<%@ Language=JavaScript %>  يوسف علي خان التخطيط السكاني الفاشل في العراق

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

التخطيط السكاني الفاشل في العراق

 

 

 يوسف علي خان

 

تحدثنا فيما مضى في مقالات سابقة حول الاوضاع العامة السياسية والاجتماعية الخاصة بسلوكيات البشر وطبيعة حياتهم وطريقة تفكيرهم ولكن لم نتطرق الى قضية قد يعتبرها البعض ثانوية ليس لها تأثير مهم في ما يعتور حياة المواطنين من سوء العلاقة وردائتها بين الحاكم او الحكومات  المستبدة وبين ابناء شعوبهم فنحن نعتبرها هي الاساس في كل المشاكل... وقد تطرقنا الى بعض جوانب سلبيات هذه العلاقة واهمها شحة الخدمات او انعدامها او تخلفها من جميع جوانبها التي اتينا على ذكر البعض منها في حينه ... واليوم ساتطرق الى سيئة اخرى من سيئات الحكومات المتعاقبة التي لا تتعلق بالحكومة القائمة فقط وانما تعود الى غفلة كل تلك الحكومات التي حكمت العراق منذ الاستقلال عن الحكم العثماني  وتأسيس الحكم الملكي وحتى يومنا هذا وهو سوء التخطيط في التوزيع السكاني داخل المدن واسبابها تحت ضغط أي ضرف كان ...فقد تركز اهتمام الحكومات جميعها بالعاصمة بغداد بالدرجة الاولى وبمراكز بعض المدن الاخرى التي تمثل عواصم مناطقها الجغرافية  مثل الموصل والبصرة ولم تعطي بقية المدن الاخرى اهتمام ملموس مما ادى الى نزوح سكاني رويدا رويدا من مناطقهم السكنية خاصة في جنوب العراق الى بغداد او الى المدن الرئيسية كمرحلة اولى حيث يجدون فيها حياة افضل نسبيا من مناطقهم السابقة ثم ينتقلون بعد ذلك كمرحلة ثانية  الى بغداد في نهاية المطاف ... والسبب في ذلك يعود الى المركزية المتزمتة المفرطة في الانغلاق بحصر الصلاحيات الادارية والتنفيذية  جميعها لدى الحكومة المركزية في بغداد مما استدعى المواطن الى السفر الى العاصمة مضطرا لانجاز معاملاته الرسمية او غير ذلك مما يحتاجه في حياته اليومية المتكررة .. فقد تعذر على المواطنين انجاز معاملاتهم أي كان نوعها في اماكن تواجدهم او داخل المحافظات التابعين لها لانعدام الصلاحيات .. وفي ضروف صعبة لم تكن تتوفر في حينها وسائل نقل جيدة حديثة ولا شوارع معدة لسير المركبات حيث استمر الحال على ما هو عليه حتى يومنا هذا خاصة بالنسبة للمعاملات الرسمية التي يتطلب انجازها داخل المؤسسات الحكومية المنحصرة في بغداد فقط ... كما بقيت العديد من الطرق بين المدن معدومة او رديئة لا تصلح لسير المركبات عليها الى وقت قريب فقد كانت السيارات القليلة المتواجدة في بداية القرن العشرين تجد صعوبة بالغة في التنقل بين المدن لاضطرارها السير على الطرق الترابية لانعدام الطرق المبلطة فقد كان احسن ما فعلته بعض الحكومات السابقة  هو نشر الزفت او القار في الطرق المليئة بالحفر كي تتمكن السيارات السير فيها بشكل لا بأس به بينما بقيت العديد من المدن محرومة من الشوارع المبلطة ناهيك عن القرى والارياف التي لم تتواجد فيا الشوارع اصلا  حتى يومنا هذا ... وهو ما دفع العديد من المواطنين نقل محل اقامتهم الى بغداد او على الاقل الى المدن الكبيرة كي يحصلوا على ما يحتاجونه في حياتهم اليومية من ضروريات الحياة والشريحة العظمى منهم كانت تنتقل الى بغداد مباشرة كي تكون قريبة من مقر الوزارات التي حصرت الصلاحيات بايديها ومنعت الادارات المحلية في المحافظات ولا زالت من انجاز المعاملات للمواطنين واجبارهم على السفر الى بغداد وتجشمهم عناء السفر وتكاليف النقل الباهضة وهي عقد مرضية لم تستطع الحكومات تجاوزها والتخلص منها ومنح الصلاحيات الضرورية للمحافظ او القامقام او مدير الناحية من انجاز ما يحتاجه المواطن حتى بابسط الامور ..كما كان للدراسات العليا اثرها الكبير ايضا في انتقال العديد من العوائل الى بغداد خلال الاربعينيات من القرن الماضي لعدم وجود الجامعات سوى في العاصمة بغداد انذاك  خاصة العوائل  المحافظة كي يكونوا قريبين من مكان دراسة اولا دهم ذكورا كانوا  ام اناثا ادى كل هذا الى تركيز الكثافة  السكانية في بغداد وحتى بعد ان تطور الوضع في المحافظات فقد نزح اليها الكثير من سكان الارياف طلبا للرزق وهربا من الاقطاعيين والشيوخ والسراكيل الذين كانوا يسيطرون على الفلاحين ويعتبرونهم جزء من املاكهم الخاصة  واطلقت لهم الحكومات الملكية  الحرية بالتصرف بهم كانهم عبيد لا حماية لهم امام القانون اذ كان قانون العشائر لا زال هو السائد في ذلك الزمن .. واستمر الحال حتى ثورة 14 تموز حيث واجهة  عبد الكريم قاسم مشكلة نزوح اكثر من ثلاثة ملايين شخص من جنوب العراق وسكنوا في شتى انحاء العاصمة وبين الدور  فقد بنوا لانفسهم الصرائف والاكواخ الطينية ثم بنوا المجمعات السكنية في منطقة الشاكرية والصرافية وخلف السدة التي كونوا فيها مدن كاملة من العشوائيات التي شوهت منظر بغداد حيث اضطر الزعيم عبد الكريم الى شق قناة الجيش واصلح مساحات شاسعة من الاراضي التي كانت تغمرها مياه الفيضانات وقسمها الى قطع صغيرة وزعها على اصحاب الاكواخ والصرائف  الذين خرجوامن مناطق نزوحهم من جنوب شرق العراق ومن مناطق الاهوار  الذين كانوا يسكنون كعوائل كاملة قد يزيد تعدادها عن العشرة اشخاص او اكثر داخل كوخ واحد وما شاب ذلك من مصائب لا يمكنني الكشف عن صورها المؤلمة  او  ذكر مأسيها فهي مأسي يجب تغطيتها والى الابد  ..والتي اطلق عليها الزعيم  مدينة الثورة فانتقل جميع سكان هذه الصرائف المنتشرة بين القصور وفي الساحات العامة من داخل بغداد الى مدينة الثورة كما قام الزعيم ببناء العديد من الدور لهم .. فارتاحت تلك الشرائح المعدمة الفقيرة الفلاحية فترة من الزمن والتي اضحى اليوم العديد من ابناء سكانها اطباء ومحامي ومسؤولين في الدولة كل ذلك بفضل ذلك الزعيم العظيم الذي نظم حياتهم وانقذهم من براثن الاقطاع والعبودية ...  ومع ان الاجراء الذي اتخذه عبد الكريم  قاسم اجراء يشكر ويحمد عليه اذ عالج اوضاعا كانت قائمة ولم يفتعلها هو او يحدثها بنفسه فقد بدأت الهجرة البشرية من الارياف والمدن الى بغداد خلال العهد الملكي البائد فظهر عبد الكريم ليجد نفسه امام ظاهرة مزرية تجب معالجتها فعالجها بكل حكمة وذكاء متقد... فقد كان الوضع الذي تم خلال تلك الحقبة الملكية خطأ استراتيجي فضيع على المستوى التنظيم السكاني فقد كان على الحكومة الملكية ان تتخذ اجراءات تمنع او تحد من غلواء هذه الهجرة الكاسحة التي ادت الى نتائج لا يزال العراق يعاني من اثارها المدمرة حتى وقتنا الحاضر بسبب جهل مسؤولي تلك الحكومات وضعف قدراتهم علىفهم المشكلة و ايجاد الحلول المناسبة التي تصد سكان الارياف والفلاحين المعدمين في جنوب العراق من ترك اراضيهم واكواخهم وكبح جماحهم  من الاتجاه الى بغداد.. فيما لو احسنوا التصرف بايجاد الحلول لمشاكلهم التي كانوا يعانون منها فلا يمكن لانسان ان يترك ارضه إلا للشديد القوي والضرورة القصوى والتخلص من ضروف معيشية قاهرة والتي تتلخص بالضغط الشديد من قبل الشيوخ والسراكيل وانعدام موارد الرزق حيث كان الشيوخ ياخذون تعب وجهد الفلاح من زراعة ارضه ولا يعطونه إلا النزر القليل الذي لا يكفيه.. اضافة للاعتداء المستمر من قبل ابناء الشيوخ على شرف نسائهم دون حسيب او رقيب... وانعدام المدارس لابنائهم وعدم توفر المستشفيات لمرضاهم  وغيرها العديد من الاسباب التي الجأتهم الى الهجرة واللجوء الى بغداد عسى ان يجدوا ما يعوضهم عما افتقدوه في اماكنهم السابقة ..فلم يستطع العهد الملكي ان يستوعب اسباب المشكلة ويعالجها بفتح المدارس وبناء المستشفيات وتوفير وسائل الحياة الكريمة بتحقيق الخدمات المختلفة  في مناطق تواجد هذه الشرائح الكبيرة من المجتمع وتحسين مدنهم وقراهم اقتداءا بما فعله الغرب حيث تجد كل مدينة كيان مستقل و قائم بذاته تتوفر فيه مختلف الخدمات الصحية والدراسية والوظيفية اذ تنتشر المعامل في جميع المدن التي بامكانها استيعاب جميع العاطلين عن العمل وتوفير فرص العمل لهم داخل تلك المعامل والمصانع والشركات بينما نجد ان كل المنشأت محصورة في بغداد وبعض المدن الرئيسية كما اسلفت .. فلو تو فرت الحياة الكريمة للمواطن في مدينته الاصلية  فسوف يهرب من هذا الازدحام القاتل في المدن الكبيرة ويعود في هجرة معاكسة الى بلده ومسقط رأسه ويتخلى عن هذه الكثافة السكانية التي لا تطاق... كما تجعل الباقون ثابتون في اماكنهم لا يفكرون بالنزوح عنها اذا توفر لهم الدراسة وفرص العمل وغير ذلك من الخدمات فتكون الحكومة بنفس الوقت قد تخلصت من هذه الازمات والمشاكل التي تتفجر امامها في كل حين .. فابقاء الحال على ما هو عليه سوف يفاقم الامور .. فالاهتمام بالعاصمة فقط من قبل الحكومات خطأ كبير سوف تصطدم بنتائجه المدمرة التي ستضاعف لها المشاكل اكثر فاكثر فعليها العودة للاهتمام بالمدن والارياف وتحسين امورها ومحاولة اقامة المصانع فيها كي تتمكن من امتصاص البطالة الفادحة القائمة اليوم.. وتوجد فرص عمل محترمة للعاطلين في تلك الاماكن كي يحل الرخاء ويتنفس الشعب الصعداء على يد حكومة تستطيع ان تفكر بالشكل الصحيح السليم وتنتهي الكثير من المشاكل السياسية والاجتماعية المشتعلة في الوقت الحاضر  ...!!!  

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا