<%@ Language=JavaScript %> الحسين الزاوي الديمقراطية وقيم العيش المشترك
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

الديمقراطية وقيم العيش المشترك

 

 

الحسين الزاوي

 

في هذه اللحظة التاريخية التي يعيش فيها الوطن العربي على وقع تداعيات ما أضحى يعرف بالربيع العربي، يرى الكثير من المتتبعين والملاحظين لتطورات الأحداث الجارية، أن هناك شروطاً كثيرة يجب أن تتوفر من أجل ضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة وبناء المجتمع الديمقراطي، الذي يعبِّر عن أحلام وتطلعات الشباب في كل العواصم العربية . ونلاحظ أن هناك تدافعاً غير مسبوق، يحدث ما بين الكثير من التنظيمات السياسية، التي ترى في الثورات العربية، فرصة سانحة من أجل فرض تصوراتها ورؤاها بشأن مستقبل الدولة العربية وطبيعة مشروع المجتمع؛ ولكنه تدافع يضاعف من خطورة الأزمة الهيكلية للمجتمع، لأنه يخرج في كثير من الأحيان عن آليات وضوابط التنافس الديمقراطي السليم . 

والحقيقة أن الغالبية العظمى من التنظيمات السياسية العربية، لا تكاد تنظر إلى الديمقراطية إلا من زاوية أصلها الاشتقاقي الذي يُحيل إلى معنى حكم الشعب نفسه بنفسه، ورغم ضبابية هذا التعريف الفضفاض الذي يدفعنا إلى الاعتقاد في عدم دقته، فإن الديمقراطية كما تمت صياغتها في المدينة اليونانية، لم تكن تحكمها ضوابط محددة وإنما كانت تخضع لتأويلات متعددة، ولم يكن يُقصد، بالتالي، من كلمة شعب سوى اليونانيين من غير الأجانب والعبيد الذين كانوا يمثلون القسم الأعظم من السكان . وقد تطور مفهوم الديمقراطية بعد ذلك مع فلاسفة العقد الاجتماعي، خلال مرحلة ميلاد الدولة الليبرالية الحديثة في أوروبا، واستمرت الممارسة الديمقراطية في تطوير مفاهيمها وآلياتها، حتى إن مفهوم الكثرة لم يعد يرمز إلى سوى أحد معطياتها التقنية التي يتم ضبطها وتقنينها حتى لا تنقلب الأغلبية على الديمقراطية التي سمحت لها بتسلُّم السلطة . وضمن هذا المنظور التأسيسي للممارسة الديمقراطية المعاصرة، يشير المفكر الفرنسي برتراند بادي، إلى أن الفعلين المُشكِّلين للديمقراطية بالمعنى الواسع للكلمة في صورتها العامة والمشتركة، وليس فقط بالنسبة للديمقراطية الغربية، يتمثلان في صياغة عقد اجتماعي وميلاد فضاء عمومي، يسمحان بوضع لبنات نقاش حقيقي داخل المجتمع، حتى يكون كل فرد مطّلعاً ومشاركاً في بلورة الرأي العام الذي سيشرف على صياغة المشروع الديمقراطي، الذي يطمح المجتمع إلى تجسيده . غير أن غالبية البلدان العربية لا تتوفر، حتى هذه اللحظة، لا على الفعل الأول ولا على الثاني؛ من منطلق أن العقد الاجتماعي ما زال في مراحله الأولى ولم تكتمل عناصره، لأن أغلب القوى السياسية تريد أن تُعدِّل بنود العقد بشكل يتوافق مع تصوراتها لطبيعة العمل السياسي . والفضاء العمومي ما زال، هو الآخر، مجرد افتراض نظري لا تدعمه معطيات الواقع، لأن هناك أطرافاً عديدة لا تستطيع التعبير عن آرائها بكل حرية ضمن ضوابط متفق عليها اجتماعياً . كما أن غياب العقد الاجتماعي ناتج عن حالة التجزئة والتشرذم داخل الوطن العربي، نظراً لغياب التوافق وليس بسب الاختلاف الذي يُعدُّ القبول به بمثابة أحد الشروط الأساسية لبناء مجتمع ديمقراطي تعددي . وعليه فإن عدم القدرة على التوصّل إلى صياغة بنود هذا العقد، يؤدي إلى عجز الفاعلين الاجتماعيين عن تشكيل مجتمع مدني مؤَسّس بشكل توافقي ومسبق، في سياق مجموعة سياسية موحدة في رؤيتها لآليات ممارسة السلطة، ومختلفة من حيث برامجها وتصوراتها وأسلوب مقاربتها للأزمات والإشكاليات المطروحة .

لقد سمحت الثورة المصرية مثلاً، بتأسيس الملامح الأولى لما يمكن أن نعتبره نقاشاً عمومياً ناضجاً داخل المجتمع المصري، وكان ميدان التحرير بمثابة الفضاء الذي احتضن هذا النقاش، لكن عدم وعي كل الأطراف بأهمية الحفاظ الواعي على رمزية هذا النقاش وضرورة الذهاب به بعيداً من أجل تشكيل رأي عام حقيقي . أدى إلى تسرُّع الأطراف السياسية من أجل استثمار هذا النقاش لمصلحتها، قبل أن يتحوَّل إلى حالة موضوعية، يمكنها أن تستمر وتتجذّر حتى بعد زوال أسبابها المرحلية المباشرة .

إن العقد الاجتماعي، الذي يمثِّل حجر الزاوية في بناء دعائم وقواعد الديمقراطية الراسخة، أصبح يشكِّل مفهوماً إنسانياً وكونياً يتعالى على الخصوصيات التي تمثلها الثقافات المحلية، لأنه يشتمل على قيم تُسهم في بناء المجتمعات وتطويرها دون المساس بعناصر هويتها الوطنية والقومية، وذلك إضافة إلى استناده على فكرة قبول التعايش المشترك والاعتراف بضرورة صياغة قواعد توافقية من أجل ممارسة الحكم  . وهذه الإرادة الخاصة بالتعايش تحتاج دائماً إلى تأكيد وحماية، وإلى أن تكون في صدارة المطالب التي يرفعها المجتمع العربي، لأن التعددية التي تفتقد إلى هذه القيمة الحضارية الكبرى، تتحول إلى صراع محموم من أجل إقصاء الآخر واستعمال مختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتشويهه والقضاء عليه وإبرازه في صورة تعرِّضُه لعنف وانتقام المعارضين لأفكاره وقناعاته . إن الديمقراطية القائمة على العقد الاجتماعي وقيم العيش المشترك، تُحوِّل الحكم والسلطة من ساحة للاحتراب ورفض الآخر المختلف والمغاير، إلى فضاء مفتوح يعمل فيه الجميع على التنافس الشفاف من أجل خدمة المجتمع والمواطن .لأن الديمقراطية لا تطمح في نهاية المطاف، إلى تغيير أفكار الآخرين ودفعهم إلى تبني ما يخالف قناعاتهم، بقدر ما تطمح إلى توفير شروط موضوعية تساعد على الاختيار الواعي بين البرامج المختلفة التي من شأنها خدمة المصلحة العامة، فما هو قائم ومستنِدٌ على العمومية لا يمكنه أن يُسهم في تحويل فضاء تعددي ومفتوح إلى امتياز خاص، حتى وإن كان هذا الخاص يُعطي الحق  لنفسه بأن يتحدث بصوت الأغلبية .

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا