<%@ Language=JavaScript %> جمال محمد تقي  الانحياز للذات وجوبا!

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

الانحياز للذات وجوبا !

 

 

جمال محمد تقي

 

مجرد نفي الانحياز هو انحياز ما لشيء اخر ، ومن باب المقاربة المنطقية هنا فان دول حركة عدم الانحياز ، منحازة برغم نفيها للانحياز ذاته ، وعلى الرغم من تحول فكرة النفي تلك الى عنوان براق لمنظمة واسعة الانتشار عالميا ، ولا يتفوق عليها عدديا غير منظمة الامم المتحدة ، حيث اصبح عدد الدول المنضوية تحت رايتها 120 دولة ، ومن الاتجاهات الجغرافية الاربعة ، فأن جلها غارق بالانحياز حتى اذنيه !

ايام الحرب الباردة والاستقطاب الدولي الحاد بين حلفي الاطلسي ووارشو ، وبالتالي بين امريكا والاتحاد السوفياتي ، اكتسبت شعارات الحركة ، الحياد الايجابي ، وعدم الانحياز ، والطريق الثالث ، نوعا من الولوج والتميز ، فالتناسب القطبي وفر هامشا من الحرية الوسطية لحركة القوى والدول غير المستقطبة بعد ، وجعلها تبحث عن ذاتها مستفيدة من تناقضات القوى العظمى ، ونال هذا المنحى قبولا شعبيا لدى الدول المتحررة حديثا ، وامتد ليصل لدول محسوبة ايديولوجيا على احد المعسكرين كالصين ويوغسلافيا والتي كانت ترى بان هناك طريقا ثالثا غير السوفياتي والامريكي يجب ان تسلكه الدول غير المنضوية بالاحلاف العسكرية وخاصة دول ما سمي وقتها بالعالم الثالث لاقامة مجتمع دولي تعددي ومتوازن ، واضافة للدول المتحررة حديثا كالهند ومصر واندنوسيا ، تسترت فيما بعد بهذه الحركة دول مرتبطة حتى النخاع بالمعسكر الغربي ، كالسعودية وبعض الدول الافريقية والامريكية اللاتينية !

شهدت فترة نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات ذروة الانطلاقة لهذه الحركة والتي انتعشت امالها بعد توسعها الافقي الكاسح والذي تحقق على مدى عقد السبعينيات من القرن الماضي نتيجة للانهيار الكامل لنظام الاستعمار الكولونيالي القديم وظهور دول جديدة تتمتع بالاستقلال السياسي .

منذ مؤتمر الحركة التأسيسي الذي عقد في بلغراد عام  1961 وحتى مؤتمر قمة طهران الذي عقد مؤخرا ، عقدت دول حركة عدم الانحياز 16 مؤتمرا للقمة ، وكانت ومازالت هذه المؤتمرات وغيرها من انشطة الحركة السياسية تشكل اضخم تجمع معنوي عالمي له ثقله الدبلوماسي ، حيث تشهد لتنسيقياته قاعات الامم المتحدة وخاصة الجمعية العامة والمنظمات المتخصصة ، فقد لعبت الحركة دورا تعبويا لا يستهان به لنصرة القضايا العادلة والمستعصية كقضية فلسطين والنظام العنصري في جنوب افريقيا ،  وكانت منبرا للتضامن مع حركات التحرر الوطني في كل اصقاع العالم ، وبقي تاثيرها الدولي اسيرا لهذا المنوال حيث لم يكن للحركة دورا يذكر في التأثير المباشر على قرارات مجلس الامن التي بقيت حكرا على الدول الكبرى !

بعد انتهاء الحرب الباردة ، وبداية التفرد الامريكي بقيادة العالم ، انتهى عمليا الدور النمطي الذي كانت تلعبه حركة عدم الانحياز بما له وعليه ، ولم يتبقى منه الا الانشطة البروتوكولية ومنها دورية قممها التي اصبحت منبرا للخطابة المكررة ، والتوصيات غير الملزمة والبيانات غير النافذة ، برغم محاولات بعض الدول المتحمسة وخاصة بعض دول امريكا اللاتينية لاعادة صياغة دور جديد للحركة ، التي يجب ان تنحاز اولا واخيرا الى ذاتها من خلال المساهمة باعادة رسم ملامح العالم بعد الحرب الباردة ، عالم لا املاءات فيه ولا امتيازات فيه لدول على حساب اخرى ، عالم يتجاوز الحقوق المكتسبة للدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية باتجاه حقوق شاملة كاملة ومتساوية ومتضامنة لكل شعوب ودول العالم وعلى حد سواء ، عالم يلتزم ماديا وروحيا بالقوانين الدولية دون انتقائية ومركزية .

لقد مضى ما يقارب العقدين على النهاية المتراكمة للحرب الباردة ، والتي حاول الطرف الامريكي ابتزاز نتائجها من خلال تقديم نفسه كمنتصر اوحد وبحقوق مكتسبة تجعله يتمادى في هيمنته وعنجهيته ومحاولاته لاستعباد العالم وجره الى حيث يريد ، واثبتت التجربة ان السياسات الامريكية هي عقبة كاداء امام دمقرطة العلاقات الدولية برغم من كل ادعاءاتها المزيفة بالدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان ، بل انها تستخدم هذه الادعاءات كمبررات لتمرير اجندتها الانانية الشريرة عسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا ، وهذا ما يبرر الدعوات المتزايدة التي لم تجد لها صدى حتى الان من اجل اعادة صياغة حركة عدم الانحياز لتحقيق ما يمكن تحقيقه لنصرة الشعوب المنكوبة جراء السياسات غير العادلة والمترجمة في اجندات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وفي منظمة الطاقة الدولية وفي الاستثمارات الجشعة المضرة بالبشر والحجر والشجر والتي تجلب الكوارث البيئية والمناخية والصحية ليس للدول الفقيرة او الدول المتخلفة فقط وانما لكل دول العالم قاطبة ، دعوات متجددة لعالم خالي تماما من الاسلحة النووية ومن كل سلاح ابادة جماعي ، عالم لا سباق للسلاح فيه وانما سباقه الوحيد هو البحث عن حلول جماعية وجذرية للمشاكل الكبرى التي يعاني منها البشر كنقص الغذاء والتصحر والكوارث الطبيعية والجهل والمرض ، سباق من اجل الحفاظ على الحياة وجعلها ايسر لا تدميرها وجعلها جحيم ابدي ، لكل هذا مطلوب تكتل دولي جبار ينحاز للانسان بمعزل عن لونه وجنسه وثقافته ، لكل هذا حركة عدم الانحياز مطالبة بالانحياز اللجوج لقضايا العصر الملحة ، حيث سيكون هذا الانحياز لذاتها اولا !

مؤتمر قمة طهران لدول عدم الانحياز شكل اسهامة جادة بهذا الاتجاه ، فلو تخلى منتسبوه عن تبعيتهم ، ولو صارت قراراتهم نابعة من ارادتهم ، ولو استوعب المشاركون فيه حجم التحديات القائمة والتي لا تستثني احد ، وبالتالي تستدعي فعليا السير الحثيث لاقامة نظام دولي تعددي خالي من التفرد والاقصاء والتمييز ، ولو ربط المشاركون فيه بين الازمة القائمة والحرب المقنعة الناشبة فعليا في منطقة الشرق الاوسط وبين السياسات المتجنية للغرب عموما وامريكا خصوصا على دول وشعوب العالم عموما والشرق الاوسط خصوصا حيث النفط واسرائيل ، ولو سار مساره بالمكاشفة المتضامنة والتي ستكون خير دواء لمعالجة التوترات البينية والاقليمية والدولية .

لو رفضت كل الدول غير المنحازة وجود قواعد عسكرية اجنبية على اراضيها ولو سعت جديا لاخلاء المنطقة وبشرط التلازم الزمني من كل اسلحة الابادة الجماعية وعلى راسها الذرية ، ولو اعطت المثل في التخلي عن سياسات القوة والاحتواء والقضم والتهديد ، ولو كان كل ذلك قد تحقق بفضل قمة طهران  لكان الاتساق مع الذات يشكل سمة عامة للمؤتمرين ، ولكان اسم عدم الانحياز على مسمى ، ووقتها فقط سيكون هذا المؤتمر حقيقة انجح مؤتمرات الحركة منذ تاسيسها وحتى الان .

فهل ستكون ايران رئيسة القمة ال16 لدول حركة عدم الانحياز قادرة على اعطاء قوة المثل والدفع باتجاه التضامن الاقليمي ومن ثم التضامن الدولي بوجه القوى الدولية المهيمنة والتي تستهتر بمصالح شعوب المنطقة والعالم ؟

هي ستكون قدوة فعلا لو تخلت عن احتلالها للجزر الاماراتية ، ولو ربطت جديا ايقاف مشروع مفاعلاتها النووية بايقاف العمل بالمفاعلات الاسرائيلية ، ولو سعت فعليا لعدم الاضرار بمصالح دول المنطقة والتوسع على حسابها ، اي التوقف عن قضم اراضي العراق وتقزيم حصصه المائية ومحاولة وضع اليد على بعض حقوله النفطية الحدودية والتدخل غير المشروع بشؤونه الداخلية ، فهل تفعل ذلك من باب ان قائد القافلة هو مرشدها لتحقيق الاهداف التي يسعى اليها كل افرادها ؟

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا