<%@ Language=JavaScript %> د. ماري ناصيف الصيف اللبناني الحار هل يزداد حرارة، أم تهب رياح التغيير المنعشة؟

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

الصيف اللبناني الحار

 

هل يزداد حرارة، أم تهب رياح التغيير المنعشة؟

 

 

د. ماري ناصيف – الدبس

 

كل الدلائل تشير إلى أن "الصيف اللبناني الحار"، والذي بدأ مبكراً جداً هذا العام، سيستمر على تفاقمه المتصاعد أبداً وعلى المستويات كافة، بدءاً بالمستوى الأمني، أولاً، وانتقالاً إلى المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أما السبب الكامن وراء هذا التصعيد، فمزدوج وينطلق من زاويتين متكاملتين، هما:

أولاً، التطورات السياسية والعسكرية التي تعيشها سوريا نتيجة تحوّل أزمتها إلى حرب أهلية بكل ما لهذه الكلمة المخيفة من معنى. حرب أكلت الأخضر وحتى اليابس، فدمّرت وشرّدت وقتلت دون هوادة. وهذه الحال، التي من المتوقع لها أن تطول نتيجة اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، ستزداد حدّتها بفعل انتقال الأزمة السورية كلياً إلى خانة التدويل المطبوع بطابع المصالح المتناقضة – الآنية منها والإستراتيجية – بين الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها الأوروبيون والأطلسيون والعرب، من جهة، وروسيا المدعومة من مجموعة "البريكس" وإيران وبعض القوى العربية، من جهة ثانية. وبين هذه المجموعة الدولية العظمى وتلك المجموعة الدولية الناشئة المتعاظمة سباق حاد على كيفية اقتسام العالم وموارده الطبيعية وينابيع الطاقة وطرق نقلها؛ كما بينها كباش على الدور اللاحق لكل منهما ضمن ما يسمى النظام العالمي الجديد وأدواته السياسية والاقتصادية، كما عبّر بوضوح كل من باراك أوباما وفلاديمير بوتين في التصريحات التي أطلقاها مؤخراً..

ثانياً، درجة الاهتراء الكبيرة التي وصلت إليها الحكومة الحالية، المسماة "حكومة النأي بالنفس"، بفعل هذه الأزمة الإقليمية – العالمية وكذلك بفعل التناقضات الكبيرة بين مكوناتها. إذ أنها وصلت إلى حد العجز الكلي عن التآلف والتوافق، حتى حول أبسط الأمور وأصغر القرارات... إلى درجة أصبح معها سحب العديد من البنود عن جدول أعمالها المعلن أمراً عادياً. ونذكر هنا، على سبيل المثال لا الحصر، أن أربعين بنداً سحبت من جدول أعمال اجتماع 11 تموز للتخفيف، قدر الإمكان، من حدة الخلافات، بما فيها البندان الهامان المتعلقان بتمويل المحكمة الدولية وبسلسلة الرتب والرواتب الجديدة لموظفي القطاع العام.

بدعة الأمن بالتراضي

نبدأ بالحديث عن الجانب الأمني لنشير إلى أن التفجيرات المتنقلة من عكار إلى صيدا، وما بينهما من قطع للطرقات بحجج مختلفة، ليست وليدة الصدفة. فأهدافها واضحة ومعروفة؛ وهي – كما سبق وقلنا – وثيقة الصلة بتطور الوضع السوري الذي عبّر عنه المسؤول الأميركي ماك كين إبان زيارته لبنان ولقائه رئيس القوات اللبنانية بالدعوة إلى إقامة منطقة أمنية عازلة على الحدود الشمالية لبلدنا، الهدف منها تنظيم انتقال المسلحين من سوريا وإليها. بالمقابل، تعمد القوات النظامية السورية، ومن المنطلق نفسه، إلى انتهاك السيادة الوطنية للبنان، إن من خلال التوغل داخل حدودنا أم من خلال قصف القرى والبلدات الواقعة على الحدود بحجة أنها تشكل منطلقا لتهريب السلاح والمقاتلين إلى سوريا.

وهكذا، يجد اللبنانيون أنفسهم، مجدداً، بين "شاقوفين"، تتجاذبهم، إلى جانب التدخل السافر (المتعدد الأطراف) في شؤونهم الداخلية، الدعوات الطائفية والمذهبية التي كانت في الماضي القريب سبباً لمقتل أكثر من مائة ألف منهم وتهجير وتشريد أغلبيتهم الساحقة وخراب وطنهم وتمزيقه.

ولعل أخطر ما في تلك الدعوات الجديدة هو محاولة زج الجيش فريقاً في النزاع ، بما يؤدي إلى شل دوره في حماية أمن الوطن وفي الذود عن المواطنين ضد التهديدات الإسرائيلية المتزايدة وفي مواجهة احتمالات العدوان الإسرائيلي التي تزداد وضوحا يوماً بعد يوم. ومما يزيد الطين بلة أن الحكومة الميقاتية، بدل أن تبحث عن كيفية مواجهة انعكاسات الأزمة السورية على لبنان، تنغمس هي الأخرى في التوتير والانقسام حول المؤسسة العسكرية، إذ نرى رئيسها يخضع لضغط قوى الشارع، فيلقي بثقله من أجل تحرير متهمين (يخرجون من السجن تحت جناحه وفي سيارته) ويقف إلى جانب من يتهم الجيش بالانحياز، وصولاً إلى التبرع بإحالة الضباط الذين كانوا مسؤولين عن حاجز الكويخات إلى المجلس العدلي، بينما تعمد بعض مكونات تلك الحكومة (وبالتحديد التيار الوطني الحر) إلى قطع طرق العاصمة، وقبلها جونية، تحت شعار حماية المؤسسة العسكرية في وجه العاصفة التي تستهدف وحدتها... والموقفان يؤديان، في الواقع، الغرض نفسه: توتير الوضع الأمني وعودة المشاريع التقسيمية إلى الواجهة، عدا عن زيادة الحركة الاقتصادية هشاشة والدفع بالبلاد باتجاه الفتنة التي تنتظرها إسرائيل للدخول مجدداً إلى لبنان بعد أن فشلت في استعادة ما فقدته بسقوط اتفاق السابع عشر من أيار (1983).

