<%@ Language=JavaScript %> الفضل شلق مأساة نظام عالمي ... يبن الثورة العربية والثورة العالمية
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

مأساة نظام عالمي ...

 

بين الثورة العربية والثورة العالمية

 

 

الفضل شلق

 

يتخبط النظام الرأسمالي العالمي في أزمته. اعتبر الكثيرون أن الانهيارات الاقتصادية والمالية لن تعود، وأن تجربة عام 1929، وما بعد، لن تتكرر؛ فإذا بهذا النظام يواجه أزمة تتكرر منذ 2006 (انهيار أسعار العقارات) ومنذ 2008 (الانهيارات المالية)، مرة بعد أخرى، من دون أن تكون لديه العدة المعرفية لهذه المواجهة. هو يفتقد العدة المعرفية لمواجهة الأزمة لأسباب إيديولوجية، لأنه منحاز إيديولوجياً للطبقات العليا، غير مستعد لتبني حلول تقضي أن تتخلى هذه الطبقات عن بعض أرباحها التي حققتها في الفترة الماضية من أجل تحفيز الإنتاج وخفض البطالة ومساعدة الفقراء وخفض الفروقات بين أعلى الشرائح الاجتماعية وأدناها. ترتكز العقيدة لدى أربابه على الانفراد بالأرباح في حال الازدهار وعلى المشاركة، أي تحميل الفقراء العبء، في حال الأزمة.

 إن إعادة الهيكلة التي يفترض أن تقوم بها دول أوروبا، وهي برنامج يعتمد على زيادة الضرائب، وخفض النفقات، وخفض عجز الموازنة، من أجل خفض الدين العام، هي جميعاً حلول تضع العبء على الفقراء الذين يفترض بهم أن يدفعوا نسبة أعلى من أجورهم (الأغنياء يجدون دائماً الوسائل عن طريق المحامين والمحاسبين للتهرب من الضرائب)؛ أما خفض النفقات فهو يصيب الفقراء أولاً، خاصة على صعيد الطبابة والضمانات الاجتماعية ومعاشات التقاعد. يتظاهر الفقراء من الطبقة الوسطى والطبقات الدنيا ضد برنامج إعادة الهيكلة؛ يتظاهرون ضد «وول ستريت» وغيرها من المؤسسات المالية لأنهم يعرفون أن هؤلاء هم الذين يرسمون خطط إعادة الهيكلة، وأنهم هم الذين يضعون برامج المزيد من الضرائب على الفقراء من أجل سداد الدين العام؛ من أجل تحميل الفقراء ما نهبته الرأسمالية المالية من الدولة عبر الدين العام.

 لقد ازداد الدين العام لدى الدول منذ الثمانينيات، كذلك الدين الفردي؛ وكان ذلك بمثابة محاولة من النظام لتأجيل الأزمة: دفع الدول والأفراد للاستدانة كي يشعر كل منهم ببعض الارتياح، رغم تراجع الأجور وتزايد الهوة بين الشرائح الدنيا والشرائح العليا من 30 ضعفاً في الستينيات إلى حوالى 400 مرة في العقد الأول من القرن 21، لكي ينفقوا من مدخرات المستقبل. لكن للاستدانة حدوداً، وما يمكن أن تقدّمه البنوك سقوف يصعب تجاوزها، مما يجعل البنوك ذاتها في حالة مشكوك في سلامتها.

 كان ممكناً للنظام العالمي أن يمارس ما يُسمّى الديموقراطية الرأسمالية في الثلاثين الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، حين كان النظام يتبع قواعد متشددة للتسليف وأهمها: إن لا تسليف إلا لاستثمار إنتاجي مؤكد، وإن لا تسليف لمن يريد بيتاً إلا بكفالات تفوق السلفة قيمة. تخلّى النظام عن هذه القواعد منذ بدأ التراجع الاقتصادي في الثمانينيات وازدادت الديون السيادية (للدولة) وديون الأفراد كي لا يشعروا بعبء الأجور، إلى أن جاء الانهيار وانفجرت السقوف وظهرت عورات النظام، الذي قضى أربابه والأكاديميون الباحثون والمستشارون عقود الازدهار الثلاثة (1945-1975) وهم يقولون إن أزمة 1929 لن تتكرر، وإذا تكررت فعلى الدول (الدول ومنظوماتها أن تتدخل لإنقاذ المؤسسات المالية (البنوك الكبرى، الشركات الصناعية الكبرى، شركات التأمين الكبرى) لأنها كبيرة يؤدي سقوطها إلى سقوط مؤسسات أخرى وصولاً لبنى الدولة ذاتها.

 لم يعد النظام العالمي قادراً على اقتراح حلول ديموقراطية تلقي الأعباء بالتساوي على مختلف طبقات المجتمع، الضرائب على الأغنياء بحسب ثرواتهم، وكذلك على الفقراء (بنسب أقل) بحسب ثرواتهم ومداخيلهم. هناك خلل عميق بين الديموقراطية والرأسمالية، أي سياسات السوق التي لا يفترض بنظرهم أن تصاب بخلل.

 الحل الوحيد بنظرهم، أي أرباب النظام الرأسمالي، هو وضع السلطة التكنوقراط من متخرجي العمل في المؤسسات المالية الكبرى، مثل صندوق النقد الدولي، صندوق الاحتياط المركزي الأميركي، صندوق الاحتياط المركزي الأوروبي، وغيرها من الصناديق التابعة لمؤسسات دولية كبرى. على الحكومات والبرلمانات المنتخبة (ديموقراطياً) أن تتخلى عن الحكم أو أن يتولى الحكم خبراء المال وإيديولوجيا النظام. وهؤلاء طبعاً سوف يقترحون على الناس الوصفات المالية التي تعوّدوا وصفها والتي ما أنتجت إلا نتائج كارثية أينما طبقت. لا تتعلم الرأسمالية العالمية والمحلية، من أخطائها. لا تعرف غير طريق واحد للربح، لا تعرف أن الديموقراطية الرأسمالية في أزمة نتيجة التناقضات بين مطالب السوق (تحقيق أرباح أعلى) ومطالب الشعب (وهي أجور وضمان أعلى) هي تناقضات لا تحلّ إلا بإعادة توزيع المدخرات المتاحة في كل مجتمع توزيعاً أكثر عدالة وإنصافاً. هذا هو المطلوب شعبياً، والمرفوض لدى النخب المالية.

 في الغرب يضعون النظام بكامله تحت سلطة الخبراء غير المنتخبين، في عملية تلغي الديموقراطية (والمطالب الشعبية) وتبقى الرأسمالية التي تراكم المزيد من الأرباح (ويزداد الإنفاق الشخصي لمواد الترفيه بشكل غير مسبوق). لا تتعلم الطبقة الرأسمالية من دروس الماضي وتصرّ على الظهور بأفضل حلة لها، وكأنها تريد أن تستفز الطبقات الدنيا، رغم الظروف الصعبة للنظام العالمي.

 أما في بلدان الثورات، وهي عموماً للبلدان العربية، فهي تعاني من أزمة ديون السيادة والفقر والبطالة التي تزداد بوتائر أعلى مما في بلدان المركز الرأسمالي، من دون أن يكون متاحاً لها ما تبقى من ضمانات ومنافع ما تزال متاحة للطبقات الدنيا في المركز.

 يخوض سكان بلدان العالم ثورات حقيقية من أجل الكرامة والخبز؛ خفض البطالة وخفض منسوب النهب والاستغلال والفساد على يد أجهزة الحكم في هذه البلدان. الحلول التي وجدتها بلدان المركز الرأسمالي لهذه البلدان تتلخص في تطبيق مقولات الإنتروبولوجيا لإيجاد قبائل (أو اختراعها) وإيجاد أثنيات (أو اختراعها) أو إيجاد طوائف (أو اختراعها) واكتشاف الفروق بينها وتحريض على طلب الانفصال بدعم أجنبي؛ على عكس سياسة الدمج التي طبقتها الولايات المتحدة في أراضيها بين أناس مهاجرين وأكثر تنوعاً، كثير من بلدان العالم.

 بالطبع هذه وصفة للعالم الثالث، لمزيد من الحروب الإثنية والمذهبية والطائفية، التي تؤدي حتماً إلى انهيار دول هذه الشعوب. وعند ذلك توصف هذه الشعوب بالتخلف وضرورة التدخل الأجنبي لحمايتها. ويبدأ مجلس الأمن وما يُسمى المجموعة الدولية بالتطبيقات. لذلك نرى سيناريو العراق، بعد العام 1991، يطبق على سوريا، تدريجياً. قرأت من 3 سنوات عن استخدام حوالى عشرة آلاف إنتروبولوجي للعمل مع الجيش الأميركي في أفغانستان.

 يستخدمون خبراء المال في المركز الأمبريالي ويستخدمون خبراء الأنتروبولوجيا في بلدان العالم الثالث، ويطلبون من الصين تغطية كل ذلك بعد أن جوّعوا الصين خلال القرن 19.

 وفي كل ذلك إقرار بالعجز السياسي. فقد الغرب غطرسته أمام ضرورات المال، لكنه يمعن بالاحتيال (الاحتيال على نفسه وعلى الآخرين)؛ يحتال على طبقاته الدنيا بالتسليف الذي سيجعل الناس أكثر عبودية للمصارف؛ ويحتال على الصين لسلب مدخراتها؛ ويحتال على ثورات بلادنا لتحويلها إلى صراعات أهلية وإلى صراعات بين الدول، ولإظهارنا بمظهر الغباء والحاجة إلى رعاية. والرعاية تستدعي نهب النفط؛ وأصحاب النفط وغيرهم، لا يهمهم إلا البقاء في السلطة على حساب شعوبهم وثرواتهم الطبيعية.

 مع زوال الديموقراطية باستلام الخبراء للزمام، تزداد الحروب. اليورو يتعرض بسبب تعدد مركز القرار الأوروبي؛ حتى ديموقراطية الدول، أو بالأحرى تعدد الدول في مركز القرار الرأسمالي تجعل التعايش مع السوق مستحيلاً. هناك دولة وحيدة تستطيع البقاء لأنها قادرة على طبع العملة من دون رقيب، ولأن عملتها هي العملة الوحيدة التي تأخذ مكان الذهب في كونها عملة احتياطية. لكن المشكلة الأساسية للإمبراطورية الأميركية وللرأسمالية العالمية، هي أن الذهب والورق مختلفان في القيمة وفي المعنى الاقتصادي وفي المعنى السياسي. وما باستطاعة العسكريتاريا الأميركية دحض كل علم في سبيل جعل الورق يساوي الذهب.

 مع زوال الديموقراطية تزيد الحروب. نكاد نعرف أين سوف تتركز الحروب ونخاف أن نستنتج الاستنتاج الصحيح.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا