<%@ Language=JavaScript %> زياد حيدر عـام علـى الأزمـة السـورية: «انتصـارات» بطعـم الهزائـم

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

عـام علـى الأزمـة السـورية:

 

 «انتصـارات» بطعـم الهزائـم

 

 

زياد حيدر

 

أصوات الإنفجارات التي دوت بعد منتصف ليل الأربعاء في أرجاء مختلفة من دمشق، كانت التعبير الصريح لما تحولت إليه الأزمة السورية بعد عام تماماً على انطلاق الاحتجاجات، والتي بدأت بتظاهرة صغيرة محدودة الطموح في أحد أسواق دمشق القديمة، ووصلت إلى حد تنفيذ عمليات عسكرية انتقامية أمس الأول باستخدام شتى الأسلحة المتوفرة.

وبعد عام على تظاهرة دمشق التجريبية، وانطلاق الاحتجاجات الفعلية في درعا بعدها بثلاثة أيام تحول عصب الاحتجاج نحو المواجهة المسلحة، وتحول أغلب السلمي منه إلى دعم هذه المواجهة بصراحة.

وفيما خابت آمال المعارضين والمحتجين داخلياً وخارجياً في رؤية سقوط سريع للنظام، أو مشهد شبيه بالمشاهد التي سبقته عربياً في ليبيا أو مصر أو تونس وصولا إلى السعي لحل شبيه باليمن، أيضا لم تتمكن السلطة والشريحة الكبيرة التي تؤيدها من رؤية نهاية الاحتجاج، ولا توقف العنف المسلح ضدها، فيما امتد قلق من في الوسط إلى حياته اليومية الاعتيادية في ظل تردي الوضع الاقتصادي والأمني معاً، بعد أن كان نظره معلقاً بأمل على تأرجح الصراع وأطرافه. وبانت ملامح صراع مذهبي، ولا سيما في حمص وريف حماه، فيما سجلت للمرة الأولى في تاريخ سوريا خروج مناطق عن سلطة الدولة الفعلية، وإن استعادتها الدولة بسرعة وبقوة.

ويشكل الفارق الكبير بين ما كانت عليه البلاد قبل عام وما آلت إليه الآن، القناعة بأن المستقبل لن يستنسخ الماضي أياً كانت صور هذا المستقبل، وإن كان الجميع يعلم أن أطراف الأزمة التي تعد نفسها بالانتصار بشكل أو بآخر، تعي أن أي انتصار حاسم قد يكون له طعم هزيمة مرة، بفعل ما آلت إليه أوضاع البلاد على مستويات مختلفة، لا يعلم أحد بعد كيفية بلسمة آلامها ومداواتها.

والعودة بالذاكرة إلى آذار العام 2011 ضرورية، بغض النظر عما إن كان ما بدأ من احتجاج قد انطلق بفعل تهيئة لوجستية استخباراتية محترفة، استفادت من توفر أرضية اجتماعية وسياسية، وهو ما يُصطلح على تسميته «مؤامرة خارجية»، أو بفعل حماس الشباب الداخلي والفتية لما جرى في بلدان عربية مجاورة ومحاولة استنساخه، في بلادهم، عبر التمرّد السلمي نحو إصلاح النظام أو إسقاطه.

شكل آذار نقطة انطلاق الاحتجاج، بشكله المنظم في دمشق، وإن بتظاهرة محدودة جرت في محيط الشام القديمة، ثم تبعتها محاولات أخرى ضمن الحي القديم في محاولة للاستفادة من ضيق ممراته والزواريب لمراوغة القوى الأمنية، وبين ما جرى في درعا من احتجاج ترافق مع قمع شديد، قتل خلاله أول المتظاهرين، لتنفتح شرايين الدم حتى اللحظة بحصيلة لا يمكن لأي طرف ادعاء معرفتها بدقة.

وقد تعقد المشهد من ناحية السلطة مع مرور الوقت، وهيأت الحكومة نفسها لحرب طويلة مع استعادة إدارة الدولة لنصوص لقاءات وتحالفات بدت في السابق خارجة عن سياق الفهم العام للمنطقة، ولا سيما مع تركيا التي تستضيف قواعد حلف شمال الأطلسي (الناتو) ويحكمها حزب رديف لجماعة الإخوان المسلمين وقطر، التي تستضيف أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، وتشكل حلقة رئيسية في دعم الإسلام السياسي بأذرعها المالية والإعلامية ولاحقاً العسكرية. هذه التفاصيل انضمت إليها تفاصيل أخرى، مع محاولة فهم تحوّلات المجتمع العربي وتحديداً في شمال إفريقيا العربي والتي مجدداً ظهر أنها تهيئ المنطقة لحكم الإسلاميين، من دون التغاضي عما يعنيه هذا من إمكانية توتير مذهبي على مستوى الإقليم، لا الأمة السورية فقط.

وساهمت محاولات دول إقليمية تحالفت مع سوريا سابقاً وأصبحت من ألد خصومها حالياً في دفع حكومة دمشق نحو التحاور مع «الإخوان» ومنحهم مناصب في حكومة مستقبلية عبر صيغة لتقاسم الحكم، والنظر إلى المواجهة الداخلية من تلك الزاوية، التي يعني انتصار طرف فيها بأي ثمن لا مفرّ منه أمام رسم صيغة المستقبل.

وحتى اللحظة ما هو معروف أن السلطة في سوريا ترفض بالقوة ذاتها أي حوار مع الإخوان المسلمين، ولا سيما كجماعة، ناهيك عن إضافة أسماء أخرى على القائمة تشمل كل من دعا إلى تدخل عسكري في سوريا، وبين أبرزهم رئيس «المجلس الوطني السوري» برهان غليون. وتؤمن السلطة (وثمة دلائل عملية على ذلك) أنها أكثر قوة وقدرة على الأرض مما كانت عليه قبل أشهر.

وينظر المسؤولون السوريون إلى فترتين أساسيتين في مخاض الأزمة، الأول حين كان الارتباك سيد الموقف، والحيرة في أشدّها في كيفية التعاطي مع الحراك ووفق أي منظور، وهذه سادها رغبة بالانفتاح على المحتجين باختلاف شرائحهم، كما بذلت فيها السلطة جهداً، إلا أنها ظلت دون تصور مستقبلي لما يجب أن تكون عليه البلاد بما يرضي طموحات المتظاهرين، فيما كان الطرف الآخر، على اختلاف فصائله وتعدّد مشاربه، رافضاً أي حوار مع السلطة، وبالتالي أية مساومات متمسكاً «بدية الدم» الذي سال، وتجاهل تنازلات الحكم في تلك الفترة (ولا زال)، رغم أنها حصيلة نضاله واقعياً، وناتجة عن حسابات في دوائر الدولة لموازين القوى على الأرض وتأثيراتها.

أما المرحلة الثانية فقد تبلورت بالشروع في تطبيق برنامج يرضي الموالاة وقسم ممن يعرف بالغالبية الصامتة، والتي تطالب بتحوّل ديموقراطي وإصلاح سياسي وحكومي يُبقي على الاستقرار الذي عاشته البلاد على مدى عقود من جهة، ومن جهة أخرى التعامل مع المعارضة التي في الشارع باعتبارها ذراعاً لمؤامرة خارجية تستهدف وحدة البلاد، ولا سيما بعد أن تحوّلت الأخيرة إلى حمل السلاح في وجه السلطة.

ويأتي هذا في سياق التفاهم مع روسيا على تأكيد إدارة الدولة السورية موافقتها على حوار مع المعارضة، حتى أنها تكرر الدعوة لذلك، وتواجه رفض فصائل الأخيرة بمزيد من الدعوات. إلا أن المعروف للمراقبين في سوريا، أن أياً من فصائل المعارضة الفاعلة أو المعروفة غير قادر على تلبية هذه الدعوة حتى لو أراد ذلك فعلياً، خصوصاً أن أياً من المدعين امتلاك صلة قوية مع الشارع لا يحمل القدرة على قيادة الشارع المتمرّد إلى تلك الطاولة أياً كانت الشروط، الأمر الذي يعني أن الشارع في كثير من الأحوال هو الذي يقود توجه تلك الفصائل لا العكس. وهو واقع يبقي الأزمة السورية مفتوحة الأفق نحو مزيد من التردي. يضاف إلى ذلك العامل الخارجي المؤثر إعلاميا وماليا، وبالسلاح أيضا.

لذا بعد عام من المخاض الصعب ثمة نظرة غير واثقة نحو الأفق تفترض أن الحل (أي حل) يجب أن تتوفر فيه حاضنة دولية إقليمية، تتبلور أولاً بين واشنطن وموسكو وتفرض نفسها على الأطراف عبر ضغط الدولتين، الأولى التي تستطيع إخماد رغبة دول خليجية في تصفية حساب شخصي مع الحكم في سوريا، والالتفات للتهديد الأكبر متمثلاً في طهران، والثاني عبر ضغطه على دمشق للقبول بشروط تسوية سياسية وفقاً لتقديرات الروس والمتمسكة حتى اللحظة بخطة العــمل العربية (تشرين الأول العام الماضي) لا المبادرة الأخيرة (شباط العام الحالي)، علــى أن ينــسج على هذا التفاهم تصور للحل الداخلي يبقي من يرفضه خارج أي إطار للــدعم أياً كان مصدره.

إلا أن السؤال يبقى مشرعاً كما كان منذ عام تقريباً: هل هذا التفاهم ممكن؟ وهل يمكن تصور حوار سياسي يقوم بين سلطة حزب البعث وحركة الأخوان المسلمين، أم أن الكرة السورية ستظل تتدحرج في بركة الدم، يسجل فيها الأطراف المختلفون انتصارات صغيرة في التفاصيل العسكرية والدبلوماسية فيما البلاد تعيش جحيمها الراهن؟

 

السفير 16/3/2012





 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا