<%@ Language=JavaScript %> بسام أبوغزالة   الدولة الوظيفية واستحالة إصلاحها

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

الدولة الوظيفية واستحالة إصلاحها

 

 

بسام أبوغزالة    

 

 

رسالة "شبه مفتوحة" أرسلتها لدولة الأستاذ أحمد عبيدات، رئيس الوزراء الأسبق،

تعقيبا على محاضرته، وتعليقاً على حركته الإصلاحية .

 

أخي الفاضل أبا ثامر، حفظك الله،

أبعث لك بأطيب تحياتي واحترامي، وأعتذر أنني بدأت هذه الرسالة في تموز الماضي، ولظروف شخصية ألمّت بي، لم أستطع إنجازها قبل اليوم.

تشرفتُ بحضور الحوارية/المحاضرة التي رتب لها منتدى تطوير السياسات الاقتصادية وملتقى طلال أبوغزاله للأعمال يوم الأربعاء، 18 تموز الماضي. وإذ لم أستطع أن آخذ دوراً في التعقيب على المحاضرة بسبب الازدحام الشديد، أرجو أن أطرح تعليقي/سؤالي هنا عبر الشبكة العالمية.

تعلم، سيدي، أن بريطانيا وفرنسا وقعتا فيما بينهما اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916 تتقاسمان بموجبها بلاد الشام والعراق إذا هزمتا الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وأخرجتها من المنطقة العربية. وحين انتصرتا فعلا في تلك الحرب، قامتا بتشطير المنطقة إلى الدول التي نعرفها اليوم. ما يعنينا في الأردن أن إمارة شرقيِّ الأردن، التي تأسست عام 1921، كانت ذات صفة وظيفية واضحة. والحقيقة أن معظم الدول التي كانت تسيطر عليها الدول الإمبريالية كانت تؤدي، بطريقة أو بأخرى، وظيفة محددة في خدمة مصالح الدولة الإمبريالية المسيطرة. لكن إمارة شرقيِّ الأردن كانت ذات وظيفة خاصة لخدمة مخطط الحكومة البريطانية الملخَّص في ما سُمِّي "وعد بلفور"، الذي وعد الحركة الصهيونية بجلب يهود أوربا، خاصة يهود أوربا الشرقية، لإسكانهم في ذلك الشطر من بلاد الشام الذي سُمِّي فلسطين. كان بعض غلاة اليهود يطمعون في أن يستولوا على شرقيِّ الأردن أيضا، إذ كان شعارهم: "الضفة الغربية لنا والشرقية أيضا." (وهؤلاء هم أصول حزب حيروت الذي انبثق عنه حزب الليكود الحاكم في الدولة الصهيونية اليوم.) لكنّ ونستُن تشيرتشِل، وزير المستعمرات البريطانيَّ بعد الحرب، رفض الطلب وأخبرهم أن البلاد إلى الشرق من نهر الأردن ستكون "مستودعاً للفلسطينيين". فكان لزاماً على الإمارة/المملكة، التي أنشأتها بريطانيا تحت حكم الأمير/الملك عبد الله الأول أن تقوم بتلك الوظيفة، وتكون أيضاً دولة عازلة (Buffer State) للدولة الصهيونية.

حريٌّ بمثل هذه الدولة الوظيفية أن تخلق حالةً نفسيةً لحكامها تصرفهم عن مصالح شعبهم، خاصةً على المدى البعيد. من ذلك أن تُعطَى الموالاةُ أولويةً على الكفاءة. وهذه الحالة بدورها ستخلق وضعاً نفسياً لدى المسؤولين الذين اختيروا بحكم المولاة يتمثل في ميلهم إلى الانتهازية. والانتهازية بدورها ستكون أرضاً خصبةً للفساد، لأن الفساد عند الانتهازيِّ ضربٌ من التأمين على الحياة إذا فقد وظيفته التي يعلم في قرارة نفسه أنه نالها من غير كفاءة، بل لعله، إذا فقدها، لن يجد عنها بديلا.

المشكلة أن الحاكم أيضاً ستضيق عينه، بحيث يغضُّ الطرف عن الفساد، إن لم يشجّعه. وبذلك تدخل البلاد في دائرة مفرغة خبيثة، ليغدو الفساد مؤسسة يصعب اجتثاثها، لأنها تتوسع إلى كل مرافق الدولة العامة والخاصة، بل يصبح الفساد أمراً طبيعيا لا يلفت النظر، إلا نظر المتضررين منه، وهؤلاء يكتفون في مجالسهم الخاصة بأن يُثيروا زوبعة في فنجان حين ينفضُّ السامر – وهي الحالة الاستسلامية التي نعرفها.

من أسوأ ما يُبتلَى به مجتمع كهذا أن يتحول بانتهازيته إلى مجتمع غير منتج يعتمد على الفهلوة لا على الإنتاج، لأن الأخير يحتاج إلى كفاح وصبر قبل أن يؤتي أُكُله. وتعلم، سيدي، أن المجتمع غير المنتج آيلٌ إلى الانحلال لا محالة. ذلك أن الإنتاج يخلق أخلاقه وعاداته، وهي أخلاق وعاداتٌ قويمة لا تقارن بأخلاق المجتمع الفهلوي. من ذلك، على سبيل المثال، ما قيل عن سبب ميل المجتمع السويسري إلى الدقة أن الساعات كانت السلعة التي اشتهرت سويسرا في إنتاجها. ولما كان إنتاج الساعات يتطلب دقة بالغة في صنعها، وهذه السلعة بحد ذاتها آلة دقيقة، فقد تشكّل العقل السويسري حتى أصبح أصحابه دقيقين حريصين في كل مناحي حياتهم. قس على ذلك عادات المجتمع الرعويِّ الذي لا يُقيم للوقت حسابا، ثم قس عليه عادات المجتمع الفهلوي الذي وصلنا إليه.

هذا ما يتطلع له المواطن المخلص، أكان واعيا لما قلت أم مدركا له بحكم الفطرة. لكن هناك مشكلة أخرى تحول دون تحقيق المجتمع المنتج هي التبعية. تعلم، سيدي، أن استقلال الدول وسيادتها أمر حيوي لكل دولة. واستقلال معظم الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية كان، للأسف الشديد، شكليا. فقد خرجت جيوش الدول الاستعمارية المهيمنة من أراضي تلك الدول، فرفعت الأخيرة علمها وصدحت بنشيدها الوطني، وأقامت الاحتفالات والمهرجانات لأنها أصبحت "دولة مستقلة ذات سيادة". لكنْ، أن تكون الدولة "مستقلة" إنما يحتمل تأويلا لغويا، أما أن تكون "ذات سيادة"، فأمر يستخفُّ بعقول الشعب حين تبقى دولة كالأردن تدخل المساعدات الخارجية في موازنة حكوماتها، وأنت خير العارفين أن المال المدفوع يقتضي أن يُسلِّم قابضُ المال لدافعه بضاعة تساويه. وفي السياسة، وأنت خير العارفين أيضاً، لا تقدَّم المساعدات لوجه الله تعالى، لأن إله السياسة ليس كريماً ولا غفورا رحيما كإله البشر. فالأردن، إذن لا يزال ناقص السيادة (هل أقول عديمها؟) حين لا يزال يعتمد على المساعدات، بل لعله يُصرُّ عليها، أو لعلها تُفرَضُ عليه فرضاً. أمر غريب، لكنها الحقيقة المرة. صحيح أن معظم تلك المساعدات تأتي من أشقائنا العرب، لكن هؤلاء الأشقاء هم أصحاب النفط، وهؤلاء، بلا أدنى شك، فاقدو السيادة على نفطهم وعلى مالهم. فالحافز لديهم لمساعدتنا ليس أخوّة العروبة، بل أظنه تنفيذاً لأمر الدولة العظمى التي تأمرهم فيطيعون، لأنها تريد أن تبقينا على الرمق الأخير، فلا نموت ولا ننتعش انتعاشاً كاملا. وهذه الدولة العظمى لا تجد سبباً في أن تدفع من جيبها إلا أقل القليل، ما دامت تعدُّ نفط العرب ملكاً لها، شاءت العرب أم لم تشأ.

أخي أبا ثامر،

تعلم بعلاقتي بك، وبمحبتي وإخلاصي، وأنا بلا شك أُكبر حركتك الإصلاحية التي ما كان لغيرك أن يقوم بها. وقد رأيتَ كيف انضمَّ لها الكثرة من الناس لثقتهم بك، لأن الناس لا تنسى ذلك الرجل الذي أُسندت له رئاسة الحكومة ذات يوم، ثم أقيلت حكومته قبل أن تُكمل ثلاثة أشهر من عمرها، لأنها بدأت في "التحرش" بالفاسدين، تحرشاً اقتنع يومها من غابت عنه هذه الحقيقة أنه خطٌّ أحمر لا يُسمح بالاقتراب منه. كما أن الناس لا تنسى ذلك الرجل الذي كان العضو الأوحد في مجلس الأعيان الذي رفض معاهدة وادي عربة مع العدو الصهيوني، فطُلب منه اعتزال المجلس.

سؤالي هو: هل يمكن أن تنجح في مطالبك الإصلاحية إن لم تغصْ إلى جذور المشكلة؟

أعني تحويل البلد إلى دولةٍ مستقلة، ذات سيادة حقيقية؛

دولةٍ غير تابعة لدولة عظمى تُملي عليها وظيفتها؛

دولةٍ ترعى الإنتاج الصناعي والزراعي، بدل الرقص المتهتك في صالات الأسواق المالية، وتحويل أراضي الدولة، خاصة الزراعية، إلى سلع للمضاربة؛

دولةٍ يعلم الخبراء ويؤكدون على ما في جوف أرضها من ثروات طبيعية، لكنها لا تحاول استخراجها لأن الدولة العظمى التي ترسم سياستها لا تسمح لها باستخراجها لأسبابها الخاصة؛

دولةٍ لا يفتأ المسؤولون فيها يوردونها موارد التهلكة حين يُفتون بمشاريعَ استفاض "القاتل الاقتصادي" في توكيد أنها سياسة الولايات المتحدة لإخضاع العالم الثالث، ونحن منهم طبعا، حتى لو أصبحنا "مولعين أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيِّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده"، كما قال ابن خلدون في مقدمته.

مع أطيب تحياتي ومحبتي، وشكري الجزيل لتحمل كلامي.

 

المخلص

بسام أبوغزالة

عمان: ‏19‏ أيلول‏، 2012

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا