<%@ Language=JavaScript %> د. عبدالوهاب الأفندي العودة إلى كارل ماركس؟
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

العودة إلى كارل ماركس؟

 

 

د. عبدالوهاب الأفندي

 

 

 (1) ربما يكون كارل ماركس، ودون أن يقصد، قد أنقذ الرأسمالية من الانهيار الذي تنبأ به وعلى أقل تقدير، فإن بعض حوارييه قد فعلوا. وفي هذه الأيام التي تبدو فيها الرأسمالية على حافة انهيار آخر، لعلها تحتاج إلى نجدة ماركس مرة أخرى.

 (2)

لعل من المفارقات أن ماركس وصاحبه إنجلز قد كتبا في البيان الشيوعي نعي النظام الرأسمالي، ولكنهما قدما في نفس الوثيقة وصفة العلاج على شكل مقترحات للناشطين كان يقصد منها تقويض النظام والإسراع بنهايته، ولكنها في واقع الأمر عملت على تقويته وبث الروح فيه مجدداً.

 (3)

بحسب وصفة ماركس وإنجلز فإن انهيار النظام الرأسمالي سيأتي بسبب نزعته إلى الوصول بهامش الربح وفائض القيمة إلى حدهما الأقصى، مما سيؤدي في نهاية الأمر إلى إفقار البروليتاريا إلى درجة التجويع وبالتالي دفعها إلى الثورة. ولكن البيان الشيوعي طالب بأن يشمل نضال الطبقة العاملة المطالبة برفع الأجور وتقليل ساعات العمل وتدخل الدولة في الاقتصاد. وهذه أهداف ستبطل، لو تحققت، مقتضى النظرية.

 (4)

وهكذا، كنتيجة للنضال العمالي والنقابي، وبعد تقبل معظم الدول الرأسمالية بعد الكساد الكبير في نهاية العشرينات لنظرية الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز الداعية إلى تدخل الدولة في الاقتصاد لرفع الطلب في أوقات الكساد، تم كبح النزعة التي تحدث عنها ماركس لبلوغ أقصى الربح. وبالتالي أنقذ النظام الرأسمالي من الانهيار المحتوم. وكان أهم عامل في ذلك هو تصدي الدولة للعب دور عامل التوازن في المجال الاقتصادي.

(5)

ساهم التنافس مع الأنظمة الشيوعية خلال الحرب الباردة أيضاً في كبح جماح الرأسمالية المتوحشة. فقد اضطرت الدول الرأسمالية تحت ضغوط انتقادات اليسار إلى تبني سياسات توزيع أعدل للثروة، بما في ذلك رفع أجور العمال ووضع نظام الضرائب التصاعدية وغيرها من الترتيبات التي غيرت وجه الرأسمالية، وخلقت ما أصبح يعرف بدولة الرفاه.

(6)

في مطلع الثمانينات، شهدت المنطقة الأنغلوساكسونية 'ثورة' ضد دولة الرفاه قادتها مارغريت ثاتشر في بريطانيا وحليفها رونالد ريغان في أمريكا. كان للثورة ما يبررها، لأن أغلال دولة الرفاه أثقلت عنق المؤسسات الرأسمالية وقللت فعاليتها إلى درجة قادتها إلى حافة الهاوية في الاتجاه الآخر. وبالفعل فإن الليبرالية الجديدة حققت مكاسب ضخمة في أول أمرها دفعت بالكل إلى التهافت على تقليدها، وكان من نتيجتها أن قضى النظام الشيوعي نحبه حسداً وكمداً.

(7)

ولكن بندول الساعة الآن بلغ مداه الأقصى في ذاك الاتجاه، وعادت الرأسمالية المتوحشة كشأنها غداة الكساد الكبير في نهاية عشرينات القرن الماضي. وهذا بدوره يفرض التوجه نحو شيء من الاعتدال عبر تدخل الدولة لكبح جماحها وتحقيق قدر من العدل في توزيع الثروة، وإلا كان الانهيار الكبير.

(8)

الإشكال الأكبر هو أن الانتفاضة الحالية ضد الرأسمالية لا تملك رؤية واضحة للبدائل كما كان الحال في مرحلة صعود الماركسية التي لم تكن تشكل توجهات أنصارها فقط، بل ظلت تتحكم في توجهات خصومهم وتشكل إطار السجال حول الاقتصاد. فقد كانت الماركسية هي بوصلة الاقتصاد العالمي، تتحدد هوية أي جهة بالتوجه نحوها أو السير بعيداً عنها. بالمقابل نشهد اليوم الكثير من التخبط وفقدان الرؤية عند المختصين وصناع القرار، كما نشهد من التعامل على غير هدىً مع الأزمات المتلاحقة التي ضربت أقتصاد معظم الدول الكبرى.

(9)

لن تجدي هنا العودة إلى ماركس، فقد تجاوزه الزمن وأدى دوره، كما لن تجدي العودة إلى الرأسمالية المتوحشة التي ظل يبشر بها الليبراليون الجدد منذ أيام ثاتشر، وتتحمس لها نخب دافوس والبنك الدولي وغيرهم من أساطين المال والاقتصاد. ولكن 'فراغ الرؤية' الماثل يبقى الخطر الأكبر في غياب 'البوصلة الماركسية'. فقد نكون بالفعل نشهد هذه الأيام 'نهاية التاريخ' ونهاية الاقتصاد، ومعه سقوط مؤسسات كبرى قامت على فكرة حرية الاقتصاد غير المشروطة، مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وكل المؤسسات الماثلة، ثم العودة إلى نقطة الصفر.

× كاتب اسلامي من السودان يقيم في بريطانيا

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا