<%@ Language=JavaScript %> الفضل شلق للثورة اقتصاد سياسي
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

للثورة اقتصاد سياسي

 

 

الفضل شلق

 

رفع أحد المحتجين في الغرب لافتة كُتب عليها «أنا إنسان». أن يسترد الإنسان إنسانيته المستلبة، سواء في الغرب لأسباب اقتصادية، أو في بلادنا لأسباب سياسية تتعلق بالاستبداد ومفاعيله، كل ذلك يشير إلى أن النوعين من الاستلاب وجهان لعملة واحدة في نظام عالمي واحد، نظام ذي اقتصاد ـ سياسي واحد. الاقتصاد والسياسة ما كانا يوماً منفصلين إلا للتمويه والتعمية. القضية في كل العالم واحدة، هي قضية الرأسمالية والأمبريالية، هي قضية الرأسمالية في بلدان المركز المتقدم، وهي قضية الأمبريالية (السيطرة الرأسمالية من المركز على الأطراف) في البلدان الخاضعة والمحكومة بالتبعية. الإنسان واحد؛ جوانب الاستغلال متعددة؛ الظلم واحد.

 قالوا لنا على مدى عقود طويلة أن العولمة (السيطرة الأمبريالية على العالم من خلال الأسواق التجارية) سوف توحِّد العالم، وأن العالم قد توحَّد وأنه لم يبقَ لشعوبنا شيء سوى الاستجابة لمنطق النيوليبرالية الذي يشكل سياسة العولمة أي هو الخصخصة لبيع ممتلكات الدولة للرأسمال العالمي (أو المحلي، والمحلي مرتبط دائماً بالعالمي) وتصغير حجم الدولة، وإخراجها من أي دور اقتصادي سوى بناء البنى التحتية (وهي أشغال كبيرة بكلفة عالية) على يد الدولة، وتسليمها للقطاع الخاص (الرأسمال الخاص) لبيعها بأسعار رخيصة أقل من سعر كلفة، ووضع تعريفة استعمال عليها (سواء كانت طريقاً أو شبكة كهربائية أو شبكة هاتفية أو شبكة مياه أو حتى شبكة صرف صحي حتى التربية والشؤون الاجتماعية).. لجباية الأموال ودفعها للرأسمال الخاص الذي صار يستثمر ما لم يبنِ. الدولة تنفق أكلاف التشييد، والقطاع الخاص يدير أو يشتري بأسعار رمزية ويجني الأرباح.

 بالإضافة إلى ذلك تكاثرت الديون على الدول والأفراد بإجبارهم على الاستلاف حتى من دون كفالة ولا حتى قدرة على سداد الدين. وعندما يعجز صاحب الدين عن السداد تتملك المصارف عقاراته وغيرها من البضائع طويلة الحياة؛ حتى صار التسليف وسيلة لانتزاع أملاك الناس المنقولة وغير المنقولة. قليل من الناس يقرأون نصوص عقود التسليف، خاصة ما هو مكتوب منها بأحرف صغيرة في أسفل الصفحة.

 بالإضافة إلى ذلك أيضاً تكاثرت الديون على الدولة. والدولة مضطرة للاستدانة بضغط من الطبقة الرأسمالية الممثلة في السلطة بالطبقة المالية (أصحاب البنوك والودائع).

 تزايدت الديون على الدولة، سواء كان إنفاقها لأغراض ضرورية مثل البنى التحتية، أو غير ضرورية (الاستهلاك غير المجدي والفساد). وعندما عجزت الدولة عن الدفع كان عليها، حسب وصفات صندوق النقد الدولي (ممثلاً الرأسمالية العالمية)، جمع الضرائب من الأكثرية وهم فقراء (الأغنياء يعرفون كيف يتهربون من الرسوم والضرائب) وتجميعها كي تُدفع للبنوك الدائنة (بموازنة حكومية أو من دون موازنة) والبنوك بدورها تدفعها مع الفوائد للمودعين الكبار الذين يمتلكون أكثر من 90% من الودائع.

 تكاثرت الديون الفردية والديون الجماعية (على الدولة)، حتى صار كلٌ من الفرد والمجتمع رهينة بيد الطبقة المالية الحاكمة؛ ولم يبقَ من الحكومات إلا الأعمال المسرحية لتغطية كل ذلك من أجل الدفع لكل ذي حق حقه من كبار المودعين والمصارف؛ كل ذلك مما تجبيه من الدولة ومن الأفراد. هي سياسة تسليف ثم تسليف ثم تسليف (معظمها للبنوك الكبرى وهي معدودة على الأصابع). إلى أن يتوقف الأفراد أو الدولة عن الدفع؛ فيحدث الإفلاس.

 حين تفلس البنوك فإن الدولة تهب لنجدتها (البنوك أكبر من أن تفلس) وحين يفلس الأفراد تؤخذ ممتلكاتهم العينية (منازل، أراض، الخ...)، وحين تفلس الدولة فإنها تعيد هيكلة الدين (نوع من الإفلاس) بإشراف صندوق النقد الدولي، وترفع الضرائب وتبيع ممتلكات الدولة (كهرباء، هاتف، شبكات مياه، أراض عامة مستولى عليها بالقوة لدى الزعامات المحلية). وإضافة إلى ذلك تُرفع الضرائب ويسرح العاملون وتزداد البطالة؛ وكل ذلك من أجل إرضاء السلطة المالية العالمية.

 هذه الظاهرة عامة في كل بلدان العالم. تدير الأمبراطورية العالم بجيشها ودولارها. الدولار لم يعد مرتبطاً بالذهب ولا بأي قيمة فعلية منذ السبعينيات. يطبع الأميركيون كميات كبيرة من الدولارات ولا يعلنون عنها. صار الدولار هو العملة الاحتياطية الوحيدة في العالم، وهذا أمر غير مسبوق في التاريخ. ما يجنيه عمال آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية بالعمل المنتج وإنتاج السلع يذهب فائض الأموال منه (أي مدخرات هذه البلدان المنتجة) إلى الأمبراطورية لدعم الاستهلاك الأميركي الذي أصبح يفوق الإنتاج الأميركي بكميات كبيرة. ملياران إلى ثلاثة مليارات تدخل الولايات المتحدة سنوياً لشراء سندات خزينة أميركية أو غيره، أي لتشكل احتياطاً ورقياً لبلدان العالم لدى الولايات المتحدة التي تجيد التمتع بهذا الاحتياط.

 لا تحدث هذه العمليات إلا بالقوة، قوة الجيش الأميركي وقوة الدولار. الدولار ليس قوة اقتصادية بل هو قوة رمزية مدعومة بالقوة العسكرية. ليس له مبرر اقتصادي، إلا أن الجيش الأميركي منتشرة قواعده في شتى أنحاء العالم. لدينا في البلدان العربية العشرات من هذه القواعد، ومعظمها حسب اتفاقات سرية.

 الدولار الأميركي ليس قوة اقتصادية، بل هو قوة مدعومة عسكرياً. مهمة الدولار شفط مدخرات العالم وتوجيهها إلى الأمبراطورية، ومن لم يبعث مدخراته سلماً فهناك الجيوش من أجل الإقناع. هو نوع من التراكم البدائي الذي استمر منذ بدايات الرأسمالية، وتطور مع تطورها وما زال هو السياسة المعتمد عليها في الأزمات.

 ما تزال الرأسمالية العالمية تمارس وسائل النهب والغزو والحروب. ما قبل الرأسمالية والعولمة الرأسمالية وجهان لشيء واحد.

 سياسة الدولار تقررها المصارف العالمية الكبرى بقيادة البنوك المركزية. سياسة الجيوش الأمبراطورية تقررها وزارة الدفاع. المصارف المركزية ووزارة الدفاع مؤسسات سرية التصرف؛ لا تخضع للمساءلة وغير منتخبة ديمقراطياً. القيود الموضوعة عليها تسهل عملها ولا تحد من سلطاتها. هذه هي المؤسسات التي لديها في جيب كل منا حساب. وول ستريت أداة لهذه المؤسسات. فساد وول ستريت جزء من فساد هذا النظام. ما تمثله وول ستريت من طمع وجشع وفساد هو رأس جبل الثلج. ما لا نراه هو الاقتصاد الأمبراطوري الذي لم يعد يستطيع الوقوف على قدميه وممارسة هيمنته على العالم من دون القوة العسكرية وما يتفرع عنها من سياسات الدولار أو ما يسمى السياسات النقدية والمالية.

 يتغير شكل الاستبداد والنتيجة واحدة، ما يبدو لائقاً في الغرب يتخذ أشكالاً بشعة في البلدان الأخرى، حيث يغطي الاستبداد والتعذيب على كل شيء آخر.

 الذي فقد إنسانيته في الغرب وفي بلدان العالم الأخرى هو الإنسان الذي يحس أنه أعيد إلى عصور العبودية والإخضاع بالقوة. يفترض بالمعاملات في العصور الحديثة أن تكون تعاقدية، وأن تكون العقود بين أحرار؛ لكن العقد المعقود بقوة السلاح هو نوع آخر من العبودية. صار الناس عبيداً لما يتعاقدون عليه.

 الذي فقد إنسانيته يحتج ضد الحرب واستقطاب الثروة والبطالة والتهميش. 44 مليون إنسان في أميركا تحت خط الفقر، و25 مليوناً يبحثون عن عمل.

 هي ثورة عالمية واحدة، يغلب عليها الوجه الاقتصادي لدى المحتجين في الغرب، وتظهر بوجهها السياسي في بلادنا العربية وفي بلاد أخرى.

 هي ثورة واحدة يشعر فيها رافع اللافتة أنه إنسان مستلب الكرامة. النظام هو ما يستلب الكرامة.

 وهو نظام يستلب الكرامة، لأن آخر همه هو الإنسان. للرأسمالية منطق واحد هو منطق الربح. في النظام الرأسمالي يصير الإنسان أداة للربح، ليس الإنسان، ولا كرامة الإنسان من أولويات هذا النظام.

 سيسأل أحدهم: ما هو البديل؟ الجواب هو في مقالة أخرى.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا