<%@ Language=JavaScript %> عاطف الغمري إدارة النظام الإقليمي بعد الربيع العربي 
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

إدارة النظام الإقليمي بعد الربيع العربي 

 

 

 

عاطف الغمري

 

يحدث في أعقاب الثورات، والتحولات التاريخية في الدول، أن تأتي تحولات إقليمية تشمل صعود قوى وتراجع أخرى، وعلى ضوء ذلك يكون من التبسيط المخل النظر إلى ثورة 25 يناير على أنها حدث تنحصر تأثيراته في الداخل، فهي حدث يحمل أبعاداً استراتيجية، سوف تنعكس مردوداتها على علاقات وأوضاع قوى إقليمية ودولية .

ولنا أن نلاحظ أن المنطقة مرت في التاريخ المعاصر بمرحلتين تاريخيتين من الصراع عليها . الأولى عندما تم إدخالها في إطار الصراع الأمريكي  السوفييتي الذي بدأ عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، وخاصة ابتداء من انقلاب التحالفات وانقسامها إلى معسكرين متصارعين منذ عام ،1947 والثانية بعد تداعيات زوال الاتحاد السوفييتي، وانفراد الولايات المتحدة بوضع القوة العظمى الوحيدة، وهي فترة سمحت بسعي قوى إقليمية إلى اقتحام المنطقة في صراع إقليمي كل منها يسعى إلى توسيع دائرة مصالحه . وكان أبرزها “إسرائيل” وإيران وتركيا، مستفيدة من الفراغ الاستراتيجي الذي تركه العرب أرضاً مباحة للآخرين .

وكانت هناك عوامل مساعدة من الخارج لدعم هذا الفراغ الذي صنعه أصحابه العرب، سياسات تفتيت المنطقة، وإغراقها في أزمات من داخلها ومن حولها ممتدة من العراق وحتى إفريقيا في السودان والصومال، وأيضاً تطبيق حكومة بوش الابن ما سمي بسياسة إعادة توزيع الوزن الإقليمي لدول المنطقة، بالتركيز على المحافظة على تحجيم مصر، وإبقائها فاقدة القدرة على الفعل والمبادرة .

ثم جاءت ثورة 25 يناير، ورغم علو أصوات مريبة من داخل مصر، تحاول التقليل من قيمة الثورة، والتهوين من دورها التاريخي، بزعم أنها انتفاضة وليست ثورة، وتشويه صورة شبابها، إلا أن مراكز الرصد الدولية المحايدة والتي تُخضع الأحداث الدولية للتشخيص العلمي المجرد، اتفقت على أنها ثورة مكتملة الأركان، وأن طاقة التغيير الكامنة فيها، سوف تنطلق مستكملة أهدافها في إقامة دولة قوية رائدة في مصر رغم أي عثرات أو عقبات تواجهها .

الثورة جاءت في إطار إقليمي ودولي محمل بدعوات إلى التغيير، فهي حدث يتزامن مع تراجع الغرب اقتصادياً، وبدء انطلاق موجات احتجاجية للشعوب خرجت إلى الشوارع تضغط لإعادة النظر في السياسات الداخلية والخارجية على السواء .

وتجمع التقديرات على أنه حين تكتمل مراحل الثورة، فإن مصر ستكون محور صياغة المرحلة الثالثة من علاقات القوى الإقليمية، ومركز التغيير المستقبلي، وذلك حين تلحق بها بقية حلقات التغيير بنجاح الثورات التي مازالت مشتعلة في سوريا واليمن .

وعندئذٍ تتوافر فرص قيام استراتيجية أمن قومي عربي، تملأ الفراغ الاستراتيجي الذي كان ملعباً لغير العرب لسنوات طالت .

إن القاعدة المستقرة تاريخياً، هي أن المنطقة العربية تصحو حين تكون مصر مكتملة العافية سياسياً، والعكس صحيح . ولوحظ ذلك أخيراً من حالة النشوة والفوران النفسي القومي في أرجاء الوطن العربي بعد 25 يناير، ثم ما أعقبه من قلق جماعي من يوم أن تكالبت المشكلات على مسيرة الثورة .

ومنذ 25 يناير ومصر تسعى إلى الخروج من سنوات الجمود وانعدام الفكر الاستراتيجي، وإدارة السياسة بمفهوم رد الفعل، والعمل حسب مبدأ يوماً بيوم .

إن قياسات انعكاسات الطاقة الكامنة لثورة 25 يناير على الوطن العربي، تقدر أن تراجع مكانة مصر في عهد النظام السابق، لم يكن راجعاً إلى نقص في وزنها، لكنها نتيجة ضآلة حجم وقدرات من يتولى قيادتها، إضافة إلى إحاطة نفسه بمن هم على شاكلته من حيث ضحالة الفكر السياسي، والتجرد من مبدأ العمل للمصلحة العامة، وإقصاء النظام لأصحاب العقول من خيرة أبناء مصر، من أهل العلم والخبرة والمعرفة، وإن كان من يقربهم إليه من هؤلاء، هم ممن رضوا بالسير في ركب النفاق، ووضع أنفسهم في خدمة أهدافه .

وزاد من خطيئة النظام السابق، حرصه على الجمود، بينما دول في العالم من حوله تتغير سياسة واقتصاداً وفكراً، إدراكاً من هذه الدول بأن التغيير صار فلسفة العصر وقاعدة عمله، فكان أن جر النظام السابق مصر خارج عجلة الأمن . فالنظام كان معانداً لحركة التاريخ، فأبقى مصر بلا فاعلية، في حين صعدت دول كانت ضئيلة وفقيرة بالمقارنة بمصر، وصارت مرشحة لتكون شريكاً في إدارة النظام الدولي المقبل الذي سيقوم على أساس التعددية الدولية، وحيث يقترب عصر القوة العظمى الوحيدة من نهايته .

. . الآن، تعاد صياغة النظام الدولي، ويعاد تشكيل قواعد إدارة الصراع والعلاقات في النظام الإقليمي الذي كانت مصر دائماً في موضع القلب منه . ومن هنا كانت أزمة الفكر الاستراتيجي “الإسرائيلي” الذي تنعى قياداته ضياع كنزهم الاستراتيجي، وهي التسمية التي وصفوا بها النظام السابق .

نحن إذاً، على أعتاب المرحلة الثالثة في التاريخ المعاصر من إعادة صياغة علاقات وأوضاع القوى في المنطقة، انتظاراً لاكتمال الثورة، وانطلاق مبادرة ملء الفراغ الاستراتيجي العربي .

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا