حل قيام دولتين لم يعد مجديا
بقلم: ترنس انكلش
ترجمة و تعقيب: عناد عبد الصعب
أني جراح متقاعد عملت لثلاث سنوات في تدريب زملائي الاطباء في غزة
و الضفة الغربية. زيارتي الاولى كانت عشية الغزو الاسرائيلي لغزة
في 2008. لقد صدمني حجم الخراب للبنية التحتية و معاناة المواطنين
بفعل الحصار الذي فرضته اسرائيل على القطاع منذ 2006.
عندما زرت الضفة الغربية شهدت اثر سياسة قضم الاراضي و توسيع
المستوطنات و معاناة السكان و اهاناتهم عند عبور نقاط التفتيش
العديدة اذا احتاجوا للتنقل في بلادهم المحتلة. و في القدس
الشرقية شهدت عملية اجلاء عوائل فلسطينية بالقوة من منازلهم التي
سكنوها لسنين عديدة ليحتلها مستوطنون اسرائيليين.
لا يمكن لمرء شهد هذه التجارب الا ان يتسآل كيف سينتهي الصراع بين
عقليتين و تطلعات وطنية مختلفة و متناقضة؟ افتهم تمام سبب امتعاض
الفلسطينيين و رفضهم لفقدانهم مساحات واسعة من الاراضي التي كانت
يوما ملكهم و ان اقساما كبيرة منهم يعيشون اما لاجئين او تحت حصار
ظالم او في اراضيهم المتحلة. لم تعد اراضيهم متصلة و بات صعبا على
العديد منهم زيارة اماكنهم المقدسة في القدس الشرقية و الخليل. في
الجانب الآخر يرى الاسرائيليون انهم يملكون الاراضي التي كانت
لاجدادهم – رغم ان ذلك كان قبل اكثر الفين سنة مضت- و هم يفتخرون
باقامة دولة عصرية التي وفرت الملجأ الآمن ليهود العالم.
لست سياسيا و لكني أرى ثلاثة اختيارات لحل هذا الوضع الذي لا
يطاق. الحل الاكثر رواجا و ترويجا هو قيام دولتين على ارض فلسطين
يقيم في ظله الفلسطينيون دولتهم على غزة و ما يتبقى من الضفة
الغربية بعد انسحاب الاحتلال الاسرائيلي. هذا الحل احبطه التوسع
المتعمد للمستوطنات الاسرائيلية منذ 1967. نتيجة هذا الاستيطان
هناك 500,000 مستوطن اسرائيلي في الضفة الغربية و القدس الشرقية
سيعارضون بكل القوة التي يملكنوها لاعادتهم الى حدود اسرائيل
المعترف بها دوليا. وهناك عقبة اخرى امام حل قيام الدولتين الا
وهي مستقبل القدس. الاسرائيليون يعتبرون القدس الموحدة عاصمتهم و
هو أمر لا يقبلون طرحه للتفاوض بينما يرى الفلسطينيون ان القدس
الشرقية يجب ان تكون عاصمة دولتهم.
الاختيار الثاني الذي يفضله الصهاينة هو قيام دولة واحدة من النهر
الى البحر تكون يهودية و يختار الفلسطينيون في الضفة الغربية بين
الرحيل الى دول عربية كالاردن او البقاء كمواطنين من الدرجة
الثانية. لااعتقد ان احدا تمعن في هذا الاختيار و أشك ان المجتمع
الدولي سيقبل به.
الاختيار الثالث الذي اعتقد يجب ان يولى الاهتمام الذي يستحقه هو
قيام دولة واحدة ديمقراطية تعددية ثنائية القومية. قد تبدو فكرة
دولة واحدة يشترك فيها الاسرائيليون و الفلسطينيون غير مقبولة و
مستحيلة لغالبية الاسرائيليين و الفلسطينيين الذين يعيشيون على تلك
الارض. تزداد الحاجة للبحث على حل جرئ و دائم كلما زادت تعقيدات و
مشاكل حل قيام دولتين.
في فترات نشأتي في جنوب افريقيا كنت اجد صعوبة في تصور كيفية
الانتقال الى عهد ما بعد التمييز العنصري بدون عنف و اراقة
الدماء. لكن البلاد – جنوب افريقيا- نعمت بقياديين عظيمين هما
نلسون مانديلا و دي كلرك اللذين اقنعا انصارهما ان الديمقراطية هي
البديل الاوحد.
مثل هذين القائدين هم ما يحتاجه الفلسطينيون و الاسرائيليون. قادة
يستطيعون النظر من وجهة النظر الاسرائيلية التي تستطيع ان تعترف و
تنهي الغبن الذي لحق بالفلسطينيين و تطبق ما قالته مرة كولدا مائير
في الكنيست الاسرائيلي في آيار 1970" لم نأت لنطرد العرب من تلك
الارض و لكن لنعمل سوية معهم بسلام ونعيم لمنفعة الجميع" – هكذا
وردت بالمقالة ع عبد الصعب-
الفلسطينيون يحتاجون لقيادة تقنع شعبها ان قد آن الاوان ان يشتركوا
مع الاسرائيليين بالارض التي يعتبرونها سلبت منهم و ان العيش معهم
بسلام أفضل من دولة مقسمة و متشظية كالتي يسعون اليها.
بالتأكيد ان دستور هذه الدولة الموحدة سيكون الحجر الاساس لنجاحها
بدءا من الحاجة لضمان مساواة حقيقية لجميع ابنائها امام القانون في
الوقت الذي تحفظ لهم خصائصهم االمحلية و الدينية و عاداتهم.
ألم يحن الوقت للجانبين و العالم أجمعه للبدء بالتفكير جديا بحل
قيام دولة واحدة؟ ألا يوفر هذا الحل أفضل النتائج للشعبين و يعزز
السلام و الامن لا لاسرائيل فحسب بل للمنطقة و العالم بأسره.
(السر ترنس انكلش جراح قلب و رائد في عمليات زرع القلب. و كانت
اولى عمليات زرع القلب الناجحة له في بريطانيا عام 1979. ترأس في
الماضي الجمعية الملكية للجراحيين – بريطانيا) انتهى المقال
كما نشرته جريدة الاندبندنت البريطانية في عددها الصادر في 11
ايلول 2012.
مثل هذه الاراء وردت في رسالة يوسف سلمان فهد الى المسؤول الاول
ببغداد في 1/11/1947 "اما عن قضية فلسطين فلم نتوصل الى اكثر مما
توصلتم عدا شئ واحد هو ذكركم لقومية يهودية في فلسطين فهذا ربما
كان غير صحيح فكل في ما الامر ان الاتحاد – السوفييتي- ربما قال
بوجوب الاخذ بنظر الاعتبار بضعة مئات لالوف من اليهود الذين سبق و
اصبحوا من سكان فلسطين فهذا لا يعني انهم قومية و لا يعني عدم
الاهتمام بهم و مع هذا فليست هذه النقطة جوهرية بالموضوع. فموقف
الاتحاد – السوفييتي- جاء نتيجة محتمة للاوضاع و المؤامرات و
المشاريع الاستعمارية المنوي تحقيقها في البلاد العربية و
العالم. فالمهم في الموضوع هو وجوب الغاء الانتداب و جلاء الجيوش
الاجنبية عن فلسطين و تشكيل دولة ديمقراطية مستقلة كحل صحيح للقضية
و من واجبنا ان نعمل لهذا حتى الاخير و لكن اذا لا يمكن ذلك ذلك
بسبب مواقف رجال الحكومات العربية و مؤامراتهم مع الجهات
الاستعمارية فهذا لا يعني اننا نفضل حلا آخر على الصحيح و نرى من
الاوفق ان تتصلوا باخواننا في سوريا و فلسطين و تستطلعوا رأيهم في
تعيين الموقف" انتهى الاقتباس من الرسالة كما نشرت في الصفحة
448-449 من مؤلفات الرفيق فهد – منشورات الثقافة الجديدة، مطبعة
أورون.
كما يحتاج الاسرائيليون لقيادة شجاعة مثل دي كلرك يحتاج
الفلسطينيون الى قائد مثل نلسون مانديلا يستطيع النظر الى المستقبل
دون تقييد نفسه الى الماضي. لم ينجح الاسرائيليون في العيش بسلام
مع جيرانهم العرب كما لم يستطع العرب استرداد حقوقهم بعد اكثر من
نصف قرن من الفشل العسكري و الهزائم. الارض (فلسطين) شريط ساحلي
ضيق لا يحتمل التقسيم و الاقتسام و سيستفيد الفلسطينيون اولا قبل
العرب و الاسرائيليين من دولة ديمقراطية يعيشون فيها بالتساوي مع
الاسرائيليين.
عناد عبد الصعب
5 تشرين الاول 2012
Enadabdulsaab@yahoo.com
رابط المقال
http://www.independent.co.uk/voices/comment/real-leadership-gave-south-africa-a-new-future-it-can-do-the-same-in-the-middle-east-8122284.html?origin=internalSearch