كيف يجري إمرار الخصخصة؟

هذه الصورة القاتمة للوضع الأمني هي نفسها التي تسود الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال استمرار الفساد والهدر، لا بل القتال والتطاحن الذي تدور رحاه حول مسألتي الكهرباء والمياه المطروحتين للخصخصة على نار حامية جداً. فالبرجوازية داخل السلطة وخارجها تحاول الإفادة من الظروف السياسية المحيطة والتوتير الأمني الداخلي لإمرار المشاريع التي أقرتها اتفاقيات باريس الثلاث، منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، بدءاً بإلغاء دور القطاع العام في مجال الخدمات الأساسية ووصولاً إلى إلغاء هذا القطاع نهائيا ومعه العاملون فيه. لذا، نجدها اليوم تستخدم كل ما لديها من أسلحة لاقتسام البلاد والعباد، بل لتحسين حصة هذا الفريق أو ذاك في الغنائم السمينة القديمة أو المكتشفة حديثاً أو تلك التي يمكن أن تكتشف في المستقبل. ويأتي سلاح التوتير الطائفي في مقدمة تلك الأسلحة، ويدفع به إلى الواجهة من خلال إعلانات فارغة تدّعي الدفاع عن مصالح أبناء هذه الطائفة أو تلك، بينما يعيش أغلبية هؤلاء الحالة السيئة نفسها .

والمثال الأوضح في هذا المجال هو ما يجري داخل أسوار وزارة الطاقة وشركة كهرباء لبنان، حيث يؤخذ أكثر من ألفي عامل ومستخدم، ولا ننسى عائلاتهم، رهائن للنزاع الدائر حول مشاريع آنية ومستقبلية، تدخل ضمنها خصخصة الجباية ومن بعدها التوزيع (وقد باشرت الشركات الثلاث التي التزمت هاتين الخدمتين عملها)، كما يدخل ضمنها استقدام البواخر، التي يقال إنها ستصل شاطئنا في أيلول المقبل. إلا أن الغنيمة الدسمة تبقى في كيفية توزيع الحصص ضمن حقول الغاز والإفادة، سريعاً، من العروض التي تقدمت بها شركات عالمية لبدء التنقيب... وما يجري حول الكهرباء والغاز يطبق أيضاً في مجال المياه المهدورة التي يقال إن المشاريع المعدّة لخصخصتها قد جهزت، وأنها بانتظار الفرصة لإقرارها.

ولا ننسى مشروع قانون الإيجارات التهجيري ولا، خاصة، المؤامرات التي تحاك ضد الضمانين الاجتماعي والصحي، المعرضين أيضاً وأيضاً للزوال بحيث تحل محلهما شركات التأمين الخاصة. كما لا ننسى ما يجري في ساحة الأجور والرواتب، والإضرابات الني عمت البلاد في الأسبوعين الماضيين...

الحل يكمن في التحرك من أجل التغيير

في ضوء ما تقدم، نرى أنه لا بد من مواجهة التدهور الحاصل على المستويات كافة قبل أن تنفجر الأمور وتأخذ منحى لا تعرف نتائجه، ليس فقط على السلم الأهلي، بل حتى على بقاء الوطن.

لذا، نرى أن ما جرى ويجري في المنطقة من تغييرات تلقي بظلالها على لبنان، وتساعد على انكشاف وطننا أمام رياح الثورة المضادة التي تحاول استباق التغيير الديمقراطي، خاصة مع عودة مشروع البرجوازية اللبنانية القديم – الجديد، المرتبط بالمشاريع الإقليمية والدولية المتجددة، والذي ينذر بأوخم العواقب في حال لم نعمد إلى صده ووقفه. من هنا، نرى أهمية أن تبادر قوى التغيير إلى التحرك من أجل إنضاج البديل.

إن إطلاق حملة "إسقاط النظام الطائفي" التي انطلقت في السنة الماضية قد باءت بالفشل نتيجة عدم الوضوح في الأهداف وكذلك في القيادة، إلا أن تلك التجربة، رغم الشوائب التي أحاطت بها، قد برهنت عن وجود استعداد واندفاع لدى جماهير الشعب اللبناني، والشباب منهم على وجه الخصوص، من أجل التماثل مع حركات جماهيرية أخرى اجتاحت العالم العربي ولا تزال، رغم أساليب التشويه والردة الرجعية المدعومة من الرأسمالية العالمية. هذا الاستعداد الذي عكس توق كادحي لبنان ومثقفيه إلى الخلاص من النظام السياسي الطائفي يمثل ركيزة على قوى التغيير التأسيس عليها لإطلاق عجلة التغيير الديمقراطي.

 

عن جريدة  النداء 191

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا