<%@ Language=JavaScript %> أحمد حسين وجهة نظر.. ألليبرالية..  (كيلو نموذجا)
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

وجهة نظر..

 

ألليبرالية..  (كيلو نموذجا)

 

 

أحمد حسين

 

 

المتمدن الهمجي

الهمجية ليست توقيتا تطوريا، ولا علاقة لها بنقص المعرفة أو وفرتها. فلم يكن لدى برابرة الشمال الذين غزوا الإمبراطورية الرومانية الغربية عنابر للعبيد، أو حلبات مبارزة حتى الموت، للترفيه عن سادتهم القبليين، ولم يطعموا الأطفال للأسود، ولم يحرقوا روما بمن فيها كما فعل نيرون، ولم يبيدوا الحضارات والشعوب بالقتل والسبي والترحيل. لقد رأوا كل هذه الأشياء عندما اشتغلوا جنودا مرتزقة في الجيش الروماني، أو عندما اقتيدوا عبيدا إليها وأجبروا على قتل بعضهم في المصارعات الدموية. تعلموا السلوك الهمجي من المدنية العسكرية الرومانية، وربما طبقوه عليها لاحقا كجزء من ثقافتهم المكتسبة من التجربة. فالهمجية إذن حالة مرضية قد تنتقل بالعدوى من الحضارات التي أصابها الخرف إلى "الهمج" الذين خبروها على جلودهم؟ عندها يصبحون همجا بتوفر المعرفة وليس بنقصها.

يصبح فهم هذا ممكنا، عندما ننتزع من وعينا الخلط بين التخلف المعرفي والهمجية، ونبحث عن مصادرها في أمزجة التغول وفكر المصلحة لدى الحضارات القوية المستبدة. فمنطق التجربة يقول أن التخلف المعرفي لا ينتج التوحش السلوكي، على العكس من ذلك فإن الشعوب المتخلفة تغلب عليها إجمالا السذاجة والطيبة إذا لم يتم استفزازها. لأن الهمجية الحقيقية هي إنكار القيمة في العلاقة بالآخر. وهذا توسم معرفي للمصلحة الانتهازية لا يستطيعه الناس المتخلفون.

والليبرالي الحديث، في خرافة ما يجري في عالمنا، هو همجي العصر المتمدن. فالليبرالية تاريخيا، ليست أكثر من تعبير عن مجموعة الأفكار والثقافات المريضة التي ظلت تراود المتمدن الأوروبي حول نفسه والآخر. وهي كلها بدون استثناء، تدور في فضاء استشراقي نهضوي يبحث عن دور إمبراطوري لحضارته على صعيد كوني، ليغزو به فضاء الآخر في ما كان يسميه أعالي البحار. أي أن الليبرالية المعاصرة كانت تحديثا غرضيا لنزعة فوقية كامنة في الوعي الذاتي، تحولت إلى نمط فكري وثقافي خاص للمصلحة. لقد تفتحت، على خلفية الوفرة الاقتصادية وقوة النظام، آفاق السيادة على الآخر الهمجي، وترعرعت معها عبادة الذات النخبوية، كدينامية مشروع استعماري همجي ورسولي في أن واحد. وانغمست الليبرالية في مطارحات الوعي مع مشروعها العملي، لتسفر هذه المطارحات، بحيوية الانشغال الدائم الذي يؤدي حتما إلى استدخال وعي السلوك، عن مشارفات فلسفية مضادة للوعي التاريخي، على شكل مداخلات نقدية لغوية، لفكرة أن حركة المجتمع والأفراد الاجتماعيين هي الأصل. فهي إذن ليست فلسفة بالمعنى الاصطلاحي التقليدي في الشكل أو المضمون. على العكس من ذلك يمكن القول أنها حركة فكرية وثقافية مناهضة للفلسفة عموما، بوصف هذه الأخيرة ورشة لصناعة الأفكار الشاملة والإيديولوجيات والقيم. لذلك يمكن القول موضوعيا أن الطفرة الاقتصادية والوفرة البنكنوتية التي غرقت فيها النماذج البرجو - اقطاعية، حركت فيها نزعة التجسد الطبقي، خارج أوضاع ومثل اجتماعية، أنتجتها دولة الإقطاع والكنيسة. وإذا اخترنا حركة حرية المرأة نموذجا في المجتمع الليبرالي، فإنها ظاهرة انتفاع طبقي، جرى التركيز فيها على الجنس والعمل، والإهمال المقصود للحرية السياسية. فبإلحاح من ضغط الوفرة التي تقتضى نمطا من الحياة المرفهة، ومتعة الإنفاق، والتحلل من التقاليد من ناحية، والحاجة إلى استقطاب قوة العمل اليدوي الرخيصة للنساء، في المصانع التي أخذت تتكاثر كالفطر، من ناحية أخرى، ترعرعت الليبرالية بين نزعتي البذخ والتملك بدون حدود. لقد كانوا بحاجة إلى النساء للترفيه، وكعاملات في البيوت والمصانع. وقد تكفلت طفيليات الفكر والكتابة والصحافة، فيما بعد، التي كانت تدور حولهم، بوضع مطلب التحرر الفردي في المجتمع في خانة الضرورة الفلسفية. وكان "تحرير" المرأة على الغرار الانتفاعي المذكور "فضيلة ليبرالية تحررية" أدت كما نرى اليوم، إلى تسليعها في كل مجالات الانتفاع الطبقي والسوقي من تجارة الرقيق حتى، السياسة. على هذا الغرار من تحول دوافع الجشع الذاتي والغرضي بكل أشكاله إلى قيمة بديلة، بدأت البرجوازية ورشتها الفكرية، فافتتحت ورش تحطيم قيم الإلتزام الاجتماعي، وإلى جانبها ورش تصنيع القيم البديلة، وعلى رأسها تمجيد قوة النظام بدل المجتمع، وتحرير النزعات الفردية تحت مسميات المبادرة والعصامية والمنافسة البناءة، والسلوك البراغماتي الحر الذي يقدس العمل والنجاح. ومع أنها تبدو كلها قيما تحتمل النقاش ظاهريا، إلا أنها أنتجت في النهاية بامتياز، العصر الهمجي بامتياز أيضا الذي نعيش فيه اليوم. أنتجت الإنسان العدَمي القرد ألذي يعتبر الجريمة الاجتماعية نجاحا فرديا من حقه. وأصبح التقييم الأخير لأي عمل هو النجاح، وأصبح التبرير يخص الفشل فقط. وحتى لا ننزلق بعيدا في الرواية الملحمية لسقوط العالم "التاريخي" على يد الليبرالية الحديثة، كما نرى اليوم، نقول أن الليبرالية الغربية الحديثة، بدأت من إنكار القيمة إطلاقا في العلاقة الوجودية، واعتبرت الفرد النخبوي وحدة التطور في التاريخ الجديد، بناء على قانون الانتخاب الطبيعي، معتبرة، أن مجتمع القيمة هو إشكال الموروث التاريخي قبل الليبرالية. وأن مجتمع النظام الاقتصادي المدور والتراتبي هو البديل لحل كل إشكالات الحرية والتحرر، بزعم أنه لا وجود في واقع الحركة لشيء يدعى الحرية الاجتماعية، وأن هذه الحرية شكلت شرعية استعباد الأفراد الذين حرموا من حقهم الطبيعي في صناعة تاريخهم الحقيقي بوصفهم مادة الوجود الحقيقية، لصالح وهم المجتمع والإنسان الاجتماعي.

إن بيان طبيعة الفكر الليبرالي، هي التي توصلنا، في النهاية، إلى أن الفرد الليبرالي هو الإنسان الفرد الذي يريد أن ينجح بأية طريقة. وهي إرادة محمية بالقانون الطبيعى لحقه في تدمير الآخر، وتجاوز مصالح المجتمع بوصفه استبدادا جماعيا، يقوم على تصور مسبق للنظام، ويضع التحرر الاجتماعي بديلا عن حرية الأفراد، أي عن الفوضى البناءة. لذلك فالليبرالي هو النموذج المطلق للانتهازي الفرد المتحرر من الأوهام، الذي سيجعل من انعدام التجانس داخل المجتمع دينامية بناء. إنه الأحفور الحقيقي للوجود. وهو السطح الطبيعي لمحايثة الظاهرة البشرية، كنسيج من التواريخ الفردية المتوازية والمتقاطعة والممتدة فوق وهم العمق الاجتماعي الكاذب، وهو أيضا ظاهرة "الاختلاف" التي تعطي لكل فرد حقا "مشابها" في افتراس الآخر، بحكم أنهما شيء واحد مختلف ومتجانس، يمثل تميمة الوجود البنيوي المفكك لنظام المظهر الاجتماعي. كل فرد ونقيضه البنيوي يشكل وجهين لدولار فضي واحد يمثل مطلق القيمة والحركة الحقيقية في الوجود. لذلك لا مجال للحديث عن قيم منفصلة عن واقع الحركة المكونة من عوالم فردية، تشخصها الشحنه الكهربائية حيث السالب والموحب هما الاثنان اللذان يصنعان الواحد. لا مجال للحديث عن تقييم أي شيء خارج قانون وحدة الفرد بما في ذلك الجريمة لأنها مضمون بنيوي وليس علاقة بين طرفين موجودين كلا على حدة. هذه هي حقيقة الحياة التي حاولت الفلسفة تعديل مزاجها الحاد بالقيمة والمجتمع الملفق، فحولت التاريخ إلى سلسلة متفجرة من الاحتقانات، وجعلت من الحرب سلسلة من المآسي المصيرية كما صورتها فلسفات وثقافات وإبداعات القيم الاجتماعية، في حين أن الاجتثاث العلاجي لفوائض الاحتقان الديموغرافي مثلا، لقطاعات من البشر غير المنتجين الذين يشكلون عبئا مجانيا على قانون الانتخاب الطبيعي، وامتيازات النخب، كان يمكن من حل المشكلة بدون حروب وبدون دمار مرافق وبدون طقوس مأساوية فارغة من المعنى. ألموت ظاهرة بنيوية بنائية في الحياة، ويجب أن نعتاد على النظر إليه كذلك. وهذا بالضبط هو ما تقوم الليبرالية الحديثة بتطبيقه جزئيا، عن طريق نشر الأوبئة والمجاعات، والإبادة المباشرة، والصراعات الموضعية، وعوامل التدمير الذاتي، لإعطاء النخب الطبيعية، فرصة بناء عالم النخبة الخالي من القيم التي تضخم المعاناة، ومن الفوائض البشرية المحتقنة التي تسبب الصراعات المدمرة. في غياب القيم والثقافات الاجتماعية سيولد الإنسان الفرد، المتوازن العلاقة مع الطبيعة كالشجرة وكحيوان الغابة، وتصبح الحضارة ارتقاء حياديا للمعرفة الواقعية، وليس للتسلق الهارب على شجرة الوهم التي لا بد من النزول عنها آخر الأمر.

بهذا المنطق فإن كل ليبرالي هو موضوعيا مجرم اجتماعي (بلغة التاريخيين) كاذب حتما ومغالط حتما وإباحي حتما لأنه صناعة بدون مضمون اجتماعي حقيقي. فقد أصبح التنظيم لديه بديلا عن الحياة الاجتماعية الملتزمة بسياق الحد الأدنى لإنسانيتها. وأصبح المجتمع الليبرالي غابة متحضرة للصراعات الفردية بين النخب التراتبية، ليس فيها أية تابوهات أو طواطم سوي تابو الملكية الخاصة، وطوطم النجاح معبود الفرد البرجوازي. وبناء عليه اقتنع أن التاريخ ليس الحركة الاجتماعية التي تسعى لتحقيق وضع التحرر الاجتماعي وإزالة الطبقات، وإنما هو سياق فردي محقق من "تكافؤ الفرص" في النفي المتبادل داخل البنية الواحدة، وصراع مستمر على تداول المواقع "النخبوية"، وليس الطبقية التي لا وجود لها، بين النخب الفردية. هذا هو النظام الليبرالي البديل عن تدمير الفرد بالمجتمع، وتدمير دورة الانتخاب الطبيعي التي تشكل حركة التطور الفردي نحو النخبوية، باستبداد الجماعة.

كيف يمكن اجتماعيا ائتمان عقل السلوك لدي هذا الكائن الليبرالي. إنه يرفض أصلا مبدأ الثقة والائتمان في العلاقة لأنهما تعبير، في نظره، عن نظام أخلاقي مثير للقرف. إنه يدين بالوسيلة العملية فقط، أي بتراتبات الجريمة الاجتماعية لتحقيق أهدافه الفردية بلغة مختلفة عن لغة التاريخ الغريبة. فهو وحدة التزام بالحقيقة الطبيعية للوجود، يبدأ التناقض معه من لغة الحوار ذاتها. فليس هناك مصطلحات متقابلة للغة الواقع كما في لغة التاريخ الميتافيزيقية. فعندما قسم الفلاسفة التاريخيون الوجود إلى فضاء للوهم وفضاء للواقع، نشأت لغة التاريخ المنفصلة عن واقع الأفراد، وتعرضت كل بنى الوعي للتفكيك المثنوي المتوازي لتحل ثنائية الأنا – الآخر الكاذبة، مكان وحدة (الأنا الأنت )، وتحل القيم محل عفوية السلوك الطبيعي.

في لغة الإنسان التاريخي، تعتبر هذه المرافعة الليبرالية، توجها نحو الإباحية في أبشع تمظهراتها الغريزية. وفي لغة الليبرالي الموضوعية هي استبدال لكلمة الحرية التي لا نقيض لها في الواقع. فالكلمات في لغة التجريد الليبرالي الحر هي أسماك ( صواتات ) مفردة وقائمة بذاتها، مثل الأفراد أنفسهم، تسبح في حوض الكينونة الفيزيقية الخالي من التناقضات التي صنعها الإنسان التاريخي. وهي التي تشكل عقل التجربة لدى الفرد الحقيقي وتحمل شيفرة الكينونة الفردية. فتحت ركام اللغة التاريخية توجد اللغة الجينية للكينونة، التي لا تظهر إلا بالحفر الأركيولوجي في لغة الركام التاريخي.

ولكن المشكلة أمام علماء آثار اللغة اللبراليين أن معظم البشر في الطبقة الأركيولوجية التي نعيش فيها يشكلون الركام التاريخي ويتكلمون لغته "المهجنة"، التي تعتبر اللغة والإنسان نفسه تراثا للتطور الطبيعي الارتقائي، الذي هو بنية جدل قائمة على التناقضات الإيجابية داخل الحركة. الشيء الوحيد الذي لا مكان له في هذه البنية التطورية هو السلبية والصنمية. والإنسان تفوق تطوري منذ وعى ذاته وانفصل عن الإمتثال السلبي دون أن ينفصل عن السياق العام. إنه الطبيعة في حركتها وارتقائها الأسمى بنفسها. فإذا كان بوسعه أن يضع نظاما للسعادة يقوم على وهم الحقيقة أو حقائق الوهم التي يسميها الليبراليون القيم، فهذه هي مهمته في السياق الطبيعي. وإذا كان الإنسان يستطيع أن يتمتع بذاته بأكثر مما تتيحه البيولوجيا، فلماذا لا يفعل؟ إذا كان الإنسان سينغمس في الامتثال لحركة الانتخاب الطبيعي بمعناها الأمي فلماذا هو إنسان؟ ومن الذي سيستفيد من نموذج هذا الإنسان القرد سوى النخب الاقتصادية العالمية؟ إنسان كهذا لا يمكن أن يوجد فعليا إلا بعد أن يصبح قردا مدربا يجمع الثمار عن أشجار الغابة المتمدنه لتأكلها النخب الليبرالية مقابل كفافه الأدنى.

 ألليبرالي بلغته هو، يساوي الفرد الذي يساوي الإنسان الحقيقي. أي أنه، في لغة التاريخ، إنسان عالمه الخاص الذي يعيش فيه وحده بدون شرف إنساني وبدون مضمون موضوعي على الإطلاق، لا تصح محاورته إلا كما تصح محاورة أمريكا حول تدمير الشعوب لحماية المدنيين كما تفعل في العالم العربي الآن. وإليكم بعض النماذج الليبرالية في وضع الأداء الليبرالي الذي يثبت ما قلناه؟

 

نماذج ليبرالية

ميشيل كيلو  

قرأت مقالا لهذا السيد على صفحات الإنترنت بعنوان "أيها السوريون ماذا أنتم فاعلون". وهو عبارة عن صفحة نموذجية لليبرالي العريق وهو يؤدي دور"القديس الوطني المعذب". وليس هذا غريبا على ليبرالي، يجيد فن التظاهر، وله علاقة حميمة بفن المغالطة. ولكنه فشل في أداء دوره، لأن التمثيل وتقديم رسالة الوعي للجمهور عن طريق الفن شيء، ومحاولة انتهاك وعيه بالمغالطة عن طريق الدس، شيء أخر. الليبرالي ليس ذكيا بمدى ما هو سيء النية.

يبدأ السيد بالمغالطة من العنوان. فيصرح بهدوء: أيها السوريون ماذا أنتم فاعلون؟ فهل يعني بالسوريين كثرة الشعب السوري، أم جيش الشبيحة الميدانيين المستوردين من الشركات الأمنية؟ بالطبع هو يعني، كما يبين السياق لاحقا، تلك التركيبة التي يطلق عليها الإعلام الليبرالي اسم الثورة أحيانا، واسم المعارضة أحيانا أخرى والربيع العربي مرة ثالثة. أي كرنفال الإخوان والليبراليين الاستعراضي الذي تشرف عليه قناة الجزيرة، حيث يسهر الطاقم الميداني المشترك في عنابر الليل الليبرالي، للتنسيق حول كيفية إخراج كرنفالات السامبا والرومبا سينمائيا، في اليوم التالي، على الشاشة. عروض تحشيش في زقاق مجهول الهوية يطالب فيه شبيحة التظاهر، ليس بالخبز أو الحرية، وإنما بإسقاط الرئيس. فمن واجبه كليبرالي أن يعني بالشعب السوري الفئة التي ينتسب إليها، ولكن من حقنا وواجبنا كناس موضوعيين غير ليبراليين، لنا رأينا فيما نشاهد، أن نقول له أن الشعب السوري كما نعتقد، يفعل كل ما يستطيع للدفاع عن سوريا مع قيادته القومية، ضد جيش الشبيحة بمختلف تخصصاته وقطعاته، الذي كانت أمريكا والغرب والصهيونية يعدونه منذ عقود لغزو الشعوب العربية وغير العربية.

المغالطة أعلاه هي المغالطة المركزية. وحولها تدور مغالطات فرعية كثيرة تقدم على ذات الخشبة، وترتبط لوجستيا بالجهاز العصبي المركزي للمؤامرة، من خلال قنوات نفسية وعضوية تصب في فسيولوجيا المهزلة الدموية. ويبدو أن الكاتب الليبرالي بعد طرح مسلمته الذاتية حول هوية الشعب السوري، بدأ يشعر ببعض الثقة التي تعقب المرة الأولى، فاندفع في المغالطة الثانية يطلب منا أن نسلم معه بأننا حمير. فهو حين يرى أن وقوف "المجتمع الدولي" والجامعة العربية، وتركيا، وآل مديتشي في قطر مع "الثوار"، هو قرينة إدانة للنظام السوري؟ إن هذا يعد من جانبه اختلاسا على المكشوف، لعفاف المسلمات؟ فمن مثله يعرف يقينا، إن الإجماع الذي ذكره سواء كان ضد النظام السوري، أو أي نظام آخر في العالم، هو قرينة البراءة القاطعة في هذا العصر، على كون ذلك النظام يتمتع بالشرف السياسي والاجتماعي والإنساني الذي تتوجس منه أمريكا ومحظياتها العربيات وتركيا راقصة البطن المشهورة؟ وما دام قد قرر اعتبارنا حميرا، فنحن مجبرون أن نقول له: لو فكرت قليلا قبل أن تدلي بهذه المغالطة الغبية وتبدو ساذجا إلى هذه الدرجة، لربما بدوت أقل انكشافا وتبذلا. فهذه المغالطة البلطجية فضحت نواياك، وأودت بمغالطاتك الأخرى كلها. أين هم أعداء الشعوب والإنسانية والحق والعدالة والحرية، إذا لم يكونوا هم هؤلاء الذين ذكرتهم؟ من "يجهل" اليوم سواك، كما تحاول أن تدعي، إن كل شبيحة الإنسانية من القمة إلى القاع، أي من أمريكا وحتى قطر، ومن أوباما حتى الملك الراقص مع بوش بالحديدة، ومن بغال الشبيحة في الجامعة العربية بدءا بعمرو موسى الابن الشرعي لأمريكا، وحتى بواب الإسطبل الجديد، يقفون اليوم صفا واحدا معا، ويجترحون معجزات التكتيك والقوة، وكل رذائل الشرف الليبرالي من أجل عولمة استبداد أمريكا الهمجي، الذي يصر على امتلاك العالم، شعوبا وأوطانا وعقلا ووعيا وجسدا وروحا؟. أنت استفزازي يا سيد ميشيل! ولن أشير إلى ما تتضمنه مغالطتك البلطجية من أهداف تحريضية تظن أنها مبطنة، لأن غزو سوريا كما تعرف، ليس قيد البحث بل هو قيد التنفيذ. إن شبيحة الليبراليين الإسلامويين والليبراليين العلمانيين العاملين على الساحة السورية لا يختلفون عن المارينز بشيء، يا سيد كيلو، سوى أن المارينز همج إمبراطوريون، وأولئك همج سوقة، يعملون جميعا في خدمة أهداف الجريمة العالمية. ولا أود أن أحرجك وأستحلفك بشيء ما، بل أسألك بمنتهى البساطة هل الأسد هو أسوأ رئيس في العالم، حتى يقوم ذلك "الإجماع الدولي والعربي والتركي" على وجوب الإطاحة به باسم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان؟ هل كان لهذا "الإجماع الدولي" الذي تتمصدق به، فضيلة في غابر الأيام أو حاضرها، غير فضيلة استعباد الآخر ونهب ثرواته، وامتهان إنسانيته، حتى تتحدث باسمه عن أمور يعتبرها، وتعتبرها أنت، نكتا سياسية وفكرية بذيئة؟ من يتمصدق بالبذاءة غير الليبراليين يا أخ؟ ومع ذلك يمكن اعتبار التمصدق بأمريكا بذاءة سياسة متوقعة من سيد ليبرالي، ولكن هل هناك ليبرالي عربي غيرك يجرؤ على التمصدق "بالإجماع العربي الماخوري" الذي يحظى بسمعة كونية تفوق سمعة الأيدز؟ أنا لا أحاورك يا سيد ميشيل! أنا فقط أفضح النموذج من خلالك، لأنك شبيح يستخدم عقله الليبرالي النزق، فيقدم لنا الدليل بدون قصد، على أن الليبرالية ليست سوى عقل الجريمة الاجتماعية والتحايل والمنفعة الفردية في كل مستوياتهما. والأهم من ذلك يقدم لنا الدليل، والحمد لله، على أننا لسنا نحن الحمير. الليبرالي فقط هو الذي يبرهن على شرفه بشهادة العاهرات. أما نحن فنعتقد أن قرينة الشرف هي عداء العاهرات لصاحبه.

وأخبرني، من فضلك لكي أفهم! ما هو موقع الشجب المطلق في الحل الأمني؟ الحل الأمني، كما نسمع ليس خيارا نظاميا، بل أهم واجب مقدس بين واجبات النظام تجاه مواطنيه. قد أكون سطحيا في فهمي لقضية الأمن، ولكن فهمك للحل الأمني بمعنى القمع فقط، لا يقل بؤسا عن مغالطاتك السابقة. فالحل الأمني القمعي ليس وجهة نظر في كل الأحوال. وعلى سبيل المثال، هو ليس وجهة نظر في حالة مهاجمة قطيع من الذئاب المتوحشة لقرية صغيرة. وهو ليس وجهة نظر في حالة مقاومة اللصوص وقطاع الطرق وأساطين الجريمة والمخدرات، والفتنة الطائفية. وهو قطعا، كما تقول، ليس وجهة نظر أيضا، في حالة مهاجمة النظام لقاعة البرلمان بالجيش، أو تفريق مظاهرة سلمية تطالب بالحرية أو بالخبز بإطلاق النار عليها. فهل ما زلت تعتقد أننا حمير، وتطلب منا أن نسترسل مع مسلماتك السابقة، ونعتبر أن النظام السوري هو الذي أصيب بلوثة أمنية مفاجئة، وبدأ بحملة إرهاب أمنية مجانية ضد شعبه السوري. وأن الشعب السوري هو مجموعة الربيع العربي التشبيحية، المكونة من الدينويين، وصقور الليبرالية، ومن ورائهم مغاوير الجناح العسكري للإخوان، الذين يقودهم ويدربهم شبيحة بلاك ووتر في بلدان الجوار السوري. لن نفعل ذلك بالطبع، وإذا كانت كل الملابسات التي أحاطت وتحيط بالربيع العربي عموما، لم تقنعك أن العالم العربي بما فيه سوريا هو قيد الغزو الدولي والعولمة، فهذا يغنينا عن التشهير بك، ولا نحسدك على تشهيرك بذاتك بمثل هذه الشجاعة.

على الأقل نحن لدينا من الأدلة الدامغة، وعلى رأسها سلوك "المجتمع الدولي" المدعم بطائرات الناتو، وتصريحات أوباما وبلير وميريكل وساركوزي وبان كيمون، بأن الشعوب العربية موجودة الآن قيد إعادة التشخيص الشرق أوسطي الجديد والكبير. أي قيد التتريك الخلافي الليبرالي. وإذا افترضنا أن الخيار هو بين نظام عربي استبدادي، وبين نظام خلافي استبدادي، فمع من يجب منطقيا أن نكون، أيها "الذمي" المحترم؟ هذه هي المعادلة المطروحة علينا. وهي لا تناسب إنسانيتنا. لكنها تناسب الليبرالي بالطبع، لأن الدولار هو القيمة الوحيدة في عالمه، ولأنه سيكون رجل النظام القادم. على هذا الأساس وحده يمكن فهم صمود ليبراليي العالم العربي وتضحياتهم التشبيحية.

إن تعدادك لكل ما ابتلي به وعانى ويعاني منه النظام السوري، وكل نظام قومي من مآزق، وما يحيط به اليوم من مؤامرات عزل وحصار ومواجهة، يشبه مغالطة الإجماع الدولي والعربي (أي الخليج ودولة السعودية والجامعة العربية وآل مديتشي في قطر). بربك يا سيد ميشيل، هل تريد القول أن النظام السوري مثل النظام العراقي والنظام الناصري هو الذي خلق المشاكل لنفسه، لأنه هاجم أمريكا في عقر دارها؟ ولأن أنظمة السعادين الذين يطيعون أمريكا، خير من أنظمة البشر الذين لا يطيعون أمريكا؟ كلا! أنت تريد أن تقول ما قاله استراتيجيو الاستشراق منذ قرون، أن قيام نهضة قومية عربية معناه، سقوط حلم السيادة الغربية على العالم إلى الأبد. لذلك يجب ألا يحدث ذلك، أيضا إلى الأبد! كلا! حضرتك تريد القول للنظام السوري، ليس أمامك خيار. إما أوهامك القومية الفارغة وإما مصير العراق. كلا! فهذا ما تردده يوميا شبيحات الإعلام الجنسي. حتما تريد القول ما يقوله الذين يزودون إسرائيل بالنفط والغاز ويمنعونه عن سوريا: يتمسك النظام السوري بأساطير الممانعة والصمود والقومية والتحرير، ثم بدلا من تحرير الجولان من إسرائيل، يطلق النار على شعبه؟ ماذا فعل النظام السوري للفلسطينيين؟ بل ماذا فعل لشعبه سوى إغراقه في الفقر والمشاكل الدولية بدون فائدة؟ فلماذا لا يتبع النظام السوري الصف العربي المعتدل ويتخلص من مشاكله؟ هذا هو بيت القصيد يا سيد كيلو.

من يجعل الشبيحة الذين توجههم فاضلات السيلية، شعب سوريا، ويجعل شعب سوريا عصابة من الشبيحة يوجهها النظام السوري، يجب تسجيل اسمه في سجل الخالدين. ولكن من يقول أن العرب يريدون من سوريا تحرير الجولان، أو أن من منع سوريا من ذلك هو أحد غير الإجماع العربي على دعم إسرائيل ضد سوريا، فهو الشبيح المطلق. تصور يا سيد أن سورياً له إلمام بالواقع الكوميدي العالمي، قال لك: هذا صحيح! أن الشعب السوري يفضل المعاناة على البحبوحة التي حققها نظام مبارك الأمريكي للشعب المصري، فما الذي يغضبك ويغضب الجامعة العربية وقطر والسعودية والأردن منا؟ أليس هذا من حق الشعب السوري داخل وطنه؟ فماذا ستقول له؟

أو قال لك: نحن لم نحاول تحرير الجولان حتى الآن، لأن إسرائيل أقوى منا بكثير بسبب أن أمريكا تمدها بالمال وبالسلاح الأكثر تطورا في العالم. ولن نهاجم إسرائيل حتى لو استطعنا، لأننا لن نحارب إسرائيل وحدها، سنحارب معها الناتو، والمجتمع الدولي والعربي. ولا، نريد استعادة الجولان وخسارة كل سوريا كما حصل في مصر. نحن نتعلم من تجربة الدول العربية المعتدلة، والأنظمة الصديقة لأمريكا، لذلك لا نريد أن نكون أصدقاء لها ولا أعداء إذا لم تبادر هي لمعاداتنا. لماذا لا يكون هذا من حقنا؟ فبماذا ستجيبه؟

وإذا قال لك: الشعب السوري متأكد أن أمريكا تريد إسقاط النظام القومي في سوريا لأنه مستبد ويقوم باضطهاد شعبه. وسنساعدها على ذلك، بشرط أن تضمن لنا أنها ستقوم بتعيين نظام ديمقراطي صديق لها كنظام مبارك، يطلق الحريات، ويضمن الأمن المعيشي، والأمن الصحي، ويحقق الرفاه النسبي لشعبه، كما فعل مبارك للشعب المصري. فماذا تقول له؟

وإذا قال لك، حاولنا أن نفعل للفلسطينيين وما نزال كل ما نستطيع، بشهادة غضب أمريكا والعرب منا، ولكن كيف يمكنك مساعدة شعب تفضل قياداته بناء استراتيجيتها "المقاومة" مع إسرائيل وقطر، وليس مع سوريا؟ الشعب الفلسطيني يخون نفسه بكل الوسائل الممكنة، ويستورد حكامه من أمريكا وإسرائيل وأوروبا ويصفق لهم؟ لقد أصبح الفلسطينيون في دولة "منظمة التحرير الخليجية" شعبا نخبه من العملاء، والباقي من مريديهم، فكيف يمكننا التعامل مع قيادة من التجار والشبيحة من أمثال عباس وفياض وعريقات وشعث وعبد ربو؟ وهل هم أصلا يفكرون في التعاون معنا؟ فماذا تقول له؟

وأخيرا إذا استأذنك في الرد على عرب الاعتدال وأذنت له فقال:

يا سلالات الخيانة المنقولة أبا عن جد، وغلمان لورنس العرب، والحاج فيليبي، وعائلات "سايكس بيكو "!

يا مذمة البشر، ومديح القرود، وأميي الشرف، ونعال الصهيونية، وفقهاء الذل، وأضحوكة الدهور، ودياييث القبيلة! من حمل فلسطين إلى مخدع الصهيونية؟ من اشترى العملاء بدولاراته ونصبهم قادة على الفلسطينيين ليدمروا قضيتهم الوطنية؟ من منكم لا تستطيع إسرائيل عزله غدا؟ فكيف إذن ستخالفون لها أمرا؟ هل تملكون من مالكم أو حلالكم أو بلادكم شيئا، سوى الوكلة عليه لأمريكا والصهيونية؟ فماذا تريدون من المزاودة على سوريا بإسرائيل وأنتم عبيدها بعقد إيجار؟ من أقام جدار التصدي الإخواني أمام الوعي القومي وأصاب الشعوب العربية بالشلل سوى دولاراتكم. سوف ترون أيها المشايخ والملوك غدا أو بعد غد، كيف ستلفظكم أمريكا والصهيونية لفظ النواة. أحسنتم الخدمة ولكن لم تعودوا صالحين الآن لشيء. سلموا أوراقكم واذهبوا! لهم بين ظهرانيكم من العملاء البيروقراطيين من سيخلفكم فلا تخالفوهم! هل تريدون من سوريا التي حاصرتموها عقودا بدسائسكم وحدودكم ودولاراتكم أن تحارب العالم ليحدث لها ما أحدثتم في العراق؟ حسنا إذا وجدت سوريا من يضمن لها ألا تطعنوها في ظهرها وتقفوا على الحياد، فقد يحق لكم عندها مطالبة سوريا بتحرير الجولان.  

ماذا ستقول له؟

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا