<%@ Language=JavaScript %> د.احمد زايد الابتهاج بالفعل الديمقراطي‏...‏

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            


الابتهاج بالفعل الديمقراطي‏...‏

 

 


د.احمد زايد



يكون الابتهاج بالفعل مرتبطا بالآثار المترتبة عليه‏.‏ فإذا جلب الفعل علي صاحبه نفعا وخيرا‏,‏ وطرد عنه خسارة وشرا فأنه يكون فعلا باعثا علي البهجة‏,‏ فاتحا أفاقا لدخول السعادة علي النفس البشرية‏.‏

وأحسب أننا بحاجة إلي أن نتأمل هذا المعني ونحن نري نور الفرح والبهجة يطل من عيون المصريين وهم يصطفون لاختيار نوابهم في مجلس الشعب. لقد فتحت الثورة في نفوس البشر وعقولهم طاقة للفرح وطاقة للأمل في المستقبل لم تشهدهما تلك النفوس التي كلت لسنوات طويلة من فرط القهر وملت وجوه حكامها. فماذا عسي أن يكون مبعث هذه البهجة إلا إدراك ما يترتب علي الفعل الديمقراطي من إقامة مجتمع الحرية والعدل والمساواة.
إن الناس يهرعون إلي صناديق الانتخابات وعيونهم علي ما جنتة الديمقراطية للشعوب التي سارت علي نهجها من تقدم ورفاهية واستقرار, ومن حداثه ومدنية ونظام آمن للعيش, وعيونهم أيضا علي ما جنته التسلطية والاستبدادية في بلادنا وبلدان أخري كثيرة من انكسار وانخفاض.
وحين يتجول العقل بين هذا وذاك فانه يبتهج بالفعل الديمقراطي, ويحدوه الأمل في أن يحقق من خلاله مايصبو إليه من الوجود الإنساني الكريم.
ومن ثم فيمكن القول بداءة إن الابتهاج بالفعل الديمقراطي هو ابتهاج بكرامة الفرد ومعني وجوده, فالوجود البشري يتأسس علي مكنة الاختيار. حيث يشعر الإنسان ـ عبر الاختيار الحر ـ بإن وجوده له معني, وان صوته له قيمة. فالانسان هنا ليس صوتا مهمشا يؤتي به ويملي عليه اختياره, بل هو كائن بشري حر يقف في قلب الحدث, بل إنه هو الذي يصنع الحدث, ويصنع ما يترتب عليه من آثار, فيتخلق لديه الإحساس القوي بالوجود, والإحساس القوي بالكرامة, ومن ثم الإحساس بالانتماء إلي وطن لا يصنع له ولا يلقي فيه مهب الريح وفي فوضي الإهمال والتجاهل, بل الإحساس بالانتماء إلي وطن هو الذي يصنعه هو الذي يتحمل مسؤليته, يفشل بفشله وينجح بنجاحه.
وفضلا عن ذلك فإن الابتهاج بالفعل الديمقراطي هو إبتهاج بالفضائل. فالفعل الديمقراطي هو الوجه الآخر لكل الفضائل, فهو الباعث علي الحريه والمساواة والعدل والسعادة وغيرها من الفضائل. والإنسان لا يستطيع أن يصل الي اي من هذه الفضائل, أو أن يقترب منها إلا إذا امتلك المكنة علي الاختيار دون قيود ودون توجيه, وحينئذ لا يستطيع المرء إدراك الفضائل فحسب, بل إدراك ما وراءها من معان ورموز أخلاقية.
ولنبدأ بفضيلة الحرية. فعندما تنبت بذور الحرية في الذات البشرية, فإنها تتحرر من وطأة الإطار ووطأة الطقوس. حقيقة أن الذات الحرة تلتزم بأطر المسئولية الأخلاقية وطقوسها, ولكنهاتأنف من الأطر والطقوس ذات الوطأة التي تراقبها وتندس في تلافيفها وتسرق منها خصوصيتها, فتنزع عنها الحرية. تكاد الذات الحرة أن تحضن العالم والناس, وأن تلفهم بمشاعر الحب والسلام, وأن تحثهم علي الحرية ومناهضة وطأه الأطر الظالمة وطقوس السلوك المفرقة. تدرك الذات الحرة هنا أن الفضيلة ليست سمتها فقط, وإنما هي منتشرة في الناس, ومتفشية في النفوس, وأي من الفضلاء يمكن أن تخول اليه السلطة.
هنا يكون الفعل الديمقراطي القائم علي مكنة الاختيار أداة النفس الحرة لتفويض السلطة الذي هو في حد ذاته فعل أخلاقي بامتياز. تخرج من هذه الدائرة الذوات الكارهة الرافضة للآخر, المتمسكة بالرأي الواحد, هذه نفوس رافضة للحرية غير قادرة علي الاستماع إلا لصوتها الذي هو بالنسبة لها أفضل الأصوات.
ولنثني بفضيلتي العدل والمساواة. إن مكنة الاختيار التي يوفرها الفعل الديمقراطي تجعل الافراد أكثر إدراكا لمعاني المساواة والعدل.
ويتجسد هذا الإدراك في فعل الممارسة الديمقراطية نفسه. فكل فرد لة مكان, وله هوية, وله صوت واحد, وعلية أن يحضر بنفسه, وعليه أن يصطف لكي يدلي بصوته, وأن يلتزم بقواعد التصويت.
لا أحد هنا يستطيع أن يأخذ الساحة لنفسه أو يحتل الحلبة بمفرده, الكل يخضعون لنفس القواعد ويلتزمون بنفس الممارسة وليس من حارس علي الأمر إلا أنفسهم. وما القاضي الذي يجلس هناك إلا عين السلطة المستقلة النزيهة التي تؤطر لكل هذه الفعل وتشرعه. في هذا الظرف يتجسد مفهوم العدل بشكل واضح; ويتم إدراكه وممارسته في سلوك عملي.
ويساعد هذا في تنمية الوعي برمزية الاصطفاف, خاصة هذا النوع من الاصطفاف الأفقي الذي نراه في طوابير الاقتراع. وأهم ما في هذه الرمزية ان نتعلم ان الطريق الي بناء العيش المشترك والنهضة به لايتحقق الا باصطفاف افقي أشبه بالاصطفاف امام صناديق الاقتراع, كما لايتحقق الا بشيوع قيم وقواعد عمومية أشبه بتلك التي تحكم الفعل الديمقراطي كله. فالمجتمعات لاتبني باصطفافات رأسية تباعد بين الناس وتمكن بعضهم من الوقوف فوق البعض الآخر, بل تبني باصطفاف أفقي يجعل الكتف بالكتف والقدم بالقدم, وكأن المجتمع يتقدم إلي الأمام ككتيبة حربية لا يفسد فيها الاصطفاف الرأسي تناغم الادوار وتكاملها. كما أن المجتمعات لا تتأسس علي فساد القواعد وعدم عدالتها. إنما النهضة تتأسس علي قيم عدل ومساواة أشبة بتلك التي نلتزم بها ونحن نصطف أمام صناديق الإنتخاب. وإذا كان الوعي بالحرية يخرج الذوات الكارهة الرافضة للآخر من الدائرة, فإن الوعي بالعدل والمساواة يخرج الظالمين قساة القلوب, الذين يعيشون فوق الناس لا من أجلهم.
وبعد.. فإذا كان الابتهاج بالفعل الديمقراطي يفتح في نفوسنا الأمل في مزيد من الابتهاج بآثاره والوعي بمغزاه وقيمته في بناء الوطن, فلماذا لايكون هذا الحماس والقيام والابتهاج هو سمتنا في الحياه والعمل. فإذا كان الخروج لممارسة الديمقراطيه يمكننا من إدراك الفضائل وما ترمز إليه من إعلاء شأن الفرد وكرامته, وانصهار اجتماعي يجعل كل فرد قادرا علي تحمل مسؤليته تجاه نفسه وتجاه الآخرين, وتعاون ومثابرة من أجل مجتمع أفضل, فلماذا لا يخرج الحماس من مكمنه ليصبح أسلوب حياة في العمل والإنجاز والإبداع والعيش المشترك؟ ولكن الاهم من ذلك كله هو هذا السؤال: كيف يحدث ذلك؟ ومن يعين عليه: الثورة أم الفكر أم كلاهما معا؟... هذا سؤال مهم لكيلا يأتي علينا اليوم الذي ننظر فيه حولنا فلا نجد ثورة ولا فكرا
 
الاهرام 13/12/11.

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا