<%@ Language=JavaScript %>  صباح علي الشاهر البحث في مُسببات الفساد

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

البحث في مُسببات الفساد

 

 

صباح علي الشاهر

 

 

يُروى أن مسؤولاً سأل متقدما لطلب وظيفة: ( ماهي شهادتك؟)

أجاب طالب التوظيف( بكالوريوس إدراة وإقتصاد) .

ردَّ المسؤول مُتعجباُ: ( شهادتين، هم إدارة، وهم إقتصاد؟!).

للعلم، المسؤول يدعي أنه يحمل شهادة الدكتوراه، أو هكذا على الأقل كُتب على اللوحة التي وضعت في صدارة مكتبه.

 في تصريحات - متتالية ومتواترة حسب الإصطلاح الفقهي- لأعضاء في لجنة النزاهة البرلمانية أكدوا وجود عشرات آلاف الشهادات المزورة، التي شملت كل الإختصاصات بدءاً من الدراسات الدينيّة وصولاً إلى الهندسة والطب، وهذه الشهادات لم يضعها مزوروها ومنتحلوها على الحائط تباهياً، بل إستعملوها، وتقلدوا بموجبها مناصب كبيرة وهامة، بدءاً من أبسط وظيف عمومي حتى الدرجات العليا، والخاصة ..

مما يثير الإستغراب أن نسبة كبيرة من عشرات الآلاف هذه كانت تتعلق بتزوير شهادة الدراسة الإبتدائية والثانوية، قصد الحصول على مناصب في الإدارات المحليّة، وإدارات الدوائر الرسمية، ومجالس المحافظات، أما الذين زوروا الشهادات الجامعية فقد إستأثروا بالمناصب العليا، وأقل منصب رئيس ملاحظين، أو رئيس مجلس بلدي، أما الذين زوروا الشهادات العليا (ما بعد الجامعية الأولية) فقد كانت بالنسبة لهم وفي الأغلب الأعم ( بريستيجاً) للتباهي والشمخرة، ولم يقيّض لنا قراءة ولو نتاج واحد لحملة هذه الدالات المحتشدة، حتى ولا بمقال يتيم، في مجال إختصاص أي منهم، مما يؤكد – ومن دونما شك- أن لا صدقيّة لهذه الشهادات المُزعومة، علماً بأنه لا يوجد منصب حكومي يستوجب الحصول على شهادة الدكتوراه بإستثناء أساتذة الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات، وبعض المجالات الخاصة التي تستلزم قيادتها تكويناً وتأطيراُ عاليين .

لنتخيل، مجرد تخيل، هذا الجيش العرمرم من الفاشلين، المتخلفين، الذين لم يستطيعوا حتى الحصول على الشهادة الإبتدائية، والثانوية، وهم يزيحون الكفاءات الحقيقية، أو من يحمل في الأقل الشهادات التي زوروها هم، لنتخيل هؤلاء وهم في مركز القرار، إنطلاقاً من الناحية، مروراً بالقضاء والمحافظة، وصولاً إلى الوزارات، والسفارات، وهم يتصدرون لقيادة الدولة، التي تعاني إنهياراً يكاد يكون شاملاً في كل شيء، والتي تحتاج إلى عمل إستثنائي، وقدرات إستثنائية، وقيادات مُتسلحة بالعلم والمعرفة في كل المياديين  والمفاصل، ولنتساءل: كيف يمكن لهم أن يتعاملوا مع المحتالين والآفاقين، من أشخاص وشركات وهميّة، وكيف يكون بإمكانهم إتخاذ القرار في مشروع كان فيما مضى يُعد جباراً، ولا يمكن إقراره في دول متقدمة إلا بعد مروره على لجان من الخبراء تدرسه من كل جانب، ونحن نعتمد في إقراره وإحالته، على هذه الشركة أو تلك، على مسؤول لم يتم دراسته الإبتدائية، أو الثانوية، وعلى موظفين لا دراية لهم بالإدارة، ولم يكلفوا أنفسهم مشقة الإطلاع على ما يحدث في الدنيا من ثورات علمية وإدارية وتقنية.

عندما يكون الفيترجي، والبايسكلجي ( مع بالغ الإحترام لهاتين المهنتين الشريفتين) رئيسأً للمهندسين، وخريج الهندسة بائعاً للسكائر على أرصفة الشوارع، عندما يكون المضمد طبيباً، وجرّاحاً، وخيرة الأطباء والجراحين العراقيين المُعترف بكفاءاتهم عالمياً موزعين في كل مدن العالم، بعد أن هرب أغلبهم بجلدهم من القتل العشوائي، والمقصود، كيف يمكن لنا والحالة هذه أن نبني وطناً، ونخلق مواطناً معافى قادراً على الإسهام ببناء هذا الوطن الذي كثر مخربوه، أمس واليوم، وما زالوا يتكاثرون بدواع شتى؟

حجم الفساد المستشري الذي فاق التصور ليس فقط بسب الضمائر (الكاوتشك)، ليس فقد بسبب العدد الكبير من الموظفين والمسؤولين الفاسدين، فالفساد ليس دائماً وأبداً، وفي مطلق الأحوال، بسبب الفاسدين فقط ، وإنما الجزء الأكبر منه بسبب الجهل وعدم الكفاءة ، وسوء الإدارة التي تكون وسطاً مناسباً لإنتشار الفساد، وتكاثر الفاسدين وتوالدهم، والفاسد ذو الخبرة العمليّة قد ينتج منه (رغم فساده) شيئاً، ولمن يتمعن في الأمور جيداً ، يرى أنه ليس ثمة فاسدين أكثر فساداً من الرأسماليين الكبار في الدول الرأسماليّة أو النفطيّة، لكنهم رغم هذا الفساد الموصوف قدموا أشياء ملموسه، عدها بعض الشكليين إنجازاً، وهي فعلاً كذلك في العديد من المناحي،  لكن الجاهل عديم الخبرة لا ينتج منه أي مُنجز بالمرّة، والأدهى والأمر أنه يسيء من حيث يحسب أنه يُحسن، ومن يحسب غير هذا ، سيكون واهماً، وليس أقل توهماً من ذاك الذي يطلب من النخلة تيناً، ومن العاقر ولداً.

لم يعد من المناسب الحديث المتكرر عن الفساد، لأنه حديث لا جدوى منه ولا معنى، من دون الإشارة إلى مُسببات هذا الفساد، ومعالجة هذه المُسببات بكل حزم، ومن دونما تردد.

في كل دول العالم التي تنتهج نهج الإحتكام لصناديق الإقتراع، تتركز حمى الإنتخابات في أشهر وأسابيع معدودة، بعدها ينصرف الكل للعمل، السلطة الجديدة للمباشرة بالعمل، ووضع برنامجها الذي إنتخبت على هديه على بساط التنفيذ، والأقلية المعارضة للمعارضة والمراقبة، إلا في العراق فكل أيام السياسين وأشهرهم وسنيهم أوقات إنتخابات، وصراعات وحمّى تولد من حمّى وتوّلد حمّى، السياسي العراقي لا يفرق بين الخطاب الإنتخابي الإنفعالي والعالي الصوت، والخطاب السياسي العملياتي الهاديء، الذي عبره ومن خلاله يستطيع السياسي تحقيق قدر ما من برنامجه الذي آمن به، رغم كونه لم يوضع على دست الحكم، ولعل أفضل السياسين هم أولئك الذين يفشلون في الإنتخابات لكنهم يستطيعون تحقيق بعض ما آمنوا به وانتدبوا أنفسهم لتحقيقه، و أسوءهم أولئك الذين يربحون الإنتخابات، ثم يفشلون في تحقيق شيء.

الأحزاب السياسية في الديمقراطيات، مثل فرق كرة القدم، من يفوز في المباراة يتمتع بطعم الفوز وفوائده، ومن يخسر ينصرف لإعداد نفسه من جديد قصد خوض مباراة أخرى، وواحدة من أهم وسائل الإعداد التأمل في الأخطاء والعيوب بعقل نقدي محايد ، وصولاً إلى معالجتها وتدراكها.

كيف يمكن للفريق الخاسر التعرف على عيوبه ومعالجتها وهو يتصرّف دوماً وأبداً في حمّى جو المباراة، فيشغل نفسه، ويشغل غيره في مهاترات زمن الإنتخابات الذي لم يضع له حداً، فمده ليشمل الزمن كله؟

وكيف للفريق الرابح ترجمة ربحه إلى إنجازات مطلوبة وهو يخوض حربه الإنتخابية الأبدية، من أين له الفسحة للبحث عن الكفاءات والكوادر القادرة على تنفيذ بنود برنامج خلاّق، سوف لن تكون بالضرورة في فريقه، ففريقه ليس تنظيماً للكفاءات المختلفة والمتنوعة، وإنما تنظيمه تنظيما سياسياً أو عقائدياً، شأنه في هذا شأن غيره، مهما إتسع عمقاً فهو لن يكون بديلا عن قدرات الشعب بكل أطيافه؟ إضافة إلى أن الوظيف العمومي حق لأبناء الشعب كلهم، السياسي والحزبي منهم، والبعيد عن السياسة والحزبية. مجرد كونك عراقياً من حقك أن تخدم بلدك في أي منصب تكون مُهيأ له، وليس بمكنة كائن من كان تغييب هذه التي تعد واحدة من أبرز وأهم حقوق المواطنة، إلا إذا أراد البعض القضاء على المواطنة واقعاً ومفهوماً، وهذا أمر دونه خرط القتاد، وعِبر التأريخ تشهد بمآل من نهج هذا النهج.

يتوهم الساسة أن الشعب عندما ينتخبهم فإنه يكون قد سلّم مفاتيح الدولة لهم، وأنهم أصبحوا المالكين، في حين أن الإنتخابات تعني تكليف الرابح بإدارة السلطة لفترة محددة، السلطة التي تسهر على مصالح الدولة وخدمة الشعب. إذا كنت من حزب فائز بالإنتخابات ، فهذا لا يعني أنك أصبحت مواطناً فوق المواطن غير الحزبي، أو الذي خسر حزبه الإنتخابات، وإذا كنت من حزب خاسر في الإنتخابات فهذا لا يعني أنك أصبحت حزباً مُعبراً عن الشعب وناطقاً باسمه، حتى لو أصبحت حزباً مُعارضاً، فالمعارضة ليست مُعبرة عن الشعب أو أغلبيته في الديمقراطيات الإنتخابية، ولو كانت كذلك لما خسرت الإنتخابات .

من السذاجة أن يتصور بعض السياسين أن الشعب يراقب ويتابع السلطة وإدائها فقط ، وإنه لا يراقب ويتابع المعارضة و بنفس القدر، وربما أكثر، وبالأخص عندما تعرقل هذه المعارضة، نكاية بالحكومة، إقرار ما فيه مصلحته من قرارات وقوانين وإجراءات.

إن المماحكات، والأفعال والأعمال التي تندرج في إطار النكاية، تسيء للجانبين، وتهدر مصالح الشعب، وتخلق التربة المناسبة للوصوليين والنفعيين، والمتسلقين، والإنتهازيين ، والمتصيدين بالماء العكر، وتساعد على تكريس التمترس الذي يصبح فيه من المتعذر متابعة المزور والمرتشي والفاسد، وحتى الوالغ بدم الشعب. 

لم يعد بالإمكان إستغفال الشعب، لأنه عرف باليقين أن السياسين الذين يتملقونه عندما يريدون صوته، يتنكرون له، وينسونه عندما يتقاسمون الغنائم، وهذه واحدة من أبرز أسباب الفساد، فعندما يتم تقاسم الغنيمة تصبح مساءلة الفاسد أمراً متعذراً، أما إنزال العقاب به فمن المستحيلات.

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا