانتخابات سيؤدي إلى مزيد من عرقلة عملية التحول الديمقراطي، وسيؤخر التوصل إلى دستور جديد، ويؤجل عودة الحياة الطبيعية وإعادة دوران عجلة الاقتصاد مرة أخرى». 2- تفعيل العمل النقابي والمدني والأهلي والطلابي والحزبي، بدلا من التظاهر للضغط على القائمين على أمور البلاد لتحقيق مطالب الشعب. 3- إعلان خريطة طريق لكل المراحل الخاصة بالانتخابات التشريعية والرئاسية ووضع الدستور الجديد، على أن تستغرق أقل فترة زمنية ممكنة.

والواقع أننا لا نريد أن ندخل في جدل عقيم حول الأطراف التي تسببت في إطالة المرحلة الانتقالية على هذا النحو، فلولا الموافقة على تشكيل لجنة لتعديل دستور 1971، بدلا من تشكيل هيئة تأسيسية لوضع دستور لما وصلنا جميعا إلى حالة الارتباك التي نعاني منها اليوم. وهي حالة ارتباك مخيفة ليس لأن الانتخابات البرلمانية القادمة تحمل مخاطر فوز التيارات الإسلامية المختلفة بأغلبية تمكنها من الهيمنة على اللجنة المكلفة بكتابة الدستور الجديد، كما يعتقد الكثيرون، ولكن لأن هذه الانتخابات ستجري في ظل أجواء لا يمكن فيها الاطمئنان إلى سلامة ونزاهة تلك الانتخابات، وتتيح لفلول الحزب الوطني فرصة ذهبية لاستعادة الهيبة والنفوذ. أما أسباب هذا القلق فهي كثيرة منها: 1- أن الأجهزة الأمنية ليست في حالة تسمح لها بإجراء الانتخابات بعيدا عن تأثير المال والبلطجة ونفوذ العشائر وتمكين القضاء من الإشراف الفعال على العملية الانتخابية. 2- عدم وضوح القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات واستمرار الجدل حول نسبة تقسيم الدوائر بين القوائم والفردي وإصرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة على أن تكون هذه النسبة متساوية. 3- إجراء الانتخابات البرلمانية قبل صدور قانون الغدر، والذي كان يمكن أن يؤدي إلى حرمان الشخصيات التي أسهمت في إفساد الحياة السياسية طوال الأعوام الثلاثين الماضية من الترشح في هذه الانتخابات، وقبل القيام بعمليات تطهير واسعة النطاق لأوكار الفساد التي لا تزال تعشش في أكثر المواقع حساسية، بما في ذلك القضاء الذي سيتولى الإشراف على الانتخابات، وأجهزة الحكم المحلي وإدارة الانتخابات في وزارة الداخلية، التي لا تزال تلعب دورا مؤثرا إن لم يكن مهيمنا في هذه العملية. 4- رفض تمكين المصريين المقيمين بالخارج من المشاركة في الانتخابات، بحجج ومبررات واهية لا يمكن أن يطمئن إلى سلامتها أي عاقل، ورفض الرقابة الدولية على الانتخابات، بحجج ومبررات واهية أيضا. 5- الإصرار على وجود مجلس شورى وعلى مشاركة الأعضاء المنتخبين فيه في اختيار أعضاء الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور، وعلى نسبة اﻠ50% «عمال وفلاحين» على الأقل في تشكيل مجلسي الشعب والشورى القادمين، والتي ستفرز حتما برلمانا ضعيفا يسهل السيطرة عليه.

قبل إجراء أي انتخابات، برلمانية كانت أو رئاسية، على القوى صاحبة المصلحة في التغيير، أيا كانت توجهاتها الفكرية أو السياسية، أن تطمئن أولا إلى أن هذه الانتخابات لن تصبح وسيلة لعودة فلول الحزب الوطني من الفناء الخلفي. وإذا كانت هذه القوى تؤمن حقا بأن النظام السابق، بكل رموزه وسياساته، هو العدو الأول للثورة، فعليها أن تتفق أولاً على: 1- الاطمئنان إلى أن الأجهزة الأمنية أصبحت قادرة على الإشراف على العمليات الانتخابية أو إسناد الإشراف بالكامل إلى الشرطة العسكرية وحدها، دون أي تدخل من جانب الأجهزة الأمنية بوضعها الحالي. 2- تفعيل قانون الغدر وحرمان الذين تسببوا في تزوير الانتخابات السابقة أو استفادوا من الانتخابات المزورة من المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة. 2- القيام بحملة تطهير حقيقية ضد الفساد، خاصة في مؤسسات القضاء والحكم المحلي، وعدم السماح للقضاة أو الموظفين المحليين، الذين تورطوا في تزوير الانتخابات البرلمانية السابقة بالاشتراك في الانتخابات القادمة.

وأياً كان الأمر فلن يكون للانتخابات البرلمانية القادمة أي تأثير على طريقة إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية إلا إذا التزم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنه سيشكل حكومة ممثلة للقوى الفائزة في هذه الانتخابات لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية، وهو أمر لا يبدو واضحا حتى الآن. قوى الثورة المضادة تمسك الآن بزمام المبادرة وعلى قوى الثورة أن تستعيد هذا الزمام بتوحيد صفوفها لمواجهة تحديات المرحلة القادمة

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا