<%@ Language=JavaScript %> د.عدنان عويّد المعارضة السورية بين شهوة السلطة وإغراء البترو دولار

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

المعارضة السورية بين شهوة السلطة وإغراء البترو دولار

 

 

د.عدنان عويّد

 

     عند قيام الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أيلول ( 1987), كانت مصر السادات قد عادت إلى الصف العربي ومعها الاعتراف العربي ضمناً باتفاقية كامب ديفيد, يومها وجد ياسر عرفات نفسه وحيداً ومهمشا من كل الأطراف العربية والدولية’ وبخاصة أمريكا التي رفضت آنذاك استقباله أو التنسيق معه ما لم يتم اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالدولة الإسرائيلية على نحو صريح, وأمام الهيئات الدولية, الأمر الذي دفع ياسر عرفات إلى زيارة "الاتحاد السوفيتي" مستنجداً بوقوف الحكومة السوفيتية إلى جانب المنظمة وقضاياها العادلة أمام الضغوطات الأمريكية والغربية والإسرائيلية التي راحت تمارس عليها من أجل التنازل عن حقوقها, أي حقوق الشعب الفلسطيني, هذا إضافة إلى تجاهل الحكومات العربية للقضية الفلسطينية بعد أن عادت مصر السادات إلى الصف العربي. ونظراً لانشغال السوفيت آنذاك بقضاياهم ومشاكلهم الداخلية, قال "غورباتشوف" لياسر عرفات: ( لدي نصيحة ثمينة أسديها لكم حول قضيتكم, وهي: أن تتصل المنظمة بواشنطن, فلديها إمكانات الحل أكثر من غيرها). بعد هذا اللقاء, كان تنازل المنظمة عن حقوق الشعب الفلسطيني والوصول إلى أوسلو.

     يذكرني موقف غورباتشوف هذا بموقف كلينتون في مؤتمر أصدقاء سورية المنعقد في باريس تاريخ 7/7/2012 تجاه المعارضة السورية ومن يقف معها من الدول العربية والإقليمية حيث قالت لهم ناصحة للخروج من المأزق الذي هم فيه: ( عليكم ممارسة الضغط على روسيا والصين لتغيير موقفيهما .).

     إذاً هو الموقف ذاته من حيث المضمون, فالعجز السوفيتي وبدء انهياره أمام التحولات الدولية يوم ذاك, هو الذي كان وراء رأي "غورباتشوف" لياسر عرفات, واليوم عجز أمريكا بسبب ما تعانيه من أزمات سياسية واقتصادية, مع بدء تشكل نظام عالمي جديد أخذت روسيا والصين موقعهما الطبيعي فيه, كان أيضاً وراء تصريح "كلينتون" ونصيحتها للمعارضة السورية. وإذا كانت النتيجة بالنسبة لياسر عرفات ومنظمة التحرير هي الاعتراف بالدولة الإسرائيلية, والتوجه نحو أسلو, وبالتالي تقديم التنازل تلو التنازل للكيان الصهيوني, وصولاً إلى تسميم ياسر عرفات نفسه وقضم أراضي الضفة الغربية شيئاً فشيئاً وصولاً إلى رغبة الكيان الصهيوني بتسفير أو طرد الفلسطينيين من أراضي الـ (1948), أو تهويدهم. وذلك كله يعود إلى المواقف الأمريكية المنحازة دوماً لمصلحة الكيان الصهيوني, وإلى تخاذل الحكومات العربية وخيانة بعضها لقضايا العرب ونهضتهم, ويأتي على رأس هذه الدول العربية دول الخليج وفي مقدمتها السعودية التي أعلنت عن تآمرها وبشكل صريح مع مبادرة الأمير فهد منذ عام 1981 بالتنسيق مع حليفتها أمريكا.

     أما النتيجة بالنسبة للمعارضة السورية في الخارج التي وضعت منذ البداية كل أوراقها في سلة أمريكا وحلفائها, قطر والسعودية وتركيا, فهذا يعني استمرارية ركضها المحموم وراء  هذه الدول - المعادية أصلاً لقضايا العرب ونهضتهم - التي وعدتها بالمن والسلوى, دون أن تدرك هذه المعارضة أن الشعب السوري برمته أخذ يدفع ثمن مواقفها هذه غالياً من دماء أبنائه وبنية خدماته الاقتصادية والاجتماعية, خاصة وأن هناك حالة من التدمير الممنهج  ضد سورية بكاملها شعباً مؤسسات وقاعدة خدماتية, راح يمارس وبدرجة عالية من قبل قوى لا يعلم ألا الله وحده لمن تنتمي وماذا تريد من سورية .

       نعم إن المعارضة السورية وبخاصة مجلس اسطنبول ومن يؤيده في الداخل والخارج في توجهاته, وفي سعيه المحموم وراء أمريكا وقطر والسعودية وتركيا, هي اليوم في مأزق قد وضعت نفسها فيه ولم تعد تعرف كيف تخرج منه للأسباب التالية:

     1- رفضها منذ بداية الحراك في سورية قبول الآخر, إن كان من النظام الحاكم, أو من قوى المعارضة في الداخل التي قرأت الحراك وما يحيط به محلياً وعربياً وعالمياً قراءة واقعية عقلانية, ووصلت إلى قناعة فرضت عليها قبول التعاون مع النظام من أجل إخراج سورية من مأزقها, وعدم تركها لقمة سائغة بفم أعداء الخارج الذين يتربصون بها السوء لعدم اندراج نظامها في المشروع الغربي والصهيو- أمريكي, بغض النظر عن كل الممارسات السلبية وحالات الفساد التي مورست من قبل النظام في الفترات الزمنية السابقة .

     2- تنسيق المعارضة مع أمريكا والغرب ودول الخليج, أعداء سورية وتسولها مالياً من هذه الدول وبخاصة دول الخليج, وعلى رأسها رائدتا المشروع الديمقراطي النهضوي في الوطن العربي ( قطر والسعودية) من أجل تحقيق أهدافها في إسقاط النظام السوري, وبالتالي ارتهانها كلياً لإرادة هذه الدول والسير قدماً في تحقيق أجنداتها (مشروع الشرق الأوسط الجديد), وهي أجندات أصبحت معروفة لكل متابع لسياساتها ومواقفها العربية والدولية .

     3- فقدان هذه المعارضة للقاعدة الشعبية والحزبية في الداخل السوري, جعلها كطبل أجوف, لم تستطع عبر كل حراكها وتصريحاتها النارية الكاذبة وتلفيقاتها عما يجري في سورية وعن الموقف الشعبي إلى جانبها وغير ذلك من إدعاءات لا تنتمي إلى الحقيقة والواقع العياني بصلة, عبر ما سخر لها من وسائل إعلام عملاقة (الجزيرة والعربية والـ  BBCوغيرها), أن تحقق شيئاً عقلانياً ملموساً على أرض الواقع السوري, بل على العكس تماماً, لقد اشترت وورطت الكثير ممن تحركهم الغرائز وأيديولوجيا الظلام والخارجون عن القانون بالمال والسلاح الذي قدمته قطر والسعودية للإيغال في دم الشعب السوري البريء, وتدمير كل ما بناه الشعب السوري خلال عشرات السنين الماضية في بنيته الاجتماعية والسياسية والثقافية. هذا إذا ما أشرنا إلى قضية أساسية هنا وهي: إن ما مارسته هذه المعارضة ومن يشدّ على يدها, من كذب وتمثيل وتزوير للحقائق, عبر وسائل الإعلام تلك, قد أساؤوا لهذه الوسائل الإعلامية ذاتها, بحيث لم يعد لها تلك المصداقية التي كانت تتمتع بها بنظر الكثير ممن كانوا يؤمنون بها ويتابعونها, بل ويشكلون رؤاهم السياسية والفكرية على ما تقدمه في برامجها, وعلى رأس هذه الوسائل قناة الجزيرة .

     4- إن هذه المعارضة لا تريد أن تسلم معرفياً وعملياً رغم كل ما تعرضت له من مواقف دولية - جعلت منهم مسخرة -, أن الصراع على سورية وفي داخلها هو صراع دولي, وأن دول العالم بمجموعها وبكل منظماتها الدولية وعلى رأسها " منظمة الأمم المتحد" بمؤسساتها, تحكمها الدول الخمسة دائمة العضوية, وأن مجلس الأمن هو صاحب القرار الفصل في حل أو تعقيد أية قضية دولية, وأن مجلس الأمن بأعضائه الـ /15/ يحكم قرارهم "فيتو" واحد ترفعه دولة من الدول الخمس دائمة العضوية حتى يسقط هذا القرار المتخذ بالإجماع. لذلك من هنا جاءت دعوة "كلينتون"  للمعارضة ومن معها في مؤتمر باريس الأخير بضرورة الضغط على روسيا كي تبدل رأيها تجاه النظام في سورية. ومن هنا يأتي رد عنان في المقابلة التي عقدها بعد انتهاء لقاء جنيف عندما سأله أحد الصحفيين عن إمكانية رحيل (بشار الأسد), بأنه لا يملك الجواب, ويجب عليهم أن يعرفوا بأن هناك تحولات دولية قد حدثت.

     5- إن المعارضة إياها لا تريد أن تعترف بعد بالتحولات الدولية, وأن العالم لم يعد يحكمه قطب واحد هو امريكا, بل أقطاب, وأن من أهم هذه التحولات هو صعود روسيا التي بدأت تبحث عن دورها التاريخي في الساحة العالمية مع الصين, وأن من أهم الدول المحورية التي تعطيها هذا الدور في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنه البحر المتوسط من اجل الحفاظ على مصالحها الحيوية هنا, هي سورية, لذلك هي لن ولن تتنازل عن موقفها, مهما مارست أمريكا والغرب ودول الخليج وتركيا والمعارضة السورية من دعاية تحريضية وتشويه لموقف روسيا تجاه المسألة السورية.

     6- لا تريد المعارضة السورية إياها ومن يحرك جامعة الدول العربية اليوم, أن تقر بأن كل اللقاءات التشاورية, ومؤتمرات أصدقاء سورية, وكل التصريحات النارية ضد النظام السوري من قبل المسؤولين الغربيين والأمريكيين, هي ليست أكثر من ذر الرماد في العيون من جهة, وأن قسماً كبيراً من هذه التصريحات يهدف - نتيجة عجز هذه الدول عن تغيير موقف روسيا والصين, أو الوصول إلى قرار على الفصل السابع ضد النظام السوري - إلى إطالة أمد الأزمة وتحقيق تدمير سورية من داخلها بالمال والسلاح الخليجي, وبيد أبناء سورية ومن تطوع من رجال القاعدة العرب وغيرهم, بدل من تدميرها عن طريق الحلف الأطلسي, وهذا ما يجري اليوم.

     7- لم تدرك هذه المعارضة ومن معها أن مرور عام ونصف على بدء الحراك وبقاء النظام قائماً, بأنه مؤشر على قوة هذا النظام وتماسكه, وأن هذه القوة وهذا التماسك هما اليوم أكثر صلابة من السابق, والدليل على ذلك أن الشعب السوري عندما تتغلل في مدنه أو أحيائه الجماعات المسلحة, يقوم بترك المدينة أو الحي كلياً ويفسح في المجال للجهات المختصة من الجيش وقوى الأمن كي تمارس دورها بحيوية للقضاء على هذه المجموعات المسلحة, ولو كان الشعب مع هذه المجموعات المسلحة أو مع من يقودها أو يمولها لوجدته ظل في المدن والأحياء وقدم كل الدعم لهذه المجموعات من أجل مقاومة النظام وإسقاطه, وهذا ما تجلى عملياً في ديرالزور, وهي المحافظة التي راهنت عليها المعارضة كثيراً, فمع دخول الجماعات المسلحة إلى المدينة, بدأ أبناء المدينة اليوم يهاجرون إلى محافظات الحسكة والرقة ودمشق وحلب, وتركوا المسلحين وحدهم, حيث راح اللصوص والمرتزقة يعيثون في البلد فساداً, وحولوا ديرالزور إلى مدينة أشباح, نهبت بيوتها ومحلاتها التجارية, ودمرت كل خدماتها. أما لوسألتني عن من هاجر إلى تركيا ولبنان والأردن من أبناء الشعب السوري, فأنا أقول لك: لو درست هذه الظاهرة بعمق, لوجدت أن وراءها بعداً طائفياً, وقوى تريد أن تجعل من تهجير هؤلاء أدوات لتحقيق أجندات تخدم مصالح القوى التي تريد تدمير سورية تحت مظلات مناطق وممرات آمنة وغير ذلك.

     8- لا تريد هذه المعارضة أن تقتنع بعد, أن السعودية وقطر وكل دول الخليج, لم يأت موقفهم العدائي هذا من سورية نتيجة كرههم للشعب السوري أو "بشار الأسد", وإنما جاء نتيجة لطبيعة العلاقة الإستراتيجية التي تربط سورية بإيران وحزب الله, هذه العلاقة فرضتها طبيعة الظروف العربية الهشة, غير القادرة على حماية  الحق العربي, أو إعادة الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها الجولان. هذا إضافة إلى خوف حكام الأنظمة العربية الرجعية من ممالك وإمارات ومشايخ أن تؤثر ثورة إيران على أنظمتهم ومصالحهم الخاصة, وإلا ماذا يعني أن تكون إيران في عهد الشاه من أفضل أصدقاء هذه الأنظمة, وهي اليوم العدو اللدود لها أكثر من إسرائيل التي تحولت إلى صديق يطالب النظام السوري أن يحق العدالة والديمقراطية لشعبه؟!. إذاَ فقضية الصراع مع إيران ومن يواليها ليست صراعات تقوم على بعد قومي وطائفي كما يحاول حكام الخليج يروجون لها, وإنما هو صراع تحدد أبعاده طبيعة خوف حكام دول الخليج من امتداد شعارات الثورة الإيرانية التي حققت تداولاً للسلطة في إيران, وقضت على نظام ملكي وراثي يمثل تاريخ العصور الوسطى في قهره واستبداده. هذا إضافة إلى الموقف العدائي للكيان الصهيوني من قبل إيران اليوم, حيث يدرك حكام الخليج وكل المركب الرجعي الموالي له في المنطقة العربية بأن انتهاء ألكيان الصهيوني هو المقدمة الأساس لانهيار أنظمتهم, وإلا ماذا يعني أن تقف دول الاعتدال العربي ضد حزب الله في حرب تموز, وضد كل القوى المقاومة وفي مقدمتها سورية؟. 

     9-  لا تريد المعارضة السورية إياها أن تقتنع بأن موقف تركيا المعادي لسورية, ثم دعمها اللامحدود لهذه المعارضة لم يأت حباً بالمعارضة ورغبة في تحقيق شعارات الحرية والعدالة في سورية, وإنما جاء لتحقيق أجندات خاصة بها وبالحلف الأطلسي الذي تنتمي إليه. فتركيا عضو في الحلف الأطلسي, وعلى أراضيها قاعدة عسكرية أمريكية, ومنصة مضادة للصواريخ من أجل حماية المصالح الأمريكية والغربية والصهيونية في المنطقة, وبالتالي محاصرة إيران وروسيا. فتركيا من حيث التوجه العام, لها أجندتها الاستعمارية الخاصة بها أيضاً كمشروع إسلامي يرمي إلى إحياء الخلافة العثمانية في المنطقة, لذلك هي استخدمت المعارضة السورية كحصان طروادة من أجل تدمير سورية وكسر ظهر العمود الفقري الممانع لهذا المشروع, ولكل طموحات ومصالح أصدقائها في الغرب وأميركا وإسرائيل .

    أخيراً نقول للمعارضة: اتقوا الله بالشعب السوري الذي قدم اليوم الكثير من دماء أبنائه ضحية لمغامرتكم وسوء تقديركم وحساباتكم السياسية الفاشلة. إن سورية تتعرض اليوم لأبشع مؤامرة تهدد أمنها واستقرارها, وللأسف عبر أبنائها الذين تحولوا إلى أدوات بيد حكام وقوى سياسية خارجية لا تعرف إلا مصالحها الخاصة, أو مصالح من تعمل لهم من قوى الخارج.

     إن سورية لم تزل قادرة على استيعاب الجميع فتعالوا نحل مشاكلنا بأيدينا, وأهل مكة أدرى بشعابها, ولا يحك جلدك غير ظفرك. ونحن أدرى بمشاكلنا من حكام الجهل والظلام الذين تتعاونوا معهم, وهم الذين يريدون لنا جميعاً أن نكون في الدرك الأسفل من الذل والإهانة. تعالوا ولا تتركوا التاريخ يسجل على الشعب السوري الذي علم العالم الأبجدية أنه يقاد اليوم من جهلة التاريخ, وأن حكام الخليج باعوا واشتروا به بقروش لا تساوي شروة نقير.  

ملاحظة: أتمنى من المعارضة السورية أن تقرأ جيداً ما قاله وزير خارجية الإمارات في مؤتمر باريس لأصدقاء سورية في الشكل والمضمون, عندها سيعرفون على أي أنموذج من الغباء السياسي يتعاملون!.  

كاتب وباحث من سورية

D.OWAID50@GMAIL.COM

   

  

   

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا