<%@ Language=JavaScript %> صباح علي الشاهر البروفة الأولى للفوضى الخلاقة

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

البروفة الأولى للفوضى الخلاقة

 

 

صباح علي الشاهر

 

 عندما أعلن غورباتشوف عن سعيه لبناء عالم جديد، حسب العديدون بإنه بذلك يخاطب الغرب، وأمريكا تحديداً، خصوصاً وأن الرئيس الأمريكي (ريغن) كان وقتها يصف الإتحاد السوفيتي بدولة الشر، ولذا فإنه ليس من المستغرب أن يدرج الكثيرون دعوة غورباتشوف في إطار الهجوم المعاكس، تحت راية التلويح بالسلم والتعاون الدولي لبناء عالم جديد، بوجه العدائية والصلف الأمريكي، وتعزز هذا الإعتقاد بعد الزيارة الفريدة من نوعها التي قام بها الرئيس الأمريكي لموسكو، وأي رئيس؟ ( ريغن ) ذاته، الرئيس الأكثر يمينية في تلك المرحلة.

لقد دشنت هذه الزيارة مرحلة ذوبان جليد الحرب الباردة، وصعود نجم غرباتشوف على نطاق أوربا، وأمريكا والعالم كله، وتوقع الكثيرون أن الصراع دخل مرحلة الحسم لمصلحة الشعوب، خصوصاُ وأن الإتحاد السوفيتي كان هو الأكثر تفوقاً من الناحية العسكرية، وأمريكا كانت تعاني هزائم شديدة الوطأة في حديقتها الخلفية، (أمريكا اللاتينية)، وفي آسيا، بعد هزيمة فيتنام، وفي أفريقيا، التي تمركست العديد من دولها، وبعد تردي سمعة أمريكا إلى أدنى مستوياتها، وصعود الأحزاب اليسارية والشيوعية في أوربا، بحيث كانت فرنسا وإيطاليا وغيرها من الدول مهددة بوصول الشيوعيين أو اليساريين إلى الحكم، وهي كادت أن تصل لولا طبيعة أنظمة الإنتخابات فيها، والتي فصلّت على نحو يبيح للأقلية السيطرة على الأكثرية، وكان أقصى ما يمكن توقعه حينئذ هو التوصل إلى تفاهمات تقضي بحل الحلفين العسكريين، حلف النيتو، وحلف وارشو، وهما نتاجا الحرب الباردة، والإتفاق على التخفيض المتبادل للأسلحة لا النووية فقط، وإنما أسلحة الدمار الشامل قاطبة، مما يعزز الإنفراج، ويسهم فعلياً ببناء علم جديد، خال من التهديد، والخوف.

كان غورباتشوف حينها شاغل الدنيا، إذ أينما حل خرجت الملايين لإستقباله، وقد عقبت بعض الصحف الإيطالية على زيارة غورباتشوف لإيطالياً، بقولها: لو أن غورباتشوف رشح للرئاسة في إيطاليا فإنه سيفوز حتماً، إعتماداً على ذلك الإستقبال الذي حضي به، والذي لا مثيل له  في تأريخ إستقبال الزعماء والرؤساء الأجانب في إيطاليا.

وعلى الصعيد الإعلامي فقد كان غورباتشوف الشخصية الأولى لأشهر وأعوام، وكعادة الصحافة الغربية فقد راحت تتحدث عن أدق تفاصيل حياة الرجل، وكان من الطبيعي أن تتصدر حرمه ( السيدة رايسا) الصفحات الأولى في صحافة الغرب، والمكان الأول في صدر أخبارها بكل وسائلها الإعلامية، دون أن تغفل الحديث عن يهوديتها، ولم نكن قبل ذلك نعرف شيئاً عن نساء القادة السوفيت، بإستثناء الرئيس خروشوف الذي سُلطت بعض الأضواء على حرمه السيدة ( نينا خروشوفا)، أما رفيقة ( لينين) كروبسكايا، فقد تدارس الرفاق نشاطها الفكري وإسهاماتها في خلاياهم الحزبية، ولم يتم تناولها في صحافة الغرب حينئذ إلا بغرض الإساءة إلى رفيق عمرها ( لينين).

بدا الغرب مُنبهراً بغورباتشوف، كأنه المُنقذ والمُخلّص، ولعل السؤال المُحيّر هو هل كان مُنقذاً للغرب من حتمية الإنهيار، أم كان مُنقذاً للإتحاد السوفيتي من إنهيار لم يكن حتميّاً ؟

وإذ كان الغرب مُجمعاً على الحفاوة بغورباتشوف، فإن الشعوب السوفيتية لم تكن كذلك، إذ تميزت حالها بالحيرة، وبالأخص الشيوعيين منهم، والروس تحديداً .

كان شعار غورباتشوف في داخل الإتحاد السوفيتي، يتلخص في قضيتين مركزيتين، هما 

الـ(بيروسترويكا) والتي تعني إعادة البناء، والـ( الكلاسنوست) والتي تعني العلنية والشفافية،  وحول هاتين المسألتين جرى نقاش حامي وحاد، أدى فيما بعد إلى صراعات لم يقيّض للإتحاد السوفيتي المرور بمثلها طيلة حياته، أدت إلى تشرذم القادة، وإنقلاب بعضهم على بعض، ومن ثم الإنهيار المدوي للإتحاد السوفيتي.

(البيروسترويكا) مصطلح مرواغ، هو ليس ترميما، ولا تجديداً، ولا تطويراً، فالترميم والتجديد والتطوير، مُستلزمات الحفاظ على الشيء، بناءاً كان أم نظاماً، أما إعادة البناء فتعني هدم الشيء، وبناء شيء على أنقاضه، أي التخلص من الشيء أو النظام، وإحلال آخر بديل،  تُرى هل كان غروباتشوف يستهدف هذا، أم لا؟

المتتبع للأحداث التي كانت تجري زمن تفعيل البرويسترويكا الغورباشوفية يلاحظ أن غورباتشوف إهتم بالهدم، ولم يهتم بالبناء، حتى أنه لم يقدم تصوره لمثل هذا البناء، بإستثناء تقديم أفكار عامة تصلح لكل شيء، للنظام الفرنسي والأمريكي مثلاً، إلا إنها لا تصلح بالقطع لإعادة بناء نظام إشتراكي، حتى ولا على نمط الإشتراكية الديمقراطية الغربية.

الهدم الغورباتشوفي ما كان يؤدي إلا إلى شيء واحد، وهو الفوضى، وكانت هذه الفوضى كفيلة بالقضاء على النظام برمته، وهذا ما حدث فعلاً .

أراد غورباتشوف إعادة البناء، فبدأ الهدم، لكنه لم يبق لنفسه وسيلة، ولا إمكانيّة، لا للبناء، وإنما حتى لإكمال عملية الهدم، لقد هدّم كل شيء، النظرية والتنظيم، القواعد والمفاهيم، والأسس التي بُني عليها النظام، والأدوات التي عبرها وبواسطتها يمكن لأي فرد عمل شيء ما، فكان أن وقف عاريا أمام يلتسين الذي سخر منه، وكشه بسهولة ويُسر، منهياً بذلك عهد الإنبهار الغربي بزعيم أصبح من الماضي، ومنهيا أيضاً لا الإتحاد السوفيتي، ولا الإشتراكية، وإنما روسيا القويّة، الخصم الأساسي لأمريكا والغرب الرأسمالي. 

 فجأة تحوّل الإنبهار الغربي إلى الرئيس السكير غريب الأطوار، الذي أصبح مادة الإعلام الغربي، وشغله الشاغل، وعبر هذا الرئيس، ومن خلاله تم تفكيك الإتحاد السوفيتي تماماً، وتفكيك الإتحاد الروسي أيضاً، وإنهاء القطاع الإشتراكي، وبالأخص قطاع النفط والغاز، الذي إستأثرت به حفنه من المافيات، ولم يكن من دونما مغزى بيع الرتب العسكرية، ونياشين أبطال الحرب العظمى على قارعة الطريق، إمعاناً بالإذلال والإهانة، إلا أن الوطنية الروسية حالت دون تفكيك الجيش، الذي سيقوم فيما بعد بإستعادة عافيته، والذي سينبثق كطائر العنقاء من خلف الرماد، وستكون لنا عودة لهذا الموضوع.

أما القضية الأخرى إلتى ركزّ عليها غورباتشوف فهي ( الكلاسنوست ) أي العلنية.  كان من المبرر تماماً أن يتسم عمل أي نظام أو أي سلطة بقدر مناسب من الشفافية، عبر إطلاع الناس على ما يهمهم من قرارات، وكيفيّة إتخاذها، كجزء لازم وضروري من مشاركة الشعب بالقرار، إذ لم يكن من المعقول أن تتخذ حفنة من الناس، سواء كانت لجنة مركزية أو مكتب سياسي، قرارات مصيرية نيابة عن الشعب، ودون مشاركته، بحيث يقررون نيابة عنه، ثم يخبرونه بقرارتهم العليّة، لم يعد هذا الوضع محتملاً، لذا فإن الدعوة إلى العلانية كانت أمراً جيداً وضرورياً، ولكن العلانية إلى أي مدى؟

الإجابة على هذا السؤال بكل دقة هي التي تضع حداً فاصلاً بين العلانية الضرورية والمطلوبة وبين الفوضى. غورباتشوف لم يضع هذه الحدود الفاصلة، فتصور الناس أن العلانية تعني علانية كل شيء، وعلانية كل شيء يعني أن لا وجود لنظام من أي نوع، ولا سلطة، ولا مسؤوليات. كيف يمكن أن تكون مثلا علانية وشفافية (الكه جي بي) ، أو (السي آي أي)، أو (الأم أف آي) ، أو التحقيقات الجنائية في أي بلد، أو أي أنظمة أخرى تتسم بالسريّة، كسانا مثلاً، أو الأمن والمخابرات والإستخبارات، أو الصناعات العسكرية ، أو حتى سر المهنة في الصناعات المدنية غير العسكرية إلخ.

علانية غورباتشوف أدت مثل بيروسترويكاه إلى الفوضى، فهل كانت هذه الفوضى مقدمة للفوضى الخلاقة التي أرادتها أمريكا لبعض دولنا، ولعموم منطقتنا، أم أنها كانت البروفة الأولى ، والتي نجحت نجاحاً منقطع النظير، فعممت بأشكال مختلفة فيما بعد.

 

 

 

02.08.2012

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا