%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال لا للخصخصة لا للفيدرالية لا للعولمة والتبعية |
|||
---|---|---|---|---|
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين |
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |
البناء الفني
في شعر سعدي يوسف
الجزء الثاني من
رسالة ماجستير تقدم بها
عبد القادر جبار طه
إلى مجلس كلية الآداب بجامعة بغداد
وهي جزء من متطلبات نيل درجة ماجستير آداب في اللغة العربية
بأشراف
الأستاذ الدكتور فليح كريم الركابي
ربيع الأول 1428 هــ نيسان2007 م
الفصل الثاني
البنية الشاركة
تمهيد
وتتمحور هذه البنية في عناصر الشعر التي تدفع باتجاه اقامة حوار بين القارىء والنص، فهي ليست بنية ظاهرة ظهورا واضحا، ولا هي بنية مضمرة اضمارا عميقا، ويذهب بعض النقاد والشعراء الى وصف هذه البنية بمرتكز القصيدة او القصيدة ذاتها، ومنهم اليوت الذي يرى ((ان القصيدة تقع في مكان ما بين الكاتب والقارىء))(1).
ويعزو ناقد آخر عّد هذه البنية عنصرا مشتركا بين الكاتب والقارىء الى الحوار المتبادل بين الموضوعية والذاتية من خلال الوسيط اللغوي المشترك بينهما(2)، وعلى هذا الاساس ميزت نظرية التلقي بين التوصيل بوصفه يمثل العناصر الاكثر بروزا في القصيدة(3)، التي اطلق عليها الباحث تسمية (البنية الظاهرة)، والتلقي الذي يدفع القارىء لاكتشاف العناصر الجمالية غير الظاهرة بشكل مباشر في النص، ويعد هذا النوع من تلقي البنية المستوى الثاني الذي يبدأ من خلاله القارىء بسبر اغوار النص باتجاه اكتشاف المعنى المضمر او الرسالة ، او ماتعرف (بالبنية العميقة)، وهذا الاكتشاف لا يتحقق الا بعد المرور بالبنية الظاهرة والبنية الشاركة ، اي (التوصيل ثم التلقي)، ويمثل التلقي الجانب الجمالي المكتشف الذي يلي التوصيل ، ويكون القارىء هو المعول عليه في ابراز عناصره(4)، وهو كما يقول الشاعر صلاح عبدالصبور: ((العنصر الرئيس في الشعر الذي يعني فن اكتشاف الجانب الجمالي والوجداني من الحياة))(5). ويعد الايقاع الداخلي العنصر الموسيقي الاقل ظهورا من ايقاع الوزن، فهو يمتلك قابلية شد انتباه القارىء الى جمالية القصيدة ويسحب المتلقي الى العناصر غير الظاهرة ظهورا واضحا في النص بحسب ما يذهب الى ذلك. الدكتور فليح كريم الركابي واصفا اياه بأنه ((عنصر شد قوي يربط الشاعر بالقارىء))(1)، وهذا العنصر يعد مكونا رئيسا من مكونات البنية الشاركة، وهو بنية قريبة من بنية اخرى هي (التوازي) العنصر الثاني في بنية اشتراك القارىء بالنص، فالتوازي، كما يذهب الناقد عدنان بن ذريل: ((بنية يشترك فيها الايقاع مع الدلالة تشد انتباه القارىء الى النص، وتقوم على التجنيس والمطابقة، جرسهما ودلالتهما))(2)، اما العنصر الثالث في بنية الاشتراك فهو (التنغيم)، الذي يعد اساس الانشاد في الشعر(3)، ولما كان الانشاد العنصر المشترك بين المبدع والمتلقي فهذه البنية لها من خصائص اشراك النص مع المتلقي بما يجعلها بنية تتوسط البنية السطحية والعميقة وهي كما يذهب آيرز، ليست نصا تماما وليست ذاتية القارىء تماما، ولكنها تشملهما مجتمعين او مندمجين(4)، وبهذا اصبحت البنية الشاركة مكونة من العناصر الاتية:
1ـ الايقاع الداخلي
2ـ التوازي
3ـ التنغيم
المبحث الاول
الايقاع الداخلي
يعد مفهوم الايقاع الداخلي من المفاهيم التي ماتزال في طور التحديد والاستقرار، اذ لم يتفق الباحثون والنقاد على تعريف جامع مانع له، ولم يعط حتى يومنا هذا التفسير والتفصيل الكافيين(1) لجعله مفهوما مستقرا، فهناك من يذهب الى رفض وجوده اصلا لان القول عنده ((بان الوزن نظم وان موسيقاه (خارجية.. هراء) لان موسيقى الشعر تجري فيه مجرى الدم، وان الشعر لايتدفق فيه الا مموسقا موزونا))(2)، وهذا الرأي ينطلق اساسا من اعتماد الوزن في القصيدة بوصفه مشكلا لبنية الايقاع الكلية، ويذهب آخرون الى الاقرار بوجود الايقاع الداخلي وان الوزن يعد احد عناصر الايقاع الداخلي. ويذهب الدكتور محسن اطيمش الى ان دراسة الايقاع الداخلي تتم من خلال مستويين ((الاول يتعلق بمدى التغيير الحاصل في التفعيلة الاصلية، اي بما يطرأ عليها من زحافات وعلل، والثاني يتعلق بحروف المد ملتفتين الى مدى شيوعها ، كثرة او قلة))(3)، وبذلك ادخل الدكتور اطيمش عنصرا من عناصر الوزن في الايقاع الداخلي.
وعلى الرغم من هذه الاجتهادات في تعريف الايقاع الداخلي ، واثبات وجوده من عدمه الا ان بعض النقاد والباحثين اجتهدوا في دراسته من زوايا مختلفة، فمنهم من نظر اليه على انه التوافق بين الرمز والمعنى ، الملازم للذات الباطنية وما توحي به من قدرتها الدلالية على اعطاء صورة التلاحم بين مكر الذات المبدعة وما تشعر به(4).
ذهب آخرون الى ان مفهوم الايقاع الداخلي يرتبط بالعلاقات المفردة داخل النسق الشعري، فالكلمة تحمل ايقاعها في تلاحمها وتباعدها وفي تناسقها وتنافرها، فالايقاع ليس قيمة بحد ذاته وانما هو قيمة بما ينفرد به من اثر(5).
نظرت باحثة اخرى الى الايقاع الداخلي من خلال علاقته بالمعنى، ورأت انه التدفق او الانسياب المعتمد على المعنى اكثر من اعتماده على الوزن، وعلى الاحساس اكثر من التفعيلات(1)، ونظر اخرون الى انه ((شمل الوزن والموسيقى الخارجية المتحققة في البيت الشعري والقافية فهو خط عمودي يخترق النص وينتظمه))(2).
وعرف اخرون الايقاع الداخلي بأنه الخط العمودي الذي يخترق النص، مقابل خط افقي هو الايقاع الخارجي، وتنبع افقية الايقاع الخارجي من صفته الكمية(3)، ويرى الباحث انه يمكن الانطلاق من التعريفات السابقة للاقتراب من تعريف الايقاع الداخلي بوصفه مفهوما غير مقنون ولا تحدده عناصر خارجة عنه، لذلك يقترح الباحث تعريف الايقاع الداخلي على انه الاحساس المنعكس من القصيدة الى المتلقي المعتمد على تحطيم القوانين الاصلية في الوزن، والمتحقق في علاقات المفردات داخل النص، وموسيقى حروفها ، بما يجعل التلقي غير رتيب ومقنون ، عبر ما يحدث فيها من تموجات وتوترات تفضي الى اشراك القارىء جدليا بالنص، محققة دلالات جديدة غير تلك التي استقبلها من الايقاع الخارجي.
ان افتراض الباحث لمفهوم الايقاع الداخلي انطلق من العناصر الاتية:
أ ـ ان الايقاع في قصيدة التفعيلة لم يتحرر من تفعيلات البحور الشعرية على الرغم من انفتاحه على تنويعات متغييرة في عددها وزحافاتها وعللها(4).
ب ـ ان استمرار التفعيلة في الشعر الحر بوصفها وحدة صوتية ، نغمية، افضت الى سيادة العنصر الموسيقي على العنصر الدلالي فيها.
ت ـ ان الايقاع الخارجي بنية محسوسة، في حين ان الايقاع الداخلي بنية مكتشفة، منتجة، تشترك فيها علاقات المفردات ودلالتها بايقاع خاص.
ث ـ الايقاع الخارجي بنية موسيقية تتصف بالتحديد والحصر، اما الايقاع الداخلي فانه بنية غير قابلة للتحديد والحصر حتى داخل السطر الشعري الواحد، وفي ضوء ما تقدم يقترح الباحث دراسة الايقاع الداخلي في قصيدة سعدي يوسف على النحو الاتي:
1ـ التناوب الفونيمي في القصيدة
ويرتبط التناوب الفونيمي في القصيدة بعملية التشاكل الايقاعي الذي يضعهُ الدكتور محمد مفتاح في اطار تشاكل الصوت المنتج للقيمة التعبيرية(1)، وهذه القيمة التعبيرية تتحقق من خلال عنصري التكثيف والافتراق الفونيمي، ففي عنصر التكثيف تظهر هذه المسألة بشكل واضح في قصيدة سعدي يوسف: (في تلك الايام)(2) التي يقول فيها الشاعر:
احتفل الليلة بالقمر الزائر من خلف
القضبان، لقد رقد الشرطي ، وانفاس
((السيبة)) مثقلة برطوبة شط العرب
التفت القمر الزائر ناحيتي، كنت ادندن
في ركن الموقف ... ماذا تحمل لي في
عينيك؟ هواء ألمسه ، وسلاما منها؟
كان القمر الزائر يدخل من بين القضبان
ويجلس في ركن الموقف.. مفترشا بطانيتي
السوداء، تناول كفي: محظوظ انت
وغادرني.. ابصرت بكفي مفتاحا من
فضة
* * *
وفي هذه القصيدة لاحظ الباحث وجود كثافة فونيمية في سطور شعرية لاصوات حرف او حرفين او ثلاثة مقابل ضعف في اصوات حروف اخرى، اذ ارتكز السطر الشعري الاول، على انتقالات حرف (اللام) بين المفردات ، ليشكل ايقاعا خاصا به
احتفـ ل ـ الليـ ـ لة ـ بال ـ قمر ـ از زائر ـ من ـ خلـ ـ ف، وفي مفردتي احتفل الليلة هناك (4) تكرارات لحرف اللام من اصل (10) حروف منها (3) تتابع فيها حرف (اللام) احتفـ(ل الليـ). يليها ظهور حرف اللام في بداية المقطع الاخير من مفردة (الليلة)، يعقبها ظهوره حرفا ثانيا في مفردة (بالقمر).
(لة-بالـ) ـ وفي هذا التشكيل ظهر (اللام) بشكل متناوب مع الحروف الاخرى، اما في مفردة (خلـ_ف). فانه يظهر بين حرفين، وفي السطر الثاني يظهر (اللام) في بدايته، ويفرض الانشاد الشعري ان يكون، (اللام) في مفردة (القضبان) صوتا واضحا مثل وضوحه في مفردة (الليلة) بسبب استعمال الحرف القمري (القاف)، وينتقل التشكيل الصوتي في السطر الثاني من سيادة حرف اللام الى تكرار لمركب من حرفي (القاف والدال)، ويتضح ذلك في مفردتي.. (لقد ـ رقد)، وتشترك المفردتان بحرفين وتفترق بحرفين ل ـ ر / قد ـ قد ، وجرى هذا الانتقال بوساطة الحرف السائد في السطر الاول، وهو (اللام) لان صوت الحرف غير معنى الكلمة، والفارزة التي شكلت وقفة قصيرة، هي التي هيأت لهذا الانتقال الايقاعي الذي يختفي فيه (اللام)، اذ لا يلفظ الحرف في / اش ـ شرطي ، وفي نهاية السطر الثاني يتفق (السين) الذي تنتهي به مفردة (انفاس)، مع تكرارت (السين) في مفردة (السيبة)، لانه من الحروف الشمسية ليهيىء بذلك تناسبا صوتيا لثلاثة حروف اخرى كما في مقطع (برطوبة شط العرب) وهي (الباء، الطاء ، الراء)، بعدها يعود اللام في (التفت القمر)، ليهيىء لبروز حرف اخر هو (النون) كما في مقطع/ (ناحيتي كنت ادندن في ركن)، وهذا الظهور لحرف (النون) يتبعه ظهورا لحرف آخر هو الياء كما في مقطع / ماذا تحمل لي في عينيك، ثم الهمزة كما في (هواء ألمسه) ثم السين كما في (المسه وسلاما)، ليعود النون ثانية ليظهر في الانشاد الشعري على النحو الاتي (سلاما منها كان)، ثم يعود (اللام) مع حرف اخر مرة اخرى في مقطع (القمر الزائر يدخل من بين القضبان)، وكانت الكثافة في هذا المقطع ترتكز على (اللام والنون) معا، وهما الحرفان اللذان دخلا في نمطية الظهور والاختفاء في القصيدة.
ودرس الدكتور فليح كريم الركابي الكثافة الفونيمية من خلال تكرارها في الشعر وتوصل الى ان هذا النوع من التكرارات يعد من ركائز البناء الايقاعي للعبارة الشعرية لما تستلزمه من وجود تناسب في الانغام التي يحدثها تساوق الحروف مثل، الترصيع والتصريع والتجنيس(1) وفي هذا التحليل وضع الدكتور فليح الركابي اسس احدى ركائز الايقاع الداخلي في القصيدة المعاصرة، لكنه لم يقرر ان كانت هذه القصيدة (موزونة ام غير موزونة)، ولم يحدد طريقة اشتغال الفونيم في القصيدة وانتاجه للايقاع الداخلي، ويرى الباحث ان التكرارات الصوتية للحروف لاتحدث وحدها الايقاع الداخلي في القصيدة الموزونة من شعر التفعيلة، لان العروض فيها تقوم بدور عنصر الممانعة للايقاع الخارجي، اذ يفرض انتظامها انسجاما نغميا خارجيا، ففي هذه القصيدة مثلا يقطع السطر الشعري على النحو الاتي:
احتفل الليلة بالقمر الزائر من خلف
احتفـ/ ل الليـ/ لة بالـ/قمر از/ زائر/ من خل/فـ/
فاعل فعْلن فعِلن فعِلن فاعل فعْلن فـ
وفي التقطيع هناك علاقة بين (السكون والحركة)، فرضت نمطا خاصا من الموسيقى امتازت بالانتظام والتردد الصوتي، ولكن هذه (الحركات والسكنات)، تظهر من خلال اصوات الحروف، وكثافة صوت معين لحرف واحد يتوالى في الترديد يكون (ساكنا مرة ومتحركا في اخرى) يحدث تغييرات في الوظيفة الايقاعية والانشادية للحرف في السطر الشعري، وهذه التغييرات في السكون والحركة في صوت الحرف، تقطع انسجام مفردة (احتفلُ)، اذ جاء اللام (متحركا)، وفي مفردة (اللّيلة) جاء ساكنا ثم متحركا، وهذه التغييرات قطعت التكرار الممل لانشاد الحرف وهو تحول تحبذه الاذن العربية، لان العرب على ما تذهب الدكتورة مي فاضل الجبوري كانت تكره التكرار(1)، وقطع التكرار هنا يعني قطع الانتظام، لان (اللام الثالثة في مفردة الليلة جاءت متحركة ايضا) وبعدها جاءت (ساكنة) في (القمر)، ثم ساكنة ايضا في (خلف) ثم ساكنة في (القضبان)، ثم متحركة في لقد، اذا لا يوجد انتظام في تكرار الصوت من حيث سكونه وحركته ، وعدم الانتظام هذا هو الذي ادى الى وجود علاقات داخلية غير محددة داخل اصوات النسق المعتمد على صوت الحرف، مكونا بنية معارضة للبنية المنتظمة المنسجمة في الايقاع الخارجي، فظهور (اللام) يأتي متتاليا (3) مرات احيانا ولم يظهر في احيان اخرى الا بعد (5) حروف وربما بعد (10) حروف. ان هذا الظهور والضمور في صوت الحرف اعطى للقصيدة ايقاعا داخليا غير ظاهر لكنه بنية يمكن الشعور بها ، وقد درس الباحث ظهور وضمور هذا الحرف في قصيدة سعدي يوسف لانه الحرف الاكثر ظهورا في عموم الشعر العربي فقد احصى الدكتور ابراهيم أنيس نسبة شيوع (اللام) في اللغة العربية فوجد انها الاكثر شيوعا، اذ تبلغ نسبة ظهورها (127) مرة في كل الف من الاصوات الساكنة(1).
2ـ ما يحققه إيقاع الالفاظ من موسيقى داخلية
وينتج هذا الايقاع من منظومة الفونيمات في المفردة الواحدة، والعلاقة التي تحدث بين المفردة والاخرى في السطر الشعري،كما في المقطع الاتي من قصيدة (العقبة):
سنوقر سمعنا عما يقول البحر
سوف نشيح عن شمس الغروب
وملعب الامواج
سوف نكون اتباعا لهذا او لهذا
نكتفي من كل قافلة
بخبزة ملّة
وبتمرتين
وسوف ننسى كيف ترسم فجاءة الصحراء
والطرق التي لا تنتهي(2) .
وفي هذا المقطع هناك تناغم داخلي بين الالفاظ تبدأ من (سنوقر) المكونة من اصوات (السين والنون والواو والقاف والراء)، ولا تنتهي الا بنهاية القصيدة، فمفردة (سنوقر) ترتبط ايقاعيا بمفردات السطر الاخرى (سنوقر/سمعنا)، اذ يوجد هناك بين المفردتين علاقة ايقاعية غير ظاهرة من خلال مكون مفردة (سمعنا)، الذي يبدأ بصوت (السين) ايضا المتبوعة بحرف النون الموجود ايضا في التشكيل قبل الاخير من كلمة (سمعنا)، وهذه العلاقة تنتقل الى المفردة الثالثة (عما) التي تتناسب ايقاعيا مع (سمعنا) بعد اجتزاء مقطعها الثاني (عنا)، لتتحول الى (عما) ، الامر الذي يحدث تناغما بين المفردتين المتواليتين اذ لايتبدل في هذين المقطعين المتواليين (عنا)، (عما) غير حرف (النون)، مستبدلا (بالميم) وفي مفردة (عما)، ينتهي التناسب المقطعي ليتحول الى علاقة اخرى بين مفردتي (يقول البحر) المتحقق في ابتداء البحر بصوت الحرف الذي ينتهي به الفعل، (يقول) وهو (اللام).
ان هذه العلاقات تمثل العنصر الثاني الاوسع من صوت الحرف في الايقاع الداخلي والمتحقق من خلال اصوات المقاطع والمفردات، ويذهب (الجاحظ ت ـ255هـ ) الى ان ((الصوت آلة اللفظ، والجوهر الذي يقوم به التقطيع وبه يوجد التأليف))(1).
ان هذه الالة ليست محددة في الشعر بنظام مقنن شأنها في ذلك شأن اصوات الحروف المكونة للمفردات، ولكن هذه اللامحدودية لاتعني عدم وجود مزية في ايقاع بعض الالفاظ عن غيرها عند ارتباطها بالفاظ اخرى كما ذهب ابن الاثير (ت ـ 637هـ) بقوله: ((والذي يدرك بالسمع انما هو اللفظ لانه صوت يأتلف من مخارج الحروف، فما استلذه السمع منه فهو الحسن وما كرهه فهو القبيح)) (2)
يلاحظ مما تقدم ان النقد العربي القديم وجد لكل لفظة من الالفاظ نغمة خاصة لكنه لم يحدد طبيعة تلقي هذه النغمة، الامر الذي دفع النقد الحديث الى دراسة طبيعة تلقي هذه الانغام، ورأى انها تحدث من العلاقات التي تنتج من سياق المفردات، التي يحسها المتلقي، فالاحساسات المرئية للكلمات يندر ان تحدث بمفردها ، لانه تصحبها اشياء ذات علاقة وثيقة بها، بحيث لا يمكن فصلها عنها بسهولة، وأهم هذه الاشياء (الصورة السمعية)، اي وقع جرس الكلمة على الاذن الباطنية او اذن العقل(3).
في ضوء ما تقدم فان السياق الشعري للسطر او المقطع يمتاز بخاصيتين ايقاعيتين متغيرتين ، الاولى ان تلقيه في الاذن الباطنية غير ثابت فهو مختلف من متلق الى اخر بحكم طبيعة الفروق الفردية بين الناس، والثاني ان اي تغير في مفردة واحدة من مفردات السطر الشعري سيؤدي بالضرورة الى تغير ايقاع السطر الشعري كله ، لان العلاقات بين اصوات الالفاظ ستتغير ايضا، فلو تغيرت مفردة (سنوقر) الى مفردة قريبة منها في الايقاع، مثل مفردة (سندمر)، فان النتيجة ستكون على النحو الاتي:
سندمر سمعنا عما يقول البحر
وهذه العلاقة تختلف من حيث الايقاع مع السطر الشعري الاصلي، فـ(سندمر) في علاقتها مع (يقول) تختلف اختلافا كبيرا عن علاقة (سنوقر) بـ(يقول)، لان التناسب بين (الواو والقاف) في (سنوقر) واضحة مع (القاف والواو) في (يقول)، وان نغمة (سنوقر سمعنا عما يقول البحر) تختلف عن نغمة السطر الشعري (سندمر سمعنا عما يقول البحر)، وهذا التناسب النغمي يعد عنصرا مهما من عناصر الايقاع الداخلي في القصيدة، وفي هذا الصدد يذهب الدكتور ابراهيم انيس الى ان، ((للشعر نواح عدة اسرعها الى نفوسنا ما فيه من جرس وانسجام في توالي المقاطع))(1).
على وفق هذه الرؤية امتازت قصيدة سعدي يوسف بهندسة خاصة في انسجام مفرداتها، وما تحققه من جرس ايقاع داخلي غير الجرس الايقاعي الذي يحققه الوزن، فالشاعر كما ذكر الباحث في تمهيده يعي ما يقوله وانه يهندس قصيدته بطريقة واعية في منطقة تقع بين الوعي واللاوعي، كما يقول الشاعر، لهذا كان اختيار مفرداته في القصيدة اختيارا ينم عن مقدرة شعرية خاصة، ويتضح ذلك من خلال المقاطع الاتية:
لا المتاع القليل
لا المتاعب
لا الجندب المتشبث بالسرو
لا غيضة السلسبيل
فلمن انت؟
لست عليها
ولست لها
ايها الصقلي المضلَّلُ
يازان رمحي الضليل(2)
وفي هذه القصيدة لاحظ الباحث وجود انسجام بين مفردات القصيدة، ويتحقق ذلك في العلاقة بين (المتاع والمتاعب)، فالمفردتان مختلفتان في الدلالة ومنسجمتان في الايقاع، وبين (لست عليها، ولست لها) وبين (المضلل والضليل). ان هذه الانسجامات خلقت في القصيدة ايقاعا داخليا خاصا نتجت عن العلاقة بين مفرداتها التي اتصفت بقدر عال من التوافق معززة بتكرارات (لا)، التي تنقطع في السطر الرابع منوعة الايقاع بين السطور الشعرية، اذ تتحول من تنغيم الى اخرالامر الذي اعطى السطور الشعرية موسيقى متعددة الايقاعات، وفي هذا الصدد يذهب الدكتور ابراهيم انيس الى القول: ((ينتقي الشاعر من الالفاظ ويتخير ويفاضل بينها، ويميز بعضها على بعض متخذا في نظمه البيت من الشعر، لفظا خاصا يأبى غيره، لان اصواته توحي اليه ما لا توحي اصوات غيره))(1).
وتمتاز قصيدة سعدي يوسف بمحاولات الانزياح عن التناغم الصوتي احيانا من خلال ادخال مفردات اجنبية في القصيدة، ويتضح ذلك في قصيدة (القيامة)(2) حيث يقول:
من الـ B52 تأتي القنابل ، ثم تفرغ بيضها
من انفنا المجدوع، نحن سلالة الاحباش والزط
السباخ كعهدها من الف عام
نحن نكسحها،
ونحن الزط
في هذا المقطع يضع الشاعر الـ (B-52) في بداية القصيدة محدثا صدمة التلقي التي تحدثها لفظتها الانكليزية، (بي ـ فيفتي تو)، وجرس هذا اللفظ خاص لانه يؤدي الى الانتقال من السياق اللغوي للعربية الى سياق اخر سرعان ما ينقطع في، (تأتي القنابل) ولكن انقطاع الانسجام الذي احدثته (B-52) في هذا المقطع له قيمته الجمالية والايقاعية والدلالية، فهو تغيير في سلسة ابنية الحروف، وهو ايقاع يختلف عن ايقاع الكلمات الاخرى، وهو من الناحية الدلالية يعد مرتكز القصيدة ايضا، اذ ان الـ(B-52)، هي التي تلقي القنابل، وهي التي تفرغ بيضها، وهي السبب في المأسآة كما يرى الشاعر، وهنا اضفى هذا الاستخدام الخاص للحرف والرقم الانكليزي دلالة على ايقاع القصيدة الداخلي وتحولاته من نسق الى نسق آخر مثلما اضفى قيمة دلالية وجمالية وبصرية، مع احتفاظه بتناسق النغم حتى مع استخدام التركيب الانكليزي، وهذا التناسق النغمي يعد ميزة لامكانات الشاعر على تكييف المتناقضات مع روح الايقاع الداخلي، وهو، على ما يذهب الدكتور عثمان موافي، ((لا يتهيأ الا لمن وهب مع هذه الحاسة الفنية ، طبعا صافيا، واذنا موسيقية، يحسان معا الجمال الصوتي والتناسب النغمي))(1).
وفي هذا المقطع لاحظ الباحث ان التناسب النغمي يتحقق في علاقة لفظة (بي، ففتي تو) و(تأتي)، فالمقطع الثاني من، (ففتي) يطابق المقطع الثاني من (تأتي) في (التاء والياء)، وان مفردة (تأتي) مكونة من تكرار حرف التاء في المفردة، وهذا التكرار موجود في مفردة (ففتي تو) فضلا عن وجود تكرار لحرف (التاء) المرتبطة (بالتاء)، وهو الحرف نفسه الذي يتكرر في مفردة (تأتي).
3ـ التعارض بين المفردة والوزن:
ويحدث هذا التعارض بين اعتماد الوزن التفعيلة اساسا لتقطيع الشعر من دون الالتفات الى بنية المفردة كاملة، في حين يعتمد الايقاع الداخلي على المفردة كاملة ومكوناتها الصوتية، وفي قصيدة سعدي يوسف يمتاز الوزن بالتدوير، اذ ان السطر الشعري غالبا ما يعتمد على السطر الذي يليه لاكمال التفعيلة ، في حين يرفض الايقاع الداخلي تقطيع الكلمة على اساس تفعيلتها، ففي قصيدة (ملابس)(2) يتم تدوير التفعيلة من سطر الى سطر شعري آخر:
فكرت يوما بالملابس
قلت: اني مثل كل الناس ، ذو عينين
ابصر فيهما شيئا
واخطىء فيهما شيئا
ولكن مثل كل الناس لست اريد اربع اعين
عيناي كافيتان لي
وهذه القصيدة من بحر الكامل على وزن (متفاعلن او متْفاعلن)، واذا تم تقطيعها على اساس التفعيلات تصبح نهايات السطور جزءا من بدايات السطور التي تليها كما يأتي
فكرت يو/ما بالملا/بس متْفاعلن ـ متْفاعلن / متـ
قلت ان/ني مثل كل /ل الناس ذو/عينين فاعلن /متْفاعلن / متْفاعلن / متْفاع
آب/صرفيهما/شيئا لن/متفاعلن / متفا
ولا/كن مثل كل/ ل الناس لس/ت اريد ار/بع اعين/ـ علن/ متْفاعلن/ مَْفاعلن / متفاعلن/ متفاعلن ـ عيناي كا/فيتان لي/ متْفاعلن/ متْفاعلن
في هذا المقطع لا يتنهي السطر الشعري بتفعيلة كاملة، وعدم اكمال التفعيلة في السطر الشعري ينتج تعارضا بين الوزن والايقاع ، اذ يعمد الشاعر في الانشاد والقارىء في القراءة الى قراءة المفردة كاملة لادراك دلالتها في نسقها ولايقطعها على اساس التفعيلة، الامر الذي يحدث تعارضا بين تقطيع الانشاد، من خلال التوقف والقراءة على اساس المفردات، وبين تقطيع التفعيلات التي تتوقف وتستمر على اساس العروض. وهنا يكون الوزن قد اعتمد على التقطيع العروضي لاحداث موسيقاه الخارجية بوصفة آلة قانونية صارمة ومحددة في ضوء تفعيلات الوزن نفسه، في حين اعتمد الايقاع الداخلي على الدلالة المتحققة من علاقات الالفاظ داخل السطر الشعري او القصيدة وبذلك تكون بنيته معارضة للايقاع الخارجي، وعلى اساس هذا التعارض تتبلور جمالية القصيدة الحرة.
ودرس الدكتور محسن اطيمش الايقاع الداخلي لقصيدة سعدي يوسف، معتمدا على موسيقى الالفاظ ذاتها داخل النسق الشعري، متناولا قصيدة (اشارة) (1) التي يقول الشاعر فيها:
ايها المقبلون على ارض (دارين)
ان لنا اخوة
حينما يخطئون نموت
وحين نراهم يصيبون نشتم
ياوطني: صفقة
نتبادل فيك المواقع
كن مرة حكما، ولا تكن حاكما، هاهم المقبلون على ارض دارين
بين الحقائب والقبعات يديرون اعناقهم
وحين حلل الدكتور اطيمش هذا المقطع ذهب الى انه يتسم بغنى موسيقاه الداخلية، من خلال تكرار الصيغ والالفاظ بشكل اخاذ: مقبلون ، يخطئون، يصيبون، مقبلون، يديرون(1). وعد الدكتور اطيمش التناسب الصوتي بين المفردات واحدة من بنى الايقاع الداخلي في حين يذهب آخرون الى ان هذا التناسب الصوتي هو بنية (التوازي) في النص وان جزءا محددا منها فقط يدخل في بنية الايقاع الداخلي(2) وعلى هذا الاساس يرى الباحث ان جعل الايقاع الداخلي مرتبطا بالتناسبات الصوتية يحوله الى قيمة ايقاعية محددة لاتصلح من حيث المعالجة الا على النصوص التي تعتمد هذه التناسبات، خاصة ان جزءا من هذه التناسبات محسوس خارجيا شأنه شأن الوزن والقافية.
4ـ الزحافات والعلل:
والزحاف هو التغيير الذي يقع في ثاني السبب ، كتسكين التاء من متفاعلن وحذف الالف من فاعلن، اما العلة فهو التغيير الذي اصاب السبب برمته ، واصاب الوتد كحذف التاء من (فاعلاتن) ، وتسكين التاء (مفعولات)(3).
ويعد التغيير الذي يصيب التفعيلة جزءا من الايقاع الداخلي كما يذهب الى ذلك الدكتور محسن اطيمش، وعلى هذا الاساس درس التغييرات التي تحدث في التفعيلة الاصلية عند عدد من شعراء قصيدة التفعيلة ومنهم الشاعر سعدي يوسف، فحلل قصيدة (الاخصر بن يوسف ومشاغله)(4) التي يقول فيها الشاعر:
نبي يقاسمني شقتي
يسكن الغرفة المستطيلة
وكل صباح يشاركني قهوتي والحليب وسر الليالي الطويلة
وحين يجالسني وهو يبحث عن موضع الكوب في المائدة.
لاحظ الدكتور اطيمش الزحافات في هذا المقطع ووجد انها على النحو الاتي:
ت/ز/ت
ت/ت/ت
ز/ت/ز/ت/ت/زت/ت/ت
ز/ز/ت/ز/ت/ت/ت ع
وحرف (ز) هو الزحاف، و(ت) تفعيلة كاملة و(ع) هو العلة.
فوجد ان عدد التفعيلات فيها (60) والتام منها (41) أي بنسبة (33ر68%)، والزاحف (16) اي بنسبة (66ر26%)، والمعتل (3) اي بنسبة (5%)، ويظهر من هذه النسب ان ما يحدث من زحاف في التفعيلات، اكثر من بـ(5) اضعاف العلل، ويرى الباحث ان السبب في هذا التفاوت في النسب بين الزحاف والعلة في القصيدة يعود الى امرين.
أـ ان الزحاف لا يمس جوهر الايقاع الصاعد الامر الذي يجعل الانحراف عن التفعيلة الاصلية ذا تأثير اقل من الانحراف الذي يقع في العلة، ولكن هذا الانحراف القليل لايعني ان الايقاع الخارجي في القصيدة لا يتأثر، ففي (فعولن) وهي من البحر المتقارب تتحول التفعيلة الى (فعول)، ، وان الشاعر اذا ما اعتمد الزحافات اساسا لقصيدته فان تغيرا وزنيا واضحا سيحدث فيها، وتبدو وكأنها تنتقل الى ايقاع اخر، ولكن هذا الانتقال لا يعبر عن ضعف في بنية الايقاع الكلي للقصيدة، اذ يتحول تأثير الايقاع الخارجي المعتمد على الوزن الى الايقاع الداخلي، ويصبح النغم المبني على التفعيلات اكثر تنوعا. ويذهب الدكتور محمد النويهي قائلا ((اذا كثر الزحاف في قصيدة ما فاننا لا ينبغي ان نسارع ونعد ذلك عليها ركاكة وضعف بناء وننسبه الى التهاون او عدم الاحساس بالايقاع، بل لننظر اولا في الافكار التي تحملها القصيدة والعواطف التي تؤديها ولنتأمل في مدى مواءمة موسيقاها الفردية لمضمونها(1).
ب ـ ان العلة في التفعيلة لا تنحرف بالوزن نحو وزن آخر بل تحطم التفعيلة الاصلية ذاتها ليبدو الايقاع الخارجي للقصيدة في توالي العلل وكأنه غير مستقر ، ففي هذه القصيدة على بحر المتقارب تكون التفعيلة الاصلية على النحو الاتي(فعولن، فعولن) وفي العلة تتحول (فعولن) الى (فعو) وتنتقل الى (فعلْ) بالحذف، وتتحول بالبتر الى (فع) (1) وهذه التحولات في حالة تواليها تنقل البنية الوزنية الى بنى وزنية اخرى، ففي حالة تكرار (فعلْ) مرتين تصبح التفعيلة (مفاعلن) وهو زحاف (مستفعلن)، اما اذا تكررت (فع) فتتحول الى الخبب (فعلن)، او مستفعلْ كما في القطع الذي يحدث في (الرجز) (2).
حاول الباحث تحليل الالية التي يتحول فيها الزحاف من ايقاع منتظم الى ايقاع داخلي في موسيقى القصيدة، ويستند هذا التحليل الى ان التفعيلة وحدة موسيقية تطابق النوتة في الفن الموسيقي واساس صوتي لوحدة النظام الايقاعي(3)، ففي قصيدة سعدي يوسف (التنفيذ)(4) يقول الشاعر:
تستقيم المشنقةْ
أبدا في آخر الحجرة
وتفعيلة هذين السطرين الشعريين على النحو الاتي:
فاعلاتن/فاعلن
فعلاتن/فاعلاتن/..الخ
وهذه لتفعيلة في النظام الموسيقي تتحول على النحو الاتي:
فا/تن
علا/تتن
تن/تن
فيصبح في ضوء هذا التقسيم الايقاع الموسيقي لتفعيلة (فاعلاتن) على النحو الاتي:
تن تتن تن / ومجموع الوحدات الايقاعية في هذه التفعيلة ثلاثة انصاف وربع الدرجة(5) وتكتب موسيقيا على النحو الاتي:
وهذه الانصاف والارباع الموسيقية هي التي تحدث الايقاع في الوزن فـ
= نصف درجة ايقاعية
= ربع درجة ايقاعية
وفي حالة الزحاف تتحول (فاعلاتن) الى (فعلاتن) وهي في النظام الموسيقي على النحو الاتي:
فعلاتن = تتتن ، وفي ضوء هذا التحول يكون ايقاع السطرين الشعريين السابقين = تن تتن تن، تن تتن / تستقيم المشنقة
تتتن ، تن تتن تن / ابدا في اخر الحج
ولاحظ الباحث ان الزحاف في تفعيلة (ابدا في) ، حوَّل الايقاع من (فاعلاتن الى فعلاتن) أي من (تن تتن تن) الى (تتتن تن) لتصبح النغمة المكونة من (3) انصاف وربع، الى ربعين ونصف وعلى النحو الاتي:
= فاعلاتن
= فعلاتن
ان هذا التحول في نغمة الايقاع يعد تحولا جوهريا في الموسيقى لان الاداء يتحول من طابعه الرتيب الى طابع يتم فيه انزياح الرتابة عبر التحوّل الى ايقاع مختلف، فلو كانت القصيدة مكونة من تفعيلات كاملة من دون زحاف يكون السطر الشعري على النحو الاتي:
فاعلاتن ، فاعلاتن ، فاعلاتن
تن تتن تن، تن تتن تن، تن تتن تن
اما اذا دخل الزحاف واحدة من التفعيلات فتكون على النحو الاتي
فاعلاتن ، فعلاتن ، فاعلاتن
تن تتن تن، تتتن تن ، تن تتن تن
وهنا قطع الزحاف ارتباط (تن في نهاية تفعيلة (فاعلاتن) مع (تن) في بداية التفعيلة التي تليها. ان قطع الارتباط هذا وتحول النغمة من ايقاع الى اخر هو الذي يُحدث الايقاع الداخلي في القصيدة في الزحافات والعلل، فالنظم المطرد، كما يذهب كوهن، لايعني الاستمرار بوتيرة واحدة في قانون الوزن، بل هناك انزياحات تحدث في المعنى والصوت معا في القصيدة(1)، ولكن ليس بشكل مطلق، فالانزياح التام يؤدي الى انحراف تام في الوظيفة والدلالة والصوت. وبذلك يفقد النص جنسه الادبي، ولأن الانحراف في دورية العروض الزمنية لاتدركه الاذن اذ كان لا يشكل وجودا مطلقا في النص(2)، ولكن يتم الاحساس به بوصفه عنصرا داخليا في القصيدة.
المبحث الثاني
التوازي
يعد التوازي عنصرا من عناصر الايقاع في القصيدة(1)، وهو فضلا عن قيمته الايقاعية في النص الشعري يحمل قيمة دلالية، ولهذا ذهب رومان جاكوبسن الى القول: ((ان موضوع التوازي لايستنفد.. وهو عنصر هام قد يحتل المنزلة الاولى بالنسبة للفن الادبي)) (2).
ودرس النقد العربي القديم بنية التوازي من خلال الدراسات البلاغية التي اهتمت بالمساواة والطباق والموازنة والتكرار والتناسب والمقابلة والمشاكلة(3)، ولكن ظهور المنهج الشكلاني في روسيا كثف هذه الدراسات البلاغية باتجاه دراسة اشمل لبنية التوازي، اذ عرفته هذه المدرسة بانه ((نسق التقريب والمقابلة بين محتويين او سردين يهدف الى البرهنة على تشابههما او اختلافهما، حيث يتم التشديد على تطابق او تعارض الطرفين بواسطة معاودات ايقاعية او تركيبية)) (4).
ودرست المناهج النقدية الغربية التوازي من اتجاهات مختلفة، فالدراسات الاسلوبية ترى في مفهوم التوازي ((انه تناظر بين جمل العبارة ، يقوم على استعادة (مخطط اسنادي واحد، اسمي او فعلي في جملتين متتاليتين، او اكثر) ويقصد الى تأكيد الدلالة، استنادا او بواسطة التجنيس والمطابقة)) (5).
اما الدراسات المعاصرة فلم تقصر التوازي على الجملة فقط، بل اتسعت في دراستها ليشمل التوازي عندها تركيب المفردة وعلاقتها مع المفردات الاخرى ليصبح التوازي في ضوء هذه الدراسات مشتملا على ستة عناصر، هي على النحو الاتي:
أـ المستوى الفونولوجي (الصوتي): ويدرس ظواهر التجنيس والايقاع والوزن وتكرار صوت معين.
ب ـ المستوى المورفولوجي (الصرفي): ويدس التشابه في البناء الصرفي للكلمات
ت ـ المستوى النحوي: ويدرس مواضع الكلمات ضمن انساق الجمل الاساسية والتحويلية وتحديد اشكال الانزياح او العدول في النسق اللغوي
ث ـ المستوى التركيبي: ويدرس العلاقات السياقية بين الجمل وتراتبها الاساسي والثانوي
ج ـ المستوى البلاغي: ويدرس المظاهر الجمالية والادائية وتراتبها الاساسي والثانوي
ح ـ المستوى الدلالي: ويدرس القيمة المعنوية والدلالية والسوسيولوجية(1).
وشكلت هذه العناصر بنية التوازي بتفصيلاتها المختلفة، لكن عددا من النقاد لاحظ وجود تداخل بين بعض البنى الفرعية، مشكّلة مستوى واحداً بدل المستويين فالمستوى الصوتي يرتكز على التكرار الفونيمي الذي يعمل على ازاحة الدلالة من خلال التغيير او التأكيد المرتبط بالتكرار، ولذلك سمي هذا التوازي (بالصوتي)، وهذا التوازي يرتبط بالايقاع والدلالة، اما المستوى الصرفي فانه يدرس العلاقات السياقية والمظاهر الجمالية والادائية وتراتبها الاساسي والثانوي، في حين يدرس المستوى النحوي، مواضع الكلمات ضمن انساق الجمل الاساسية والتحويلية ، والقيمة المعنوية والدلالية والسوسيولوجية(2)، وعلى هذا الاساس درست بنية التوازي على مستويات ثلاثة، هي على النحو الاتي:
1ـ التوازي الفونيمي:
يرتكز هذا التوازي على تكرار الحروف في النص الشعري، وهذا لايعني ان هذا النمط يماثل التناسب الفونيمي في الايقاع الداخلي، لان التوازي الصوتي يعتمد على تكرارات الفونيم في النص كله(3) ، في حين يعتمد التناسب الفونيمي في الايقاع الداخلي على ظهور واختفاء الفونيمات في السطر الشعري، ومع هذا الافتراق بين الاثنين، الا ان التوازي يمثل ايضا سمة ايقاعية في النص بوصفه معتمدا على تصويت الحروف، مثلما يمثل قيمة دلالية وجمالية.
ويعد الشاعر سعدي يوسف من اكثر الشعراء تميزا في بنية التوازي بأنواعه المختلفة في قصائده(1) اذ يظهر هذا الاستخدام بشكل واضح في معظم قصائده، وتكاد تكون القصيدة عند سعدي يوسف بنية تواز، ففي المجال الصوتي غالبا ما يعمد الشاعر الى تغليب صوت معين في القصيدة يكون حاضرا دائما في ايقاعها، ولاسيما ان قصائده تزخر بالتكرارات الفونيمية، كما في قصيدة (اصداف)(2) ، التي يقول فيها:
قالت لي سهام: اريد قواقع واصدافا
قالت مريم: سوارا من الاصداف
وقالت شيراز: قلاده
اما انا..
فكيف لي ان اجد اللؤلؤ
كيف أجمع الأصداف؟
في هذه القصيدة هناك تكرار لحرف القاف في الجزء الاول منها من خلال (قالت) التي يكررها الشاعر ثلاث مرات، واقرانها بمفردتي (القواقع وقلاده)، وفي القسم الثاني من هذه القصيدة تسيطر الهمزة حيث تتكرر في (اما، أنا ، أن ، أجد، اللؤلؤ، أجمع الاصداف) وهذا التكرار يشكل معظم مفردات الجزء الثاني من القصيدة، ويعد هذا التكرار جزءا من بنية الشعر لانه يرتبط بجدليات العلاقة مع البنى الاخرى، (الوزنية، الايقاعية) المنتجتين لموسيقى الشعر، ويرى يوري لوتمان في هذا الصدد ((ان التكرار الصوتي في الشعر يخضع لقوانين تختلف الى حد ما عن تلك التي يخضع لها الكلام غير الفني ، فاذا كان الكلام العادي ينظر اليه باعتباره كلاما غير منتظم، بمعنى انه لايؤخذ في الحسبان تميز بنائه بوضع لغوي خاص، فان اللغة الشعرية تتجلى كلغة قد رتبت على نحو خاص بما في ذلك المستوى الصوتي))(3). وتلعب بنية التوازي الصوتي دورا مهما في هذا المستوى من خلال علاقتها مع الايقاع الداخلي المعتمد على صوت الحرف في المفردة الشعرية. وهذه العلاقة ليست مقننة ايضا فلكل قصيدة ايقاعها الخاص، لان خصائص النص الايقاعية تنتمي لكل نص على حدة(1)، وعلى وفق هذه الرؤية فان القصائد الاخرى تمتاز بسيطرة صوت خاص بها، وهذه السيطرة تقوم باضعاف الاصوات الاخرى، وهذا النموذج في الضعف والقوة في صوت الحروف يمنح القصيدة ايقاعا ينسجم مع حالة التوتر والاسترخاء، فلكل حرف من الحروف جرسه الخاص، ونغمته الخاصة(2)، وفي هذه القصيدة تعد سيادة (القاف) في جزئها الاول تعبيرا عن الجانب الحواري فيها اذ تتكرر (قالت) ثلاث مرات، وهذا التكرار في مفردة (قالت) جعلها تؤكد الحاجة للاخر، فالقول صفة اما للحوار، او للتعبير عن الحاجة والمشاعر ، واختيار صوت القاف في مفردة (قالت) عائد الى سببين: الاول، الى بعد مخرجه، (فهو يخرج من اقصى اللسان وما فوقه من الحنك الاعلى)(3)، والى وجود مفردة (القواقع) التي يتكرر فيها (القاف) مرتين، (وقلادة) التي تبدأ بالقاف ايضا وبُعد مخرج القاف في النطق جعله صوتا انفجاريا شديدا، لايخرج في النطق الا بعد انحباس الهواء في (الحلق والفم)(4)، الامر الذي منحه قوة تعبيرية تناسب شدته، ولاحظ الباحث ان المفردات الثلاثة (قالت، قلادة، قواقع) تبدأ بصوت (القاف)، ولكن هذا الصوت يرتبط تارة (بالالف) وهو من الاصوات الرخوة(5)، وتارة (باللام) وهو صوت واضح في السمع، وعند نطقه لايسمع صوت الانفجار، ولهذا شبه باصوات اللين، وتارة اخرى (بالواو)، وهو من الاصوات متوسطة الشدة والرخاوة(6)، وهذا الارتباط المتعدد للحرف نفسه منح المفردة نغمة متغيرة وأدى الى تصويت متعدد النغمات، وبحسب ما يذهب اليه لوتمان فان الشعر يتشكل من تعاقب وحدات صوتية، تتجلى كما لو كانت موزعة بشكل مستقل بعضها عن بعض، وفي الوقت ذاته من تعاقب الكلمات التي تتجلى باعتبارها وحدات متماسكة تتكون بدورها من التأليف بين الوحدات الصوتية، ومع ذلك فان هاتين الصورتين من صور التعاقب لاتوجدان الا في وحدة، أي من حيث هما وجهان لذات الواقع (البيت الشعري)، ثم من حيث هما ثنائية بنائية متلاحمة(1).
اما الجزء الثاني من القصيدة فان تكرار الفونيمات ينسجم فيه مع التكرار في الجزء الاول، ففي الجزء الاول هناك صوت القاف في قالت الذي يجري تأكيده في مفردة (قواقع) التي تكرر القاف (مرتين)،
قالت ــــ قواقع
وفي الجزء الثاني هناك تكرار للهمزة في (أما ، أنا ، أجد.. الخ) ويتعزز هذا التكرار في مفردة اللؤلؤ التي تكرر الهمزة مرتين.
اجد أنا ـــ اللؤلؤ
ان هذه العلاقة بين الحروف وطريقة تكرارها بالطريقة نفسها تمثل بنية تواز منتظم في النص ذاته، وهذا التوازي الصوتي ربما لا ينطبق على أي نص اخر، في خصائصه كما سبق ذكره، وهذه الخصائص الذاتية التي ينتمي اليها كل نص على حدة هي التي تجعل بنية التوازي بنية صوتية حركية متغيرة. ودرس الدكتور محمد مفتاح علاقة الصوت بالمعنى، فذهب الى ان الاصوات بذاتها توحي بمدلولات لايفصح عنها الخطاب مباشرة، فتتابع الهمزة مثلا يدل على التألم والرثاء(2)، وهذا التألم يظهر في المقطع الشعري من خلال سؤال الشاعر لنفسه :
أما أنا
فكيف لي ان أجد اللؤلؤ
كيف أجمع الاصداف؟
وفي قصائد اخرى هناك غلبة لصوت معين، يطبع القصيدة بطابعه من بدايتها الى نهايتها، كما في قصيدة (لاتقلب سترتك الاولى حتى لو بليت) (3) التي يقول الشاعر فيها:
في الدكان
البسة مستعملة
وفتاة تدخل في الدكان
ناحلة كانت
عيناها تتسعان
كما تتسع التنورة في الريح
وتتسعان
كي تريا سترة عاشقها المقلوبة
سترته الحمراء ـ السوداء
وازرار الصدر المثقوبة
في هذه القصيدة يغلب تصويت حرف (التاء)، على سطورها باستثناء السطر الاول، وتولدت هذه الغلبة من تردد الحرف بشكل مستمر، الامر الذي اعطى القصيدة تصويتا خاصا في الانشاد، وهذا التصويت الخاص جعل ايقاع القصيدة يستند إلى عدد تكرارات حرف (التاء)، فهو يرد في السطر الثاني مرتين، وفي السطر الثالث ثلاث مرات، وفي الرابع مرتين، وفي الخامس اربع مرات، وغالبا ما يرتبط حرف التاء في القصيدة بحرف (السين) من خلال المفردات، (مستعملة)، (تتسعان)، (تتسع)، (سترة)، (سترته)، وهذا الارتباط الصوتي الذي يتأخر فيه التاء مع السين تارة، ويتقدم فيه تارة اخرى خلق ايقاعا داخليا خاصا في هذه القصيدة، وتنبع خصوصيته من خاصية تصويت حرف (التاء) وارتباطه (بالسين)، ((ومثل هذا الحضور اللافت لحروف محددة لا يأتي عفو الخاطر غالبا، لكنه تراكم مقصود اراده الشاعر هادفا ان يحقق لنصه اكبر قدر من الايقاع))(1). فالتكرار كما يذهب لوتمان يخلق لذة خاصة(2).
ويرى الباحث ان قضية القصد في ايراد حروف معينة في القصيدة من قبل الشاعر ربما تكون مسألة مبالغ فيها، اذ ليس من المعقول ان يرتب الشاعر حتى حروف القصيدة ويعمد الى جعلها غالبة في النص، والمرجح ان يكون تكرار حرف معين في النص مسألة تخص اللحظة الشعورية التي تتملك الشاعر عند كتابته القصيدة، فالقصيدة، كما يذهب الدكتور عز الدين اسماعيل، تنسيقا موسيقيا بالغ الحساسية، بالغ الصعوبة، فكل حركة فيها بميزان دقيق، وكل حركة لها ايقاعها بارتباطها مع سائر الحركات تولد نغما، لايحكمه سوى الحالة الشعورية التي يخضع لها الشاعر(1).
وهذه اللحظة الشعورية هي التي تدفع الشاعر لنسج قصيدته على وفق ايقاع خاص ينتظم القصيدة فيردد هذا الحرف او ذاك، ضمن الايقاع الذي يجسد حالة الشاعر لحظة كتابة القصيدة.
ان التوازي الصوتي لايشمل تكرارات الفونيمات في المفردة او السطر الشعري بل يشمل ايضا اثر اصوات الحروف الموجودة في القصيدة ودورها بتغيير الدلالة.
ويستخدم سعدي يوسف هذا الاسلوب من خلال تغير صوتي واحد في بنية المفردة للصعود بحركية القصيدة باتجاه التناقض او التعارض في عملية الصراع داخلها، ويظهر هذا الصراع في التحول الفونيمي الذي اجراه الشاعر في قصيدة (ثلاث قصائد عن الاشجار) (2) اذ يقول فيها:
كن مرة من كنت
للاوراق ملتمسا
وللقطرات ملتمسا
وفي الطرقات ملتبسا
في هذا المقطع يكرر الشاعر مفردة (ملتمسا) لكنه في المرة الثالثة يستخدم الحروف نفسها باستثناء تغيير حرف واحد هو (الميم)، الذي يتكرر في المرتين السابقتين، لكنه في المرة الثالثة يتغيرالى (الباء)، الامر الذي احدث تغييرا في الدلالة، وفي هذا التغير ينتقل الشاعر من حالة الالتماس (اي تقرير الاخر لما تريده الانا)، الى حالة الالتباس التي تعني الشك في الموقف من الاخر وعدم المقدرة على اتخاذ القرار، وفي هذا التحول الصوتي، اضحى الصراع داخل القصيدة اكثر وضوحا.
وتتعزز هذه الجدلية في العلاقة داخل النص من خلال تصويت مفردتي (قطرات وطرقات)، فالتكوين الفونيمي واحد بين المفردتين لكن اختلاف التشكيل هو الذي ادى الى اختلاف الدلالة ليصبح منسجما مع الالتماس عند ايراد مفردة (قطرات)، ومنسجما مع الالتباس عند ايراد مفردة (الطرقات) فالقطرات محدودة ضيقة الدلالة لذلك كان الالتماس منسجما معها من حيث تعبيرها عن محدودية العلاقة بين (الانا والاخر)، في حين تفتح مفردة (الطرقات)، افاقا اوسع من (القطرات)، لذلك يصبح الالتباس المبني على الشك اكثر انسجاما معها، لان قضية الالتباس واسعة تحتمل وجود الضدين في آن واحد والطرقات هي الاخرى تحتمل وجود الضدين ايضا، لتصبح العلاقة بين سطور المقطع الشعري على النحو الاتي:
للقطرات ملتمسا // في الطرقات ملتبسا
هذه العلاقة المتوازية تسمى من وجهة النظر الفلسفية بعلاقة (التضايف)، وتحتوي على علاقة العكس بوجود متضايفين لايمكن ان يتصور احدهما، كما لا يوجد من دون الاخر(1)، فالالتباس متعلق بالالتماس في الصوت الدلالة، والقطرات متعلقة بالطرقات بالصوت والدلالة ايضا، وهذا التركيب الثنائي التضاد منح المقطع الشعري دلالة اوسع واكثر عمقا من خلال تصور حالة الشاعر الذاتية في لحظة الصراع من اجل اختيار الموقف الذي يتجه به نحو الاستقرار، ان العلاقة الصوتية والدلالية بين (الالتماس والالتباس)، (الطرقات) (القطرات)، هي التي انتجت بنية التوازي الصوتي في هذا المقطع وفرقته عن بنية الايقاع الداخلي التي تعنى بكل علاقة من العلاقتين على نحو منفرد.
وفي قصيدة (خطوات)(2) يتضح الصراع بصورة اكثر بروزا في علاقة التوازي الصوتي، اذ يقول الشاعر في هذه القصيدة:
اكتفي من مرايا الحدائق بالمرأة الناحلة
والغليل الذي كان عندي
والقليل الذي صار عندي
وبين مفردة (الغليل) ومفردة (القليل) هناك تجانس فونيمي واضح بين حروف المفردتين، لكن تغيير (الغين) الى (قاف) هو الذي احدث التعارض داخل القصيدة.
وأكد الشاعر هذا التعارض من خلال استخدام الافعال الماضية الناقصة، فالغليل/ كان ، اي انه لم يستمر مع الشاعر لان هذا الغليل الموصوف (بالكثرة)، تحول الى (قليل) وهو المآل الذي (صار)، انتهى اليه.
اما في قصيدة (تنويعات استوائية)(1)، فان الصراع يدخل مرحلة التناقض في اجواء القصيدة عندما يتحول الفعل من التقدم الى التراجع، وبموازة دلالة الصراع هناك علاقة صوتية بين السطور الشعرية تتراوح بين التماثل والتشابه، محدثة توازيا صوتيا يتناسب مع التناقض الدلالي، اذ يقول الشاعر في هذه القصيدة:
كان العدو الذي يرتدي كل اسماء من قاتلوا تحت راياتك
المعلنة
كل اسماء من قاتلوا ضد راياتك المعلنة
كل اسماء من قاتلوا
كل اسماء من خاتلوا
وبين الفعل، (قاتلوا) والفعل (خاتلوا) هناك تناقض، اوضحه الشاعر في السطرين السابقين:
(كل اسماء من قاتلوا تحت راياتك)
(كل اسماء من قاتلوا ضد راياتك)
ان التناقض الاصطراعي واضح في هذين السطرين، لكن الشاعر لم يكتف بهذا التعبير عن التناقض في الموقف، الامر الذي جعله يلجأ الى استيعابه بعبارة اكثر تقريرا وتحديدا للحالة التي يريد ايصالها ، فكان ابدال صوت (القاف)، (خاء)، اكثر دلالة واوسع من الحالة السابقة، وذلك من خلال الفعلين (قاتلوا، خاتلوا)، ان هذا التوازي الصوتي المنسجم عمق دلالة الصراع في حركيته المتجهة الى التناقض المبني على نفي الاخر.
واستخدم الشاعر صوت الحركة في العلاقة بين المفردات المتماثلة صوتيا لاحداث انزياح في الدلالة داخل القصيدة كما في المقطع الاتي من قصيدة (الحالم)(2) اذ يقول :
لكن علي بن محمد
بكتائبه الزنجية
ينهض بين العَرق وبين العِرْق
قرنفلة مشتعلة
وابدل الشاعر الفتحة في مفردة (العِرْق)، بالكسرة لتتحول الدلالة من (العَرَق) الدال على الكد والتعب الى (العِرْق)، أي الجذور، وأحدث تحول صوت الفتحة في (العَرَق) تحولا دلاليا في القصيدة (فالعَرق) ظاهر واضح في حين مفردة (العِرْق) تدل على ما هو غير واضح او غير ظاهر وهي دلالة متعاكسة.
وكان لهذا التحول الدلالي تأثيره في البنية الكلية للقصيدة (فالنهوض بدأ عند علي بن محمد من الجذور الاولى للزنج نحو حالة اثبات الوجود بالتعب والكفاح، في ثورتهم في العصر العباسي). ان بنية التوازي في (العَرَق) والعِرْق)، اعتمدت مبدأ المشابهة الصوتية الكلية، ولكن الحركة في اللغة غالبا ما تنتج دلالة مغايرة لدلالة صورة المفردة في حالة ابدالها، لانها تمثل صيغة(1) معينة في اللغة تختلف باختلاف موقعها.
وفي قصيدة اخرى يلعب صوت الحركة دورا اكثر وضوحا في عكس الدلالة كما في قصيدة (صباح الخير ايها الفاكهاني)(2) اذ يقول فيها الشاعر:
يا صباح الخير للاطفال في زيّ المدارس
للصبايا يَشتهِينَ
ويُشتهَينَ
في هذا المقطع الشعري عبر الشاعر عن صورتين متناقضتين لكنهما متكاملتان فالصبايا يشتهين الاخر، وفي الوقت نفسه فان الاخر يشتهيهن، لتصبح حالة الاشتهاء بين الجنسين متكاملة، لكن الحالة متناقضة لانهن، اي الصبايا، يشتهين الرجال، وهذا الاشتهاء يقابله اشتهاء آخر يحاول كل طرف فيه اثبات وجوده من خلال الاخر، وهو تحول احدثته الدلالة في الحالة العامة للحياة الانسانية، تحول من تحقيق الانا في الاخر، الى تحقيق الاخر في الانا، وقد احدث تغيير الحركة في مفردة (يشتهين) كل هذه الجدلية في اجواء القصيدة أي علاقة الاخر بالانا.
ويلجأ الشاعر احيانا الى ادخال حرف معين لتحويل الدلالة من حالة الى اخرى كما في قصيدة (سيدة النهر)(1) اذ يقول:
توهمت انك زاويتي، والمدار الذي يقف النجم فيه
توهمت نخل السماوة، نخل السماوات
حتى حسبتك عاشقة
وفي هذه القصيدة هناك فاصل مكاني بين (السماوة) المدينة الارضية (والسماوات)، اذ ميز الشاعر بينهما بحرف (الالف) ، وملأه بالنخل، الذي يصل بين الارض والسماء كما توحي القصيدة بذلك ، فما بين (السماوة والسماوات)، فضاء وهذا الفضاء موصول بالنخلة، الامر الذي فتح دلالة النخلة على صورة اسطورية من حيث المقدرة على الصعود الى الاعلى والتجذر في الارض، فضلا عن التناسب الصوتي الذي احدثته مفردة (نخل) في علاقتها مع مفردتي (السماوة والسماوات)، وذلك من خلال تماثل الصوت السابق للمفردتين.
2 ـ التوازي النحوي:
يعني تلك البنى المتكئة على التركيب النحوي(2) وهذا التوازي لا يعتمد بشكل رئيس على الفونيم وتأثيره في بنية المفردة، بل يعتمد على العلاقات النحوية التي ترتكز عليها مكونات اللغة وانظمتها، ولكن من دون اغفال العلاقات الصوتية والايقاعية في هذه البنية.
استخدم الشاعر سعدي يوسف هذه البنى لتعزيز القيمة الدلالية والايقاعية في القصيدة، كما في مقطع من قصيدة (فلتبحث بين تراب الوطن الغالب عن خاتمك المغلوب)(3)، اذ يقول الشاعر فيها:
لاغالب في اخرة الليل ولا مغلوب
الكل يغالب عثرته
والكل يعاتب سكرته
والكل يسير الى مسلخه، احمق كاليعسوب
في هذا المقطع هناك تكرار لصيغة (الكل)، في ثلاث من الاسطر الشعرية، وهناك بعد صيغة الكل (صيغة فعلية) وهي، (يعاتب ، يغالب، يسير)، ثم تعقبها صيغة مصدرية كما في (عثرته، سكرته)، وصيغة حرفية كما في (يسيرالى)، وهذا النمط من التوازي انتج انسجاما ايقاعيا من خلال ترادفات الفعل المضارع الصوتية، (يعاتب، يغالب)، عززه الانسجام الايقاعي بين الصيغة المصدرية، (سكرته ، عثرته)، اذ يشترك الفعلين المضارعين، (يغالب، يعاتب) بثلاثة حروف ويفترقان بحرفين، ويشترك المصدرين (سكرته وعثرته)، بثلاثة حروف ويفترقان بحرفين، وهذا النمط من التوازي يسمى التوازي الترادفي(1)، اذ تعزز فيه الصيغة الاولى الصيغة الثانية ايقاعيا ودلاليا لذلك يعد هذا النمط من التشاكل النحوي نمطا مساعدا في تنمية النواة المعنوية للنص، وذلك عبر تكرار صيغة نحوية معينة في العناصر الصوتية والتركيبية والنحوية من اجل تعزيز انسجام النص(2)، وفي هذا المقطع تتضح العلاقات الاتية:
ـ اشتراك صيغة (الكل) في السطور الثلاثة الاخيرة
ـ تكرار الفونيمات المتشابهة في صيغتي الفعلين (يعاتب ، يغالب)
ـ اشتراك الصيغتين المصدريتين (عثرته ، سكرته) في الحروف الثلاثة الاخيرة.
ان هذه الاشتراكات تمنح صيغة، (الكل يغالب عثرته، الكل يعاتب سكرته) تناغما ايقاعيا في القصيدة لكن هذا التناغم غير متماثل الامر الذي نتج عنه موسيقى خاصة بالحروف التي لاتشترك في هاتين الصيغتين، وهذه الخصوصية تمنح القصيدة ايقاعات متنوعة تؤثر في عملية التلقي، وتمنحها تنوعا ايقاعيا. لكن هذا الانسجام الايقاعي والدلالي سرعان ما يتحول في السطر الرابع الى علاقة اخرى، تنهي التراكم في السطرين (الثاني والثاث)، ولكن هذا التحول الدلالي يستند الى الصيغة ذاتها التي ابتدأ بها السطران المذكوران.
الكل... يسير الى مسلخه احمق كاليعسوب، لينتج من هذه الصيغة انسجاما ايقاعيا ودلاليا مع السطر الاول..
لاغالب في آخرة الليل ولا مغلوب
الكل يسير الى مسلخه احمق كاليعسوب
وهنا يعزز السطر الاخير من هذا المقطع الشعري السطر الاول في الدلالة ، لان كلا السطرين عبرا عن نتائج تجربة مر بها الشاعر، فالسطر الاول هونتاج تجربة من الناحية الدلالية، والسطر الاخير نتاج تجربة من حيث الدلالة ايضا، وحدث هذا التأكيد الدلالي، على الرغم من اختلاف الصيغ النحوية، بين السطرين، وهذا التوازي الترادفي حدث من اختلاف الصيغ النحوية وليس اتفاقها كما حدث في السطرين الثاني والثالث، ففي السطر الاول هناك علاقة بين مفردتي (لاغالب، ولامغلوب) اما في السطر الرابع فان العلاقة فيه تنتج من الانسجام مع السطرين الثاني والثالث (الكل يسير)، (الكل يغالب)، (الكل يعاتب)، ولكن من حيث الدلالة فان السطر الاول عبر عن خلاصة تجربة الشاعر مثلما عبر عنها السطر الرابع، ولهذا يعرف التوازي النحوي على انه الاليات التي يستعين بها الشاعر لتحقيق وظيفة دلالية، ومن ابرزها ذلك النمط من التوازي الذي يقوم فيه سطر شعري بعرض فكرة ما يعززها سطر آخر او يخالفها من اجل احداث تأثير مباشر في المتلقي(1)، وهذا النمط من التوازي درسه جاكوبسن وعالج فيه قضية الانسجام الايقاعي والدلالي التي تخدم رسالة القصيدة فذهب الى ((ان انساق التوازيات في الفن اللفظي تخبرنا بشكل مباشر عن الفكرة التي تتكون لدى المتكلم عن التماثلات النحوية))(2)، وتتضح هذه التماثلات النحوية في قصيدة سعدي يوسف في علاقات الترادف والتضاد الدلالي، الذي تنتجه التوازيات النحوية.
ففي قصيدة (محاولة استيطان)(3)، تلعب التوازيات النحوية دورا مهما في انتاج الدلالة وتعزيزها او تضادها ، اذ يقول الشاعر:
فتاة النعاس
اتت.. يقرع الشارع الحجري جناحا الحمامة
دارت قليلا، وحطت
فتاة النعاس
تحاور كرسيها، تحت اشجار مقهى
فتاة النعاس
تغادر كرسيها، تحت اشجار مقهى.
في هذا المقطع هناك تكرار للتركيب الاسمي (فتاة النعاس)، ثلاث مرات ومع كل واحد من هذه التراكيب المتماثلة، هناك بداية لسطر شعري جديد، يتناسب فيه فعلان في زمنهما ، ففي السطر الثاني
(فتاة النعاس ، اتت ..) وزمن الفعل هنا الماضي
وفي السطر الثالث هناك ، تكرار لزمن الفعل في، (دارت).
لتصبح العلاقة بين الصيغة الاسمية والفعلية (فتاة النعاس، أتت ، دارت ، حطت)
وهذا الترادف في زمن الفعل، حقق تعزيزا للدلالة المستندة إلى الانتهاء من حركة حدثت في الزمن الماضي، وهيأ لحركة جديدة ستحدث الان، اما من الناحية الايقاعية، فان صوت، (التاء) (في، دارت، واتت، حطت) حقق انسجاما صوتيا بين الافعال، اذ تتكرر (التاء) مرتين في (اتت، وينتهي بها الفعل ـ دارت مثلما ينتهي به الفعل، حطت)، وهذا الانسجام في حرف التاء في الصيغة الفعلية، انسجم مع الحرف نفسه في الصيغة الاسمية (فتاة النعاس) اذ تتكرر التاء في مفردة (فتاة) مرتين ولكن بتشكيل غير متتابع بل متناوب، ولكن الصيغة الفعلية التي يبتدىء فيها السطر الخامس تتغير الى الزمن الحاضر، من خلال الفعل المضارع (تحاور)، بعدها تتكرر صيغة (فتاة النعاس) مرة ثالثة تتبعها صيغة فعلية مضارعة (تغادر)، ويرتبط الفعلان (تحاور، تغادر)، بصيغة ظرفية متماثلة.. لتصبح العلاقة على النحو الاتي:
فتاة النعاس / تحاور / تحت اشجار المقهى
فتاة النعاس/ تغادر / تحت اشجار المقهى
صيغة اسمية / صيغة فعلية/ صيغة ظرفية
ان هذا التكرار لصيغ الخطاب يحمل في داخله ثنائية تنبني على الترادف والتضاد، فالسطر الشعري الاول ثبت وجود (فتاة النعاس)، والسطر الثاني عززه، ولكن هذا التعزيز ازاحه الفعل، (تغادر)، الذي عزز ونفى الوجود في صيغة الحاضر، لان لحظة المغادرة (نفت وجود الفتاة في المكان نفسه)، وهذه الحركية هي التي جعلت القصيدة تنطوي على الصراع الوجودي (لفتاة النعاس)، وفي الجانب الايقاعي ، حتمت الصيغة المؤنثة وجود التاء في بداية الفعل المضارع (تحاور تغادر)، مثلما حتمت وجودها في نهاية الفعل الماضي اما الصيغة الاسمية فكررت (التاء) في مفردة (فتاة)، كما تكررت التاء في الصيغة الظرفية، (تحت)، الامر الذي جعل الانسجام واضحا بين الصيغ الاسمية والفعلية والظرفية في الصوت من خلال تردد الحرف، كما عزز تكرار (فتاة النعاس)ــــ تحت اشجار المقهى، الانسجام الايقاعي المتماثل، الذي كسره الفعلان (تحاور وتغادر)، من خلال تناوب التشابه في تصويت الحروف، فالفعلان يتماثلان في صوت التاء، ويفترقان في الحرف الذي يليه، ثم يتماثلان في الحرف الثالث (الالف)، ويفترقان في الصوت الرابع، ليعودا للتماثل في الصوت الخامس. اما من الناحية الدلالية فالفعل (تحاور) اثبات للوجود مع الاخر، اما الفعل (تغادر) فانه نفي هذا الوجود. وفي هذا المقطع هناك انسجام بين ثلاثة انواع من صيغ الكلام وهي على النحو الاتي:
أـ الانسجام في الصيغة الاسمية / فتاة النعاس/ مكررة.
ب ـ الانسجام في الصيغة الفعلية / تحاور ، تغادر ، اتت، حطت، دارت.
ت ـ الانسجام في الصيغة الظرفية/ تحت اشجار مقهى /مكررة.
وهذا النمط من الانسجام ناتج عن بنية التوازي النحوي الذي يؤدي وظيفتين في آن واحد، الاولى تتعلق بالايقاع المنتظم من خلال التكرار ، والايقاع المنوع من خلال الافتراق الجزئي وليس الافتراق الكامل، اما الثانية فهي تعميق الدلالة التي يريد الشاعر من خلالها ايصال رسالة (ما)، فهذه التراكيب ، ذات طبيعة جمالية تأثيرية الى جانب طبيعتها المعنوية والعلاقية(1) كما يذهب الى ذلك الدكتور محمد مفتاح.
ولا ينحصر التوازي النحوي في قصيدة سعدي يوسف على نمط واحد او نمطين، اذ تحفل قصائده بأنماط اخرى، ففي قصيدة (الوردة المستحيلة)(2) يقول الشاعر:
مدن في دمشق
انتسبت الى بعضها
وتناسبت في بعضها
وتناسيت بعضا
في هذا المقطع هناك علاقة صوتية منسجمة في الافعال المضارعة في بداية كل سطر شعري.. فالعلاقة بين الفعل (انتسبت)، والفعل (تناسبت)، من حيث الصوت علاقة قريبة جدا، وذلك من خلال الفونيمات المكونة لصوت الفعلين، وان التباين او الافتراق بينهما يحدث في ترتيب اصوات الحروف فيهما ، اذ يتكون الفعل (انتسبت)، من الحروف نفسها المكونة للفعل (تناسبت)، ولاحظ الباحث هنا ان الفعلين يشتركان في الحروف الثلاثة الاولى مع اختلاف في الترتيب، اما في الحروف الثلاثة الثانية فتتماثل فيهما، وهذه الوحدة الصوتية التي تتفق تارة وتتغير تارة توحي بايقاع منسجم في نهاية صوت الفعل في الحروف الثلاثة الاخيرة، وباتفاق نغمي في الحروف الثلاثة الاولى خاصة ان صوت الحروف هو نفسه ولكنه يتغيرفي الموقع فقط..
وفي السطر الاخير هناك انسجام صوتي بين الفعل (تناسبت) والفعل (تناسيت)، اذ لايفترقان الا في صوت حرف الياء في (تناسيت)، وشكل الانسجام في الحروف الاخرى ظهورا ايقاعيا بين الفعلين شبه موحد، ولكن هذا الايقاع يعبر من حيث الدلالة عن افتراق كبير بين الفعلين فـ(تناسبت) لايتفق من حيث الدلالة مع الفعل (تناسيت)، فالاول يعني الاقتراب والانصهار بالاخر، والثاني يعني الابتعاد والافتراق عن الاخر، ان هذا الانزياح الذي يسببه صوت حرف واحد في الدلالة بين الفعلين يظهر تأثيره الكبير في جمالية التلقي ، فهذا النوع من التوازي يقترب من نمط الاليات التي يستعين بها الشاعر لتحقيق وظيفة دلالية من خلال علاقة ايقاعية، ابرزها ذلك النمط الذي يقوم فيه السطر الاول، مثلا، بعرض فكرة ما، ثم يكرر السطر الثاني تلك الفكرة ، او يخالفها من اجل احداث تأثير في المتلقي واقناعه بوجهة نظر الشاعر(1).
3 ـ التوازي الصرفي:
وهو التوازي المعتمد على انتظام الترادفات المعجمية في النص الشعري(2).
وتزخر قصيدة سعدي يوسف بأكثر من نمط لهذا التوازي، منها ما يعتمد على اشتقاق الصيغ من مفردة ما، كما يتضح ذلك في قصيدة، (العام الثالث عشر)(3)، المقطع الثالث التي يقول فيه الشاعر:
بعد ان متنا، عرفنا الارض
سمينا الذي لم يكن الهجس يسميه
دعونا الشجر الطالع (بيسان)
وصدر الام (بيسان)
وعنقود الخريف الشهد (بيسان)
وسمينا ضريح الطفل (بيسان)
وقلنا للرصاصات التي تصدأ في اليافنا
تبدأ بيسان
انتهى البدء
ومن كل الخلايا نهضت بيسان
من كل الدهاليز التي تكتظ بواباتها
بالزخرف الموروث
من كل المرايا
هكذا نقرأ بيسان على الصخر الذي علَّمنا
كيف نغدو الماء، او نعدو سرايا
وهي (بيسان) قرأناها طويلا
في القرى تمحى
وفي الفانوس يهتز ضئيلا
وقرأناها بعين المنشد الاعمى
قرأناها سقوفا من صفيح
وقرأناها صفوفا
وترتكز هذه القصيدة من حيث الايقاع والدلالة على مفردة، (بيسان) ، التي يتكرر ذكرها في مواضع مختلفة، سواء أكان ذلك في نهايات السطور الشعرية، أم في بداياتها، أم في منتصفها، وهذا التكرار في ايراد مفردة بيسان قرن بتوازيات صرفية لافعال واسماء وردت في القصيدة فهناك الفعل الماضي (سمى)، والمتحول الى المضارع (يسميه)، في السطر الشعري نفسه، وتكرار الصيغة (سمينا) ، في السطر السادس، لتصبح العلاقة التي احدثها الفعل (سمى) على النحو الاتي:
سمينا الذي لم يكن الهجس يسميه/ سمينا ضريح الطفل بيسان
وفي المرة الاولى لم يعلن الشاعر الاسم الذي تمت تسميته من جديد، فهناك هواجس وظنون بشأن هذا المسمى، بوصفه ذاتا ستوجد في عالم مضطرب، ولكن بعد ان اعتاد الشاعر على تسمية الاشياء المحيطة به باسم (بيسان)، من اجل ان يدفعها نحو الاستقرار الذي يريده، تجرأ واطلق تسمية (بيسان) على ضريح الطفل، وعلى هذا الاساس فان على الرصاصات التي كانت تقتل كل شيء ان تهدأ وان لا تبدأ الا من بيسان، (الطفل)، لتعيد دورتها او لتهدأ الى الابد مثل ضريح الطفل (بيسان) فان عادت فان الضريح لابد ان يتحول الى حياة جديدة ، وان يبعث الطفل من جديد، وبعد ذلك ينتقل الشاعر الى صيغة اشتقاقية اخرى في سطرين متتاليين من المقطع الشعري حيث يقول:
تبدأ بيسان
انتهى البدء
في هذين السطرين هناك علاقة اصطراعية تتصاعد حدتها في حالة عودة، (بيسان)، الى البداية الجديدة فالفعل (تبدأ) اشارة الى القرية او المدينة التي ينتمي اليها الطفل او الضريح، واختار الشاعر عودة، (بيسان)، من جديد الى (القرية) لانها ما ان تبدأ حتى يستمر العطاء فيها بدلالة السطر الذي يلي البدء، (ومن كل الخلايا نهضت بيسان).
هنا يعمد الشاعر الى اقامة صراع داخلي بين البداية والنهاية (فبيسان) تبدأ /بدأ، وهذا البدء سرعان ما ينتهي، لا بوصفه نهوضا بل بوصفه حركة اختصرها التفجر الداخلي في (بيسان) لتعاود الاستمرار بسرعة من جديد، فالنهاية ليست توقفا عند الشاعر (انتهى البدء) تمثل استمرارا قويا، ومع هذه القيمة الدلالية التي اراد الشاعر تأكيدها من خلال (تبدأ والبدء) هناك تناسب ايقاعي بين بداية السطر الشعري لـ(تبدأ بيسان) ونهاية السطر الذي يليه، فتركيب كلمة (تبدأ) لا يختلف عن تركيب (البدء) الا بحرف (التاء) ، الذي عوضه الشاعر ايقاعيا بمفرد (انتهى) ليصبح التركيب اللغوي (انتهى البدء) تعويضا عن قوله (تبدأ وتستمر). وهذا التعويض حافظ على انسجام الايقاع بين السطرين لانه لم يكرر (صيغة واحدة بعينها)، بل نوَّعها بصيغة مشتقة من صيغة الفعل (تبدأ)، ليبدو الصوت في مفردة البدء مناسبا لمعناه من حيث اختصار المدة لتلفظ المفردة، الامر الذي جعل (البدء) يوازي المدة القصيرة للاستمرار بعد نهاية (البدء). فالصوت كما يذهب جاكوبسن يجب ان يكون صدى للمعنى(1).
وفي القصيدة نفسها، في مقطعها السادس، هناك تنوع في الاشتقاق، اذ يقول الشاعر:
وبيسان الفتى الغائب، في غيبته..
أيان يأتي
اي وعد في السماوات التي تنهد بالرعد
وأنى موضع الغيبة
(بيسان) الفتى غاب
تتكرر (الغيبة) في هذا المقطع مرتين في نهايات السطرين الشعريين، الاول والرابع والغيبة الاولى مرتبطة بالفاعل (بيسان غائب)، اما الغيبة الثانية فمرتبطة بالفعل (غاب) وهي دلالة على الزمن الماضي.
ان تكرار المصدر (غيبة)، اكد دلاليا غياب بيسان ، لانه في السطر الشعري الاول (بيسان غائب في غيبته) ، ويحتمل هذا الغياب الانتهاء وعودة (بيسان) كما عبر الشاعر (ايان يأتي)، ولكن هذا الاحتمال يضعف في السطرين الرابع والخامس، ويتأكد استمرار الغيبة من خلال ربط الغيبة بفعل ماض (غاب)..
وأحدث تكرار الغيبة في هذا المقطع انسجاما ايقاعيا مع مفردتي (الغائب) الفاعل والفعل (غاب)، وذلك من خلال التشابه الصوتي في المفردتين اللتين تنتميان للحقل الدلالي نفسه.
وفي قصيدة (اليقظة)(2)، هناك نمط اخر من التوازي الصرفي، يعتمد على الحقول الدلالية التي تنتمي اليها مفردات القصيدة، اذ يقول الشاعر فيها:
لن تعودَ الحمامة
لن يخطىء الديك موعدهُ
والمؤذن ـ حتى وان قمت ليللك ـ لن يذكركْ
فلتنم يا صديقي
ولتدع للتي قاسمتك سريرك
ما نسيت في السريرة
مرآتها
مشطها
والسوار الذي فضضتهُ نصارى الكرك..
في هذا المقطع هناك مفردات تنتمي الى حقول دلالية خاصة، وذلك من خلال الصفات المشتركة التي تجمع المفردات، وهي على النحو الاتي: (الحمامة، الديك)، (مرآتها ، مشطها ، السوار)، وفي الحقل الاول جمعت صفة الطير بين (الحمامة، والديك)، في حين جمعت الادوات الشخصية للمرأة الحقل الدلالي الثاني، وهناك حقل ايقاعي اخر تمحور في تجانس الصوت وهو (سريرك، السريرة)، واشتغلت هذه الحقول الثلاثة في القصيدة من خلال ما يأتي:
أـ في السطرين الشعريين الاول والثاني، استخدم الشاعر ادوات النصب مع الافعال المضارعة
لن تعود الحمامة/
لن يخطىء الديك:
واستخدمت (لن) في هذين السطرين مع الطيور، اما (اللام) فاستخدمت مع الاخر (الرجل، والمرأة)
فلتنم يا صديقي
ولتدع للتي قاسمتك السرير
ب ـ استخدام التجانس بين (السرير، والسريرة)، اظهر علاقة ايقاعية ودلالية منفختة على العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة، وهذا النوع من الاستخدام ساعد على تقوية ايقاع الفكرة، ودعم الدلالة التي يعبر عنها النص(1)، فهناك ثنائية في تركيب العلاقة بين الرجل والمرأة ـ (الرجُلْ في هذا المقطع يبدو متمردا على واجباته الدينية) بقول الشاعر:
(المؤذن ـ حتى وان قمت ليلك ـ لن يذكرك)، اما المرأة فانها لن تقوم ليلها اصلا، بعد ان قاسمت الرجل السرير، لذلك كان على الرجل ان ينسى المؤذن ويتذكر اشياءها التي (فضضتها نصارى الكرك)..
ان هذه الثنائية في العلاقة اعتمدت على تكرار (لن) المرتبطة (بالحمامة) الانثى، (والديك) الذكر، وكان استخدام اداة النصب (لن) ممهدا للتمرد عند الرجل، (لن يذكرك)، لذلك لم يعد تركيب الجملة المبتدىء بـ(لن) الى الظهور ثانية، وهذا الانقطاع حمل دلالة التجاوز في هذا المقطع:
فلتنم ياصديقي
ولتدع للتي قاسمتك السرير،
في هذين السطرين الشعريين، هناك (زوج من الافعال)، مشابهة (لزوج الافعال) في السطرين الاول والثاني، وهذان الزوجان ينقطعان ولكن بطريقة توحي باتصال احدهما بالاخر، فالزوج الاول يرتبط بالزوج الثاني بصيغة (لن)، في نهاية السطر الثالث (لن يذكرك)، اما الزوج الثاني فيرتبط بالتجانس بين (سريرك والسريرة)، وهناك علاقة اخرى بين (مرآتها ، مشطها) ثم ينقطع هذا التناسب الايقاعي في السوار، على الرغم من انه ضمن الحقل الدلالي نفسه، ويذهب (دي سوسير) بشأن هذا التناسب والانقطاع الى القول: ((انه من المسلم به مسبقا انه يمكن استئناف زوج ما في البيت الشعري ، او في حيز عدد من الابيات والاكثر من هذا انه يمكن في ظل هذه الشروط ان تعارض الوحدات المؤتلفة بتلك التي لاتنتظم بالفعل في أي زوج والتي بفعل توحدها تشير بفضل تميزها عن كتلة الازواج))(1). وفي هذا المقطع ينقطع تناظر الازواج في موقعين: الاول
والمؤذن ـ حتى وان قمت ليلك ـ لن يذكرك
اما الانقطاع الثاني
والسوار الذي فضضته نصارى الكرك
وفي هذين السطرين اللذين يقطعان استمرارية الازواج المتناظرة هناك انسجام ايقاعي ودلالي يزيد من وضوح الثنائية في العلاقة بين (الانا والاخر)، فايقاعيا هناك قافية قوية بين (الكرك، يذكرك)، يرتكز على ثلاثة حروف، (أما) في الدلالة، فالعلاقة بين الرجل والمرأة تتضح اكثر في ثنائيتها من خلال (المؤذن،نصارى)، ان هذا التركيب المنسجم في ايقاعه ودلالته من خلال الاوزاج في القصيدة، لم يحقق طاقة ايقاعية صوتية حسب، بل رسخ الدلالة في ذهن المتلقي من خلال تكرار انموذج العلاقة بين (الرجل، المرأة)، ويذهب الدكتور محمد مفتاح في هذا الصدد الى القول: انه ينبغي صياغة الشعر في تراكيب لتكتشف اسراره(1).
المبحث الثالث
التنغيم
تمهيد
وهو ما يطلق عليه جان كوهين (قطب الانشاد التعبيري)(1)، وعلى وفق هذا الرأي فان التنغيم يرتبط ارتباطا عضويا بالانشاد، وقضية الانشاد عرفها النقد العربي القديم واولاها اهمية شأنها شأن البنى الايقاعية الاخرى في القصيدة، ولاسيما انها تتصل بالدلالة التي يريد الشاعر ايصالها من خلال الشعر، وكيفية استقبال النص من قبل المتلقي، وفي هذا الصدد ذهب ابن رشيق الى انه ((ليس بين العرب اختلاف اذا ارادوا الترنم ومد الصوت في الغناء والحداء في اتباع القافية المطلقة، مثلها من حروف المد واللين في حال الرفع والنصب والخفض كانت مما ينَّون او مما لا ينَّون، فاذا لم يقصدوا ذلك اختلفوا، فمنهم من يصنع في حال الغناء والترنم ليفصل بين الشعر والكلام المنثور، وهم اهل الحجاز ومنهم من ينَّون ما ينَّون وما لا ينون اذا وصل الانشاد اتي بنون خفيفة مكان الوصل فجعل ذلك فصلا بين كل بيتين))(2).
وفي ضوء هذا الطرح فان الانشاد عنصر تأكيد لعنصر الايقاع لانه يمنح الشاعر حرية اكبر في التصرف بمفردات القصيدة مثلما يمنحه حرية في التعبير عن مشاعره ليتمكن من الوصول الى التماثل بين رسالة النص وطريقة توصيلها انشادا ، وقد تنبه النقد الحديث الى هذه الحقيقة فرآى جان كوهين ان، ((النظم يحاول ان يقترب من قطب المشابهة))(3)، وذلك من خلال وصول الانشاد الى مطابقة او مشابهة الرسالة او المعنى وهذه المشابهة ترتبط جدليا بالتنغيم وسبق للنقد العربي ان نظر الى هذه المشابهة من خلال انشاد القافية التي تعد عنصرا ايقاعيا مهما في تنغيم القصيدة لذلك ذهب ابن رشيق الى القول: ((ومنهم من يجري القوافي مجراها ولو لم تكن قوافي فيقف على المرفوع والمكسور موقفين ويعوض المنصوب الفا على كل حال، وهم ناس كثير من قيس واسد فينشدون:
لايبعد الله جيرانا لنا ظعنوا لم ادربعد غداة البين ما صنع
يريد (ماصنعوا)، وكذلك ينشدون:
ففاضت دموع العين منّي صبابة على النحر حتى بل دمعي محملي
فاذا وصلوا جعلوه كالكلام ، وتركوا المدة لعلمهم انها في اصل البناء))(1).
وفي قصيدة التفعيلة سمحت التشكيلة المكانية المتغيرة للقصيدة باستخدام ادوات تنغيمية اكثر كثافة من القصيدة التقليدية للتعبير عن رسالتها، فاستخدمت ادوات الوقف والترقيم والعلامات الاخرى التي تتعلق بالاستفهام والتعجب والسؤال والجواب، وهذه العلامات هي البنية الاساسية في التنغيم، فضلا على طريقة استخدام تفعيلات الوزن الشعري في انشاد الشعر.
التنغيم في قصيدة سعدي يوسف :
استخدم سعدي يوسف علامات الترقيم والعلامات الاخرى المتعلقة بالاستفهام والتعجب ليعطي للقصيدة تنغيما خاصا يعبر عن رسالتها في حالتي الانشاد والتلقي، كما في قصيدة (عبور الوادي الكبير)(1) التي يقول فيها:
دورة شاي . وفي شفتي من احب: الشقائق
والرجفه المستسرة.. كن يا جناح الليالي
الطويلة نجمي .. لقد ضيع القطب
نجم الهداة.. ولكن اهلي البعيدين ما برحوا
بانتظاري...
· الى اين تذهب يا فارس الليل!
· اهلي بعيدون سيدتي
· اني بانتظارك منذ ليال ثلاث... علمت بانك ات..
اتنزل ؟
· سيدتي .. حين انزل اقتل
· تقتل في منزلي؟
· آه سيدتي ... انني متعب .. غير اني..
وداعا
وداعا
ونجد في هذا المقطع كثافة نغمية خاصة، اذ استخدم الشاعر معظم علامات الترقيموالعلامات الاخرى، (النقطة، النقطتان، النقاط الثلاث، علامة التفسير، علامة التعجب، علامة الاستفهام، النجمة)، وقد منحت هذه العلامات القصيدة تعبيرا انشاديا خاصا، اقترن مع الايقاع مكونا وحدة موسيقية جمالية وهذه الوحدة الايقاعية بحثها عدد من النقاد وخاصة في علاقتها بالتشكيل البصري للقصيدة)، فذهب جوليوس برونتري الى ان النغم والقالب (أي التشكيل الخارجي للقصيدة، وسيلتان للاتصال، وانموذج ينبغي له ان يتغير وفقا لحاجات التعبير(2)، وعلى وفق هذا الرأي فان التنغيم بنية ايقاعية وبصرية في ان واحد ترتبط بالمتلقي، والايقاع فيه، يعد محاولة لتمثل الكثافة الوجدانية واستلهام مشاعر المتلقي([1]) في حين يمثل التشكيل البصري مجالات الترابط والانتظام لكل كلمة في النص(2) بحيث تتيح للمنشد والمتلقي الاحساس بايقاع القصيدة ورسالتها وعلى النحو الاتي:
/ دورة شاي / توقف قصير
/ وفي شفتي من احب:/ ، وعلامة التفسير هنا لها وظيفتان ، التوقف وطلب الاجابة، وهاتان الوظيفتان تفرضان نمطا قرائيا خاصا لهذا المقطع يعبر عن الاثنين معا.
فيأتي الجواب، / الشقائق/ وينتهي السطر الشعري، لكن الشقائق ليست وحدها التي يحب الشاعر ان تكون في شفتيه ، فهناك الرجفة المستسرة، وهذه، (الرجفة) لم تكمل السطر الشعري بل جاءت في بداية السطر الذي يلي (الشقائق) مسبوقة بحرف العطف (و) وهذا التقديم والتأخير في المفردتين وموقعهما في السطر الشعري اوحى باهمية قرائية خاصة (للشقائق)، على حساب، (الرجفة المستسرة) بسبب وجودها في بداية الاجابة، فضلا على انتهاء السطر الشعري بها. ثم يعقب ذلك توقف قصير بنقطتين(..).
/كن ياجناح الليالي/ ، وينتهي السطر الشعري ، ولكن (الليالي) لها صفة ملازمة هي، (الطويلة)، وقد احال الشاعر هذه الصفة الى بداية السطر التالي ، وهذا التأخير في ايراد الصفة الى السطر التالي، ربط السطرين ايقاعيا ودلاليا، اذ اعطى لصفة الليل التي اراد الشاعر حضورها في اجواء القصيدة تفاصيل اخرى، مثل (النجم)، وهذه العلاقة الموضوعية بين النجم والمساء عبر عنها السطر الشعري، الثاني من خلال عدم وجود اية علامة تجعل الشاعر او القارىء يتوقف عندها، لكن هذه العلاقة الموضوعية علاقة مثالية من خلال اختصار الليل كله بالنجم، وكانت دلالة اختصار الشاعر لصفة الليل المثالية نابعة من حالة معاكسة وردت في السطر الشعري الثالث (لقد ضيع القطب نجم الهداة)، وهذا المقطع الشعري (موجود) في سطرين متتاليين، وهو مسبوق بتوقف قصير ومتبوع بالتوقف نفسه في القصيدة،الامرالذي جعل انشاد هذا المقطع متوازنا مع السطر الذي يسبقه والسطر الذي يليه، ولهذا التوقف دلالته في رسالة القصيدة لانه ينم عن اعتراض على ضياع نجم الشاعر الذي يريد الاحساس بوجوده، وتذهب خيرة خمر العين في هذا الصدد الى القول: ((ان الاحساس بالشيء وادراكه في صورته المثالية ناشىء عن سياق الخبرات الذوقية، ودمج التصور الذهني بالفعلي في صورة المدرك للخبرة الجمالية)([2]) وعلى وفق هذا الرأي فان اعطاء الليل اجنحة واختصاره بالنجم صورة اراد لها الشاعر ان تكون ذات قيمة جمالية خاصة للوجود الموضوعي (لليل) الذي يعد مرتكز السطور الشعرية الثلاثة.
بعد هذه الصورة هناك وقفة قصيرة عبر عنها الشاعر (بنقطتين)، واتاحت هذه الوقفة انتقال الشاعر الى موضوع اخر في القصيدة يختلف عن موضوع الليل، وهذا التوقف فرض على انشاد الشعر تنغيما مختلفا عن التنغيم الذي كان موجودا في السطور الشعرية السابقة، اذ تحدث الشاعر هذه المرة عن بعده عن الاهل..
.. ولكن اهلي البعيدين ما برحوا
بانتظاري
في هذين السطرين هناك وقفة قصيرة جديدة تسبق لفظة، (بانتظاري) وهذه الوقفة عمقت دلالة الانتظار ، واحساس الشاعر بآلامه، ولو كانت مفردة (بانتظاري) في السطر الشعري نفسه لما احدثت هذا التاثير الخاص الذي اعقب التوقف القصير، لان انشادها سيكون ضمن استمرارية السطر الشعري نفسه.
وفي المقطع الذي يلي السطرين الشعريين السابقين استخدام الشاعر، الدائرة الصغيرة، للدلالة على انتقالة جديدة في اجواء القصيدة، ومحاولة احداث تنغيم جديد فيها يتواءم مع دلالة السطور الشعرية، اذ تبدأ مع الدوائر الصغيرة صيغة الحوار،
* الى اين تذهب يا فارس الليل!
وهذه الصيغة مبنية في تركيبها على الاستفهام من الاخر، ولم ينته السطر الشعري على الرغم من صيغة السؤال (بعلامة الاستفهام) بل انتهى (بعلامة التعجب)، وهذا الانتهاء فرض تنغيما خاصا للسطر الشعري لايشبه من حيث الانشاد (الاستفهام) المحض، بل ينبغي ان يدخل في صيغته ما يشير الى (التعجب والاستفهام معا) لكي توضح صيغة الانشاد الاسباب الدافعة لمثل هذا السؤال ، والاجابة هنا كانت مبتدئة بالدائرة الصغيرة نفسها، ليشير من خلالها الشاعر الى استمرار اجواء الحوار في القصيدة.
* اهلي بعيدون سيدتي، وهي اجابة تنم عن رفض الشاعر التوقف او الانتظار.
ويستمر الحوار وصولا الى استخدام الاستفهام بصيغة التعجب
* تقتل في منزلي؟
وهذا الابدال في العلامات اعطى للقصيدة اجواء تنغيمية خاصة، فحين يكون السؤال محضا ينتهي بالتعجب، وحين يكون السطر الشعري دالا على التعجب ينتهي بعلامة السؤال، وكل ذلك من اجل ان يتواءم تنغيم القصيدة مع رسالتها. وعلى وفق العلاقات الاتية:
/كن يا جناح الليالي/ وهنا ينتهي السطر الشعري من دون علامة معينة يعقبه السطر الشعري
/ الطويلة نجمي../ توقف قصير (نقطتان)، يعقبه انتقال الى موضوع اخر، ولكنه مرتبط داخليا بالمقطع الذي سبقه
/لقد ضيع القطب/ وينتهي السطر الشعري، لتبدو النهاية في هذا السطر بحثا عن الذي ضيعه (القطب)، فيأتي الجواب في بداية السطر اللاحق
/نجم الهداة/.. توقف قصير (نقطتان)، وبعد هذا التوقف هناك استدراك..
/ولكن اهلي البعيدين ما برحوا/، ينتهي السطر الشعري بحثا عن حالة (مابرحوا)، فيأتي السطر اللاحق ليدلي القارىء على ضالته، /بانتظاري/ ثلاث نقاط، توقف طويل نسبيا.
(*) نجمة، انتقال الى موضوع جديد بصيغة السؤال /الى اين تذهب يا فارس الليل/! علامة تعجب، على الرغم من ان السطر الشعري جاء بصيغة الاستفهام ، ولكن الشاعر وضع علامة التعجب، الامر الذي فرض قراءة خاصة تعبر عن صيغتي الاستفهام والتعجب في وقت واحد، وبتنغيم يدل على الأنكار.
(*) نجمة، وصوت اخر، يدلل على (الجواب)
/اهلي بعيدون سيدتي/... توقف طويل نسبيا (ثلاث نقاط)
صوت اخر/ انني بانتظارك منذ ليال ثلاث/... ثلاث نقاط (توقف طويل نسبيا)، /علمت بانك آت / نقطتان توقف قصير ينتهي السطر الشعري ، ولكن هذا السطر الشعري شرح حال الاخر، ولم يشر الى ما يريد ، فيأتي الطلب في السطر اللاحق بكلمة واحدة بصيغة الاستفهام.
/اتنزل/؟
/ سيدتي/... توقف طويل نسبيا يشير الى تردد في الاستجابة / حين انزل اقتل/.
* تحول في الصوت، يأتي الجواب فيه على صيغة استفهام انكاري / تقتل في منزلي/؟
* تحول في الصوت / اه سيدتي/... توقف طويل نسبيا /انني متعب/ توقف قصير../
/غير انني/ .. توقف قصير
وداعا
وداعا
ان تحول الاصوات في هذا المقطع الشعري، من (الانا) الى (الاخر)، فرض على القصيدة تنغيما خاصا، فقراءة السؤال لا تشبه قراءة الجواب، والتوقف القصير لايوحي بدلالته مثل التوقف الطويل ، والتعجب لا يشبه السياق الاعتيادي، وطلب التفسير ، لا يشبه الاسترسال العادي في الخطاب الشعري.
ان التنغيم يضفي على القصيدة جمالية صوتية خاصة من التناغم والجرس، وهذه الجمالية في الانشاد ليست غريبة عن روح الشاعر([3]) لذلك نراه يستخدمها بكثافة في القصائد ذات الاجواء الحوارية، وذلك لتقوية ايقاعها الموسيقي الذي يضعفه الحوار، ففي التنغيم هناك صعود للصوت في جملة الاستفهام، وهناك انحدار في جملة النفي، وفي الحالتين (صعود الصوت وهبوطه) لابد من وجود وقفة لكي يتم الانتقال بشكل سلس بين اجواء القصيدة(2) ويذهب لوتمان في تفسيره للوقفة بقوله: ((ان الوقفة في الاصل هي حبس ضروري للصوت حتى يسترجع المتكلم نفسه))(3).
لقد اعطى هذا التحليل قيمة ايقاعية للوقفة،مثلما اعطى القيمة نفسها للاستفهام والنفي والعلامات الاخرى، وهذه القيمة الايقاعية ترتبط بالقيمة الدلالية او برسالة النص لان الشاعر في هذه القصيدة استخدم الوسائل المتيسرة من اجل تعزيز رسالة القصيدة بقيمة جمالية ودلالية عبر الوقفات والارتباطات بين السطور الشعرية، وهذه الوقفات والارتباطات تعزز من تشاكل الخطاب الداخلي في الموسيقى والمعنى على الرغم من تعارضها مع الوزن. ويذهب الباحث عبدالملك مرتاض في هذا الصدد الى القول: ((ان الشعر بنية قائمة على ملاحظة اللغة الفنية المستخدمة في النص والحركة التي تتحكم في هذه اللغة فتفضي بها نحو غايتها، ثم على نظام العلاقة الحميمية التي تربط هذه الشبكة من المظاهر الخارجية والداخلية معا في النص، ثم على الرؤية الفنية التي يطرحها هذا النص الشعري))([4]).
وفي هذه القصيدة عارض التنغيم الوزن، فالقصيدة من بحر المتقارب اذ تسبق هذا المقطع الشعري كلمة (المحبين)، ولو تم قراءة المقطع على وفق تفعيلات الوزن، لما اتضحت دلالة القصيدة بالطريقة التي اعتمدت التنغيم، لان التوقف في السطر الاول لايحدث في مفردة (احب) فهي مرتبطة وزنيا (بالالف واللام) في مفردة الشقائق، وفي السطر الثاني فان (الليالي) تعد تكملة لتفعيلة (فعولن) وتستلزم التوقف في حين ترتبط الليالي بمفردة (الطويلة) بشكل كامل وتستدعي التوقف القصير جدا او الاستمرار.
ويتضح التعارض بين الوزن والانشاد في صيغة السؤال (الى اين تذهب يا فارس الليل!) وينتهي هذا المقطع بـ(فـ) الحرف الاول من تفعيلة، (فعولن)، ويرتبط بـ(اهلي) لتكتمل صيغة، (فعولن)، أي ان التفعيلة منقسمة بين السؤال والجواب، واذ اراد الشاعر اكمال التفعيلة في الانشاد فعليه ان يربط السؤال والجواب معا بقراءة مستمرة ، لكن مضمون القصيدة يفرض عليه التوقف للتعبير عن اجوائها وعلاقاتها الداخلية، الامر الذي يفرض تجزئة التفعيلة في لحظات التوقف التي يستلزمها (التنغيم).
ويتضح هذا التعارض في قصيدة اخرى لسعدي يوسف من خلال نمط اخر غير النمط الحواري والعلاماتي، اذ يبدو الوزن معارضا للانشاد، كما في قصيدة (السيارة)(2) اذ يقول الشاعر:
كنت تعالج سيارة موسكو فيتش قديمة
وتدور بها في طرقات الناس
هل تصل السيارة؟
لم يخطئك الاحساس
يوما...
لكن السيارة ظلت موسكوفيتش قديمة
فمضيت وحيدا في طرقات الناس
وقتلت وحيدا
وفي هذه القصيدة يلعب الوزن دورا معارضا للانشاد، فكلمة (موسكوفيتش)، لا ترتبط ايقاعيا مع قديمة، الامر الذي يجعل المتلقي يتوقف عند نهاية مفردة، (موسكوفيتش).
وهذا التوقف يحول ايقاع القصيدة الى وزن آخر أي من وزن (الخبب الى المتقارب)، في مفردة (قديمة)، الامر الذي يجعل تنغيم القصيدة مرتكزا لاصلاح الاضطراب الوزني من خلال استمرار القراءة التي تجعل وجود مفردة، (موسكوفيتش) طبيعية في سياق النص، خاصة ان الشاعر لم ينه السطر الشعري بمفردة (موسكو فيتش) بل ربطها بمفردة (قديمة) مع سكون التاء.
وفي موضع آخر يصلح تنغيم القصيدة مشكلة الوزن، حين يقول الشاعر (لم يخطئك الاحساس) ، والسكون في نهاية السطر علامة التوقف، ولكن مفردة (الاحساس) مرتبطة بالمفردة التي تليها عضويا ودلاليا (يوما) وعملية التوقف لضرورات الوزن تجعل القصيدة مفككة من حيث الايقاع، الامر الذي حمَّل الانشاد مسؤولية اصلاح هذا التفكك في القصيدة، فيعمد المتلقي او المنشد الى تحريك مفردة (الاحساس) لربطها بالمفردة التي تليها ، وعملية التحريك عملية معارضة للوزن، وفي حالة التوقف فان خللا بائنا سيحدث في الدلالة تبدو من خلالها القصيدة وكانها غير مترابطة الاجزاء او فاقدة لوحدتها العضوية.
وفي هذه القصيدة لم يستخدم الشاعر الا توقفا طويلا نسبيا، (النقاط الافقية الثلاث) مع مفردة (يوما)، وهذا التوقف الطويل نسبيا يمتلك دلالة تختلف عن التوقفات الاخرى، فلكل توقف وظيفته في القصيدة، وهذا ما حدث في هذه القصيدة، اذ ان الاجواء التي سادت قبل علامات التوقف كانت اجواء شك وعدم استقرار وذلك من خلال السؤال الذي طرحه الشاعر (هل تصل السيارة؟)، اما اجواء القصيدة بعد هذه الوقفة فتشير الى الاستقرار، فالتعب الذي احدثته (السيارة) انتهى بمقتل الاخر، بعد صراع معها من اجل ان تستمر بالحركة.
واستخدم سعدي يوسف الارقام، لاحداث انعطاف في التنغيم الذي تحدثه العلاقات الايقاعية والصوتية في القصيدة، ويتضح ذلك في قصيدة (المسافر)(1)، التي يقول فيها:
معي كان في 5/6
لقد كنت اشرب صوته
وانباءه واغترابي وصمته
وفرض السطر الاول من هذا المقاطع وقفة في نهاية السطر الاول، لان الرقم (5/6) امتاز بطابع انشادي مختلف عن انشاد المفردات الاخرى في القصيدة وذلك من خلال الطابع المجرد للرقم وطريقة تركيبه الذاتية، وهذا التغيير في الانشاد في الانتقال من المفردات ذات الطابع اللغوي، الى المجردات ذات الطابع الرياضي اسهم بتغيير التنغيم الذي احدثه المقطع الشعري(2)، خاصة اذا كان استخدام الارقام في القصيدة مستندا في طريقة الانشاد الى الاستخدام العامي، ويذهب الناقد محمد مبارك، معلقا على طريقة استخدام الشاعر سعدي يوسف للارقام قائلا: (( ان استخدام الارقام والتواريخ بالنبر العامي الشائع كما في (كان معي في 5/6 او الساعة 3 مثلا)، محاولة من الشاعر لتقديم نموذجه بما يجمعه بالسواد من الناس نمطا سلوكيا ومشاعر وافكار ومواقف))(3).
ويعد التنغيم الذي يفرضه الانشاد العامي للرقم عنصر الايقاع الشارك للمتلقي في هذا المقطع، لانه انحرف بالانشاد من نمط يلتزم بعناصر الوزن الخارجية والعلاقات المنتجة عن هذه العناصر في التعارض والتماثل، الى نمط اخر لا يلتزم بالقوانين الصارمة لعلاقة المفردات داخل السطر الشعري، وهذا الانحراف يعد واحدا من اساليب التنغيم المتغيرة في قصيدة سعدي يوسف.
وفي قصائد اخر يستخدم الشاعر سعدي يوسف بنية الفراغ (العمودية)، لتنظيم البنية الوزنية المعتمدة على التفعيلة، كما في قصيدة (القصيدة الثامنة)(1) التي يقول فيها:
لو كانت سماؤك غير هذي
لاغتذت من شمسها عيناي
وانتفضت مع النعمى يداي
كانني أنا ؛
. . . . . .
. . . . . .
. . . . . .
لا سبيل
فهل سيمسي السلسبيل
المنبع الليلي (اعني المشرب السفلي) ايضا؟
وفي هذه القصيدة، هناك اكثر من علامة تنغيم ، وهذه العلامات عملت على مواءمة العنصر الايقاعي مع العنصر الدلالي، فالقصيدة من البحر الكامل (متفاعلن أو مستفعلن) وفي السطر الشعري (كأنني أنا) ، هناك بنيتان للتوقف، الاولى (الفارزة المنقوطة)، والثانية (بنية الفراع العمودية)، والبنيتان تدعوان الى التوقف في الانشاد(2)، كما يذهب الى ذلك لوتمان، وللتوقف في هذه القصيدة ضرورته فلو كانت قراءة السطر على وفق القراءة الاعتيادية لظهر كسر عروضي في مفردة (انا) ، لان الوزن بعدها سيضطرب (أنا لا سبيل)، وقراءة هاتين المفردتين الموجودتين بعد الفراغ وقبلة، بهذه الطريقة سينجم عنه كسرا عروضيا في تفعيلة متفاعلن، الامر الذي يفرض قراءة اخرى، تجعل بنية الوزن منتظمة في المقاطع التي تلي بنية الفراغ، وهذه القراءة تفرض جعل (الالف) حركة هي، (الفتحة) (3) فتقرأ على النحو الاتي (أنَ)، وليس (انا) ليستمر الوزن صحيحا في القصيدة لان مفردة، (أنَ) تجعل الوزن بعد الارتباط بـ(لا سبيل) يستمر في انتظام التفعيلة (متفاعلن)، ويرى الباحث ان هذا التأكيد على التوقف بعلامتين او بنيتيين كان مقصودا من الشعر للتنبيه على طريقة قراءة مفردة ، (أنا).
وهناك في هذه القصيدة بنية تاكيد اخرى، وهي المفردات الموجودة داخل الاقواس واستخدم الشاعر الاقواس (للتوضيح) ايضا، فالمعنى الذي يسبق القوس، يكرر نفسه في المعنى داخل القوس، ولكن بطريقة اخرى، وهذا التاكيد يفرض نمطا انشاديا خاصا على الجملتين (المنبع الليلي)، (اعني المشرب السفلي)، وادخال مفردة (اعني) داخل القوس هي التي جعلت للانشاد الخاص بالجملة التي بعدها قيمة اخرى، لان الشاعر في هذه المفردة يواجه المتلقي بشكل مباشر، ويحاول ايصال رسالة السطر الشعري اليه بوسائل مختلفة بما فيها توضح العبارات الشعرية، لهذا اقام بنية تواز بين العبارتين،
المنبع الليلي / المشرب السفلي.
واذا كانت الدلالة متقاربة في العبارتين، فان الانشاد هو الذي قام بتوضيح وظيفة كل منهما من خلال تنغيم كل واحدة بطريقة خاصة تناسب الدلالة.
الفصل الثالث
البنية المضمرة
تمهيد
وهي البنية الحاملة للرسالة او (المعنى) الذي يريد الشاعر ايصاله الى المتلقي، وهي المسؤولة عن انتاج الصورة الشعرية، وذلك من خلال علاقات الانساق والمفردات في النص، ولهذا فان هذه البنية تمتاز بشموليتها، (أي ارتكازها على البنى الاخرى في انتاج المعنى والصورة معاً) لذلك فان عناصر هذه البنية تمتاز بقدرتها على بعث الدينامية في العناصر المؤثرة في انتاج النص، (الواقع الموضوعي، والاحاسيس والمشاعر كما يذهب الى ذلك كوهين) (1)، كما تمتاز بتكثيفها للغة لتعطي للنص طابعه الشعري(2)، وعملية تحول النص الى الشعرية تستلزم وجود اسرار خاصة في نظام لغته المكون، التي تفرقه عن النص النثري(3)، وتعود اسرار النص الشعري الى انعطاف اللغة عن معناها الظاهر الى معنى آخر ينتهك السياقات المألوفة(4)، الامر الذي يجعل المعنى في الشعر يكتسي بطبقات اخرى غير اللغة، (صوتية وبصرية وموسيقية)، تحجب ظهوره المباشر للمتلقي، وكان النقد العربي القديم قد درس هذه الظاهرة في الشعر من خلال مفهوم (معنى المعنى)، الذي طرحه عبدالقاهر الجرجاني والذي اشار فيه الى ان ((المعنى: المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل اليه بغير واسطة، ومعنى المعنى: ان نعقل من اللفظ معنى ، ثم يفضي بك ذلك المعنى الى معنى اخر))(5).
ولاينتج المعنى الاخر او (معنى المعنى)، الا من خلال العلاقات التي تنظم المفردات في السياق الشعري، وهذا التنظيم شكلي في جانبه البصري والايقاعي ، وباطني في قدرته على انتاج الصورة الشعرية(6).
وعلى وفق هذه الرؤية ، فان الصورة الشعرية هي نتاج العلاقات الداخلية في النص الشعري، وهذه العلاقات لا تكتشف الا بالتلقي، أي بوجود الطرف الثاني في انتاج النص وهو المتلقي، لان النص الشعري لايبوح بأسراره دفعة واحدة وانما بشكل تدريجي(1)، معتمد على الحساسية الجمالية في التفاعل بين طرفي الابداع، (النص، المتلقي).
ان هذه الطروحات بشأن البنية العميقة للنص، تشير الى اهمية العلاقات المنظمة للكلمات والانساق في تكوين المعنى وفي انتاج الصورة الشعرية، ولتسليط الضوء على عناصر هذه البنية لاحظ الباحث، وجود ثلاثة انماط من العلاقات فيها، وهي على النحو الاتي:
1ـ البناء التوافقي
2ـ البناء التعارضي
3ـ البناء التوالدي
المبحث الأول
البناء التوافقي
وفي هذا النوع من البناء، تتوافق الصورة الكلية للقصيدة مع منعكسات الواقع الموضوعي وموقف الذات الشاعرة من الموضوع، ولكن من دون ان تتطابق وتحيل اللغة إلى سياقاتها المألوفة، لان التطابق يفقد البناء شعريته، أو كما يذهب كوهين الى، ان الشعرية لاتتحقق في السياقات التقليدية للغة(1)، وعلى وفق تصور كوهين فان البناء التوافقي لا يستنسخ الواقع بل يقيم معه حوارا او صراعا على مستويات مختلفة، على النحو الأتي:
1ـ جدلية العلاقة بين المحسوسات المادية المتوافقة:
وفي هذا البناء هناك اقتران بين المحسوس الذاتي والمحسوس الاخر، سواء أكان ذلك على الصعيد الزمني المكاني او التشبيهي، ويحدث ذلك من خلال التلاؤم الذي يقيمه الشاعر بين عناصر البناء المعتمدة على علاقة الذات مع الاخر، وهي علاقة تسبب الانفعالات والاحساسات المنتجة للقصيدة، لان الانفعالات التي تعكسها الحواس في هذا البناء قد تتوافق من حيث وقعها النفسي مع الذات على الرغم من اختلاف المستقبلات لها، اذ يمكن أن يترك الصوت اثرا شبيها بذلك الذي يتركه اللون او تخلقه الرائحة ومن ثم يصبح طبيعيا ان تتبادل المحسوسات التأثير فتوصف معطيات حاسة بأوصاف حاسة اخرى(2)، وقد افاد سعدي يوسف من هذه الخصائص في المحسوسات، فأقام علاقة بين الذات الشاعرة والاخر ، على اساس الوجود المحسوس في عنصري العلاقة، (الذات والاخر)، كما في قصيدة (بار الانتيل) (3) التي يقول فيها:
كيف لم ادخل البهو
قد كنت ، منذ حللت المدينة هذي، ادور به
وامر به ، دون قصد
كاني في غفلتي لا اراه . . .
ولكن نمنمة خلف عنقي تهاجسني انه قد يراني
أكان يراني في رحلة اليوم
ما بين اسواق بلفيل والمطعم المغربي؟
شهورا امر به
لا اميل بوجهي اليه، ولا اتجاهله
كنت من طرف العين اشتاقه
ربما، كصديق قديم يداري ارتباك يدي
فيصفح لو لم اصافحه..
كنا غريبين في طرقات المدينة
كان لنا، انا والبهو
ان نتعارف
او نلتقي مثلما يفعل الغرباء ولو لحظة
غير انا ظللنا بعيدين
وفي هذا المقطع من القصيدة هناك علاقة بين (الشاعر، والبهو)، والاثنان وجود مادي محسوس ، لكن الاول انسان بكل مشاعره واحاسيسه، والاخر (حجر)، (اي وجود جامد)، ولكي يقيم الشاعر علاقة توافقية مع البهو أنسنه لتصبح اللغة المشتركة بينهما ممكنة ، وتزخر القصيدة بهذه العلاقات وهي على النحو الاتي:
1ـ حاسة البصر ــــ أكان يراني في رحلة اليوم
2ـ المشاعر الانسانية ــــ ربما كصديق قديم يداري ارتباك يدي
3ـ الحركة ــــــ غير انا ظللنا بعيدين
4ـ عدم الانسجام مع الواقع ـــــــــ كنا غريبين في طرقات المدينة..
ويصف الدكتور نعيم اليافي نمط هذه العلاقات بالقول انها ((تقوم على مبدأ الاقتران او الترابط عن طريق التداعي بأنواعه الثلاثة المكاني والزماني والتشابهي))(1).
ان هذا التوافق حققته الذات الشاعرة في القصيدة لكي تسبغ على محاكاة البهو طابعا مقبولا يؤدي بها الى الافصاح عما يجول في خاطرها، وهنا اصبح البهو معادلا موضوعيا للذات، فغربة البهو هي في حقيقتها، (الغربة) التي يعيشها الشاعر نفسه، و(البعد) عن المدينة هو بعد الشاعر نفسه و (رؤية) الاخر هي رؤية الشاعر نفسه، وكل (المشاعر والاحاسيس) التي يمتلىء بها البهو هي مشاعر واحاسيس الشاعر نفسه.
ولاحظ الباحث ان بناء هذه القصيدة اعتمد بشكل رئيس على الوقائع المادية التي تحدث بين اثنين مثل (الصداقة، الارتباط الروحي.. الخ)، ولم تكن هناك علاقات اخرى عارضت المعنى المألوف الواقعي، وهي كما يسميها ابو ديب، تدفق من الذات في مسار لا يتغير(2)، لذلك يعد هذا النوع من البناء بسيطا وغير معقد، وان الصورة التي ينتجها هذا البناء بسيطة ايضا(3)، لانه يعتمد بشكل رئيس على علاقة منفردة بين طرفين فقط ومحددة بواقعة معينة من دون ان تأخذ ابعادا اخرى، وهذه الصورة كما يقول جنكتو: ((تظهر قدرا غير عادي من الاكتمال الفردي والتحديد، وقدرة تدعو الى الدهشة في اختيار مادة منتقاه ومحددة))(4). وفي هذه القصيدة استطاع سعدي يوسف ان يجعل الذات عنصرا متحركا في الحياة اليومية، الى الحد الذي يقترب من انصارها في الموضوع، خاصة ان الجماد عنده مؤنسن، وهذه الحركة اعطت لمحدودية الموضوع اتساعا شمل الموقف من العالم بكل سعته من خلال الاغتراب الشامل عن مجمل حركة الحياة.
2ـ جدلية العلاقة بين المحسوسات المادية وغير المادية:
ويتجلى هذه النمط من البناء في اتجاهين: الاول سياقي، اذ يرتبط المحسوس بمعادله الواقعي، والثاني منحرف، وفيه لا يرتبط المحسوس بمعادله الواقعي، وهذا النمط من البناء يرتكز في قصيدة سعدي يوسف على اللون بشكل رئيس، كما في المقطع الاتي من قصيدة (السياج)(1) التي يقول فيها:
بيته ، كان منكشفا للشوارع
كانت حديقته وهي مزهرة بالقرنفل الاحمر
مفتوحة للكلاب
وتتكرر هذه العلاقة مع لون اخر كما في قصيدة (الجيكولو العجوز)(2)، التي يقول فيها الشاعر:
احيانا ينظر من غرفته
فيرى الكالبتوسة في الشارع
كم كانت خضراء
وفي هذين المقطعين يرتبط اللون بعلاقة سياقية (واقعية) مع الموصوف:
القرنفل/احمر
الكالبتوسة/خضراء
وهذا النمط من العلاقة يضعف التلقي لانه لا يعتمد الدهشة التي يحققها انحراف اللون عن وظيفته المألوفة السياقية. فهي تقع في المجال الدلالي المألوف نفسه(3)، أي انها تتعلق باللون الواقعي للبنات، وهذه الصلة القوية بين النبات ولونه افقدت هذه السطور الشعرية عنصر الدهشة الذي يحققه الانزياح عن المعنى الواقعي.
وفي مرحلة اخرى من البناء التوافقي، يقيم الشاعر سعدي يوسف علاقة بين لونين، يسمي احد اطرافه فيصبح محسوسا ، ولا يصرّح بالآخر، بل يتحسسه عبر عنصر حسي مادي ملازم له، كما في قصيدة (خريف)(1) التي يقول فيها:
بعد حين تتعب الاوراق من خضرتها
يأتي النعاس
حاملا قهوته
تندلق القهوة، والاوراق بالقهوة تبتل
صباح البن
يا غصنا خريفيا
صباح البن ياكرما واس.
ويرتكز هذا البناء على وجود تأثير وتأثر بين عناصر القصيدة المكونة للصورة الشعرية (أي انها تحوي على عنصر مؤثر وآخر متأثر)، وتندرج تحت هذين العنصرين مجموعة من العلائم التي تؤكد وجودهما (الزمني واللوني والمكاني)، فمن حيث الزمن هناك (الربيع) في صراعه مع (الخريف) ومن حيث اللون هناك (الخضرة) في صراعها مع اللون (القهوائي) الناتج عن تجرد الاشجار من اوراقها وتيبس اغصانها ومن حيث المكان هناك الاشجار التي تغير لونها، وفي هذا المقطع هناك توافق بين اللون والزمن، على النحو الاتي:
1ـ الربيع ـــ خضرة ـــــ استمرار الحياة في اوراق الشجر
2ـ الخريف ــ لون القهوة ــــ سقوط الاوراق من الشجر
واشتغل الشاعر في هذه القصيدة على ثنائية (التصريح والتلميح) فهو يصرح باللون من دون ان يصرح بالزمن، الامر الذي جعل دلالة اللون منفتحة على دلالات متعددة، وفي موقع اخر يصرح بالزمن من دون ان يصرح بشكل مباشر باللون، بل يعطيه لونا محسوسا ماديا قريبا منه، (فالخضرة مصرح بها من دون وجود الربيع في القصيدة)، (والخريف مصرح به من دون لون يحدده مباشرة) وبهذا اصبحت القهوة، في القصيدة، المعادل اللوني للخريف، لذلك كانت صباحاته، صباحات البن، وهو لون يوافق فصل الخريف، وبالتالي يصبح الخريف العنصر المؤثر في القصيدة بعد ازاحته للربيع الذي تعبت خضرة اوراقه واخذها النعاس، وعلى وفق هذه العلاقة فان (الربيع هنا هو المتأثر) ، وان المؤثر في هذه القصيدة هو السائد بعد ان ازاح الاخر من المشهد، وهذا التوافق الحسي جعل التلقي ذا طابع جمالي ، استند إلى لعبة التصريح والتلميح بين العناصر الفاعلة في صورة القصيدة.
ولكن الاستخدام الموائم للواقع يتحول في قصائد اخرى للشاعر الى استخدام منحرف عن الواقع نفسه، اذ يتخذ اللون في قصائد اخرى دلالات لا تطابق وجوده الواقعي، وهذا الانحراف يفتح للتلقي وللنص معا آفاقا اوسع من تلك الافاق التي استخدم فيها الشاعر الواقعية في العلاقة مع اللون، الامر الذي جعل شعرية النص تزداد وضوحا(1)، كما في قصيدة (حوار مع الاخضر بن يوسف)(2)، التي يقول الشاعر فيها:
سيدي الاخضر المر
يا سيدي يا بن يوسف
وفي القصيدة ذاتها يرد اللون الاخضر في سطرين شعريين آخرين، يقول الشاعر فيهما:
لم نأكل القمح اخضر
والورد اخضر
وفي هذين المقطعين لم يعد اللون الاخضر مطابقا لواقعه، (فاللون يتأنسن)، ويصبح تعبيرا عن (ذات) الشاعر، فهو (ابن يوسف المر)، وفي المقطع الثاني يستمر الاخضر مرا (القمح اخضر، الورد اخضر)، وفي التشبيهات الثلاثة يعبر اللون الاخضر، عن مرحلة من مراحل الوجود ، وهي مرحلة (الشباب والقوة) وبقدر ما تكون هذه المرحلة ضرورية (للذات) ، تكون مرفوضة من قبل الاخر في اطار جدلية الصراع بين الانا والاخر، فالشباب/مر، ولكن للاخرين (سيدي الاخضر المر)، وهذا الطعم يتوافق مع طعم السنابل في مرحلة شبابها، لم نأكل القمح اخضر، والورد اخضر، واخضرار الورد مرحلة وجودية تسبق النضوج الكامل وفيها تتفتح عن ألوان مختلفة.
ان اللون في هذه المقاطع نقل صورة (الانا) الى الاخر، وانتج انسجاما بين الاثنين، فالصورة الاولى كانت خلفية للصورة الثانية (الاخضر المر) ــــ لم نأكل القمح اخضر والورد اخضر، وفي هذه العلاقة كانت قيمة الصورة الاولى متضمنة في الثانية، موضحة لها ، وهي، كما يقول ماكليش: ((ان الصورة الواحدة ترسم وتوطد بالكلمات التي تجعلها حسية وجلية للعين او للاذن او اللمس او لاي من الاحاسيس ، ثم توضح بصورة اخرى قربها فينبلج المعنى ليس هو معنى الصورة الواحدة منهما ، ولا هو معنى الصورة الثانية ، ولا هو مجموع المعنيين معا، بل هو نتيجة لهما، نتيجة للمعنيين في اتصالهما، وفي علاقتهما الواحد بالاخر))(1).
وفي هذين المقطعين ، هناك علاقة اتصال بالمعنى، اذ تؤدي استعارة كل معنى من الاخر الى تحقيق الصورة التي يريدها الشاعر، فحين يقول (لم نأكل القمح اخضر، والورد اخضر)، فان ذلك يعود الى طعمها المر، (كما في طعم الاخضر المر)، ان هذا التداخل بين الصورتين انتج صورة ثالثة ترتبط بهما ولكن هذه الصورة ليست جمعهما جمعا ميكانيكيا بل صورة وجودية للانسان في مرحلة الشباب وتأثيرها على الاخر.
وهذا النمط من البناء يعد مستوى متقدما على المستويات السابقة من البناء التوافقي لانه يكوّن صورة فيها من التركيب اكثر من الفرادة، اذ تتضح الصورة في المقطعين من خلال عامل ذاتي/سيدي الاخضر المر بن يوسف، وعامل موضوعي /القمح اخضر والورد اخضر، ولعب هذان العاملان دورا في تقديم المعنى بصورته التي يريدها الشاعر او يسعى اليها من خلال ربط كل لون اخضر بالمرارة والشباب وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد غنيمي هلال: ((ان على الشاعر ان يبحث في الوسيلة التي يتوصل بها الى نقطة تلاقي حلمه الشعري بالحقيقة، الى جلاء الصلة بين فكره والواقع ليوحي في شعره بالحقيقة المطلقة))(2).
واراد الشاعر في هذين المقطعين الوصول الى حقيقة مفادها ان كل اخضر /مر، وكل مرْ/ شباب.
3ـ جدلية العلاقة التوافقية المركبة للمحسوسات:
وتنقل هذه الجدلية علاقة التوافق بين المحسوسات في قصيدة سعدي يوسف الى مستوى آخر، يتمثل في تجرد المحسوس من صفته المادية الملموسة، ليشكل من خلال هذا التجرد علاقة بين اكثر من طرف محسوس منه المادي ومنه غير المادي، وهذه العلاقة تجعل البناء اكثر تعقيدا من الابنية السابقة سواء، من حيث تعدد الارتباطات او من حيث وظيفة كل عنصر في النسق الشعري، ففي هذا النمط من البناء يستخدم الشاعر العناصر المحسوسة في وظائف متناقضة محققا تعدد الدلالة في طرف بعينه ولكن بسياقات مختلفة، ويتجلى هذا النمط في قصيدة (القصيدة الرابعة والعشرون)(1) التي يقول فيها :
وليكن
لن يغمر، الليلة ، ثلج ، هذه الاشجار
لن يبيض سور
وسيبقى السقف في لون النبيذ
الريح ترتاح على الارصفة المبتلة
النافذة الزجاج غامت بالرذاذ
الليل يهوي في اقاصي الليل
والصرخة تلتم عميقا
وتئن
في هذه القصيدة لا تحضر الذات في السطور الشعرية، اذ يستند البناء الى رؤية الاخر، وما ينتجه من علاقات مع الاخر ايضا، والاخر هو المحسوس، المرتبط بعلاقة مع محسوسات اخرى، كما يتضح فيما يأتي:
1ـ الليل ــــــــ الليل
(الليل يهوي في اقاصي الليل) وهي العلاقة الذاتية للاخر
2ـ الثلج (لن يغمر) ـــــ الليل عنصر محسوس ـــ عنصر محسوس
وفي العلاقة الثانية هناك ارتباط بين مادي محسوس (الثلج)، ومحسوس غير مادي (الليل)، وفي السطر الثالث تتضح العلاقة بين الليل والثلج من خلال اللون اذ يقول الشاعر: (لن يبيض السور)، وهنا تتوافق العلاقة بين محسوس غير مادي مع محسوس مادي، الليل ــــ بياض السور.
وفي السطر الرابع، هناك تحول باتجاه بنية لونية اخرى، (وسيبقى السقف في لون النبيذ)، وهنا يشير الايحاء المباشر لهذا السطر الشعري الى اللون الاحمر للسقف، اذ يستند السياق الدلالي لعلاقة النبيذ مع اللون الى (الاحمر)، عندئذ تصبح الصورة المنتجة عن اللون (الاحمر) ذات دلالات مختلفة، فربما تكون الغرفة في بار لاحتساء النبيذ، او غرفة للاعدام، او غرفة للمتعة، ومع هذا الانفتاح الدلالي تبقى علاقة اللون مع السياق الشعري علاقة مستقرة، وان الذي عزز هذا الاستقرار، تقديم الفعل على الاسم، (لن يغمر)، (لن يبقى) ، (سيبقى) ان هذه الصيغة الفعلية تعزز الاستقرار في بنية القصيدة، خاصة اذا كانت مقترنة بادوات تنفي حركية الفعل وتؤكد ثباته (لن) وحرف الاستقبال (السين) في (سيبقى)، وهذا الثبات حرم الصورة الشعرية من الدينامية والتطور(1) في سياق السطور الشعرية الاولى، ولكن هذا الثبات لن يستمر في القصيدة، عندما (يهوي الليل في اقاصي الليل)، فالليل اصبح في هذا المقطع (جزء وكل) في آن واحد، وسقوط الجزء في الكل اعطى الليل اطلاقا توافق مع اطلاقه في السطور الشعرية الاولى حينما لم يستطع الثلج (الابيض) ان يغمره ، لتبدو الصورة الحسية في هذا المقطع الشعري صورة حركية، (فالاخر) نسبي ومطلق، جزء وكل، وعلاقاته مع الاخر، (غيره)، علاقة طغيان، لان البياض لم يستطع تحقيق وجوده في الليل، وحتى الليل نفسه اصبح جزءا من ليل مطلق فهوى فيه، وحلل ناقد عربي مواصفات (الليل) في حالته المطلقة بقوله انه يعني الوصول الى أي مكان(2).
ان الصور التي انتجتها علاقة الاطلاق مع النسبية منحت الليل حركية خالفت ثباته الاول واصبح شيئا حسيا متغيرا يختلف عن كينونته الثابتة، الامر االذي انتج صورة حسية متوافقة مع الوجود الواقعي، لان الانتقال من الاطلاق الى النسبية ظلت عملية حسية ولم تتحول الى مجردات، ويذهب الدكتور عبدالسلام المساوي في هذا الصدد الى القول: ((تتحقق الصورة الحسية بانتقال الكائن الحسي الى الشيء الحسي))(1).
ان هذه العلاقات المركبة بين الليل بوصفه ممثلا للون (الاسود) والعناصر الاخرى في القصيدة تستند إلى علاقات الثبات، على النحو الاتي:
الليل ـــــ لايتأثر بلون الثلج
سقف الغرفة ـــ لا يتأثر بلون الليل
وفي هذه العلاقة (يبقى الليل اسود)، (الثلج ابيض ولكن في حدوده)، (سقف الغرفة احمر وفي حدوده)، وكل هذه العناصر نسبية في حدود وجودها، وهي علاقة تقوم على التوافق بين اللون الواقعي والرمز وبمحدودية خاصة، وهي ما يسميها كوهين بعلاقة الملاءمة(2)، أي انها لا تنتج تجاوزا في الدلالة، ولكن هذا الاستقرار لم ينف محاولة الشاعر لاحداث حركية معينة في مدلول الليل عندما جعل الليل يهوي في اقاصي الليل، معطيا اياه علاقة المطلق بالنسبي.
ولاحظ الباحث ان هذا النمط التوافقي استند الى ارتباط احد العناصر، (الليل) بأكثر من عنصر في القصيدة (الاشجار، السور ، سقف الغرفة، والليل نفسه)، الامر الذي جعل الصورة الشعرية التي ينتجها الليل ذات صفة مركبة، اذ حوت اكثر من علاقة، وهذه الصورة الشعرية المركبة حملت في طياتها صورا اخرى بعضها متوافق مع الواقع الذي انتجه الليل الماطر ثلجا، كما في السطر الشعري الذي يقول: النافذة الزجاج غامت بالرذاذ، وهنا أصبحت العلاقة واقعية واتخذت واقعيتها من التوافق، فالنافذة ترتبط واقعيا بالزجاج، وتشوش الرؤيا فيها ينتج عن رذاذ المطر او الثلج، الامر الذي أضعف الجانب الجمالي وجعلها تقترب من سياق النثر في حالة تجريدها من الايقاع ، لان الصورة الشعرية في هذا السطر الشعري لم تخرج عن واقعها المألوف او سياقها الطبيعي، ولم تبدل الوظائف الطبيعية المألوفة فيها بوظائف اخرى ليصبح هناك في العلاقات داخل القصيدة ما عرف في النقد القديم بالعدول(1)، وفي النقد الحديث (بالانزياح)، كما عند الشكلاتيين (والتجاوز) كما عند الاسلوبيين، (والانتهاك) كما عند تيارات مابعد الحداثة، وهذه المفاهيم تعني ((تصرف الاديب بالعلاقات اللغوية المستعملة واعادة تركيبها بما يغير وظائفها الاعتيادية))(2)، اذ ظلت هذه السطور الشعرية في هذا المقطع مألوفة وطبيعية ولا تحدث (خيبة انتظار) لتصدم المتلقي كما يذهب الى ذلك جاكوبسن(3) ولكن هذا الضعف في الصورة الشعرية لايبدو فاضحا في القصيدة لان الشاعر ادخل سطرا شعريا في هذا المقطع ذا قيمة جمالية عالية، ابدل فيه الوظائف الطبيعية للاشياء بوظائف جديدة حين قال:
الريح ترتاح على الارصفة المبتلة
وهنا كانت استعارة الراحة للريح، والجلوس على الارصفة المبتلة عملية انزياح انتجت شعرية خاصة تحققت في علاقة (الريح) المحسوسة غير الملموسة، بالراحة (المجردة)، ثم بالارصفة المحسوسة الملموسة ، وحقق هذا السطر الشعري علاقة ثلاثية بين المحسوس الملموس وغير الملموس والمجرد، الامر الذ نقل النص الى الشعرية العالية في الخلق والانشاء(4).
وفي قصيدة اخرى يعبر اللون عن موقف سياسي وايديولوجي، راسما في علاقته مع المحسوس المادي صورة تنحرف به عن سياقه المألوف ووظيفته الواقعية، كما في هذا المقطع من قصيدة (المسافة)(5) التي يقول فيها سعدي يوسف:
تعلّمْت ان الحقيقة ابعد من منزلي
بين مسجد (حمدان) والجسر، ان الحقيقة قادمة
في المناشير زرقاء مستنسخات بايدي الذين
يظلون لا يحملون من الارض الا ثراها الثقيل
وفي هذا المقطع لا يعبر الازرق عن لون المنشور الواقعي، بل يتجاوز(1) دلالته الواقعية محولا اياه الى موقف، ايديولوجي، سياسي ، فكري، فالمنشور من وجهة نظر الشاعر يحمل فكر الفقراء، (الذين لايحملون من الارض الا ثراها الثقيل)، أي ما ثقل وزنه وقل سعره، بعكس الحاملين من الارض ما خف وزنه وزاد سعره، ويريد الشاعر في هذا السطر الشعري الاشارة الى العمال والفلاحين، وأقامة تناسب بين الموقف الايديولوجي من الطبقة العاملة ، وفكرها، اذ انسجم لون المناشير مع لون البدلات العمالية، (الازرق)، وبذلك حقق اللون في هذا المقطع توافقا بين الايديولوجية والواقع ـ توافقا بين الايديولوجية بوصفها حاملة للموقف، والواقع بوصفه محسوسا ماديا واضحا في بدلات العمال - ان هذا النمط من التوافق يعد توافقا حسيا في علاقته المباشرة (ازرق ـ حسي) ــ بدلات (العمال)، ولكن المعنى العميق لهذه العلاقة يتحقق في ارتباط المحسوس بالمجرد، (فالايديولوجيا) مجرد، واللون الازرق، محسوس ، وتعد هذه البنية اشد تعقيدا من بنية المحسوسات السابقة.
لقد عبر الشاعر من خلال اللون الازرق، (الذين يحملون من الارض الثرى الثقيل) عن طبيعة الصراع الايديولوجي او الطبقي بين العمال (الفقراء)، والاغنياء وهم (المالكون لادوات الانتاج)، الذين يعرفون في الادب السياسي بـ(البرجوازية)(2). وهذا الصراع مبني على موقف فكري للشاعر من العمال الذين لايحصلون من جهدهم الا على قوتهم اليومي، ومن البرجوازيين الحاصلين على ريع الانتاج وارباحه، وفائض قيمته المتحقق من كد العمال انفسهم.
4ـ جدلية التوافق بين المحسوس والمجرد:
وفي هذه العلاقة يرتبط المحسوس بالمجرد لانتاج الصورة الشعرية، ويلعب تفاعل العنصرين المتناقضين من خلال توافقهما دورا مهما في اغناء الصورة الشعرية، ومنحها حركة خاصة في سياق النص، وتتضح هذه العلاقة في قصيدة (افتتاح)(3)، التي يقول فيها الشاعر سعدي يوسف:
يأتيك هذا البحر باليومي
بالنبأ الذي لم يعد نبأ
وتأتي الطائرات من اختناق البحر
تطوي في متاهات المبادىء حاجزا
وتدق للاطفال عنقودا من البارود
واللحم المشظّى
ايها البحر المغادر في الهدير المدفعي
ويا مهادا للبوارج وهي تخلط بالرصاص
الماء والصاروخ
يا بحرا عرفناه ولم نعرفه
تهنا فيه حتى ضاعت الاغصان عنا
فانتبهنا ليلة
لنكون خلف الساتر المتواضع
انتبهت لنا بيروت ، فانتفضت
وأرخت شعرها الوحشي
مشرعة ذوائبها الى الافق الملبد
ويستند البناء التوافقي في هذه القصيدة على كلية العلاقة بين البحر (المحسوس) وما ينتجه من متغيرات، فالبحر هو الذي يأتي، بـ(اليومي)، في السطر الاول، وهو الذي يأتي بـ(النبأ)، وهي علاقة بين محسوس ومجرد ، وهذه العلاقة تتحول في السطر الثالث الى علاقة محسوس بمحسوس (تأتي بالطائرات)، ثم تعود الى علاقة محسوس بمجرد (تطوي في متاهات المبادىء حاجزا)، ان هذا التحول من المحسوس الى المجرد اسهم باغناء الصورة الكلية للقصيدة، بسبب دخول العنصرين في جدلية التوافق الكلي، اذ منح هذا التوافق الصورة الشعرية بعدين بدل البعد الواحد (حسي ومجرد)، أي (ذهني وواقعي)، وهذان البعدان انتجا متقابلات في القصيدة بعضها، مجرد والاخر محسوس، وكما يأتي:
المجرد
المحسوس
النبأ
البحر
اليومي
الطائرات
متاهات
حاجز
مبادىء
مدافع
تاريخ
رصاص
افق
اغصان
مهاد
ساتر
ومن علاقة هذه المجردات بالمحسوسات تنتج الصور الاتية
البحر ـــــ يأتي (باليومي والنبأ)
البحر ـــــ الطائرات ـــــ تطوي حاجزا (في متاهات المبادىء)
البحر ـــــ مهادا
البحر ـــــ عرفناه ولم نعرفه
البحر ـــــ بيروت ــــ تاريخ
البحر ـــــ بيروت ــــ الافق
وتؤكد هذه العلاقات ان بنية النص ترتكز على البحر، بوصفه منتجا للانباء، واليوميات التي تعيشها بيروت، وأصبحت من جراء الحرب المستمرة وكأن المدينة اعتادت او توافقت مع حالة البحر، (النبأ الذي لم يعد نبأ)، ولكن هذا الاعتياد على الحرب طرح على الشاعر سؤالا مفاده ان كان هذا البحر هو نفسه الذي عرفه اهله في زمن السلم، (يا بحرا عرفناه ولم نعرفه)، وقدم الشاعر الجواب على هذا السؤال في موقفه من البحر، (ايها البحر المغادر في الهدير المدفعي)، وهنا يريد الشاعر ان يقول ان البحر غادر من بيروت (أي لم يعد هو بحر بيروت الذي عرفته)، بسبب هدير المدافع التي تدمر المدينة والمنطلقة من البحر نفسه.
وتعد هذه البنية اكثر تعقيدا من العلاقات السابقة، بسبب وجود عنصرين متناقضين في تركيب الجمل الشعرية،فالمجرد في هذا النص حاول ان ينفي كل خاصية ملموسة حسية فيه، مقابل وجود المحسوسات المادية، ولكن على الرغم من هذا التناقض احدثت علاقات اللغة في النص توافقا بينهما، نتجت عن طبيعة احساس الشاعر بهذه المتناقضات.
5ـ التوافق النصي والاسطوري:
في هذا النمط من التوافق استخدم الشاعر سعدي يوسف الاسطورة في قصائده وحاول توظيف تراكمها في الوعي او اللاوعي باتجاهين، الاول متوافق مع بناء الاسطورة والثاني معارض لها، ويبرز التوافق مع الاسطورة في قصيدة (قصة الخليقة)(1) التي يقول فيها:
عندما في الاعالي
لم تكن زرقة او سماء
عندما في الدواني
لم تكن لمسة الارض
كان العماء
العماء
العماء
لم يكن غير ماء
غير تهويلة من ضباب وماء
لم تكن غير تلك الالهة
تلك التي هي ماء ضباب
وماء ضباب
وماء وماء وماء
وهذا النص يحيل المتلقي الى اكثر من مرجع ، ففي سفر (التكوين) في الكتاب المقدس (العهد القديم)، تبدأ الخليقة بقصة تتوافق تماما مع ما طرحته هذه القصيدة، اذ تضمن سفر التكوين القصة الاتية:
((في البدء خلق الله السماوات والارض، وكانت الارض خاوية خالية، وعلى وجه الغمر ظلام، وروح الله يرف على وجه المياه))(1)، وفي مقطع اخر يقول سفر (التكوين): ((ليكن في وسط المياه جلد يفصل بين مياه ومياه فكان كذلك صنع الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد، والمياه التي فوق الجلد، وسمى الله الجلد سماء))(2). وفي هذا النص لاحظ الباحث ان القصيدة لم تنتج جديدا من العلاقات التي تعطي للاسطورة اطارها المعاصر، كما انها ليست تفاعلا نصيا، لان التفاعل النصي لايطابق الاصل ولا الانموذج ولا الحكم القيمي(3)، وعلى هذا الاساس فان هذا التوافق التام بين النص والاسطورة ليس الا اعادة او تكرارا لما جاء في الكتاب المقدس، الامر الذي افقد النص شعريته, أي ان اللغة فيه لم تشكل انزياحا عن المعنى الاسطوري.
المبحث الثاني
(البناء التعارضي)
ويرتكز هذا النوع من البناء، على عدم الانسجام بين الانا والاخر، او على التعارض الخارجي بين عناصر الموضوع وما تؤثر به على الذات (الانا) عند الشاعر وتجربته، بوصف التجربة عنصر ترسيخ لقناعات معينة، (انسانية، ايديولوجية، فكرية، ثقافية)، وهذا البناء التعارضي يتخذ اطارا كليا في القصيدة ولكنه في الوقت نفسه يتضمن مستويات اخرى يمكن ان تترشح عن التعارض الرئيس، سواء أكان ذلك في لغة القصيدة التي تنتج صورا شعرية متعارضة داخل السياق الشعري، ام في العلاقة بين الانا والاخر، وفي هذا الصدد يذهب الدكتور نعيم اليافي الى ان ((البناء التعارضي يحكم مبدأ التعارض او التناقض ما بين بعدين لابعاد التجربة الشعورية ، يعكسان توظيفين متقابلين لسيرورة التجربة الجمالية يتمثل اولها بمستوى المفردات اللغوية ، ويتمثل ثانيهما بمستوى الصور الفنية، ويتداخل المستويان في نهاية القصيدة ليؤلفا وحدة الرؤيا للانا الشاعرة)) (1).
ويبرز هذا النوع من البناء في قصائد سعدي يوسف منتجا صورا شعرية تتفاعل فيها التعارضات والتناقضات، مشكلة وحدة على صعيد كلية الصورة التي تثرى بالصراع ، خاصة ان الصراع هو الذي يعبر عن التوتر القائم بين الشاعر والاخر، او توتر (الانا) عند الشاعر نفسه، وصولا الى حدوث تحولات في اجواء القصيدة تحسم الصراع باتجاه معين، وفي هذا النوع من البناء هناك جدليات يمكن تلخيصها على النحو الاتي:
1ـ جدلية المحسوسات المادية المتعارضة:
وتتضح هذه الجدلية من خلال التعارضات الذاتية والموضوعية داخل النص، وتتجلى في شعر سعدي يوسف في قصيدة (اكثر من شخص واحد) (1)، التي يقول فيها الشاعر:
امس
في الغروب
كانت شمسان تطفوان على البحر
وغلالة غيم ابيض
تدنو منها لتصطبغ
....
اين الشمس التي نعرفها
شمس الهاجرة
قرص الفولاذ السائل
لو كان الامر بيدي
او بيد الطفل
اما كنا سنطلق من جيوبنا الشموس
لتطفو على البحر كله
طوافات نجاة
وفي هذا البناء، هناك عناصر مادية محسوسة ترتبط فيما بينها بعلاقات تبدو منسجمة على الرغم من تعارضها الواقعي، وهذه العناصر هي:
( الشمس ، البحر، الغيم ، الفولاذ) وهنا تتكيف العناصر التي تعارض بعضها واقعيا بطريقة منسجمة ، وهذا النوع من البناء يختلف عن البناء التوافقي، لان عناصره لا تؤدي احدها الى الاخر بشكل واقعي.. ، فالغروب ينتج شمسين، وموقع الشمسين ليس السماء، بل البحر، ومع وجود الشمسين، هناك غلالة غيم ابيض، في لحظة الغروب نفسها، ومن خلال هذه العلاقات فان الشاعر من حيث المظهر وصف منظر الغروب قرب البحر، حيث تنعكس الشمس في المياه، وتبدو وكأنها تطفو فيه لحظة نزولها في الافق البحري، وهذه الصورة وصفت حالة واقعية لاتناقض فيها،لكن الشاعر في هذه القصيدة لا يريد بالشمسين ان تكونا (الشمس الموجودة في الواقع)، بل شمسا اخرى ربما تكون (الصديق ، الرفيق، الابن، الحبيبة، الزوجة)، اذ اقام علاقة بين العالم الخارجي وعالمه الخاص الذي يعارض الواقع ، ويؤكد الشاعر تعارض عالمه الخاص مع الواقع بسؤاله عن الشمس الحقيقية (اين الشمس التي نعرفها/ شمس الهاجرة/ قرص الفولاذ السائل).
في هذا السؤال اوضح الشاعر التعارض بين شمسه الخاصة وشمس الواقع ، فالاولى تطفو على البحر مصحوبة بغلالة غيم وتظهر في الغروب، اما الثانية فهي ليست كذلك لانها، عالية وساخنة كانها قرص فولاذ سائل، وهذه الاجواء نقلت المتلقي الى زمن ومكان آخر غير غروب الشمس في افق البحر، اذ تبدو الصورة الثانية للشمس كأنها في مكان غير البحر وفي زمن غير الغروب وهو الظهيرة.
وهنا أراد الشاعر ان يتصور الشمس في قوتها، وقت الظهيرة لكي تؤدي وظيفة طوق النجاة للغرقى الذين يتلاشون في لحظة الغرق مثلما تتلاشى الشمسان الأخريان في افق البحر عند الغروب ، الامر الذي جعل الشاعر يعارض وجود الشمس وقت الغروب وارادها ان تظهر مثلما تظهر في الظهيرة، عالية لاتغرق كما يغرق الاحبة، ويعد هذا النمط من البناء التعارضي من الانماط البسيطة لانه يعتمد على علاقات محددة بين عناصر محددة.
2ـ جدلية التعارض الداخلي بين المحسوسات :
وفي هذا البناء يستند التعارض ألى العلاقات بين المحسوسات غير المادية في السطور الشعرية التي تكون في النهاية صورة للتعارض الكلي بين (الانا والموضوع)، وتتضح هذه العلاقة في قصيدة (الرسائل)(1)، التي يقول سعدي يوسف فيها:
من الصخر تأتي الرسائل، في الليل تاتي ، تدور
على لمسات الاصابع، حاملة ملمس الحجر الخشن
والبهجة الناعمة
ابقيت لي ما لايخون الرأي ، ابقيت التفرس
ثم ماذا ارتجي لو قلت لي يوما: منعتك
نظرة اولى، ولو اسررتني يوما: منحتك
ان تقر العين راضية؟ هي الاعشاب تحفر
في عروق الصخر، تحضر في سماء كلما
استترت ارت، يا بضعة من وردة الشهداء
شمس انت: بارقة وظل
من اول الريح تاتي الرسائل، في الفجر تاتي
لتحمل لي لهفة من عيون احب استداراتها، لهجة
للعواصف اذ تتكور..
وفي هذا المقطع هناك علاقات متعارضة داخل السطور الشعرية، وعلاقات متعارضة اخرى بين السطور الشعرية نفسها. والطابع الغالب على هذه التعارضات جانبها الحسي المادي وغير المادي، وهذا التعارض اكثر عمقا من التعارض المادي المحسوس، لانه يقيم علاقة بين عناصر غير متماثلة في مواصفاتها، وعدم التماثل يمنح الصورة الشعرية قدرا اكثر اتساعا في الرؤيا من العناصر المتماثلة(1)، اما عناصر التعارض في السطور الشعرية فهي على النحو الاتي:
استترت × ارت /حسي
شمس × ظل / حسي
عروق الصخر × سماء / حسي
في حين تتمحور عناصر التعارض بين السطور الشعرية على النحو الاتي:
من الصخر تأتي الرسائل، في الليل تأتي / محسوس
×
من اول الريح تأتي الرسائل ، في الفجر تأتي/ محسوس
ملمس الحجر الخشن × البهجة الناعمة/ محسوس
وفي هذا البناء هناك صورة مركزية تحرك علاقات النص الشعري، (مجيء الرسائل)، ولكل زمن لمجيئها هناك حالة شعورية خاصة تمر بها (الذات)، فان وصلت الرسائل في الليل، فلها صفتان متعارضتان (ملمس الحجر الخشن، والبهجة الناعمة) وهذا تعارض داخلي في الاحساس بوصول الرسائل، اما اذا وصلت الرسائل في الفجر، فانها تحمل اللهفة ولهجة العواصف اذ تتكور، والعلاقة بين العواصف والتكور علاقة تعارضية لان العاصفة امتداد بطبيعتها في حين التكور انحسار، وهذا تعارض آخر في الموضوع انتجته الذات، بوصف العالم الخارجي، كما يذهب نوفالس، تجليا للعالم الداخلي(1)، لذلك فان التعارض الداخلي المحسوس هو الذي انتج التعارض الخارجي، المتمثل بالزمن المختلف لوصول الرسائل، فكان للفجر مشاعره التي يمنحها لوصول الرسائل، ولليل مشاعره التي يمنحها لوصول الرسائل، ومن هذه الصورة المركزية تتفرع التعارضات الاخرى، فالنظرة التي تطالع الرسائل، تتخذ في هذا المقطع وظيفتين: الاولى تشبيهها بالاعشاب التي تحفر في عروق الصخر، أي الاتجاه نحو العمق، والثانية الحضور في سماء كلما استترت، ارت أي الاتجاه نحو الاعلى، وهنا يصبح التشبيه الاول متعارضا مع التشبيه الثاني، كما ان التشبيه الثاني يحوي تعارضا داخليا خاصا في وجود السماء التي (كلما استترت، ارت).
3ـ جدلية التعارض الخارجي المحسوس:
وفي هذا النمط من البناء لا يعتمد النص على صورة مركزية متعارضة تتفرع منها الصور الاخرى او المستويات الاخرى، بل يعتمد على التعارضات الخارجية المتنوعة التي تشكل بتفاعلها صورة مركزية، وهذا هو اختلاف التعارض الخارجي المحسوس عن التعارض الداخلي المحسوس، ويتضح هذا النمط من البناء في قصيدة (النهر) (2)، التي يصور فيها الشاعر سعدي يوسف حالة الاخر في صراعه مع عناصر الطبيعة اذ يقول:
كان عريان في الفجر، مستوحدا تحت نخلة
كل ما كان يملكه يسكن الجذع: اثوابه
والتراب الذي في النسيج
والتراب الذي في النشيج
والتراب الذي في عيون المذلة
كان عريان في الفجر، مستوحدا والمياه
حاملا ليله في يديه
حاملا صبحه في يديه
عكرا، صافيا، كالمياه
أي غصن شبيه
ينزل الماء في الفجر، او يرتديه
أي صوت شبيه
كان يدعوه ، او كان يرتد فيه
انه الماء.. هل يتشربه جلده
مثل تلك الوريقات؟
هل ينتهي
مثلما جاء؟
ماء الصباح، العذوبة.. تلك الطراوة
في ان يعود الى المهد.. في ان يراقب
اطرافه تستكين، السماء على الماء مخضلة
وهو في الماء: مضطرب ساكن، وهو في الماء
مضطرب ساكن
ويعتمد نمط بناء هذا المقطع الشعري على العلاقات المتعارضة في حالة الاخر، اما (الذات) الشاعرة فتكتفي بالمراقبة والوصف من دون ان تتدخل في اعلان موقف معين لما يحدث في الخارج، ولكن عدم اعلان الموقف بشكل صريح لما يحدث لايعني حيادية الذات من الحدث (وهو الغرق) ، بل هناك رفض داخلي غير معلن شكل موقفا انسانيا تجاه (الغريق)، وليس موقفا ذاتيا محضا، أي ان الصورة هنا لم تخلق لذاتها، بل لتكون جزءا من التجربة(1)
(كل ما كان يملكه يسكن الجذع: اثوابه
والتراب الذي في النسيج
والتراب الذي في النشيج..
والتراب الذي في عيون المذلة).
وفي هذا المقطع اشارة واضحة لحالة الفقر التي يعيشها الاخر.. عبر الاشارة الى ما يمتلكه الغريق وما يتركه بعد موته، وأضفى التوازي الصوتي لمفردتي (النشيج والنسيج) ايقاعا منسجما مع الحالة التي ارادها الشاعر وهي (الفقر)، فالتراب الذي في النسيج يعني العودة الى الاصل الذي خلق منه الانسان، اما النشيج فهو ما يخلفه الاخر بعد مماته للاهل والاحبة، وهذا هو كل ما كان يمتلكه مع ثيابه في هذه الحياة، واذا كان التراب عنصر تكوينيا في وجود الحياة، فان هذا الامتلاك في حقيقته ليس امتلاكا حقيقيا بل وجود طبيعي تشترك فيه المخلوقات جميعا، وفي هذه الدلالات تتعارض صورة الامتلاك مع عدم الامتلاك، فالتراب موجود في تكوين الانسان، ولكنه ليس ملكية يمكن التصرف فيها.. وعلى وفق هذا التعارض، تكون حالة الاخر قد مرّت بتعارضات اخرى تتكشف من خلال العلاقات الاتية:
الفجر× الليل
الصبح × الليل
صافيا × عكرا
يدعوه × يرتد
ساكن × مضطرب
السماء × التراب
المياه × التراب
عريان × يرتدي
كل ما يملكه × ليس عنده
ان هذه التعارضات رسمت صورة صراع الاخر مع الاخر (الانسان × النهر) فالعلاقة بين الاثنين تمتاز بحالة من التناقض، فبقدر حاجة الانسان للنهر لاستمرار حياته، الاّ انه يمكن ان يكون عنصر موت، اذا اغرقه، وفي ضوء جدلية الموت والحياة، رسمت القصيدة جدلية موقف الاخر من النهر، التي تمتاز بالتعارض ايضا، كما في الصورة الاتية:
كان عريان في الفجر ، مستوحدا في المياه
حاملا ليله في يديه
حاملا صبحه في يديه
وفي هذه الصورة استعار الشاعر وجودا ماديا للصبح والليل، فأصبح المتناقضان منسجمين في وجودهما في يدي الغريق، وهذه الاستعارة تعارض السياق التقليدي للوجود المألوف لليل والنهار، ولكي يعزز الشاعر هذا التعارض المنسجم يردفها بصورة تعارض منسجما اخر ويقول:
عكرا، صافيا ، كالمياه..
وهنا يبدو الاخر منسجما مع النهر في تناقض حالاته، حين يكون عكرا وحين يكون صافيا، وهي لحظة توحي ان الغريق ما يزال بين الحياة والموت ويبلغ التعارض ذروته في هذا النص في لحظة (الغرق)، حين يقول الشاعر:
وهو في الماء: مضطرب ساكن
وهو في الماء
مضطرب ساكن
وتكرار هذا المقطع يؤكد اهميته الخاصة في التعبير عن ذروة الصراع ولحظة حسمه في القصيدة، لانه كما تقول نازك الملائكة: ((ان التكرار ، في حقيقته ، الحاح على جهة هامة في العبارة يعنى بها الشاعر اكثر من عنايته بسواها)) (1).
ان هذه العلاقة بين المحسوسات في تعارضاتها المستمرة داخل القصيدة شكلت صورة شاملة من خلال منظومة الاجزاء الموزعة بين السطور الشعرية، الامر الذي جعل الصورة ذات تنوعات تشكيلية تؤكد العمق الدلالي للصورة الكلية في القصيدة..
4ـ جدلية التعارض بين المجرد والمحسوس:
في هذا النمط من البناء تستند العلاقة بين عناصر القصيدة إلى ارتباط المحسوس بالمجرد، ولكن على اساس التعارض بينهما، لتتشكل صورة شعرية ذات بعدين ، الاول محسوس مادي يمكن التعامل معه واقعيا والثاني مجرد يتصوره الذهن، وهذان العنصران المختلفان في اصل الوجود يشكلان جدلية داخل الصورة الشعرية، ويتضح هذا النمط من البناء في قصيدة (ثلاثية الحاضرة) (1)، التي يتداخل فيها المحسوس مع المجرد كما في المقطع الاتي:
اني احبك
لكن بيني وبينك كل الدروب التي قد تؤدي وقد لا تؤدي
المسايل تنبت ازهارا حجرية
والماء ينشف في العين
امس بلغنا الجبال وقد غابت الشمس
قلنا: نخيم
لكن وجها تراءى لنا في اضطراب الظلال
وفي هذا المقطع هناك تعارض بين المحسوس والمجرد، في (كل الدروب التي قد تؤدي وقد لا تؤدي)، فالدروب (محسوس)، والمؤداة (مجرد) لتنتج الصورة في هذا السطر الشعري عن علاقة مركبة للدرب، على النحو الاتي:
تؤدي
دروب ×
لا تؤدي
ان هذا التعارض بين المحسوس والمجرد اعقبه الشاعر بتعارض آخر محسوس ، من خلال علاقة المسايل بالحجر، فكل مفردة من هاتين المفردتين تمثل حالة وجودية تختلف عن الاخرى، فالمسايل نقيض الحجر، (المسايل تنبت ازهارا حجرية)، وبهذا يصور الشاعر ان المنتج (بفتح التاء) يعارض المنتج (بكسر التاء)، وهو ايحاء الى عملية التغيير المستمرة في الوجود، وفي السطر الشعري الاخير من هذا المقطع يترأى الوجه من (اضطراب الظلال)، وهنا، الوجه محسوس، والاضطراب في الظلال (مجاز) تم التعبير عنه بعلاقة المجرد، (اضطراب) مع (الظلال)، المحسوس.
5ـ جدلية التعارضات الشاملة:
ويتضمن هذا النمط من البناء تعارضات متنوعة بين المحسوسات نفسها، وبين المجرد والمحسوس، وبين المجرد نفسه، وهذا التنوع في بنية التعارض ينتج تنوعا في الصورة الشعرية المنتجة ، وساد هذا النمط في قصيدة سعدي يوسف في مرحلة التسعينيات(1) وما تلاها، كما في قصيدة، (المقاهي الثلاثة) (2) التي يقول الشاعر فيها:
يا انت، العابر كل دوائر هذي العتمة، دائرة دائرة
لتطوق عنقي كالانشوطة، من مسد وحرير حينا
من فخار وتهاويل جداريات حينا، من اهداب خيطت احيانا
يا ارضا كانت ماء، يا ماء كانت ارضا، هنا ترتفع الصلوات
نشيدا باسمك، او تنفرع الفلوات... احييك واحييك
واسألك الغفران اليوم، واسألك النسيان غدا، ستمر
الدبابات على ساقيك مجلجلة في كتمان من سرفات طين
وسيمتد رقيم (تشويه شموس ثابتة)، من رمل الفاو واوراق
الحناء الى الصخر المقدود ربايا وطرائد من اشور، انا اسألك
المغفرة ، الهدأة، شكلت جبيني بالوسم، وعلقت ذراعي
اليسرى بالكلاّب، وقلت احمِّلك الان دمي
ماكنت صغيرا لتكون كبيرا، انت الاسم الاول والموئل
انت عدوّي مذ كنت صديقي ، مذ كنت... ستأتي اسراب
الطيران الحربي مجلجلة تحت سماء من صهد
سيكون هواؤك محتقنا بالبارود ومختنقا، لكنك تبحث عني
انا، اسمك، كي تقتلني، الدبابات تبدد جلدك، والطيران
الحربي يمزق اهدابك ، لكنك ملدوغا تتبعني كي تسلخ اجفاني
وفي هذا النمط من البناء تعتري القصيدة تحولات في صفات (الاخر)، الرمز الذي ينتج الصور الشعرية من خلال علاقات التعارض بين المحسوسات والمجردات وبين الانا والاخر، وهذه التعارضات المنوعة تجعل الرمز غير قابل للتحديد والحصر، ليبدو وكأنه مطلق الوجود، فهو مع وجود المجرد في صفاته شبيه به، الا انه، في الوقت نفسه، يحتمل العلائم الواقعية والمادية والمحسوسة وغير الواقعية وغير المحسوسة ايضا، ان هذه اللامحدودية في الرمز كانت منتجة وناتجة للتعارضات في صور القصيدة، ليكون الرمز هنا العنصر الرئيس في اضاءة القصيدة، وذلك عبر تحولاته المستمرة، ويذهب الدكتور مصطفى ناصف في هذا الصدد الى القول: ((يجب ان نتذكر ان الحد الفاصل بين الرمز واية صورة اخرى لا وجود له، وان المهمة الدقيقة هي كشف قدرة الصورة على تنوير العمل الادبي من حيث هو كل وذلك من خلال ثرائها في المدلول))(1)،ولاحظ الباحث ان الرمز في هذه القصيدة مؤثر في الانا، ومتأثر في الوقت نفسه، بالانا، وهي ثنائية اعتمدها الشاعر بعد خروجه من العراق في النصف الثاني من السبيعينيات في معظم قصائده، وتبدأ هذه القصيدة بـ(انت) محاكاة الاخر وهذه المحاكاة انتجت العلاقات المتعارضة الاتية في نسيج القصيدة:
انت ــــــ (الارض) × (الماء)
انت ــــــ (ترتفع) الصلوات باسمك × (تنفرع) الفلوات
انت ــــــ اليوم × غدا
انت ــــــ تمر الدبابات على ساقيك (مجلجلة) × في (كتمان) من سرفات طين
انت ــــــ من (رمل) الفاو × الى (الصخر) المقدود ربايا
وبهذه العلاقات رسمت صور القصيدة التحولات عند (الاخر) باطارها المتعارض، ولكن هذه التحولات لا تكتفي بوجودها المتحول فقط بل تؤثر في الذات الشاعرة من خلال العلاقتين الاتيتين:
انت ــــــ شكلت جبيني بالوسم × تبحث عني كي تقتلني
انت ــــــ عدوّي × مذ كنت صديقي
ومع هذه التحولات المتعارضة في الرمز هناك حالة تشبه السرمدية في وجوده كما يصور الشاعر ذلك، (فالرمز) في رؤية (الانا) شبه مطلق، يغير ولا يتغير، كما في السطرين الشعريين الاتيين: (ما كنت صغيرا لتكون كبيرا)، (انت الاسم الاول والموئل).
وهذه اللامحدودية والسرمدية في (الرمز) جعلت الشاعر يعيش حالة صراع وتناقض معه ويتضح ذلك من خلال العلاقة الاتية:
الدبابات تبدد جلدك، والطيران الحربي يمزق اهدابك
×
(تتبعني كي تسلخ اجفاني)، (تطوق عنقي.. بأهداب خيطت)
ان هذه التشكيلة المتعارضة في صور (الرمز والانا) شكلت منظومة الصورة الشعرية الكلية للقصيدة، وفتحت آفاقا للتلقي من خلال التصور ، اذ ليس هناك صورة محدودة ومؤطرة في هذه العلاقات، لان الرمز غير محدود ومؤطر ويمتاز بكونه مجردا ومحسوسا في الوقت نفسه، وهذا الامر اثرى شعرية الصورة في هذه القصيدة عبر لعبة التناقض، واكد كولن ولسن اهمية هذه العلاقات في اثراء الصورة الشعرية بقوله: ((احد الامور التي تسترعي انتباهنا هي ان قطب الرحى في الشعر هو التناقض)) (1) وفي ضوء هذا التقويم امتاز الرمز بتحولاته المتعارضة داخل القصيدة، فهو يمكن ان يكون (الوطن، الحبيبة، الصديق ، الحزب، الايديولوجيا ، الرفيق..، العدو، الكبير، الصغير.. الخ).
6ـ جدلية التعارض مع الاسطورة والتراث:
في هذا البناء تعارض القصيدة الموروث في الوعي الجمعي ، والذي تحقق في التاريخ فعلا ، وهذا النمط من البناء يظهر في المقطع الاتي من قصيدة (ثلاثية الصباح) (2)، الذي يقول فيه الشاعر سعدي يوسف:
نتناهش المطر في الحلم كانه زند غزال. الحلاج رئيس جمهورية
وبيننا كنوز الارض والغيمة غير العابرة
ايها الوطن الذي ضاق ، ايها الوطن الذي مضى
نحن مانحوك الهوية وحضور المائدة:
يعتمد هذا المقطع الشعري على جدلية الحلم والحقيقة، وتتجسد هذه الجدلية بالموروث المقرر في التاريخ، الذي اخبرنا ان الحلاج لم يكن يطمح الى سلطة بل كان رجل فكر واجتهاد ، ودفع حياته ثمنا لهذا الموقف، وان خير المطر لم يوزع بشكل عادل بين الناس بل كان من حصة الحاكمين الذين يوزعون خيره بين الناس على وفق ما يشتهون ، وقول الشاعر: (بيننا كنوز الارض والغمية غير العابرة)، اشارة الى مقولة الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي وجد ان مطر الغيمة عائد الى خزائنه، وبهذا المقطع يصبح الحلم معادلا ذاتيا لحركة التاريخ الواقعية، على النحو الاتي:
(المطر) خير منقسم بين الفقراء/حلم
(المطر) من حصة السلطان/واقع
(الحلاج) رئيس جمهورية/حلم
الحلاج قتيل فكره/واقع
كنوز الارض من حصة الفقراء/حلم
كنوز الارض من حصة السلطان/واقع
ان هذا التعارض في اجواء القصيدة خلقه حلم الشاعر ، الذي عارض فيه وقائع التاريخ كما يتمناها هو، ليعبر من خلاله عن الصراع بين الفقراء والاغنياء (المستلبون) بفتح اللام، و(المستلبون) بكسر اللام ، وارتكز في هذا الصراع على ما يشكله المطر من قيمة اسطورية بوصفه منبعا للخير، وتذكر قصص الانبياء ان (النبي الياس) طلب من الله ان يسلمه خزائن السماء فأجابه ((اجعل خزائن المطر بيدك، ولا انشر عليهم سحابة الا بدعوتك ولا انزل عليهم قطرة الا بشفاعتك))(1)، وهنا اصبح التعارض بين الاسطورة والنص مبنيا على (مكان الثروة).
ففي الاسطورة هناك خزائن السماء ـــ المطر
وفي النص (كنوز الارض)
وهذا التعارض اشتغل في ضوء علاقة (الحلم بالواقع)، الذي عبر عنه الشاعر بالوطن الذي لم يعد يتسع للفقراء، (ايها الوطن الذي ضاق)، واصبح الوطن كذلك على الرغم من كل تلك الخزائن والكنوز
وطن غني × فقراء محرومون منه
وطن واسع × يضيق بالفقراء
وعبر الشاعر في هذا المقطع عن وسع الوطن بالغيمة التي لايمكن ان تجتاز حدوده (الغيمة غير العابرة)، واثرى هذا النمط من التعارض القيمة الدلالية للسطور الشعرية الاخرى، ففي قول الشاعر، (نحن مانحوك الهوية)، فان الدلالة لا تذهب الى (مَنْ يسُمي مَنْ)، لان الوطن هو الذي يسمي ابناءه ، ولكن الهوية هنا تعني الفقراء الذي بنوا هذا الوطن عبر التاريخ، وكان ارتكاز هذا النمط في صورته الكلية على الحلم اثرهُ الرئيس لانتاج علاقات النص، فالحلم، كما يصفه هسلر، لايعترف بالتنسيق المنطقي للزمان .. ويتيح للصورة الشعرية الخصوبة النفسية(2).
المبحث الثالث
البناء التوالدي
ويستند هذا البناء إلى وجود بنية مركزية شاملة تحرك علاقات البنى الاخرى في مستويات النص المتفاعلة، وهذا النوع من البناء يتضمن انماطا مختلفة، منها البناء العنقودي، الذي يكرر الحالة الشعورية في بداية القصيدة، والبناء الاسطوري الذي يعارض او يوافق المخزون المعرفي او الشعوري تجاه الاسطورة، ويذهب الدكتور نعيم اليافي الى ان هذا البناء ((يقوم على وجود صور كلية ، عنقودية او اسطورية، تنبثق عنها او تصدر معظم صور النص، وان الصور الجزئية تتوالد من الصورة الكلية))(1).
1ـ جدلية البناء التعارضي المولد
استخدم الشاعر سعدي يوسف هذا النوع من البناء بأنماطه المختلفة، ففي قصيدة (اغنية الاعمى)(2)، هناك بناء مستند إلى النمط العنقودي او الحلزوني، اذ يبدأ الشاعر بلحظة شعورية معينة ثم ينطلق منها لتوليد صور جديدة مرتكزة على الصورة الكلية للقصيدة، وهذا التوليد للصور الجزئية، يعزز من القيمة الجمالية والدلالية للصورة الكلية ، سواء أكان ذلك عن طريق التوافق او التعارض، اذ يقول الشاعر:
انا احمد الاعمى
انا الطوّاف في الطرقات
والساري مع النجم الذي في جبهتي
انا سيد الاصوات
اعرفها
اعزفها
عصاي جوادي الابهى
ومركبتي خطاي
ورحلتي أوبات
انا احمد الاعمى
ادق سدى على ابوابكم
لاتفتحوا
...
انا احمد الاعمى
ظلامي واضح
وترتكز بنى النص الجزئية في هذه القصيدة، على البناء الكلي المرتكز على (العمى)، وهذا العمى يولد حالة شعورية خاصة في العلاقة بين الاعمى ومحيطه الخارجي.. فالعمى هو الذي دفع صاحبه الى ان يكون:
ـ الطوّاف في الطرقات/ بحثا عن شيء يفتقده
ـ يسري في الليل / لان الليل والنهار سيان عنده
ـ معرفة الاصوات ليصبح سيدها/فالسمع عند الاعمى حالة تعويض عن حاسة البصر المفقودة - ولتعزيز مقدرة الاعمى في التعامل مع الاصوات ، اقام الشاعر بنية التوازي بين الاصوات الاخرى داخل القصيدة، وميّزها عبر السطور الاتية:
انا سيد الاصوات
اعزفها
اعرفها
ان التناسب الايقاعي الذي احدثه الشاعر بين (اعزفها ، اعرفها)، عزز من ايقاع التعامل بين الاعمى والصوت ، خاصة ان هذا التعامل يكتسب طابعا خاصا لايمتلكه المبصرون، فمعرفة الصوت تتجه نحو الطابع التمييزي للاعمى، اما عزفه فيتجه نحو الطابع التجسيمي لان الاعمى يجد في عملية تجسيم الصوت عنصرا يساعده على الاقتراب من حالة المبصر الذي يرى الاجسام ويسمع صوتها.
ـ عصاي جوادي الابهى/ وهنا عوض الاعمى عن حاسة البصر بالعصى مستخدما الاحساس واللمس في تحسس الطريق، وهي محاولة اخرى لتعويض ما فقده.
مركبتي خطاي/ وفي هذه الصورة يؤكد الاعمى طبيعة طوافه في الطرقات ، اذ ان قدميه هي التي تطوف ولا توجد وسيلة اخرى للطواف، لانه لايستطيع ان يستخدم الوسائل الحديثة في التنقل منفردا، الامر الذي جعل القدم والعصا والحواس الاخرى هي التي تقوده في طريقه المظلم
وبانتهاء الشاعر من هذا المقطع يعود الى مرتكز البناء الكلي الذي ابتدأ به القصيدة
(انا احمد الاعمى).، لتنبثق من هذا التكرار صور اخرى:
اعمى ـــــ ادق سدى على ابوابكم
اعمى ـــــ لاتفتحوا..
وفي هذه العلاقة يريد الاعمى ان يقول ان كل شيء امامي موصد، فان فتحتم الباب وان لم تفتحوا فالامر لا يهم ، لانني لا اراكم..
ويكرر الشاعر (انا احمد الاعمى)، مؤكدا هذه المرة الصورة الكلية للقصيدة بصورة جزئية فيقول:
ظلامي واضح
ان هذا النوع التوالدي من البناء انتج انماطا فرعية، اذ لاحظ الباحث ان النمط في هذه القصيدة يعتمد البناء الحلزوني او العنقودي، ومنه يبدأ الشاعر بحالة الاعمى ويستمر في تكرارها خلال مقاطع القصيدة، ويصف د. مرشد الزبيدي هذا النمط بقوله ((ان الدفقة الشعورية الاولى في القصيدة محاولة للتعرف على الدافع الداخلي لهذا الشعور))(1)، لهذا كانت عملية تكرار الصور الجزئية في هذا المقطع هي المحاولة التي عوّل عليها الشاعر لاكتشاف المشاعر والاحاسيس التي انتابت الاعمى.
2ـ جدلية البناء التناقضي المولّد:
ويعتمد هذا البناء على الصراع بين العناصر الخارجية والداخلية لتوليد الصور الشعرية المعتمدة على صورة مركزية تنبثق منها مجمل الصراعات الجزئية الاخرى، ويتضح ذلك في قصيدة (تحت جدارية فائق حسن)(1) التي يقول الشاعر فيها:
تطير الحمامات في ساحة الطيران. البنادق تتبعها
وتطير الحمامات. تسقط دافئة فوق اذرع من جلسوا
في الرصيف يبيعون اذرعهم. للحمامة وجهان
وجه الصبي الذي ليس يؤكل ميتا، ووجه النبي
الذي تتأكله خطوة في السماء الغريبة
واذ يقف الناس في ساحة الطيران جلوسا، يبيعون
اذرعهم : سيدي قد بنيت العمارات... اعرف...
كل مداخلها، وصبغت الملاهي
اعرف مايجذب الراقصين اليها. ورممت مستشفيات المدينة..اعرف
حتى مشارحها، سيدي .. لم لا تشتري؟ انّ كفي
غريبة
ـ اجس ذراعك
ـ يا سيدي جسها
ـ امس.. اين اشتغلت
تطير الحمامات في ساحة الطيران.. وعينا المقاول
تتجهان الى الاذرع المستفزة. يدخل شخصان
سيارة النقل.. ثم يدور المحرك، ينفث في ساحة
الطيران دخانا ثقيلا.. ويترك بين الحمائم والشجر
المتيبس رائحة من شواء غريب.
* * *
يقول المقاول: نرجع بعد الغروب
تقول الحمامة: اهجع بعد الغروب
يقول المغني: بلادي.. لماذا يظل الغروب
وهذه القصيدة من قصائد الشاعر سعدي يوسف الطوال، وهي ترتكز على بنية مركزية هي، العلاقات المشكِّلة لـ(جدارية فائق حسن) الموجودة في ساحة الطيران.
واورد الباحث هذا المقطع الطويل منها، لبيان العلاقة بين الجدارية، وما يجري من تفاصيل يومية في الحياة، اذ استخدم الشاعر في هذه القصيدة اساليب مختلفة محاولا الالمام بشكل بانورامي بالتفاصيل اليومية للعمال في تلك الساحة ، فاستخدم الحوار، التقطيع الصوري والربط، (المونتاج)، واستخدم التداعي، واللوحة التشكيلية والاسلوب القصصي، وتعد هذه الاستخدامات واحدة من الجوانب الفنية التي اعتمدتها قصيدة التفعيلة في بنائها، ويذهب الشاعر يوسف الصائغ في هذا الصدد الى القول: ((ان قصيدة التفعيلة افادت من منجزات الفنون الاخرى وتطورها، منها اتضاح مهمات الانشاء الفني لعدد من الرسامين الشباب واغتناء الالحان العربية الجديدة بالامكانات الحديثة في التأليف والهاروموني، وتطور بناء القصص الحديثة، والانفتاح على نماذج المسرح والسينما))(1)...
ويتجسد الجانب التشكيلي في هذه القصيدة من خلال استعارة اللوحة وعلاقاتها في جدارية فائق حسن، واحالة موضوعها على الواقع لتتبع المتغيرات الحياتية والانسانية في (ساحة الطيران) التي تنتصب فيها الجدارية، ويبدأ الشاعر من نواة موضوع اللوحة (طيران الحمائم) في سماء بغداد، لينتقل بعد ذلك من اللوحة الى الواقع (البنادق تتبعها)، محدثا جدلية بين المتصور المتخيل والواقع ، ومن خلال هذه الجدلية يمتد الصراع الى شؤون الحياة الاخرى، وتحلل الناقدة يمنى العيد السطر الاول من هذه القصيدة بقولها: ((تبدو بنية النص ثنائية التركيب على مستوى الفعل، (تطير ، تتبع) وعلى مستوى الفاعل (الحمامات ، البنادق)، وهذه العلاقة تتبنين على التناقض التناحري او العلاقة الصدامية التي تشكل الحد الذي يلتقي عنده عالم حركتين، فينتج هذا الالتقاء صداما، وتنمو الحركة ، وهي المحور الذي تتبنين فيه عناصر القصيدة فتنهض بنيتها وتتكامل))(1).
وفي هذا التحليل ركزت الباحثة على مستوى التركيب اللغوي من دون ان تعاين العناصر الفنية الاخرى التي افضت الى هذا المستوى، والمتمثلة بالتصادم بين المتخيل والواقع، (اللوحة والحياة).. فالتصادم هو الذي خلق متغييرات الصراع داخل القصيدة ، وهو الذي افضى الى استعارة مختلف الفنون في بنائها، على النحو الاتي:
ـ لوحة تشكيلية / تطير الحمامات في ساحة الطيران
ـ واقع / البنادق تتبعها
ـ حوار / سيدي لم لا تشتري؟ ان كفي غريبة
ـ اجس ذراعك
ـ تقطيع صوري وتركيب، (مونتاج)/ تطير الحمامات في ساحة الطيران/صورة
وعينا المقاول تتجهان الى الاذرع المستفزة / صورة
يدخل شخصان / صورة
سيارة النقل / صورة
ـ التداعي / يقول المقاول : نرجع بعد الغروب
تقول الحمامة : اهجع بعد الغروب
يقول المغني : بلادي..لماذا يظل الغروب
وترتكز هذه الفنون المستخدمة في القصيدة جميعها على (نواة موضوع جدارية فائق حسن)، التي تمثل الصراع من اجل الحرية، وهذا الصراع يمتد الى (ساحة الطيران)، حيث يعرض العمال قوة عملهم، وحيث يشتري او يطلب (المقاولون) جهدهم في سوق العرض والطلب، وهذه العلاقة اليومية المتكررة اصبحت وكأنها خارج الزمن، (متوقفة) غير متحركة او متغيرة لان الحال نفسه يتكرر في كل يوم.. كما في قول الشاعر:
واذ يقف الناس في ساحة الطيران جلوسا، يبيعون
اذرعهم...
كما يتكرر الصراع في التداعي الذي ينهي يوم العمل بطريقة شبيهة لليوم السابق وعلى النحو الاتي:
المقاول: نرجع بعد الغروب / استمرار الفعالية.
الحمامة: اهجع بعد الغروب/ توقف الفعالية.
المغني: بلادي... لماذا يظل الغروب/ ، حلم بالحياة الخالية من التناحر.
لقد احدثت هذه الصور الجزئية تعددا في معنى الصراع الذي تتبنين علاقاته على العلاقة المركزية في (جدارية فائق حسن)، لذلك فان ملاحقة تعددية المعنى هي التي ستكشف الجدليات الجزئية المنطلقة من الجدلية الكلية(1) .
وعلى وفق هذا التنوع في الصور، لاحظ الباحث ان المقطع الثاني من هذه القصيدة افصح عن طبيعة الصراع بشكل اوضح من السابق، اذ يقول الشاعر:
تطير الحمامات في ساحة الطيران. تريد جدارا لها
ليس تبلغ منه البنادق، او شجرا للهديل القديم
وفي هذين السطرين الشعريين، تنتقل العلاقة داخل النص من المواجهة، الى محاولة احد الاطراف تأجيل الصراع، فالحمامات/تريد جدارا، او شجرا للهديل / ليس تبلغ منه البنادق..
واستخدم الشاعر (ليس تبلغ منه البنادق)، قبل (شجرا للهديل القديم)، على الرغم من ان السياق الطبيعي هو ان يكون الترابط بين سطري القصيدة على النحو الذي اورده الباحث، لكن موضع البنادق الذي اختاره الشاعر (بين الجدار والشجر)، اشارة الى مقدرة البندقية على تتبع الحمائم اينما ذهبت، في تواصل تركيبي مع المقطع الاول، (تطير الحمامات في ساحة الطيران. البنادق تتبعها) ، وبذلك اصبح حضور الصورة المركزية في القصيدة مستمرا في مقاطعها المختلفة، وهذا الحضور جعلها تشي بمخزونها وطاقتها المتجددة في القصيدة(1)، اذ يقول الشاعر في المقطع الثاني:
ولكننا يا بلاد البنادق كنا صغارا،فلم نلتفت
لإله الجنود، ولم نلتفت للحقائب مثقلة.. نحن
كنا صغارا.. اقمنا جدارا ونمنا على مضض
والحمامات خافقة في الهزيع الاخير..
ـ وفي هذا المقطع جدد الشاعر علاقات العناصر نفسها في الصورة الاولى، الامر الذي يجعله جزءا من صورة النص المركزية المولدة.
3ـ الايديولوجيا المولدة:
اثرت الايديولوجيا في قصيدة سعدي يوسف بشكل ملحوظ، وكانت هذه التأثيرات اكثر بروزا في قصائده الاولى، فمنها ما اعتمد المباشرة في الطرح كما في قصيدة (يوميات السفينة جروزيا)(2)، التي يعنون مقطعها الثاني (اغنية للبحارة السوفيت) ويقول فيها:
في الليل اضواء النجوم
زرقاء خافتة وانتم تنشدون
والبحر اهدأ ما يكون
والقلب اصفى ما يكون
يا اخوتي.. غنوا معي شيئا عن الانهار
فالماء في الفولغا يلونه النهار.,.
لكن هذه المباشرة في طرح الايديولوجيا تبدأ بالضعف، مقابل شعرية اكثر قوة ووضوحا في النص بعد نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، وقوة الشعرية تتأتى من خلال التلميح عن الموقف الايديولوجي، او استخدام الرمز ، كما في قصيدة (نحن لم نحتكم)(3)، التي يقول فيها الشاعر:
لم تضعْ، او تضيّع ، فانت الحقيقة منثورة في التراب الذي
نتنفس او نجتلي، انت عبر العراق: المسافة، تاريخه القرمزي
واطفاله القادمون.
وفي هذه القصيدة يستخدم الشاعر (التاريخ القرمزي) للدلالة على موقفه الايديولوجي والعقائدي الذي يمثله اللون (الاحمر) شعار الشيوعيين ، وفي مرحلة بعد منتصف الستينيات يغلب الرمز على الموقف الايديولوجي، وتنسحب المباشرة من القصيدة، يتطور هذا الانسحاب بشكل اوضح من مرحلة السبعينيات كما في قصيدة (الرماة) (1) التي يقول فيها الشاعر:
رأيت كتّاب الامير، سألتهم ، وخرجتُ. هل امضي
الى (قيثارة العميان)؟ ريثما سمعت قصيدة وشربت
كأسا، لم تكن (قيثارة العميان) قد فتحت، طرقت
الباب ، قالت لي فتاة:
ـ غادر الشعراء
اين
ـ الى الوليمة
كلهم
ـ كل الذين عرفتهم
ودّعتها قبل انطباق الباب، ثم مضيت عبر ازقة
الفقراء، نحو النهر مغتما، جلست ونخلة قربي.
ان الاتجاه نحو استخدام الرمز في القصيدة المعبرة عن الموقف الايديولوجي لم يلغ وجود قصائد اخرى في حقب زمنية متقاربة تصرح بعقيدة الشاعر، وهذا الاستخدام المزدوج في السبيعينات وما بعدها، للايديولوجيا في القصيدة يشير بشكل واضح الى التأثيرات المباشرة للموقف الايديولوجي في حياة الشاعر، فمن جراء هذا الموقف، طاردته الانظمة ، ودخل السجون وشرد في البلدان ، وعانى من التعسف والاحباط ، لكن هذه المعاناة لم تكن هي نفسها قصيدة سعدي يوسف، بل كانت موقفا جعله يتمييز بقدرته على تفجير طاقاته الروحية واعطائها طابعا حركيا مولدا لبنى شعرية، امتازت هذه البنى بطابعها الانساني من دون ان يؤثر ذلك على الجانب الجمالي الذي يرتقي بالشعرية ويزيد من عمقها(1) ،فالايديولوجيا عند سعدي يوسف تجربة انسانية شأنها شان بقية التجارب الاخرى وليست موقفا دعائيا او اعلاميا(2) ولخص هذه التجربة في قصيدة (الفصول ـ 2)(3)، التي كتبها الشاعر في عام (2002م) ويقول فيها:
لكأنني في صر موسكو، اكسح الثلج الذي غطّى ممرّ الباب
لكني هنا، في لندن الكبرى، اقطر ما تبقى من رماد الصيف
في قنينة
لما يزل ايلول في كتب الاغاني ناعسا، عيناي متعبتان مما اشتطت
امرأة طوال الليل قلت: أُلامس الاوراق في النبت الذي ذاق الندى
وتسلقّ الاعماق. قلت: سأهتدي من نبض انملة ونسغ
قلت: التجيء الصباح الى قميص الخضر، او خضراء (الوركا) او الى
هذا النبات المعتلي بابي...
في هذه القصيدة هناك بناء يعتمد الذاكرة والتصور والواقع، وهو بناء منوع يتيح للشاعر تشكيل صور ذات ابعاد متعددة من خلال، الصورة الرئيسة، او الموقف المركزي، اذ يبتدىء الشاعر بذاكرته المرتكزة على موقفه العقائدي..
(لكأنني في صر موسكو، اكسح الثلج).,.
وهذه البداية تشي بوجود الشاعر في مكان غير موسكو، وذلك من خلال الحرف المشبه بالفعل (كأن)، ويعزز الشاعر هذه الدلالة من خلال (لكني هنا، في لندن الكبرى) ليتأسس في هذين السطرين الشعريين بناء يبدأ من الذاكرة وينتهي بالواقع
موسكو ـــــ ذاكرة ايديولوجية تعارض الرأسمالية.
لندن ــــــ حاضر (واقع)، موقف ايديولوجي مؤيد للرأسمالية.
ومن خلال هذا التعارض بين الذاكرة والواقع ، تتعاقب الصور الشعرية المتولدة عن الموقف الايديولوجي في السطرين الشعريين (الاول والثاني)، ففي لندن (يقطر) الشاعر ما تبقى من رماد الصيف في قنينة، وهذه الصورة الجزئية المبنية على الاستعاره تسبق صورا اخرى تنبني على علاقات محسوسة ومجردة.
ايلول/ في كتب الاغاني ناعسا.
ايلول / ناعسا مجرد ــــ محسوس.
أُلامس الاوراق في النبت الذي ذاق الندي
الامس الاوراق ــــ ذاق الندى محسوس ــــ محسوس.
اهتدى من نبض انملة ونسغ اهتدى/مجرد ــــ نبض انملة/ محسوس.
التجىء: الصباح الى قميص الخضر، او خضراء (لوركا).
التجىء / مجرد ـ قميص الخضر / محسوس
او الى النبات المعتلي بابي/ النبات (محسوس) ـــ الباب (محسوس).
شكلت الذاكرة في هذا المقطع محاولة من لدن الشاعر للعودة الى الجذور، والجذر عند الشاعر يتحقق في موقفين الاول عقائدي وقد عبر عنه الشاعر باللجوء الى (لوركا)، الشاعر الاسباني الذي قتل في الحرب الاهلية الاسبانية بعد منتصف الثلاثينيات (وموقف لوركا، الفكري والايديولوجي قريب من موقف الشاعر)، وهذا القرب جعله متأثرا بلوركا، اما الموقف الثاني فهو النبات، الذي يعبر عن استمرار وجوده من خلال الشاعر نفسه، (فالنبات المعتلي) يستمر في وجود الشاعر في المكان نفسه.
وهذان الموقفان المعبران عن ذاكرة واحدة يشيران الى الصراع الداخلي الذي يجتاح الشاعر بين (انا) ذات موقف ايديولوجي عقائدي (خاسر)، بعد ان اصبحت لندن بديل موسكو، و(انا) ذات وجود انساني متحرك ومتغير في الزمان والمكان، وفي هذا النمط من الصراع كانت عناية الشاعر بالجانب العقائدي واضحة من خلال رموزه التي استخدمها في النص، من دون ان يستند الى شعاراته ومواقفه الايديولوجية(1)، الامر الذي جعل البعد الايديولوجي في القصيدة بعدا غائرا في النص مكتشفا في صراع الذات الداخلي.
ان هذا الصراع (الذاتي) في الموقف الايديولوجي هو الذي ولد الصور الجزئية في القصيدة، والعلاقات بين عناصر بعضها متفقة، واخرى متعارضة، اذ كان وجود (الذات) في مكان مناقض لها في الايديولوجيا سببا لهذا التدفق الشعوري في القصيدة.
4ـ الجدلية المولدة للرمز والاسطورة:
يلعب استثمار الاسطورة ورمزها دورا مهما في قصيدة سعدي يوسف، وينبع هذا الدور من دوافع متعددة لعل اهمها الجوانب الثقافية والنفسية والايديولوجية والسياسية والفنية، اذ اتيح للشاعر الاطلاع على الفكر الانساني العالمي ضمن ثقافته الاممية(1) ويعد رمز الاخضر بن يوسف من ابرز الرموز التي استخدمها الشاعر، وتقنع بها، ففي ديوان (الليالي كلها)(2)، يستخدم الشاعر قناع الاخضر في قصيدة بعنوان (حوار مع الاخضر بن يوسف) (3) ، يقول فيها:
سيدي
سيدي الاخضر المرْ
ياسيدي يا بن يوسف
من لي سواك اذا اغلقت حانة بالرباط؟
ومن لي سواك اذا اغلقت بالعراق النوافذ؟
وفي مقطع اخر يقول:
ويا سيدي الاخضر المر
يا سيدي بن يوسف
من قال انا شقينا
ومن قال انّا لقينا
ومن قال انا حكمنا معا... بالتداخل
وفي قصيدة بعنوان (الاخضر ايضا) (1) يقول الشاعر:
حين يضغط هذا الحديد الثقيل
على موضع العقدة الناتئة
خلف عنقي
ايها الاخضر المتطاول
اين تكون المدينة؟
كما اصدر الشاعر ديوانا بعنوان (الاخضر بن يوسف ومشاغله)(2)، ومن القصائد الاخرى التي كتبها الشاعر عن الاخضر قصيدة، (كيف كتب الاخضر بن يوسف قصائده)(3)، يطرح فيها معاناته في كتابة الشعر، ويقول في مقطع منها: (وعندما يبتعد الاخضر بن يوسف عن الارض يفقد قواه هكذا يظل جناحه مشدودا بخيط سائب.. خيط يمسح وجه الارض)، وهذا مقطع نثري ضمن قصيدة من الشعر الحر.
وفي القصائد الاخيرة اوضح الشاعر ما يريده من الرمز اذ يقول:
قلت: التجىء الصباح الى قميص الخضر، او خضراء (لوركا) او الى هذا النبات المعتلي بابي..
ويحمّل سعدي يوسف في هذه المقاطع صورة الخضر رمزها واسطوريتها، جاعلا اياها معادلا موضوعيا لذاته، واحيانا قناعا لوجوده الذي يتحرك في الموضوع، فالخضر شخصية اسطورية متحولة في رمزها سواء أكان ذلك في الاساطير القديمة ام في الاديان،ففي الدين الاسلامي يتفق المفسرون لايات القران الكريم على ان العبد الذي التقاه النبي موسى وفتاه هو الخضر(4)، في قوله تعالى ((فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلَّمناه من لدنا علما))(5).
وتقع حكاية الخضر في القسم الاوثق في تفسير الاسرائيليات بالنسبة لمفسري القرآن الكريم(1)، اما في الاسطورة البابلية فهو مصدر الحياة، وفي الثقافة الهندية اصبح الخضر إلها نهريا يصور جالسا على سمكه(2) وفي الديانة المسيحية قيل ((انما سمي الخضر لانه اينما صلى اخضر حوله))(3). ان هذا الاطار الانساني لرمز الخضر يتوافق مع الاتجاه الفكري والعقائدي للشاعر، لذلك استخدم العلائم التي ترتبط بالخضر للتعبير عن موقفه في النضال السياسي ضد الطغيان والظلم، ففي قصيدة (حوار مع الاخضر بن يوسف)(4)، يكون المغرب العربي هو المشكِّل لموقف الشاعر مكانيا، ولكن زمانيا، يستدرج الشاعر الاسطورة في الصورة الشعرية لتوليد صور ذات طابع معاصر بروح اسطورية اذ يقول:
وبين الجبال ـ القبيلة... كنّا غريبين
لم نأكل القمح اخضر
والورد اخضر
لم نعرف الورد المتساقط
هذا البذار البعيد ، وتلك النجوم القليلة
غريبين كنا عن الصخر تحت المياه
عن الماء تحت الصخور.
وفي هذا المقطع اشارات اخرى غير الخصب تومىء الى شخصية الخضر، (الصخرة، المياه، موقع الصخرة)، وهذه الاشارات جاءت في قصص الثعلبي حين قال: ((سأل موسى الله اين يطلب الخضر فقال على الساحل عند الصخرة)) (5).
وتمثل هذه القصيدة الصراع السياسي في المغرب العربي ففي هذا المكان يلتقي، الماء المالح بالماء العذب حيث يرتبط بهما اسم (الخضر) في الاساطير، ويتضح ذلك من التفاصيل اليومية لحياة السياسيين في القصيدة اذ يقول الشاعر فيها:
في ان تكون الرباط الحياد،
في ان يكون المحيط الخليج...
بأطراف تطوان ادركنا الليل والبندقية
عبداللطيف الذي لم يكن بعد في السجن ادركنا
والجبال الشقية بالماء ما ادركتنا
وتقع تطوان في اقصى المغرب العربي وهي الموقع الدقيق لالتقاء الماء المالح بالماء العذب.
ولاحظ الباحث ان اللون (الاخضر) هو اللون الطاغي في قصائد الشاعر، الامر الذي يؤكد حركة الرمز الاسطورية المتعلقة بـ(الخضر) داخل القصيدة، فالعلاقات المتولدة في قصائد الشاعر تستند إلى هذه الشخصية ورمزها الاسطوري ،ففي القصائد السياسية غالبا، ما يكون (الاخضر بن يوسف) حاضرا برموزه فيها ويتضح ذلك في قصيدته (دائرة المثلث)(1) ، التي يتناول فيها الشاعر الصراع السياسي في التاريخ العربي اذ يقول:
(سومريون يخفون تحت السماوات اسماكهم)
وفي مقطع آخر يقول:
(فلنعترف الليلة ان الماء يحاصرنا.. والصحراء بعيدة).
وفي هذه القصيدة هناك اشارتان لرمز (الخضر)، وهما (السمكة والماء) اللذان يؤكدان ان الخضر هو رمز الخصب، وتذهب الناقدة ريتا عوض في هذا الصدد قائلة ((يتأكد من رمزي الماء والسمكة ان الخضر رمز الخصب والحياة))(2).
واستخدم الشاعر الاسطورة والرمز في قصائد اخرى ولكن ليس بالكثافة نفسها التي استخدم فيها رمز (الخضر)، ومنها اسطورة الخلق في الثقافة الاغريقية، وتتضح هذه الاسطورة في قصيدة (خماسية الروح)(3)، التي يقول فيها الشاعر:
يوم عالجتها بالتراب
هذه الروح ـ قال التراب ـ
بالضياء احترقت
* * *
حين عالجتها بالهواء
ـ هذه الروح ـ قال الهواء
يومها ما هببت
* * *
يوم عالجتها بالحجر
ـ هذه الروح ـ قال الحجر
هل اكون انتهيت
* * *
يوم عالجتها بالشجر
هذه الروح ـ قال الشجر
كالتراب احترقت
* * *
يوم اطعمتها نارها
قالت الروح... اني استرحت.
وفي هذه القصيدة تولد اسطورة الوجود الاول في الثقافة الاغريقية العلاقات بين الذات والاخر داخل القصيدة، فالشاعر يبدأ كل مقطع فيها بمكِّون من مكونات الوجود الاسطوري، ((التراب ، الهواء ، النار ، الماء،))، وهذه المكونات يحيلها الدكتور سعدالدين كليب الى حجر الفلاسفة الاغريق بوصفه رمزا للعبث واللاجدوى(1)، ومن خلال هذه المكونات تنسج القصيدة علاقاتها عبر سؤال فلسفي كوني كبير يطرحه الشاعر بشأن مكون الروح وحقيقة فعالية وجودها في الحياة المعاصرة، ويذهب محمد مبارك الى ان هذه (العناصر) المكونة للوجود في الاسطورة الاغريقية تكون مشهدا شعريا يتوفر فيه الشاعر على طرف من مجريات حياته الروحية واليومية عبر تساؤلات وجودية منطوية في ذاتها على لعبة التساؤل ذاتها(1).
وفي هذا الاستخدام الاسطوري ربط الشاعر بين القدم والحداثة في رؤية متغيرات ما يعيشه اليوم، وبهذا انتج الرمز الاسطوري علاقات القصيدة المتولدة من فهم الشاعر للحياة، ذلك الفهم المستند الى (السيزيفية)، في عدم جدوى المحاولة وبالتالي عدم جدوى الوجود ذاته بقول الشاعر بشأن الحجر: (كي نطوف به دهرا)، وفي هذا السطر هناك تناص مع حجر سيزيف(2).
5ـ الرمز المولد للتعارض
وفي هذا النمط تتشكل علاقات النسيج الشعري على تعارض مع حركة الرمز الموروث، لينتج هذا التعارض صورة كلية تنتج بدورها صورا جزئية تستند الى المعارضة الكلية للرمز، ويتضح ذلك في قصيدة (الرماة)(3)، التي يقدمها الشاعر باهداء الى (ابن خلدون)، ويقول فيها:
بعد ان داروا على رحلتهمْ
شققوا اقدامهم فارتحلوا
الاقانيم على احداقهم
والاقاليم تراها الابل
في السماء التي تجفّ، رأينا العشب، نحن الموكّلين
ويرتبط الرمز، (ابن خلدون)، هنا، بموقف الشاعر من تكوّن الدولة في الوطن العربي في العصر الحديث، محاكيا آراء ابن خلدون التي تحدد الاطوار التي تمر بها الدولة في التاريخ، وهذه الاطوار عند ابن خلدون تتلخص بما يأتي:
ـ طور السعي الى الملك والظفر به
ـ طور الاستبداد والانفراد بالملك
ـ طور الفراغ والدعة
ـ طور القنوع بالملك ومسالمة الاعداء
ـ طور الاسراف والتبذير(1)
ويتبنين نسيج القصيدة بأطوار مخالفة للاطوار التي ذكرها ابن خلدون في تكون الدولة العربية، فالدولة العربية عند الشاعر تبدأ بقمع المعارضين ولا تنتهي، لانها دولة بدأت بمسالمة الاعداء، وهم الذين اوجدوها ، كما في المقطع الاتي:
لم نعرف بلادا ، خيوطنا الغزل نرميها فنثوي
وهذا الحمى كالسراب، الليل خطت عصا بلادا
وفي الصبح انتهى الرمل من تهاويل اهراماته
وفي السطر الثاني من هذا المقطع اشارة الى تكون الدول العربية في ضوء اتفاقية (سايكس ـ بيكو)، التي حددها الاستعماران الانكليزي والفرنسي في الوطن العربي، وفي هذا التكوين المشوه، تعارض الصور الشعرية في القصيدة التراث التكويني للدولة (العربية الاسلامية) التي بذل المحاربون من اجلها ارواحهم، اذ يقول الشاعر في قصيدته:
ربما مرّت على اهدابنا
خفقة خرساء ممن قتلوا
ينبت العشب على اجسادهم
حين تشتو الريح او تنتقل
ربما مّرت بنا، لكننا
كل عام، به نحتفل
ويحاكي الشاعر في مقاطع اخرى اراء ابن خلدون في الحضارة، مانحا الرمز طاقة معاصرة في العلاقة بين الدولة المشوهة، والانسان فيها بوصفه صاحب الارث الحضاري العميق، وهذه العلاقة بين الارث التاريخي والتشوه الحديث ادت الى الانقسام والتشرذم بقوله:
من نحن؟ بداة دخلو القرية بالسيف
اقاموا خيمة... وبعد الابل
العجفاء، صاروا يحلبون البقر الفاقع، نيرانهمو والروث
واضيافهمو اهل الربابات، يمر الصبية الايتام
آباؤهم نحن قتلناهم... نحن البدو مرميون
في خيماتنا الطين.
وهذه الصورة تعارض منطق ابن خلدون في التطور ، لان الانسان الحديث في البلاد العربية يتقهقر ولا يفهم معنى الحياة المعاصرة، كما اوضح ذلك المقطع الشعري، ويعلق محمد مبارك على هذا المقطع بقوله: ((اذن نحن بدو مرميون في مهب عواصف هوجاء نقتل بعضنا ونجتاح بشراسة انفسنا ونقيم في خيمات نتوهم انها العالم بأطرافه))(1).
ان هذه التعارضات التي اقامها الشاعر مع الرمز منحته طاقة متجددة في الحياة، الامر الذي جعله رمزا معاصرا في صوره المعارضة لصورة الواقع، فالهرم عند ابن خلدون، هو الدولة المكتملة البناء التي تبدأ بالانهيار، اذ يقول في هذا الصدد: ((اعلم ان اول ما يقع من اثار الهرم في الدولة انقسامها))(2) في حين يشكل الهرم في قصيدة سعدي يوسف بداية تكوين الدولة الحديثة بطابعه المادي بقوله:
اهراماتنا التي قد بناها الرمل؟ احجارنا التي
قد عبدناها، النساء المعذبات؟ الرجال الجائعين
انتهت مضاربنا يوم رأينا السماء سدرة
.......
.......
اذن فلنكن حضرا.. هل تكون البداية ان
نرتدي ما نشاء
وهنا اقام الشاعر علاقة تواز ايقاعي ودلالي بين (الهرم) الشيخوخة، و(الهرم)، شكل البناء المادي.
وتحلل الناقدة ريتا عوض هذه الجدلية في علاقة التراث بالحداثة بقولها ((كان التحدي الغربي والصراع بين القديم والمحدث، وبين التراث العربي من ناحية والتراث الغربي من ناحية اخرى هي الطابع الغالب على هذه المنطقة في القرن الاخير (وتقصد القرن العشرين)، وقد غدا هذا الصراع من القضايا الاساسية التي تشغل ضمير كل مثقف عربي، ومن البديهي ان تفرض قضية الحضارة العربية في هذا العصر ذاتها على ضمير الشاعر)) (1).
وهذه الحقيقة هي التي جعلت طاقة الرمز متجددة في جدلية القديم والحديث، وفي هذا الصدد يذهب الدكتور عزالدين اسماعيل الى ان صورة التعامل غير المباشر مع الرمز القديم، تضفي على الشعر قوة تعبيرية لها وزنها وقيمتها(2)، ويرى الباحث ان هذه القيمة التعبيرية تتحقق في العلاقات الزمانية والمكانية التي تولد طاقات مضافة لما هو معاصر من خلال امتداده التاريخي في الوعي الجمعي الانساني الذي استند اليه الشاعر في معارضته للرمز في القصيدة.
الخـــاتمـــــة
اتخذ البناء الفني للقصيدة أطرا مختلفة في النقد الحديث، اذ عالجه الباحثون والنقاد على وفق بنى تختلف من واحد الى اخر، فمنهم من رأى انه اتحاد المعنى بالايقاع ، ومنهم من ذهب الى انه الايقاع والصورة الشعرية. ولم يكن هذا الموضوع جديدا من حيث اتجاهات الدراسة او موضوعاتها، فقد درس النقد العربي القديم هذا الموضوع على وفق التطورات التي اصابت القصيدة العربية آنذاك، ومنها ظهور الموشح في الاندلس، الذي نقل بناء القصيدة التقليدية الى مرحلة جديدة في التشكيل البصري والايقاع واللغة.
ولهذا عمدت دراسة البناء الفني في قصيدة سعدي يوسف الى اتخاذ التطورات القديمة والحديثة والمعاصرة في مجال النقد والبحث سبيلا لها، وكانت البنية الظاهرة هي البنية التي درستها الاتجاهات النقدية القديمة والحديثة على انها البنية السطحية، أي انها البنية التي تمثل العناصر الاكثر بروزا في النص، ووجد الباحث، من خلال دراسته، ان هذه البنية تمتاز بعلاقة جدلية مع البنى الاخرى، مثلما تمتاز بعلاقات داخلية يؤثر كل عنصر فيها على العناصر الاخرى، فالبنية التشكيلية ترتبط ارتباطا وثيقا بالوزن، والقافية ، وان القافية عنصر من عناصر الوزن وهي جزء من حركة عناصر القصيدة التي تحدد انماط البناء ، وقد لاحظ الباحث ان (اربعة من انماط البناء الفني في القصيدة) تعتمد بشكل رئيس على القافية، فضلا عن الجانب الايقاعي الذي تحدثه في قصيدة التفعيلة.
وحاول الباحث في هذا الصدد ان يلاحظ العلاقة التي تربط البنية الظاهرة بالمتلقي ، واستنتج ان هذه البنية هي العنصر الرئيس الذي يتحدد في ضوئه الجنس الادبي. ويعد سعدي يوسف من اكثر الشعراء عناية بهذه البنية بسبب وجود عدد من القصائد التي تعتمد التشكيل المكاني اطارا للمعنى. كما لاحظ الباحث ان عنصر البنية التشكيلية تمثَّل بانزياحات متعددة في قصيدة سعدي يوسف، وان هذه الانزياحات حملت معنى مغايرا للمعنى السياقي في القصيدة التقليدية من شعر التفعيلة، ولاحظ ايضا ان الوزن غالبا ما يتعرض للانزياح عن تفعيلته الاصلية من خلال الزحافات والعلل، الامر الذي يفسر حرص الشاعر على تنويع الايقاع الذي تسمح به قصيدة التفعيلة، كما كان للقافية دورها في اغناء الايقاع من خلال سلسلة ارتباطات دلالية وموسيقية مع السطر الشعري، امتازت بالتنوع في الظهور والاختفاء.
اما البنية الشاركة فهي البنية التي يبدأ فيها المتلقي باكتشاف العناصر الجمالية في القصيدة، وهي بنية تمثل حلقة وصل بين البنية الظاهرة، والبنية المضمرة، وتعتمد بشكل رئيس على عنصر الايقاع الداخلي الذي يمتاز بالتغيير وعدم الخضوع لنظام خارجي صارم مثل الوزن، وهذه البنية، على ما استنتجه الباحث، ما تزال مدار بحث ونقاش واجتهاد، لهذا قدم الباحث فرضية بشأن هذه البنية ودرس الايقاع الداخلي في قصيدة سعدي يوسف في ضوء هذه الفرضية محاولا اثبات صحة ما طرحه، ومع هذه البنية وجد الباحث ان التوازي بنية ايقاعية ودلالية اخرى، وهي ماتزال، شأن الايقاع الداخلي، محل اجتهاد وبحث وتحليل، فالتوازي يمكن ان يشمل الشعر كله، ولو ان الرسالة استندت إلى هذه الفرضية لكان عنوانها (التوازي في شعر سعدي يوسف)، ولكن الباحث وجد في علاقات التوازي مسألتين: الاولى تتعلق بالايقاع من خلال التأثيرات الصوتية للحرف والمفردة والسطر الشعري، والثانية المعنى الذي يحققه الصوت وتغييره في القصيدة، وهاتان المسألتان لاتشكلان بنية التوازي كلها ولكنهما العنصر الطاغي في بنية التوازي، الامر الذي جعل الباحث يفرد له مبحثا كاملا.
ولعل اهم قضية ركز الباحث عليها في بحثه، العلاقات المتداخلة بين البنى، ولكي لا يخلط الوظائف والتحولات في هذه البنى درس العنصر الطاغي في البنية وجعله اساسا للدراسة مع علمه المسبق ان هناك مباحث يمكن ان تتداخل مع مباحث اخرى لكنه اعتمد على علاقة الخاص بالعام في البنى المدروسة، لهذا وجد التنغيم والانشاد عنصرين متداخلين لكن الذي يفرقهما هو ان الاول خاص والثاني عام، وكانت علاقة الخاص بالعام قد جعلت بنية التنغيم والانشاد العنصر المشترك الابرز بين الشاعر والمتلقي ،وان عناصر القصيدة في هذه البنية من علامات ترقيم وعلامات تعجب واستفهام هي التي تحدد طريقة انشاد الشعر وتعزز ايقاعه ومعناه. اما البنية الثالثة، وهي البنية المضمرة فتعد، بحسب ما يرى الباحث، نتاج البنيتين السابقتين اللتين تجعلان القارىء يستحضر طاقاته الذهنية والجمالية لاكتشاف رسالة القصيدة، وان هذه الرسالة لاتبنى على الصور المجردة بل تعتمد بشكل رئيس على العلاقات الداخلية للمفردات في السطر الشعري او الجملة الشعرية او المقطع او القصيدة كلها، لهذا كان هناك في هذه البنية ما يطلق عليه المعنى الجزئي والمعنى العام وان كلا المعنيين يؤثر في الاخر ضمن الوحدة العضوية التي تمتاز بها قصيدة سعدي يوسف.
وعلى وفق ماتقدم فان الباحث يرى ان الاستغناء عن اية بنية من هذه البنى يعد نقصا علميا ومنهجيا في دراسة البناء الفني للقصيدة ، خاصة اذا كانت الدراسة تخص شاعرا مثل سعدي يوسف، فقصيدته امتازت بالتنوع من حيث موقفها الانساني ورسالتها،ومن حيث جانبها الايقاعي والموسيقي، فضلا عن عنصر الابداع والخلق الذي امتاز به الشاعر، فايقاع قصيدته لا يميل الى العنف والتصعيد، وهذا الميل ناتج عن استخدامه للبحور ذات التفعيلات القصيرة الخبب (فعلن، فعلن)، المتدارك (فاعلن) والمتقارب (فعولن) وتكاد تكون هذه البحور هي الطاغية في الوزن الذي استخدمه الشاعر، اما العلاقات الداخلية الاخرى، المتعلقة بالايقاع. فقد امتاز سعدي يوسف بمقدرة خاصة على ايجاد تناسبات صوتية في علاقات القصيدة الايقاعية وان هذه التناسبات مثلت عنصرا جماليا خاصا ومميزا في قصيدة الشاعر، واضاف لهذه المميزات استخدامه الخاص للقافية كما حدث في استخدامها في بداية السطر الشعري ، لتشكل انسجاما جديدا مع الانسجام الذي تحدثه القافية في نهاية السطر الشعري، ولاحظ الباحث ان التناسبات الصوتية لاتشمل المفردات فقط بل تشمل الحروف ايضا فهناك قصائد، كما بين الباحث، يسيطر عليها تصويت حرف معين ليجعل القصيدة كلها تصطبغ بلون ايقاعه.
كما امتاز الشاعر سعدي يوسف بمقدرة خاصة على استخدام التراثين العربي والغربي، والتطورات الحديثة التي طرأت في الوطن العربي والغرب ايضا، فكان محاكيا للتطورات في شتى انحاء العالم، في امريكا، وامريكا اللاتينية، واوربا، مثلما كان محاكيا للتطورات التي حدثت في الوطن العربي، وبهذا يكون الشاعر قد عبر عن موقفه الانساني المنطلق من اسس ايديولوجية تعتمد الاممية معيارا لها في علاقاتها مع الاخر بشكل صادق، ولهذا اغتنت قصيدته بالرمز والاسطورة عن البابليين والاغريق والهنود والعرب، وكان التراث الاممي والانساني حاضرا في قصائده.
لقد منح هذا التنوع الفكري والاطلاع الواسع للشاعر نكهة خاصة للقصيدة ربما لم يجدها الباحث عند شاعر آخر، وكان التنوع ممتدا في عناصر القصيدة كلها ابتداء من الايقاع حتى المعنى العميق للقصيدة.
ان هذا التنوع الذي عرضه الباحث على وفق منهج تحليلي استخدم فيه التفوهات النظرية والبحوث والدراسات التي لها علاقة بالبناء الفني في الوطن العربي والغرب، محاولا تأصيل بعض المفاهيم والمصطلحات التي تناولها النقاد العرب في حقبة ازدهار النقد العربي بعد المئة الاولى للهجرة، وساعد هذا المنهج الباحث على استخدام آلية لتحليل النصوص تنطلق من النص ذاته ومتغيراته التي تحدثها عناصر البناء فيه، وذلك من اجل الوصول الى شبكة العلاقات التي تربط عناصر النص وبنيته لبيان جماليته وثراه، وقد افاد منهج التحليل هذا في استبعاد كل العناصر الذوقية الانطباعية التي اعتمدت في السابق في تقويم شاعر مهم مثل سعدي يوسف.
المصــادر والمراجع
اولا ـ المصادر والمراجع العربية
ـ القرآن الكريم.
ـ الكتاب المقدس.
( أ )
ـ ابن الاثير، ضياء الدين: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تح أحمد الحوفي وبدوي طبانة، مكتبة نهضة مصر. ط1، 1960.
ـ ابن بسام، أبو الحسن علي الشنتريني: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تح احسان عباس، دار الثقافة ، بيروت، 1979.
ـ ابن جعفر، ابو الفتح قدامة: نقد الشعر، تح محمد عبدالمنعم خفاجي، دار الكتب العلمية ، بيروت، د.ت.
ـ ابن خلدون، عبدالرحمن بن محمد: مقدمة ابن خلدون، تح علي عبدالواحد وافي، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984.
ـ ابن ذريل، عدنان: النقد والاسلوبية، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق، 1989.
ـ ابن رشد، أبو الوليد محمد بن احمد: تلخيص كتاب أرسطو طاليس في الشعر، تح محمد سليم سالم، المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية، القاهرة، 1971.
ـ ابن رشيق، أبو علي الحسن القيرواني الازدي: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تح محمد محي الدين عبدالحميد، مطبعة السعادة، القاهرة، 1955.
ـ أبن سلام, ابو عبدالله محمد الجمحي : طبقات الشعراء , نشر جوزف هل , دار الكتب العلمية , 1982
ـ ابن سناء، هبة الله الملك: دار الطراز في عمل الموشحات، تح جودة الركابي، دمشق 1949.
ـ ابن سنان، أبو محمد عبدالله بن محمد بن سعيد الخفاجي: سر الفصاحة، تحقيق عبد المتعال الصعيدي، مطبعة محمد علي صبيح ، القاهرة 1969.
ـ ابن طباطبا، ابو الحسن محمد بن أحمد العلوي: عيار الشعر، شرح وتحقيق عباس عبدالساتر مراجعة نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت 1982.
ـ ابن قتيبة، ابو محمد عبدالله: الشعر والشعراء، تح وشرح أحمد محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة 1958.
ـ ابن كثير، أبو الفداء اسماعيل القرشي: تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة ، بيروت 1987.
ـ ابن المعتز، عبدالله بن المتوكل بن المعتصم: البديع ، تح كراتشكوفسكي، دار الحكمة، دمشق د.ت.
ـ ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب المحيط، اعداد وتصنيف يوسف خياط ونديم مرعشلي، دار لسان العرب، بيروت د.ت.
ـ أبو اصبع، صالح: الحركة الشعرية في فلسطين المحتلة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1979.
ـ أبو ديب، كمال: الرؤى المقنعة، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1968.
ـ أحمد ، محمد فتوح: الرمز والرمزية في الشعر المعاصر، دار المعارف، القاهرة 1977.
ـ أحمد، نهلة فيصل: التفاعل النصي، مؤسسة اليمامة، الرياض 2001،
ـ الاخفش، ابو الحسن سعيد بن مسعدة: القوافي، تح عزة حسن، وزارة الثقافة السورية، دمشق 1970.
ـ اسماعيل، عز الدين: الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، ط3، دار العودة، بيروت، 1981.
ـ اطيمش، محسن: تحولات الشجرة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 2006.
ـ دير الملاك، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982.
ـ الاعرجي، محمد حسين: الصراع بين القديم والجديد في الشعر العربي، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1978.
ـ أنيس، ابراهيم: الاصوات اللغوية، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، د.ت.
ـ من اسرار اللغة، ط2، مطبعة لجنة البيان العربي، 1958.
ـ موسيقى الشعر، دار القلم، بيروت 1972.
( ب )
ـ بدوي، عبدالرحمن: المنطق الصوري، دار الصورة، بيروت، 1976.
( ت)
ـ التوتنجي، محمد: الاتجاهات الشعرية في بلاد الشام، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1991.
(ث)
ـ ثامر، فاضل: مدارات نقدية، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد 1978.
ـ ثامر فاضل، وآخرون: نازك الملائكة، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد 1992.
ـ الثعلبي، ابن اسحق احمد بن محمد بن ابراهيم: قصص الانبياء (عرائس المجالس)، مطبعة عاطف، القاهرة د.ت.
(ج)
ـ الجاحظ، ابو عثمان عمرو بن بحر: البيان والتبيين، ط3 تح عبدالسلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة 1968.
ـ الجبوري، مي فاضل: القراءات القرآنية، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1996.
ـ الجرجاني، عبدالقاهر: دلائل الاعجاز، تح محمد عبدالمنعم خفاجي، مكتبة القاهرة، القاهرة، 1969.
ـ الجوهري، اسماعيل بن حماد: الصحاح في اللغة والعلوم،اعداد وتصنيف نديم مرعشلي واسامة مرعشلي، دار الحضارة العربية ، بيروت 1974.
ـ الجيوسي، سلمى الخضراء: موسوعة الادب الفلسطيني، المجلد الاول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1997.
(ح)
ـ حسين، عدنان قاسم: الاصول التراثية في نقد الشعر العربي المعاصر، المنشأة الشعبية للنشر، ليبيا، 1981.
ـ الحلي، صفي الدين: شرح الكافية البديعية، وزارة الثقافة السورية، دمشق 1983.
(خ)
ـ الخطيب ، محمد كامل: نظرية الشعرة مرحلة الاحياء والديوان، ق1، منشورات وزارة الثقافة السورية، دمشق، 1997.
ـ خمر العين، خيرة: جدل الحداثة في نقد الشعر العربي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1996.
ـ خير بيك، كمال: حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر، دار المشرق، بيروت 1982.
(د)
ـ د ك الباب، جعفر: النظرية اللغوية العربية الحديثة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1996.
ـ الدماميني، بدر الدين ابو محمد بن أبي بكر: العيون الغامزة على خبايا الرامزة، تح الحساني حسن عبدالله، دار المعارف، القاهرة، 1973.
(ر)
ـ الراضي عبدالحميد: شرح تحفة الخليل في العروض والقافية ، ط2، مؤسسة الرسالة، بغداد، 1975.
ـ الرندي، أبو البقاء: الوافي في نظم القوافي، الرباط، 1989.
(ز)
ـ زايد، علي عشري: موسيقى الشعر الحر، الهيئة المصرية للكتاب ، القاهرة، 1989.
ـ الزبيدي، مرشد: البناء الفني للقصيدة في النقد العربي المعاصر، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1992.
(س)
ـ السامرائي، فاضل: معاني الابنية في اللغة العربية، جامعة بغداد، بغداد 1981.
ـ سعيد ، خالدة: حركية الابداع، دار العودة ، بيروت 1979.
ـ السكاكي، ابو يعقوب يوسف بن ابي بكر: مفتاح العلوم ، ط2، مطبعة الحلبي، مصر، 1937.
ـ سيبويه، ابو بشر عمرو بن عثمان: الكتاب ، تح عبدالسلام هارون، مطابع الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1975.
(ش)
ـ شقير , شاكر: مصباح الافكار ـ ضمن كتاب نظرية الشعر , محمد كامل الخطيب، منشورات وزارة الثقافة السورية ـ دمشق 1997.
ـ الشيبي , مصطفى كامل : فن القوما , دار الشؤون الثقافية ـ بغداد 1996.
(ص)
ـ الصائغ، يوسف: الشعر العراقي الحر منذ نشأته حتى عام 1982 ، مطبعة الاديب ، بغداد 1978.
ـ صالح، بشرى موسى: الصورة الفنية في نقد الشعر العربي الحديث، رسالة دكتوراه مطبوعة بالرونيو، كلية الاداب، جامعة بغداد 1987.
ـ الصفدي، صلاح الدين بن خليل بن ايبك: الغيث المسجم في شرح لامية العجم، مطبعة الخانجي، القاهرة 1951.
ـ الصكر، حاتم: مالا تؤديه الصفة، دار كتابات، بيروت 1993.
(ع)
ـ عبدالرؤوف، محمد عوني: بدايات الشعر العربي بين الكم والكيف، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1976.
ـ عبدالصبور، صلاح: قراءة جديدة لشعرنا القديم، دار العودة، بيروت، 1972.
ـ عبدالمطلب، محمد: البلاغة والاسلوبية، مطابع الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1984.
ـ العبطة ، محمود: بدر شاكر السياب والحركة الشعرية الجديدة في العراق، مطبعة المعارف ، بغداد، 1965.
ـ العزاوي، فاضل : الروح الحية، جيل الستينيات في العراق، دار المدى، دمشق، 1997.
ـ علوش، سعيد: معجم المصطلحات الادبية المعاصرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1985.
ـ عمر، احمد مختار: علم الدلالة، دار العروبة للنشر والتوزيع، الكويت 1982.
ـ عوض، ريتا: اسطورة الموت والانبعاث في الشعر العربي الحديث، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1987.
ـ عياد شكر: موسيقى الشعر العربي، دار المعرفة، القاهرة، 1987.
ـ العيد، يمنى: في معرفة النص، دراسات في النقد الادبي، دار الافاق الجديدة، بيروت، 1983.
(غ)
ـ غزوان، عناد: الشكل والمضمون في الشعر العربي المعاصر، مقالة ضمن كتاب (الشعر والفكر المعاصر) ، دار الحرية للطباعة ، بغداد، 1974.
(ف)
ـ الفارابي أبو نصر: جوامع الشعر، تح محمد سليم سالم، القاهرة، 1971 (ضمن كتاب تلخيص كتاب ارسطو طاليس في الشعر لابن رشد).
ـ الفراهيدي، الخليل بن احمد : العين، تح مهدي المخزومي وابراهيم السامرائي، وزارة الاعلام العراقية ، بغداد، 1981.
ـ فضل ، صلاح : نظرية البنائية في النقد الادبي، ط3، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1987.
ـ فيدوح، عبدالقادر: الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي ، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1992.
(ق)
ـ القرطاجني، ابو الحسن حازم: منهاج البلغاء وسراج الادباء، تح محمد الحبيب بن الخوجة، دار الكتب الشرقية، تونس 1966.
(ك)
ـ الكبيسي، طراد: الغابة والفصول ، دار الرشيد للنشر، بغداد 1979.
ـ كتاب المنزلات، ج1 ، منزلة الحداثة، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد، 1992.
ـ النقطة والدائرة: دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد ، 1987.
ـ الكفوي، ابو البقاء أيوب بن موسى الحسيني: الكليات ، تح عدنان درويش ومحمد المصري، وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق، ط1، 1976.
ـ كليب، سعد الدين: وعي الحداثة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1997.
ـ كليطو، عبدالفتاح: الغائب،دراسة في مقامات الحريري، توبقال الدار البيضاء، 1982.
(ل)
ـ لازم، عربية توفيق: حركة التطور والتجديد في الشعر العراقي الحديث، مطبعة الايمان بغداد، 1971.
ـ اللجمي، نبيلة الرزاز: اصول قديمة في شعر جديد، وزارة الثقافة السورية، دمشق، 1995.
(م)
ـ الماكري، محمد: الشكل والخطاب، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1991.
ـ مبارك، محمد: دراسات نقدية في النظرية والتطبيق، دار الحرية ، بغداد 1976.
ـ الوعي الشعري، دار الشؤون الثقافية، بغداد 2004.
ـ المجذوب، عبدالله الطيب: المرشد الى فهم اشعار العرب وصناعتها، مطبعة البابي الحلبي، القاهرة 1955.
ـ المحجوبي، علي : النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر، سراس للنشر، تونس، 1999.
ـ المحسن، فاطمة: سعدي يوسف النبرة الخافتة في الشعر العربي الحديث، دار المدى ، دمشق 2000.
ـ مرتاض، عبدالملك: بنية الخطاب الشعري، دار الحداثة ، بيروت 1986.
ـ المرزوقي، احمد بن محمد الحسن: شرح ديوان الحماسة، نشره احمد امين، مطبعة لجنة التاليف والترجمة، القاهرة، 1952.
ـ المساوي، عبدالسلام: البنيات الدالة في شعر امل دنقل، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1994.
ـ المسدي، عبدالسلام: الاسلوبية والاسلوب، الدار العربية للكتاب ، تونس، 1982.
ـ المسدي، عبدالسلام واخرون: الشعر ومتغيرات المرحلة، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 1987.
ـ مطلوب، احمد : معجم النقد العربي القديم، جزءان، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1989.
ـ النقد الادبي الحديث في العراق، مطبعة الجيلاوي، القاهرة 1968.
ـ المعداوي، احمد: البنية الايقاعية الجديدة في الشعر العربي، مجلة الوحدة، 82، 83 الرباط 1991.
ـ مفتاح ، محمد : تحليل الخطاب الشعري، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1985.
ـ الملائكة، نازك:
ـ قضايا الشعر المعاصر، ط6، دار العلم للملايين ، بيروت 1981.
ـ المجموعة الشعرية الكاملة، ج1 دار العودة، بيروت 1979.
ـ الموجة الصاخبة، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1994.
(ن)
ـ ناصف، مصطفى: مشكلة المعنى في النقد الحديث، مكتبة الشباب، القاهرة 1965.
ـ النويهي، محمد : قضية الشعر الجديد، دار الفكر مكتبة الخانجي، القاهرة 1971.
(هـ)
ـ هلال ، ماهر مهدي: جرس الالفاظ، دار الحرية للطباعة، بغداد 1980.
ـ هلال ، محمد غنيمي: النقد الادبي الحديث، دار النهضة، القاهرة 1965.
(و)
ـ الواد، حسين: مناهج الدراسة الادبية، دار العودة ، بيروت 1971.
ـ الورقي سعيد: لغة الشعر العربي الحديث، دار المعارف، القاهرة 1983.
(ي)
ـ اليافي، نعيم: اوهاج الحداثة، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1992.
ـ يوسف سعدي:
ـ خطوات الكنغر، دار المدى ، دمشق 1997.
ـ المجموعة الشعرية، ج1، الليالي كلها، دار المدى، دمشق، ط4، 1995.
ـ المجموعة الشعرية، ج2، من يعرف الوردة، دار المدى، دمشق، ط4، 1995.
ـ المجموعة الشعرية، ج3، جنة المنسيات، دار المدى ، دمشق، ط4 1995.
ـ المجموعة الشعرية، ج4، حياة صريحة، دار المدى ، دمشق، ط4 1995.
ـ المجموعة الشعرية، ج5، الخطوة الخامسة، دار المدى ، دمشق، ط4، 1995.
ـ يوميات المنفى الاخير: دار الهمداني، عدن، 1983.
ثانيا : المصادر المترجمة الى اللغة العربية
ـ ارسطو: فن الشعر، ط2، ترجمة عبدالرحمن بدوي، دار الثقافة بيروت 1973.
ـ افاناسييف: اسس الفلسفة الماركسية، ترجمة عبدالرزاق الصافي، مكتبة الطريق الجديد، بغداد 1974.
ـ اليوت، ت س: المدخل الى النقد الادبي، ترجمة لطيفة الزيات، مكتبة الانجلو المصرية القاهرة، د.ت.
ـ ايزر، ولفغانغ: القارىء الضمني، ترجمة هناء خليف علي، دار الشؤون الثقافية، بغداد ، 2006.
ـ باشلار، غاستون: جدلية الزمن، ترجمة خليل احمد خليل، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1988.
ـ برونتوي، جوليوس: الفيلسوف وفن الموسيقى، ترجمة فؤاد زكريا، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة 1969.
ـ بياجيه، جان: البنيوية، ترجمة عارف ميمنة وتيسير اوبري، دار عويدات ، بيروت 1972.
ـ تيودوروف، تزفيتان:
ـ الشعرية، ترجمة شكري المبخوت ورجاء بن سلامة، دار توبقال للنشر، ط2 الدار البيضاء، 1990.
ـ نقد النقد، ترجمة سامي سويدان، دار المأمون، بغداد 1986.
ـ جاكوبسن، رومان: قضايا الشعرية، ترجمة محمد الولي، مبارك حنون، دار توبقال ط1 الدار البيضاء 1988.
ـ جاكوبسن، رومان واخرون: نظرية المنهج الشكلاني، ترجمة ابراهيم الخطيب، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط 1982,
ـ جفرسون، آن وديفيدروبي: النظرية الادبية الحديثة، ترجمة سمير مسعود، منشورات وزارة الثقافة ، دمشق، 1992.
ـ جنكتو، ايردل: الفن والحياة، ترجمة احمد حمدي محمود، القاهرة، د.ت.
ـ جينيت، جيرار: مدخل لجامع النص، ترجمة عبدالرحمن أيوب، دار توبقال، الدار البيضاء 1986.
(د)
ـ دورو، اليزابيت: الشعر كيف نفهمه، ترجمة ابراهيم الشوش، مكتبة منيمنة، بيروت، 1961.
ـ دي سوسير، فرديناند: علم اللغة العام : ترجمة يوئيل يوسف عزيز، بيت الموصل، الموصل ، 1988.
(ر)
ـ راي، وليم: المعنى الادبي من الظاهراتية الى التفكيكية: ترجمة يوئيل يوسف عزيز، دار المأمون، بغداد، 1988.
ـ ريتشاردز، أ أ : مبادىء النقد الادبي، ترجمة مصطفى بدوي، المؤسسة المصرية للتأليف ، القاهرة، 1963.
(ك)
ـ كوهين، جان: بنية اللغة الشعرية، ترجمة محمد الولي ومحمد العمري، توبقال، الدار البيضاء، 1986.
ـ كيرزويل، اديث: عصر البنيوية، ترجمة جابر عصفور، دار افاق عربية ، بغداد، 1985.
ـ اللغة العليا: ترجمة احمد درويش، المجلس الاعلى للثقافة، 1995.
(ل)
ـ لوتمان، يوري: تحليل النص الشعري، ترجمة محمد فتوح، النادي الادبي الثقافي، جدة، 1999.
ـ ليتش، فنست ب: النقد الادبي الامريكي من الثلاثينيات الى الثمانينيات، ترجمة محمد يحيى، المجلس الاعلى للثقافة 2000.
(م)
ـ ماكليش، ارشيبالد: الشعر والتجربة، ترجمة سلمى الخضراء الجيوسي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1963.
(هـ)
ـ هاف، غراهام: الاسلوب والاسلوبية، ترجمة كاظم سعد الدين، دار افاق عربية، بغداد 1985.
ـ هولب، روبرت: نظرية التلقي : ترجمة عزالدين اسماعيل، النادي الثقافي، جدة، 1994.
ـ هيغل، جورج ويليهايم: فكرة الجمال ، ت جورج طرابيشي، دار الطليعة ، بيروت، 1966.
(و)
ـ وارين اوستن، رينيه ويلك: النظرية الادبية ترجمة محي الدين صبحي، المجلس الاعلى لرعاية الفنون، دمشق، 1972.
ـ ولسن، كولن: الشعر والصوفية: ترجمة عمر ابو حجلة ، دار الاداب بيروت، 1972.
ثالثا : الرسائل الجامعية
ـ الآلوسي، ثابت عبدالرزاق: ظاهرة الغموض في الشعر العربي المعاصر، رسالة دكتوراه مطبوعة بالرونيو، كلية الاداب، جامعة بغداد، 1985.
ـ صالح ، بشرى موسى: الصورة الفنية في نقد الشعر العربي، رسالة دكتوراه مطبوعة بالرونيو، كلية الاداب، جامعة بغداد، 1987.
ـ محمود، عبدالمطلب: التراث والحداثة في الشعر العراقي الحديث 1950-1980، رسالة ماجستير مطبوعة بالرونية، كلية الاداب ، جامعة بغداد، 1997.
رابعا : الدوريات
ـ انيس، ابراهيم: عناصر الموسيقى في الشعر العربي، مجلة شعر، بيروت، ابريل، 1976.
ـ ايكو، امبرتو: المرسلة الشعرية، مجلة اوراق ، ترجمة محمد درويش، ع 7-8، عمان 1998.
ـ جعفر ، عبدالكريم راضي: نصف قرن من الشعر العربي الحديث، بحث مقدم لمهرجان المربد الخامس عشر، بغداد 1999.
ـ الركابي، فليح كريم: البنية الايقاعية في القصيدة العربية المعاصرة، مجلة كلية الاداب، جامعة بغداد، ع 62، بغداد 2006.
ـ ترنيمة الاسى وسلطة فاعلاتن في القصيدة العربية، مجلة البيان ع 430 الكويت ، 2006.
ـ الرواشدة، سامح: بنية التوازي في شعر يوسف الصائغ واثره في الايقاع والدلالة مجلة ابحاث اليرموك، ع2، عمان ، 1998.
ـ فضل ، صلاح : ظواهر اسلوبية في شعر شوقي، مجلة فصول، ع2، يوليو، القاهرة، 1981.
ـ القط، عبدالقادر: حركة الديوان والحداثة الشعرية، بحث مقدم لمهران المربد التاسع، بغداد 1989.
ـ مجهول ، كاتب: ملامح وخطوط، مجلة الكلمة، ع6، بغداد، 1973.
ـ مظلوم، محمد جاسم: امكنة منسية في عراء الارض، ملحق جريدة الاهرام الادبي القاهرة، 11/4/2006.
ـ المعداوي , أحمد : البنية الايقاعية الجديدة للشعر العربي ـ مجلة الوحدةـ ع 82 الرباط 1991.
ـ الملائكة، نازك: سيكولوجيا القافية، مجلة شعر، ع3، يوليو 1976.
ـ مهدي، سامي: الاعماق الخضر، مجلة الاقلام، ع7-8، بغداد 1997.
ـ وعي التجديد والريادة الشعرية، مجلة الاقلام، ع8، بغداد، 1978.
ـ مهدي، سامي وأخرون : الطليعة الادبية ـ ع7-8 بغداد 1990 .
ـ نوفالس: فن الشعر ، ترجمة رشيد حبشي، مجلة مواقف ، ع24-25، بيروت 1989.
ـ يوسف، سعدي: الموازنة الواعية، مجلة الطريق، ع5، بيروت ، 1971.
2. المصدر نفسه:ص174.
3. ابن رشيق القيرواني: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ـ ج1ـ ص129.
5. حازم القرطاجني :منهاج البلغاء وسراج الادباء ـ ص143.
6. ينظر المصدر نفسه ـ ص109.
1. القرطاجني: مصدر سابق ـ ص201.
2. ينظر طراد الكبيسي: الغابة والفصول ـ ص29.
3. ينظر ابن سناء الملك : دار الطراز في عمل الموشحات ـ ص44.
4. ينظر ابن بسام: الذخيرة في محاسن اهل الجزيرة ـ ج1 ـ ص468.
2. ينظر عبد السلام المساوي: البنيات الدالة في شعر أمل دنقل ـ ص64.
1. ينظر محمد التوتنجي: الاتجاهات الشعرية في بلاد الشام ـ ص73.
4. مرشد الزبيدي ـ بناء القصيدة الفني في النقد العربي القديم والمعاصر ـ ص73.
2. ينظر عبدالسلام المسدي واخرون: الشعر ومتغيرات المرحلة ـ ص108.
· اوراق الشعب: مجموعة شعرية للشاعر الامريكي والت ويتمان ترجمها الشاعر سعدي يوسف بكتاب صدر عن وزارة الاعلام في بغداد سنة 1976.
5. ينظر محمد حسين الاعرجي: مصدر سابق ـ ص36.
1. عبدالقادر القط: مصدر سابق ـ ص11.
2. ينظر نبيلة الزراز اللجمي: مصدر سابق ـ ص34 .
3. ينظر عناد غزوان: الشكل والمضمون في الشعر العربي المعاصر ـ ص14-15.
4. المصدر نفسه: ص15.
5. ينظر عدنان قاسم حسين: الاصول التراثية في نقد الشعر العربي المعاصر في مصرـ ص47.
6. يوسف الصائغ : الشعر الحر في العراق منذ نشأته حتى عام 1958 ـص 64 .
1. عبد السلام المسدي واخرون: مصدر سابق ـ ص104
2. فاضل ثامر واخرون: نازك الملائكة ـ ص33.
2. ينظر سامي مهدي : وعي التجديد والريادة الشعرية في العراق ـ مجلة الاقلام- ص10.
4. محمود العبطة: بدر شاكر السياب والحركة الشعرية الجديدة في العراق ـ ص37.
5. خيرة خمر العين: جدل الحداثة في نقد الشعر العربي ـ ص46.
1. ينظر سعدي يوسف :المجموعة الشعرية ـ الليالي كلها ـ ج1ـ ص620ـ636.
3. المصدر نفسه :ص4.
4. ينظر فاطمة المحسن: سعدي يوسف النبرة الخافتة في الشعر العربي الحديث ـ ص6.
1. ينظر يوسف الصائغ: مصدر سابق ـ ص200.
1. ينظر عبد المطلب محمود: التراث والحداثة في الشعر العراقي الحديث 1950ـ1980 ـ رسالة ماجستيرمقدمة الى كلية الاداب ـ جامعة بغداد ـ ص102.
3. ينظر نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصرـ ص97.
4. ينظر عبد المطلب محمود: مصدر سابق ـص84ـ95
1. محسن اطيمش: مصدر سابق ـ ص47ـ48.
3. ينظر سعدي يوسف: مصدر سابق ـ ص498.
4. ينظر محسن اطيمش: مصدر سابق ـ ص49.
1. سعدي يوسف: مصدر سابق ـ ص566.
4. المصدر نفسه ـ ص557.
5. المصدر نفسه ـ ص417.
1. سعدي يوسف: مصدر سابق ـ ص556.
2. ينظر سامي مهدي:الموجة الصاخبة ـ ص136.
3. محمد مبارك :الوعي الشعري ـ ص280.
4. طراد الكبيسي : كتاب المنزلات ـ ج1 ـص164 .
1. ينظر فاطمة المحسن : مصدر سابق ـ ص7.
2. ينظر فاضل العزاوي: الروح الحية ،جيل الستينيات في العراق ـ ص213.
· بيان اصدره سامي مهدي وفاضل العزاوي وخالد علي مصطفى وفوزي كريم، ينظر مجلة الطليعة الادبية ـ العدد 7-8، 1990 ـ ص 47-49.
3. ينظر سامي مهدي: الموجة الصاخبة ـ ص355.
1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ج1ـ ص403.
3. ينظر سامي مهدي: الموجة الصاخبة ـ ص358.
5. سعدي يوسف : خطوات الكنغر ـ ص170.
2. ثابت عبد الرزاق الالوسي: ظاهرة الغموض في الشعر العربي المعاصرـ اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الاداب ـ جامعة بغداد ـص159.
· مجموعة شعرية للشاعر سعدي يوسف صدرت في بغداد عن مطبة الاديب عام 1972 .
5. ينظر فاطمة المحسن: مصدر سابق ـ ص12.
2. ينظر سلمى الخضراء الجيوسي: موسوعة الادب الفلسطيني المعاصر ـ ص82.
3. محمد جاسم مظلوم: ملحق جريدة الاهرام الادبي ـ في 11/4/2006
1. سعد الدين كليب: وعي الحداثة ـ ص48.
2. ينظر آن جيفرسون وديفيد روبي: النظرية الادبية الحديثة ـ ص20.
3. ينظر فرديناند دي سوسير: علم اللغة العامة ـ ص12.
4. ينظر رومان جاكوبسن وآخرون: نظرية المنهج الشكلاني ـ ص41-42.
5. ينظر عدنان بن ذريل: النقد والاسلوبية بين النظرية والتطبيق ـ ص40.
6. ينظر تيودوروف: نقد النقد ـ ص39.
1. ينظر محمد عبدالمطلب: البلاغة والاسلوبية ـ ص49.
2. ينظر تيودوروف: الشعرية ـ ص58.
4. ينظر عدنان بن ذريل: مصدر سابق ـ ص40.
5. ينظر غراهام هاف: الاسلوب والاسلوبية ـ ص67.
6. ينظر ولفغانغ ايزر : القارىء الضمني ـ ص241.
7. ينظر روبرت هولب ـ نظرية التلقي ـ ص339.
1. ينظر فنسنت ب. ليتش: النقد الادبي الامريكي من الثلاثينيات الى الثمانينيات ـ ص207.
2. ينظر جان بياجيه: البنيوية ـ ص9.
3. ينظر روبرت هولب ـ مصدر سابق ـ ص97.
1. ينظر جاكوبسن وآخرون ـ مصدر سابق ـ ص52.
3. ينظر جان كوهين ـ بنية اللغة الشعرية ـ ص212.
4. ينظر محمد الماكري : الشكل والخطاب ـ ص180.
1. ينظر صلاح فضل ـ مصدر سابق ـ ص73.
2. ينظر محمد عبدالمطلب : مصدر سابق ـ ص49.
1. ينظر نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـ ص37.
2. ينظر هيغل: فكرة الجمال ـ ج2 ـ ص251.
3. ينظر طراد الكبيسي: كتاب المنزلات ج1 ـ ص109.
5. ينظر عبدالسلام المسدي ـ الاسلوبية والاسلوب ـ ص163.
6. ينظر يوري لوتمان ـ تحليل النص الشعري ـ ص147.
1. سعدي يوسف: مجلة الطريق ـ ص77.
2. طراد الكبيسي: كتاب المنزلات ج1ـ ص100-111.
4. ينظر بشرى موسى صالح: الصورة الفنية في نقد الشعر العربي الحديث ـ رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الاداب/جامعة بغداد ـ ص54.
5. ينظر طراد الكبيسي: كتاب المنزلات ـ ج1 ـ ص151.
6. ينظر جوليوس بروتنوي: الفيلسوف وفن الموسيقى ـ 296.
7. سعدي يوسف: المجموعة الشعريةـ ج 4 ـ ص131.
1. ينظر عبدالله الطيب المجذوب: المرشد الى فهم اشعار العرب وصناعتها ـ ج2 ـ ص145.
2. طراد الكبيسي: كتاب المنزلات ـ ج1 ـ ص154.
4. ينظر عبد الكريم راضي جعفر: نصف قرن من الشعر الحديث، بحث مقدم لمهرجان المربد الخامس عشرـ ص21.
1. ينظر عبدالكريم راضي جعفر: مصدر سابق ـ ص164.
1. ينظر نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـ ص107.
3. نعيم اليافي ـ مصدر سابق ـ ص225.
2. ينظر جاستون باشلار: جدلية الزمن ـ ص175 .
1. ينظر الخليل بن احمد الفراهيدي: العين ـ ص64.
2. ينظر ابراهيم انيس: الاصوات اللغوية ـ ص60.
3. ينظر جان كوهين: اللغة العليا ـ ص122.
4. ينظر وليم راي: المعنى الادبي ـ ص148.
2. ينظر الكتاب المقدس ـ العهد القديم سفر التكوين ـ الاصحاح الثالث.
3. ينظر عبد السلام المسدي واخرون: مصدر سابق ـ ص125.
4. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج3ـ ص334.
1. ينظر عبد الفتاح كليطو: الغائب، دراسة في مقامات الحريري ـ ص68.
1. ينظر خيرة خمر العين: مصدر سابق ـ ص132.
1. امبرتو ايكو: المرسلة الشعرية ـ مجلة الفكر العربي المعاصر ـ ص102.
1. ينظر ماكليش: الشعر والتجربة ـ ص7.
1. ينظر خالدة سعيد: حركية الابداع ـ ص13.
1. ينظر ابن رشيق القيرواني: مصدر سابق ـ ج1 ـ ص134.
3. ينظر المرزوقي: شرح ديوان الحماسة ـ ج1 ـ ص9.
4. ينظر ابن طباطبا العلوي: مصدر سابق ـ ص21.
5. ينظر حازم القرطاجي: مصدر سابق ـ ص268.
6. ابن سنان الخفاجي: سر الفصاحة ـ ص339.
1. ينظر الكفوي: الكليات ـ ج3 ـ ص361.
2. نبيلة الرزاز: مصدر سابق ـ ص53.
3. المصدر نفسه ـ ص 55
4. ينظر نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـ ص66.
1. ينظر عبدالحميد الراضي ـ شرح تحفة الخليل في العروض والقافية ـ ص14.
2. نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـص66.
3. المصدر نفسه: ـ ص67.
2. ينظر الدماميني: العيون الغامزة ـ ص59.
3. المصدر نفسه: ص22.
4. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص46.
5. المصدر نفسه: ص10.
6. ينظر نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر ـ ص107.
8. المصدر نفسه: ـ ص28.
1. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص295.
1. ينظر الدماميني: مصدر سابق ـ ص59.
4. ينظر صالح ابو اصبع: مصدر سابق ـ ص202.
5. محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص94.
6. ينظر ابراهيم انيس ـ عناصر الموسيقى في الشعر العربي ـ مجلة شعر ـ ص14.
1. محسن اطيمش ـ تحولات الشجرة ـ ص100.
2. يذهب الدكتور محمد عوني عبدالرؤوف الى ان تفعيلة الشعر العربي تتكون من جوهر الايقاع الصاعد وهو الوتد، وان الوتد هو الذي يحدد الايقاع في القصيدة العربية، ينظر بدايات الشعر العربي بين الكم والكيف ـ ص88.
1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية - ج2 ـ ص31.
1. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص11.
2. ينظر ابراهيم انيس: موسيقى الشعر ـ ص11.
3. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص68.
4. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية - ج2 ـ ص9.
5. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص201.
1. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص202.
2. ينظر صالح ابو اصبع: مصدر سابق ـ ص207.
3. ينظر محمد عوني عبد الرؤوف: مصدر سابق ـ ص124.
4. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص211.
5. ينظر شاكر شقير: مصباح الافكار في نظم الاشعار ـ ص41.
1. علي عشري زايد: موسيقى الشعر الحر ـ ص152.
3. ينظر فليح الركابي: ترنيمة الاسى.. وسلطة فاعلاتن في القصيدة العربية مجلة البيان ـ ص25.
4. محسن اطيمش ـ تحولات الشجرة ـ ص133.
2. المصدر نفسه: ص31.
3. سعيد الورقي: لغة الشعر العربي الحديث ـ 209.
1. ينظر محسن اطيمش ـ تحولات الشجرة ـ ص86.
3. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص104.
4. ينظر المصدر نفسه: ـ ص138.
1. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ص138.
3. مصطفى كامل الشيبي: فن القوما ـ ص21.
4. أبن سلام:طبقات فحول الشعراء ـ ج1 ـ ص72
5. عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص250.
6. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ص33
1. ينظر عبد الحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص28.
2. محسن اطيمش ـ تحولات الشجرة ـ ص87.
1. ينظر محمد عوني عبدالرؤوف: مصدر سابق ـ ص105.
1. ينظر عبدالله الطيب المجذوب: مصدر سابق ـ ص74.
2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية -ج4 ـ ص391.
1. ينظر محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص87.
2. ينظر عبدالله الطيب المجذوب: مصدر سابق ـ ص48.
2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص371.
3. ينظر الدماميني: مصدر سابق ـ ص69.
2. سعدي يوسف : المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص340.
2. ينظر محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص85.
3. ينظر نازك الملائكة: قضايا الشعر المعاصر ـ ص144.
4. المصدر نفسه: ـ 107.
5. ينظر صالح ابو اصبع: مصدر سابق ـ ص207.
2. الاخفش: القوافي ـ ص1.
3. ابن رشيق: مصدر سابق ـ ج1 ـ ص153.
4. ينظر المرزوقي: مصدر سابق ـ ص3.
5. ينظر الصفدي: الغيث المسجم ـ ج1 ـ ص13.
6. ينظر سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص40.
3. ينظر شكري عياد: موسيقى الشعر العربي ـ ص116.
4. ينظر ابراهيم انيس: موسيقى الشعر ـ ص383.
1. ينظر عز الدين اسماعيل:مصدر سابق ـ ص114-115.
2. ينظر د. صالح ابو اصبع: مصدر سابق ـ ص242.
3. ينظر يوري لوتمان: مصدر سابق ـ ص128.
5. ينظر يوري لوتمان ـ مصدر سابق ـ ص125.
6. ينظر روبرت هولب: مصدر سابق ـ ص125.
1. ينظر روبرت هولب: مصدر سابق ـ ص150.
2. ينظر جاكوبسن: قضايا الشعرية ـ ص45.
3. ينظر يوري لوتمان ـ مصدر سابق ـ ص125.
4. اوستن وارين ، رينيه ويلك: نظرية الادب ـ ص208.
1. ينظر احمد مطلوب: معجم النقد العربي القديم ـ ص173.
2. ينظر سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص261.
1. ينظر جعفر دك الباب: النظرية اللغوية العربية الحديثة ـ ص47.
3. ينظر جان كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص96.
4. د. جعفر دك الباب: مصدر سابق ـ ص45.
1. ينظر جان كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص87.
2. ينظر المصدر نفسه: ص88.
3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص489.
1. جان كوهين: اللغة العليا ـ ص73.
1. ينظر نازك الملائكة: سيكولوجيا القافية ـ مجلة شعر ـ ص16.
1. ينظر عبدالسلام المساوي: مصدر سابق ـ ص71.
* التصريع حسب ما يذهب اليه ابن رشيق (ماكانت عروض البيت تابعة لضربه تنقص بنقصه وتزيد بزيادته) ـ ينظر العمدة ـ ج1 ـ ص173.
1. ينظر قدامة بن جعفر: مصدر سابق ـ ص51.
1. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص190.
1. ينظر جان كوهين: اللغة العليا ـ ص107.
2. ينظر روبرت هولب: مصدر سابق : ص211.
3. ينظر جان كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص67.
5. ينظر عز الدين اسماعيل: مصدر سابق ـ ص252.
2. ينظر جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص87.
1. ينظر طراد الكبيسي: الغابة والفصول ـ ص82.
2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص51.
4. محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص254.
5. عزالدين اسماعيل: مصدر سابق ـ ص67.
6. المصدر نفسه: ص261.
7. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص32-33.
1. ينظر عزالدين اسماعيل: مصدر سابق ـ ص261.
1. ينظر محسن اطيمش: دير الملاك ـ ص94.
4. ينظر فاضل ثامر واخرون: مصدر سابق ـ ص65.
1. فليح كريم الركابي: البنية الايقاعية في القصيدة العربية المعاصرة ـ مجلة كلية الاداب ـ جامعة بغداد ـ ص288.
3. عبد السلام المساوي: مصدر سابق ـ ص64.
2. سامي مهدي: الاعماق الخضر ـ مجلة الاقلام ـ ص73.
5. ينظر خيرة خمر العين: مصدر سابق ـ ص96.
1. ينظر اليزابيث درو: الشعر كيف نفهمه ونتذوقه ـ ص84.
1. ينظر فليح كريم الركابي: البنية الايقاعية في القصيدة العربية المعاصرة ـ ص231.
1. ينظر مي فاضل الجبوري: القراءات القرانية ـ ص74.
1. ينظر ابراهيم أنيس: الاصوات اللغوية ـ ص163.
2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية -ج5 -ص51-52.
1. الجاحظ : البيان والتبين ـ ج1 ـ ص79.
3. ينظر ريتشاردز : مبادىء النقد الادبي ـ ص171.
2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج4 ـ ص253.
1. ينظر محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص268.
3. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص44.
4. محسن اطيمش: تحولات الشجرة ـ ص280.
1. ينظر محمد النويهي: قضية الشعر الجديد ـ ص134.
1. ينظر عبدالحميد الراضي: مصدر سابق ـ ص52.
3. ينظر خيرة خمر العين: مصدر سابق ـ ص100.
1. ينظر كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص23.
2. ينظر المصدر نفسه: ص87.
1. ينظر سامح الرواشدة: التوازي في شعر يوسف الصائغ واثره في الايقاع والدلالة ـ مجلة ابحاث اليرموك ـ ص9.
3. ينظر فاضل ثامر: مدارات نقدية في اشكالية النقد والحداثة ـ ص230.
4. جاكوبسن واخرون: مصدر سابق ـ ص29.
1. ينظر فاضل ثامر: مصدر سابق ـ ص243.
2. ينظر سامح رواشدة : مصدر سابق ـ ص8.
2. سعدي يوسف : المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص147.
3. يوري لوتمان: مصدر سابق ـص133.
1. ينظر جيرار جينيت: مدخل جامع النص ـ ص5.
2. ينظر ماهر مهدي هلال: جرس الالفاظ ـ ص16.
1. ينظر لوتمان: مصدر سابق ـ ص113.
2. ينظر محمد مفتاح : مصدر سابق ـ ص175.
3. سعدي يوسف: المجموعة الشعر ـ ج1 ـ ص39.
2. ينظر لوتمان: مصدر سابق ـ ص86.
2. سعدي يوسف : المجموعة الشعر ـ ج1 ـ ص63.
1. ينظر عبدالرحمن بدوي: المنطق الصوري ـ ص66.
2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص65.
1. سعدي يوسف : المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص183.
1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1ـ ص155.
2. ينظر سامح رواشدة: مصدر سابق ـ ص19.
3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص40.
1. ينظر محمد مفتاح: مصدر سابق ـ ص27.
2. ينظر جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص67.
1. ينظر جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص67.
2. المصدر نفسه ـ ص73.
3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص57.
1. ينظر محمد مفتاح:مصدر سابق ـ ص26.
2. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص51.
1. ينظر حسن الغرفي: البنية الايقاعية في شعر حميد سعيد ـ ص11.
2. ينظر جاكسون: مصدر سابق ـ ص106.
3. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ج2 ـ ص16.
1. ينظر جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص54.
2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص394.
1. ينظر فاضل ثامر: مصدر سابق ـ ص236.
1. جاكوبسن: مصدر سابق ـ ص107.
1. ينظر محمد مفتاح: مصدر سابق ـ ص17.
1. ينظر جان كوهين: بنية اللغة الشعريةـ ص90.
2. ابن رشيق: مصدر سابق ـص311.
3. جان كوهين: بنية اللغة الشعرية ـ ص88.
1. ابن رشيق: مصدر سابق ـ ص311.
1. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـج1 ـ ص163.
2. ينظر جوليوس برونتري: مصدر سابق ـ ص296.
1. ينظر خيره خمر العين: مصدر سابق ـ ص59.
2. ينظر احمد مختارعمر: مصدر سابق ـ ص78.
1. خيرة خمر العين: مصدر سابق ـ ص33.
1. ينظر لوتمان: مصدر سابق ـ ص29.
2. المصدر نفسه: ص78.
3. المصدر نفسه: ص35.
1. عبدالملك مرتاض: بنية الخطاب الشعري ـ ص7.
2. سعدي يوسف ـ المجموعة الشعرية ـ ج2 ـ ص356.
2. ينظر كوهين : بنية اللغة الشعرية ـ ص70.
2. ينظر لوتمان : مصدر سابق ـ ص73.
3. ينظر ابراهيم انيس: الاصوات اللغوية ـ ص21.
1. ينظر كوهين: اللغة العليا ـ ص144.
2. المصدر نفسه: ص145 .
2. ينظر محمد فتوح احمد: الرمز والرمزية في الشعر المعاصر ـ 251 .
1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص46 .
2. المصدر نفسه ـ ص25 .
2. محمد غنيمي هلال: النقد الادبي الحديث ـ ص442 .
2. عدنان بن ذريل: مصدر سابق ـ ص27.
1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية - ج3 ـ ص11.
1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج1 ـ ص97.
2. ينظر عز الدين اسماعيل: مصدر سابق ـ ص138.
1. ينظر خيره خمر العين: مصدر سابق ـ ص128.
3. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج5 ـ ص119.
4. الثعلبي: مصدر سابق ـ ص220.
1. سعدي يوسف: المجموعة الشعرية ـ ج3 ـ ص389.
1. ابن خلدون: كتاب العبر ـ ص482-539.
>> الجزء الأول >>
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا |
|
---|