<%@ Language=JavaScript %> فؤاد خليل روابط الأكثريات والأقليات الدينية والإثنية تأسيس لملة الفتنة الوطني والعروبي في الحراك الشعبي

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

روابط الأكثريات والأقليات الدينية والإثنية تأسيس لملة الفتنة

 

الوطني والعروبي في الحراك الشعبي

 

 

فؤاد خليل

 

يستظهر نفرٌ من أهل الفكر والثقافة في بلادنا، درساً انتروبولوجياً غريباً يُعرّف الآخر غير الغربي بانتمائه الأوّلي، أي بهويته الجهوية أو الطائفية أو المذهبية أو القبلية، وليس بانتمائه الثانوي كهويته الوطنية والقومية. ذلك أن الأخيرة تُعرّف أيضاً حسب الدرس ما بعد الحداثي الذي ترجمه النفر حديثاً، بسرديات كبرى لا مكان ولا مكانة لها، في فضاء التفكير المعاصر، الذي ينشغل بالعيش اليومي التفصيلي أو السرديات الصغرى. وقد اغترّ النفر المذكور بما استظهره وترجمه بعد ما ظهر أمام نظره «الثاقب»، أن شعارات الانتفاضات العربية ومطالبها انحصرت في دائرتها المحلية أو الكيانية، ولم تشتمل على قضايا وأفكار كبرى، أو أنها أعرضت عنها أو أسقطتها في مجرى الحراك نحو: قضية فلسطين والعروبة والتبعية والاستقلال....الخ. فهذه القضايا غدت برأيه فائتة تاريخياً، إذ لم يعد يؤمن بها غير ذوي «العقائد الجامدة»، أو من لا يزال يرطن «باللغة الخشبية» المتحدرة من عهود «بائدة».

 

لكن ما فات أهل الحفظ والترجمة، أن الحراك الشعبي العربي، سواء اتخذ شكل الانتفاضة أم شكل «الثورة» أم شكل الاحتجاج، يقدّم درساً حداثياً بليغاً في كون أي شكل من أشكاله هو سردية مرجعية أنتجت سردياتها الكبرى وفي طليعتها: الشعب يريد إسقاط النظام. وهذه قصة تروي تاريخ الاستبداد العربي كله، وتدعو الى إسقاطه من خلال نقائضه: الحرية والديموقراطية والعدالة والكرامة والدولة المدنية..الخ.

 

كما تتحدث عن أن الشعب هو مجموع مجتمعي كلّي، يتشكل من فئات وشرائح مجتمعية تتآزر وتتعاون وتتساند، مثلما تتنافس وتتخاصم وتتصارع على قواعد سياسية وذلك من داخل وحدة الكل بالذات. ويتعبير آخر، ان شعار: «الشعب يريد..»، يُعرّف الإنسان العربي بموقعه المجتمعي، وهو انتماؤه الثانوي وليس بانتمائه الأوّلي كما يذهب الحَفَظة في تقديم الأوّلي على الثانوي، وفي اعتباره المعيار القاعدي في النظر الى تكوين المجتمعي. وبين التعريفين يأتي تعريف العربي على قاعدة الطائفة أو المذهب أو القبيلة ليجعله مستغرقاً في التقليد في نطاق عيش يهيمن عليه التنابذ والاقتتال والإقصاء المتبادل. وفي المقابل، يبقى أن تعريفه بالموقع المجتمعي بصفته تعريفاً حداثياً، يخفّف عن كاهله أثقال الموروث التقليدي وأوزاره.

 

ولعلّ هذا ما يُسّفه وينقض ما جاء في الدرسيْن: الانتروبولوجي وما بعد الحداثي، ويُظهر أن شعار «الشعب يريد..»، أخرج أنصارهما من المعنى التاريخي للحراك. ثم ترك لهم صندوق فرجة لكي يتسابقوا في ما بينهم على مشاهدة بضع صور ماضوية في داخله...

 

إذا لاحظ الناظر صورة الحاضر، فيظهر له دون عناء، أن الانتفاضات العريبة لم ترفع شعارات وطنية وقومية وبخاصة شعار العروبة. غير أن القول، إن الحراك انطبع بمحلية أو كيانية، أو أنه أسقط تلك الشعارات، فتلك مسألة خادعة تحتاج الى نقد منهجي للكشف عن فكرها المزيّف. وهو فكر مُؤدلج يستطيب له أن ينعى العروبة ويشيّعها من وقت الى آخر. والفكر الذي ينعى أو يشيّع الرابطة الجامعة للأمة، لا يجيد سوى صنع الجنائز أو المآتم لها...

 

بيد أنّ من يتعمق في الصورة جيداً، يجد أن الأفق التاريخي لسيرورة في البلاد العربية، قد يشيّع هذا الفكر بالذات ويجعله حبيساً في متن الصفحات الصفراء.. فالحراك الشعبي، انتفاضة كما كان أم ثورة، قدّم جملة حقائق هي بمثابة جدول أعمال تاريخي له:

 

أ- لقد أسقط الحراك الى غير رجعة ما كان يسمى بالعروبة الرسمية أو عروبة النظام العربي، الملكي والجمهوري على السواء. وكشف أن هذه العروبة بصفتها مشروعاً سياسياً وايديولوجياً مارست ولا تزال تمارس فنون الاستبداد وضروبه بحق المجتمعات العربية. وان نظامها السياسي يشكل إحدى القوى المضادة للثورة من خلال تشديد القمع والاستبداد ومع كلفة قد تصل الى حدّ تفكيك المجتمع و«اعتقال» التاريخ...

 

ب- إن الاستبداد العربي صادر الوطنية بالسلطوي، وأخذ يقدّم عليها الكيانية بصفتها انتماءً يحيل فقط الى الكيان، أو بصفتها هوية منغلقة أو منعزلة عن قضايا الأمة. وقد وجدت ترجمتها في شعار:«البلد أولاً». أما الحراك فها هو ينزع الى تأسيس وطنية جديدة على نقائض الاستبداد. فالحرية والديموقراطية والكرامة والعدالة...الخ، تنطوي على مشترك شعبي أو مجتمعي لا يأسره السلطوي. وهذا ما يعبّر عن النحن المجتمعية أو عن الجديد في طبيعة الرابطة الوطنية. والأخيرة لا تكون وطنية إلاّ إذا كانت ذات طابع جامع أو توحيدي؛ أي إذا كانت على كينونة توحيدية. وهذه الكينونة لا تكون إلا بالعروبة. ذلك أن الجهوية والطائفية والقبلية تتصف بكينونة تجزيئية تهددّ تماسك المجتمع ووحدته. وإنه على النقيض تماماً تتأسس العروبة على المشترك البنيوي بين مكوّنات المجتمع الواحد. فهي لا تكون إلا بالمشترك، وهو لا يكون إلا بها.... ما يعني بالتالي ان الوطنية في أي بلد عربي هي هي العروبة، وأن الحراك جعل الوطنية تتكامل مع الحرية والديموقراطية، أي أنه أخذ يؤسسّها على قواعد جديدة بعد أن حررها من مصادرة السلطوي الاستبدادي لها. كما أمّن لها شروط الانفتاح على قضايا الأمة...

 

÷ أمثلة: وفي الملموس، ان المصري الذي ينادي بالحرية لنفسه، لا يمكنه أن يتخلى عن دعم الشعب الفلسطيني في نيل حريته واستقلاله من الاحتلال الصهيوني. أو ان التونسي الذي يدعو الى الكرامة والعدالة، لا يستطيع أن يتغاضى عن إذلال وظلم شعب شقيق يعاني من اضطهاد الاحتلال. أو ان أي «ثائر» عربي يطالب بالديموقراطية، لا يقدر أن يتغافل عن التبعية للغرب الكولونيالي، أي أن يسلخ الديموقراطية عن الوطنية والاستقلال...

 

هنا يظهر أن الحراك الشعبي يؤسّس الوطني على المجتمعي والديموقراطي، وهو تأسيس يرسم تاريخاً لا يُسقط من أفقه قضايا فلسطين والتبعية والاستقلال ...الخ، بصفتها سرديات كبرى يفرضها حاضر الأمة لكي تروي حكاية الأجيال العربية القادمة...

 

ج- أثبت الحراك أن لكل بلد عربي خصوصيته كما أثبت أن ثمة مشتركاً بين البلدان العربية كافة. وهذا ما عبّر عن نفسه في وحدة المطالب والشعارات تقريبا. وهي وحدة عكست بقدر أو بآخر، الثقافة السياسية المشتركة عربياً. ولطالما كان الأمر كذلك؛ فإن هذه الثقافة ليست إلا جزءاً من مشترك مجتمعي عربي يؤلف الأساس المادي للرابطة التوحيدية أو الجامعة بين مكوّنات البلدان أو المجتمعات العربية. أما كينونة الرابطة هنا، فتتمثل بالعروبة. ذلك أن روابط «الأكثريات والأقليات الدينية» والإثنيات ....الخ، لا تتصف بكينونة توحيدية للمجال العربي، في حين أن العروبة تتأسس على المشترك العربي عامة. الأمر الذي يعني أنها الرابطة القومية للبلدان العربية. كما يعني أن الحراك جعلها تتسق مع شعاراته ومطالبه، بعد أن حرّرها من وطأة السُلط الاستبدادية. فاتسمت بالتالي بطابع جديد، هو الديموقراطية. وعلى هذا، يكون هناك تأسيس حديث للوطنية والعروبة على السواء...

 

وفي مقابل هذه الصورة، يواجه الحراك تحدّيات جمّة تتأتى من الخارج والداخل في آن. فالغرب الكولونيالي يحاول بتأييد من مجلس التعاون الخليجي، احتواء الحراك من خلال أشكال متنوعة من التدخل من أجل وسمه بطابع محلي أو كياني. ومن ثمّ استيلاد أنظمة كيانية تؤمن مصالحه السياسية والاقتصادية. أو بمعنى آخر، ان الغرب يحاول تزيين أو تجميل أي مظهر كياني في الحراك، وتطويق كل ما هو وطني أو عروبي فيه لئلا تتكامل القضايا الوطنية والقومية في مجراه. ذلك أن مثل هذا التكامل يهدّد مصالحه الاستراتيجية على غير صعيد...

 

ويتمثل التحدي الداخلي في الإسلام السياسي. فالتيار السلفي المتشدد يجاهر علناً بأن الرابطة الجامعة لأي بلد عربي، هي العقيدة الدينية، أي الإسلام. وبلغة أوضح، أنه يرفض أي رابطة وطنية أو قومية. وقد لا يتوّرع عن اعتبار العروبة بدعة أجنبية استوردها خوارج من المثقفين. وهي تهدف الى «تقسيم» الأمة «وشق» صفوفها «الموحدة على ما يروي التاريخ منذ مقتل عثمان الى اليوم»!. ومن ثم يقطع في رأيه بأن الوطني والعروبي لا تربة لهما في بلادنا، إذ ان تربتها لا تستنبت هوية إلاّ الإسلام، ولا تُثمر حلاًّ إلا به..

 

والتيار الوسطي أو المعتدل يوفّق بين الإسلام والعروبة. وتجيء معادلته في التوفيق بينهما، لتقع في مزالق التلفيق النظري والواقعي. فالمعادلة تنبني في الأساس على انتماء مرجعي هو الإسلام. والعروبة في متنها هي جزء ملحق بهذا الانتماء؛ أي انه جزء لا قوام مستقلاً له. حينئذٍ تصبح حاله كحال أي ملّة أو نِحلةٍ إسلامية. لكن الواقع ينبئ بحال نقيضه. فمن زاوية النظر التاريخية، لم يقدّم التاريخ إسلاماً واحداً، بل قدّم الإسلام المذهبي بأل تعريف كاملة. والمذهب في أصل نشأته، هو وجهة نظر في الدين، أي أنه ثمرة طبيعية للجدل بين العقيدة وبين التاريخ والمجتمع. أما حين يتسيّس أو حين ينتظم في مشروع سياسي، فإنه يتحوّل من وجهة نظر الى كيان ديني شبه مستقل، يختزل الدين بكيانه او باسمه، وينبذ المذهب أو الكيان المختلف عنه، ويقلّل من شأنه، ولا يتأخر من أن يعلن الحرب الباردة أو الحارة عليه...

 

وعلى هذا الأساس، لا يمكن للإسلام السياسي المذهبي ان يشكل رابطة توحيدية للبلد العربي الواحد ولا للبلدان العربية عامة؛ بل هو يشكل رابطة تجزيئية تضرب عميقاً في مشترك البنى المجتمعية. وهذا ما يناقض الوطني العروبي، والعروبي القومي.. وتلك هي حال الاسلام السياسي داخل الحراك الشعبي العربي. وهي حال تعبّر عن الوجه الآخر للدرس الانتروبولوجي الغربي، لا سيما انها حوّلت إسلامها الى مشروع سلطوي شبق، يتوسل شرعيته الحقة، لا من صندوقة الاقتراع بل من دعم أميركا والخليج النفطي ومن التنسيق «المتكافئ» مع الحلف الأطلسي!..

 

كاتب وأكاديمي ـ لبنان

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا