<%@ Language=JavaScript %> خميس التوبي تقسيم المنطقة والعنوان الأبرز الحرب المذهبية
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 



تقسيم المنطقة والعنوان الأبرز الحرب المذهبية

 

 

خميس التوبي 

 

بداية لا بد من التأكيد على أن الذي أوصل الأوضاع المضطربة التي تشهدها المنطقة هو الأنظمة الدكتاتورية الكرتونية؛ رمز الفساد والاستبداد والظلم والقهر والتسلط واغتصاب الدولة وتحويلها إلى مزرعة خاصة للأسرة الحاكمة وحاشيتها من الخدم والأتباع، والتي دأبت على معاملة شعوبها معاملة العبيد والرعاع الذين ترى فيما ترميه عليهم من فتات موائدها فضلًا كبيرًا، وكرمًا مغدقًا، ولذلك فإن هذه الأنظمة تتحمل مسؤولية ما يجري بتصرفاتها العنجهية، ويشاركها المسؤولية أيضًا الغرب الذي ظل يقدم لها مختلف صنوف الدعم والتمكين ما جعلها تتقوى وتتنمر ضد شعوبها، وتُعْمِل فيهم شتى وسائل القمع.
صحيح أن الغرب لم يوعز لمحمد البوعزيزي بأن يختم حياته بتلك الطريقة المؤلمة، ليعكس حقيقة حياته التي اختارها وحددها له النظام الدكتاتوري المدعوم غربيًّا والتي كانت تتلظى بنار الظلم والعنت والذل، والحرمان من أدنى حقوق البشر، ليطلق شرارة الاحتجاجات نحو مرحلة استعادة الكرامة واسترداد الحقوق المسلوبة وإعلان الحرب على الظلم والاستبداد. إلا أن الغرب ضالع بصورة أو أخرى في رسم حياة شعوب المنطقة وتحديدها عبر دعمه لهذه الأنظمة القمعية انطلاقًا من نظرته الضيقة إلى أنها هي مفتاح المصالح ورأس حربة تأمينها وحمايتها، ما ضاعف شراهتها في القمع انطلاقًا من تصورها أن الغرب محتاج إليها ولا يمكنه التخلي عنها ما دام عنق مصالحه بقبضتها، كما تتوهم.
وما دامت المسؤولية مشتركة بين الأنظمة الدكتاتورية والغرب، فإن من الواجب على الشعوب الثائرة وغير الثائرة أن يكون لديها وعي كامل بأن من كان مخلب القط في المأساة لن يبدل جلده إلا بقدر ما يضمن به مصالحه، ولذلك كان لا بد أن يكون هناك أفق ممتد يتيح الرؤية إلى حقيقة التدخلات الأجنبية وماهيتها.
غير أن ما يحدث الآن في دول ما يسميه الغرب بـ "الربيع العربي"، هو سرقة على المكشوف من قبل الغرب لهذا الربيع، ما يهدد المنطقة ليس بتحويل ربيعها هذا إلى خريف فحسب، وإنما الفصول الأربعة. وللأسف ثمة قوى محلية بدأت تتسيد المشهد وباتت كالعَلَق على جسم الثورات يمتص الدماء التي دفعها شباب من أجل استرداد الكرامة ورفع الظلم والحرية والعدالة الاجتماعية وتحقيق تطلعات سياسية. وما يندى له الجبين أن هذه القوى بجانب رموز تطلق على نفسها بأنها رموز وطنية معارضة تعيش في الخارج، مسكونة بعقدة الأجنبي وأن عنده مفتاح الحل والعلاج والقادر على تحقيق تطلعاتها، وتعمل الآن على أن "تقود" للأجنبي للولوج في أوطانها وبلدانها تحت شعارات ومسميات زائفة.
إن مصيبتنا هي الانجرار والانبطاح للغرب، وسط شلل واضح في أجهزة توليد الوعي وبنائه، فإذا كانت الشعوب الثائرة تعتب على أنظمتها انجرارها وراء الغرب وتكره منها انبطاحها له، فها هي اليوم تجد نفسها مختارة أو مجبرة منبطحة للغرب. والمصيبة الأكبر أننا لا نتعلم من دروس الماضي ولا نصيخ السمع لمفكرينا ورموزنا الذين خطَّت تجارب الحياة فيهم حكمة وحنكة وقدرة على استشراف المستقبل.
أتمنى من المندفعين وراء المأجورين والمتاجرين بأوطانهم، وكذلك المندفعين وراء عاطفتهم في دول ما يسمى "الربيع العربي" أن يفرملوا للحد من اندفاعهم، ويستفيدوا مما نبه إليه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في الجزء الثالث والأخير من حواره مع جريدة الأهرام المصرية، بأن ما يجري الآن من تدخل غربي سافر في شؤون المنطقة وتحديدًا في دول "الربيع العربي" هو سايكس ـ بيكو ثانية لتقسيم العالم العربي، موضحًا أن "التقسيم في المرة الأولى كان تقسيمًا جغرافيًّا وتوزيع أركان، لكن التقسيم هذه المرة تقسيم موارد ومواقع ضمن ثلاثة مشاريع، الأول غربي "أوروبي ـ أميركي" والثاني تركي، والثالث إيراني يحاول على استحياء، بالإضافة إلى نصف مشروع صهيوني لإجهاض القضية الفلسطينية.. مؤكدًا أن الثورات لا تصنع ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب باعتبارها فعلًا لا يتم بطريقة "تسليم المفتاح" من قوى خارجية تطلب السيطرة ولا تريد إلا مصالحها فقط ولا يصح أن يتصور أحد أنها بعد المصالح تريد تحرير شعب".
وفي تقديري أن العنوان الأبرز ـ وهو ما ذهب إليه أيضًا الكاتب الكبير هيكل ـ للتقسيم الجديد ـ في ظل ما يعانيه الغرب من أزمات اقتصادية ـ هو الحرب الطائفية التي يحاول الغرب الآن سترها بستار الحرب الأهلية، بحيث تقوم بين المعسكرين الشيعي بقيادة إيران والسني بقيادة الخليج. وفي الحقيقة استفاد الغرب كثيرًا من تجربة العراق وتمزيق وحدته بتأجيج النزعة الطائفية والمذهبية، وهو ما يجري الآن الإعداد له في سوريا وتصعيد الأوضاع داخلها، والتي ستكون ساحقة ماحقة، إذ لن تكون مقتصرة على الشأن السوري، ولذلك لا نستغرب السرعة التي انعقد بها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وتوصيف نافي بيلاي المفوضة السامية للوضع السوري بأن سوريا ستسقط في دوامة حرب أهلية، وهو توصيف يمهد للصورة المستقبلية المعدة التي ستكون عليها سوريا. وما تجدر الإشارة إليه هو أن انعقاد مجلس حقوق الإنسان الذي طالب بإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن ومن ثم المحكمة الجنائية الدولية، وقبله صدور تقرير لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة يتهم النظام السوري بارتكاب جرائم حرب، جاء مباشرة بعد الاجتماع الأخير لمجلس جامعة الدول العربية الذي قال إن مبادرته وعقوباته الهدف منهما منع التدخل الأجنبي أو "التدويل"؛ ومعنى ذلك أنه حتى لو وقَّعت دمشق على بروتوكول بعثة المراقبين، فإن "التدويل" قادم لا محالة. ويبدو أن النظام السوري هذا ما كان يتحسب له، لا سيما وأنه يستشعر العبر من درس المفتشين الدوليين بقيادة هانز بليكس والذين معه وقبله، حيث أجهزة التنصت والتوجيه والكاميرات.
على أن الأهم ما في السيناريو المرسوم للحرب المذهبية هو أن الاعتراف الغربي بالإخوان المسلمين الذين اكتسحوا الانتخابات في بلدان الثورات وتأييدهم وإعلان التعامل معهم، ليس حبًّا فيهم أو في برامجهم السياسية، وإنما من منطلق أنهم سيكونون وقود هذه الحرب المنتظرة التي تطبخ في غرف القرار الغربية، وما يعمله الغرب الآن من محاولات الزج بدول عربية في مواجهة إيران هو أحد عيدان الثقاب لإشعال الفتيل. كما أن من المهم الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن سيطرة الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي على المشهد السياسي والاجتماعي وإعلان الغرب تأييده لهم يحفزان الفئات الإخوانية النائمة في بقية الدول الأخرى على تحريك الأوضاع المستقرة التي يرى في اضطرابها خادمًا له، فضلًا عن دعم الطرفين (الإخوان والغرب)، وقد كان لافتًا ما صرح به عبدالإله بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية الفائز بالانتخابات في المغرب ورئيس الحكومة حاليًا حول الأوضاع في سوريا.

 صحيفة الوطن

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا