<%@ Language=JavaScript %> انيس نقاش لا يربح الوكيل بعد خسارة الأصيل المنطقة وتركيا: بين «الساعِ» و«الساعِت»
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

لا يربح الوكيل بعد خسارة الأصيل

 

المنطقة وتركيا: بين «الساعِ» و«الساعِت»

 

 

انيس نقاش

 

لم يحصل، كما هو حاصل اليوم، ان اتفقت دول المنطقة على تشخيص الوضع فيها، واختلفت في الوقت نفسه على مقاربة التداعيات بطرق وأهداف مختلفة، كما نشاهد على ساحة الصراع الاقليمي الدائر في منطقتنا وعلى ساحاتنا.

فتركيا أدركت منذ بداية الحرب الأميركية على العراق، تحت وخلف حجج واهية كاذبة من أسلحة دمار شامل وعلاقة النظام بالقاعدة الخ.. ان مغامرة الحرب هذه ستبوء بالفشل، ولذلك نأت بنفسها عن التورط فيها، ورغم عضويتها الأطلسية وعلاقاتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة، منعت قوات التحالف حينها من الدخول من الأراضي التركية إلى العراق وبالتالي لم تصبح بالنتيجة التي نراها اليوم شريكاً لهزيمة الولايات المتحدة في هذه الحرب.
إيران وسوريا من جهتهما أدركتا ان الحرب تستهدفهما حتماً بناءً لما أعلن ولما أضمر من أهداف لاحقة لهذه الحرب ولما سمي بمحور الشر، فعملتا على إفشال، بل تدمير القدرات والأهداف الأميركية من هذه الحرب وفيها.
اليوم نقرأ بكتاب داوود أوغلو ان العالم يشهد تحولات استراتيجية وانتقالاً لمراكز القوة فيه، وأن هناك قوى متراجعة وقوى صاعدة، وأن العالم يتغير «وما علينا سوى قراءة هذه المتغيرات ومعرفة دورنا في رسم خرائط المنطقة واستراتيجيات التعامل مع المستجدات والبحث عن دور تركيا أساسا في هذه المتغيرات ودورها وموقعها في المستقبل».
كذلك أدركت كل من إيران وسوريا المتحالفتين ان نصرهما على الولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة بدءاً من هزيمتها في العراق مروراً بهزيمة حليفتها اسرائيل في حرب تموز وفشلها في حرب غزة وحتى الانسحاب المعلن والرسمي الذي أصبح واقعا مؤخراً، أدركتا ان كل هذا يؤسس لفراغ استراتيجي يجب ملؤه بمنظومة ما وبتفاهمات محددة ترسم صورة المنطقة وتحدد مستقبلها.
ضمن هذا التطابق بين النظرة التركية والقناعات الإيرانية السورية شاهدنا في السنوات الأربع الماضية حراكاً قوياً على صعيد توقيع مجموعة اتفاقيات ثنائية بين كل من إيران وتركيا، بين تركيا وسوريا، وبين سوريا وإيران، مروراً باتفاقية منطقة التجارة الحرة الرباعية التي تضم كلاً من تركيا وسوريا ولبنان والأردن. ألغيت في هذه الاتفاقيات تأشيرات الدخول بين هذه الدول ولم يبق سوى تأشيرة الدخول بين لبنان وإيران، وهي في طريق الزوال قريباً. كما وقعت مجموعة من الاتفاقيات لها علاقة بالنقل والتبادل التجاري والاستثمار والمناطق الحرة ورفع القيود الجمركية والتكامل الصناعي، والأهم بناء شبكة متكاملة للقطارات والنقل البري وشبكة كبرى لنقل الطاقة بين إيران والعراق وجيرانهما، عمادها خطوط انتقال النفط والغاز من العراق وإيران عبر سوريا إلى أوروبا، وعبر تركيا، والتعاون بين العراق والأردن على سياسة نفطية داعمة لاقتصاد الأردن بأسعار مشجعة.
الاتفاقيات لم تأخذ صورة الشبكة المتكاملة اقتصادياً وسياسياً ولم تأخذ اسماً محدداً كما هي حال الاتحاد الأوروبي او بالحد الأدنى كما هي حال المنظومات التي شاهدنا ظهورها، ان كان في تحالف شنغهاي أو الايكو في آسيا الوسطى أو غيرها، والسبب كما نعرفه هو التحفظ التركي الذي كان يفضل عقد الاتفاقيات الثنائية ويرفض تظهير ذلك بأي تفاهم إقليمي جامع. وكانت حجته دائماً انه لا يريد أن يستفز باقي دول المنطقة وخاصة مصر والسعودية.
المواقف التركية من الحراك العربي وخاصة من سوريا، أوضحت ان تحفظ التركي لم يكن لعدم استفزاز تلك الدول بقدر ما هو رغبته بالاستفادة من الاتفاقيات الثنائية مع تغيير في موازين القوى في الاقليم، من خلال إضعاف سوريا لكي يستطيع ان يجلس بعد ذلك مع إيران أساساً وباقي دول المنطقة لكي يطرح نفسه بصفته القوة الاقليمية النموذج والأكثر استقراراً والتي تستحق بالتالي دور قائد الاقليم فتصبح المنظومة بقيادته، يستطيع ان يخاطب الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً من هذا الموقع، أي موقع الشريك الأساسي، بل القائد الأول للاقليم، وبالتالي يستطيع إضعاف الدور الايراني ويجبره على التراجع، وبذلك يضمن لنفسه دور الريادة والقيادة ويضمن ما تبقى من المصالح الغربية في المنطقة من موقع شرطي المنطقة والشريك الأساسي فيها.
لن يطول الوقت حتى يدرك التركي ان ما سعى إليه، من خلال إضعاف الموقف السوري ومن خلال تدخله السافر في الاحداث السورية لن يتحقق، وانه سيجبر على اعادة حساباته وعلى اعادة رسم دوره في المنطقة. فسوريا لن تسقط بحسب تقديرنا وكما هي التوقعات، ومجرى الأحداث يؤيد ذلك، وبل ستخرج سوريا اكثر قوة ومنعة مما كانت، وسيضطر كل من تآمر على أمنها ودورها لدفع فاتورة ما نتيجة لتصفية الحساب مع ظهور النتائج الواضحة وبدون لبس او خديعة.
الواقع اليوم يؤكد على ان محور إيران العراق سوريا ولبنان، من خلال المقاومة كقوة استراتيجية، ليس فقط في لبنان بل على صعيد المنطقة، هو محور ومنظومة متماسكة جداً ومتكاملة فيما بينها بالرؤية السياسية الاستراتيجية، وبالتكامل الاقتصادي والسياسي، وبالتالي فإن الاقليم سيأخذ شكله بناء لهذه المنظومة التي سيكون الأردن جزءاً منها بالضرورة الاقتصادية والاجتماعية، ولو انه بالتوجهات السياسية سيكون ايضاً شريكاً لدول مجلس التعاون الخليجي من دون ان يستطيع التخلي عن شراكته العراقية والسورية التي ستصبح اكثر أهمية مع اكتمال الانسحاب الاميركي من المنطقة. ان هذه المنظومة التي أطلق أحد العاملين على تظهيرها وإنجاحها اسم «الساع» (أي ألف إيران، ولام لبنان، وسين سوريا، وعين العراق) ستكون هي محور التفاهم الاقليمي الاستراتيجي الذي سيرسم سياسة المنطقة على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة ان مجموع ما وقع من اتفاقيات ثنائية وتكاملية بين هذه البلدان يجعل هذا الأمر في طور التحقق الفعلي على أرض الواقع، وليس مجرد مشاريع على الورق او تفاهمات لن ترى النور. فالرؤية الاستراتيجية للمنطقة ولموازين القوى الدولية بين هذه البلدان اصبحت متطابقة، ومشاريع ربط سكك الحديد وشبكات الطرق ورفع الموانع الجمركية والتجارية والتكامل الصناعي والسياحي اصبحت في طور التنفيذ والتطبيق وستتجسد أمامنا قريباً. وبالتالي فإن منظومة الأمن الاقليمي الاقتصادي والسياسي المتمثلة بمنظومة «الساع» هي شبه مكتملة وفي طور التطوير والتظهير. اما تركيا فيبقى امامها اختيار اعادة حساباتها والقبول بمبدأ الشريك المساوي، فتصبح منظومة «الساعت»، أو تبقى خارجها فتكون خاسرة لكل ما بنته من تفاهمات تجارية واقتصادية وأمنية مع دول منظومة «الساع».
إن الاحداث الأخيرة والحراك التركي في ليبيا، التي عادت اليها عن طريق التعاون القوي مع حلف شمال الأطسي، ثم التهديد بدور للأطلسي في سوريا شبيه لما لعبه هذا الحلف في ليبيا ولكن على الأراضي السورية، وصولا إلى نصب شبكة رادارات الدرع الصاروخية العائدة لهذا الحلف والهادفة أولا إلى حماية اسرائيل، يجعل من تركيا لاعباً أساسياً لتنفيذ سياسة الحلف في المنطقة وذراعه الممتدة إلى الأمن الاقليمي بامتياز. إن هذا الدور الذي قبلته تركيا لنفسها في المنطقة، لا يخالف نظرية داوود أوغلو بتصفير الأزمات مع دول الجوار فقط، بل يحول تركيا إلى عدو رقم واحد لمنظومة «الساع» التي هزمت الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل، والتي لا تجد مبرراً واحداً لتقديم تنازلات لحساب الأصيل الخاسر عن طريق الوكيل المستحدث.
لقد وصف الرئيس احمدي نجاد نصب الدرع الصاروخية في تركيا بأنه عمل خطير يتطلب اليقظة، واليقظة باللغة الإيرانية السياسية تعني استنفاراً وحركة باتجاه الخطر، كما وصف رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني هذا العمل بالعدواني والخطير «لأنه يضعف القدرات الدفاعية الإيرانية»، والعالمون بطبيعة الحراك الإيراني يعلمون جيداً ان لا مزاح فيه ولا مهادنة.
وقائع الأحداث وموازين القوى لا تترك مجالا لتركيا لتفكر كثيرا او لتضيع الفرصة، وخاصة مع ما عرف عن القيادة التركية الحالية من واقعية وبراغماتية شاهدنا تلونها وتقلبها المتعدد من خلال مواكبة احداث الحراك العربي، فتركيا مع الغالبين والمتفوقين حتى ولو على حساب حلفائها السابقين.
إن تسريع إظهار منظومة «الساع» وإثبات مدى تماسكها ومدى وحدة رؤيتها وتطلعاتها للمستقبل، وخاصة إظهار مدى قوة وصحة مواقفها وخياراتها الاستراتيجية، هو خير مدخل لتسريع رسم صورة الاقليم ولإعطائه هويته المستقبلية وللقضاء النهائي على احلام خصومه المتربصين ولاستعادة تركيا سريعاً لحظيرة هذه المنظومة ليتحول «الساع» إلى «الساعت» فيوفر على المنظومة عناء مخاصمة التفرد التركي الفاشل ويوفر على تركيا عناء خسارة المزيد من رصيدها في المنطقة.
إن عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي كانت بنظر جيرانها وشركائها في الاقليم تعتبر من مخلفات الحرب الباردة وشأناً تركياً سيادياً ولم يكن يشكل خطراً على مصالح دول الجوار، خاصة إذا ما أخذنا الموقف التركي من حرب الولايات المتحدة على العراق وعدم السماح للقوات الأميركية من دخول اراضي هذا البلد من الأراضي التركية بعين الاعتبار، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ايضاً إلغاء المناورات العسكرية المشتركة بين تركيا وإسرائيل وخاصة المناورات الجوية التي كانت تجري بالقرب من الأجواء الإيرانية، فإن ذلك كان يؤشر إلى تراجع في دور تركيا الاطلسي في المنطقة ويسهل عملية اندماجها مع دول الاقليم، اما اليوم وبعد التجربة الليبية والتهديدات ضد سوريا ونصب الدرع الصاروخية على أراضيها فقد أقدمت تركيا على نقض كل ما نسجته من خطوات ايجابية في السابق، إن الشرط الأساسي الذي يجب ان يرفع في وجه تركيا، لاستكمال ما كان قد بدئ على تنفيذه هو شرط الانسحاب من الأطلسي.
ومن كان له القدرة على هزيمة الأصيل لن يعجز عن إلحاق الهزيمة بالوكيل.

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا