<%@ Language=JavaScript %> محمد ضياء عيسى العقابي مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 

مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي

 

 

محمد ضياء عيسى العقابي

 

 

أ و لاً:    مـقـدمـة:

أعتقد أن هناك سؤال محوري لم نتفق، نحن العراقيين، على الإجابة عليه إجابةً علمية رغم مرور تسع سنوات على سقوط النظام البعثي. وعدم الإتفاق على جواب صحيح له هو الذي شوّش الرؤيا لدى الكثيرين أفراداً وجماعات لتفسير الأحداث السياسية وغير السياسية وإتخاذ المواقف الصحيحة حيالها.

 

السؤال المحوري الذي أقصده هو: "مَنْ حَكَمَ العراق منذ تأسيسه الحديث في عشرينيات القرن الماضي؟".

أعتقد أن الشيعة يعلنونها صراحةً أن السنة هم الذين حكموا العراق. أما السنة فقد ينفون ذلك علناً ولكنهم، وفي قرارة أنفسهم، يعتقدون أيضاً بأنهم، بالفعل، الذين حكموا العراق.

 

لو تعمقنا في الأمر لوجدنا أن الذي حكم العراق، في الحقيقة، هم طغم طبقية تتكون من لملوم يشكل نسبة صغيرة من جميع الفسيفساء العراقي قومياً ودينياَ ومذهبياً ذات ألوان سياسية مختلفة بدأت بالنظام الملكي ثم القومي ثم البعثي. لقد شخّصتُ السمات المشتركة للنظم الطغموية في الفقرة (ثانياَ) أدناه وهي الطائفية والعنصرية والدكتاتورية والديماغوجية,

 

إن حقيقة وجود نسبة عالية من السنة في قيادة هذه الطغم، وإتِّباع هذه النظم الطغموية تكتيكَ "فرق تسد" تجلى في:

 

1-  محاولة تقريب النخب السنية ومحاولة إغرائها بالمناصب لخلق فجوة بينها وبين السعب؛

 

2-   إشاعة الطائفية ضد الشيعة والعنصرية ضد الأكراد والتركمان والكلدو- آشوريين والآخرين واللعب على هذه الأوتار لخداع الجماهير السنية البسيطة،

 

لا يعني أن تلك النظم كانت سنية بل كانت طغموية ولم تنطلِ ألاعيبها التكتيكية على الجماهير بدلالة أن الشعب بقي موحداً رغم سيل هائل من محاولات التشويش والتشويه وخلط المفاهيم والإثارة والكبت والقمع، ومن ثم دخول التكفيريين على خط الإرهاب بعد التغيير، وزادت في الطين بلة ألاعيب الإحتلال الذي، رغم إطاحته النظام البعثي الطغموي، بل إنه إقتلع النظام الطغموي من جذوره، وساعد على إقامة الديمقراطية، إلا أنه كانت له مطامح تتمثل بجعل العراق ألعوبة بيديه بديمقراطية شكلية مفرغة المحتوى وذلك بإجلاس المجتمع على ثلاث ركائز (شيعة، أكراد، طغمويين أسماهم قسراً بالسنة) للّعب عليها وتمشية مشيئته.

 

بينما التصنيف الصحيح للمجتمع العراقي يحدده الموقف من الديمقراطية فإنقسم المجتمع، في الحقيقة، إلى شريحتين هما: "أنصار الديمقراطية" و "أعداء الديمقراطية"، وكلا الصنفين يضمان جميع شرائح المجتمع القومية والدينية والمذهبية والعلمانية والسياسية بهذا التركيز أو ذاك، على أن نسبة أعداء الديمقراطية من طغمويين وتكفيريين ضئيلة جداً مقارنة بالصنف الديمقراطي.

 

إعتقد أن عدم طرح السؤال "من حكم العراق؟" وعدم الإجابة عليه بكيفية علمية والإنسياق وراء الإنطباعات السطحية التي تولدت مع مرور الزمن، أدت إلى سلسلة أخطاء تتعلق بتحديد مسؤولية الإرهاب فالبعض يرميها على السنة مع إستثناءات، والبعض يرميها على بعض الشيعة، واليسار أراح نفسه فإختار أن يرميها على الجميع. في كل من هذه التشخيصات القاصرة مثالبه وتداعياته العملية السيئة على المجتمع. في الحقيقة، إن الإرهاب طغموي – تكفيري وقد إستفاد منه المحتل بقدر ما (من هذا كتبتُ عام 2006 بأن هناك إرهاب مدجن إستطاع الأمريكيون السيطرة عليه وتوجيهه؛ وهناك الإرهاب الجامح الذي يعمل مستقلاً ولم يمنعه إستقلاله من القيام بأعمال كيدية لمنفعة الأمريكيين).

تم بحث النظام الطغموي في (ثانياً) أدناه.

 

بنفس الوقت هناك مفاهيم بعضها سطحي وبعضها لا علمي للطائفية وهناك خلط بين أنواع الطائفية وكيفية تشخيص الطائفية السياسية والسبيل إلى القضاء عليها وعلى الطائفية العقائدية. تم بحث هذه القضية في (ثالثاً) أدناه.

 

وهناك أمر آخر في غاية الخطورة ألا وهو مفهوم "الوطنية" لأنه أصيب بتشويهات وإستهانة وإستخفاف في الحقلين النظري الوجداني والعملي التطبيقي في الحياة اليومية. عرجتُ على هذا الموضوع في (رابعاً).

 

أعتقد أن هذه المفاهيم الثلاثة تشكل مفاتيح فهم الوضع العراقي والمضي لترقيته؛ وهو الوضع الذي لا يرتضيه جميعنا ولكننا جميعاً نسهم، بهذا القدر أو ذاك، بسوءه والإساءة المتواصلة دون أن نشعر لتضبب الرؤيا أمامنا.

 

سأنشر هذه المساهمة على هيئة مقال وسأشير إلى رابطها الإلكتروني في كل مقال أكتبه بدلاً من نشرها كاملة مع كل مقال إذ أصبحت تستوعب مساحة قد تفوق المقال نفسه.   

 

ثـانـــياً: الطغمــويــــون والنظـــــــم الطغمــــــــــــوية:

الطغمويون هم أتباع النظم التي تشكل الطغمة رأسها وكوادرها. والنظم الطغموية هي  التي حكمت العراق منذ تأسيسه الحديث وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي وتبادلت المصالح معه.

 

مرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية السعيدية والقومية العارفية والبعثية البكرية-الصدامية.

 

والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية العربية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية، ومحاولة الخروج من "الحالة الطغموية" الخانقة إلى "الحالة الطائفية" الأرحب.

 

مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه.

 

بلغ الإجرام البعثي الطغموي حدَّ ممارسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والتهجير الجماعي الداخلي والخارجي والجرائم ضد الإنسانية كإستخدام الأسلحة الكيمياوية في حلبجة الكردستانية والأهوار.

 

عمد النظام إلى هذه الأساليب الممعنة في اللاإنسانية والإجرام، وبصورة ممنهجة ومخططة، من أجل خلق مجتمع أحادي القومية والدين والمذهب والعقيدة الإيديولوجية والسياسية (monolithic society)، إن لم يكن مجتمعاً عبودياً خاضعاً لمشيئة شخص واحد.

 

تسبب النظام البعثي الطغموي في إحتلال العراق من قبل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. من جانبه، لم يكترث الشعب العراقي بالدفاع عن النظام لأن ذلك النظام نظر إلى المعارضة السياسية العريضة بكونها مجموعة خونة ولم يبدِ أي إستعداد للتصالح معها؛ كما إن الشعب قد بلغ حالة اليأس أمام جبروت ذلك النظام الفاشي وأذرعه العسكرية والأمنية المتوحشة فإقتنع بعدم القدرة على إطاحته سوى على يد الله أو أمريكا.   

 

والطغمويون البعثيون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية بعد سقوط نظامهم، في حين كانت مُبَرْقعَةً من قبل، وذلك لجعلها مركز جذب لكل أعداء الديمقراطية المرتقبة بعد أن أفلست جميع مواقفهم الستراتيجية المختزلة بشعار"وحدة حرية إشتراكية" إذ جعلوه شعاراً تكتيكياً أُخضع لمقتضيات إستلاب السلطة من الشعب بالقوة والإحتفاظ بها وإستغلال خيراتها، الأمر الذي لم يعد صالحاً لديمومة الولاء فطرحوا الشعار الطائفي  لإبقاء البعض الفاشي مقاتلاً النظام الديمقراطي الجديد إلى جانبهم.

 

 كما مارس الطغمويون الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين، أي الطائفية والإرهاب، فأطالوا أمد بقاءه في العراق بعد ثبات عدم وجود أسلحة دمار شامل.

 

كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كما إنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.

 

ثـالــــــــــــــــــــثاً: الطـــائـفـــــــــــــــــــــــــــــــية:

للطائفية معنيان: أحدهما عقائدي وهي طائفية مشروعة إذ تبيح لائحة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة حق إعتناق أية ديانة وأي مذهب ومعتقد ديني أو سياسي أو إيديولوجي شريطة ألا يدعو إلى الكراهية والعنف والحرب.

 

إن محاولة توحيد أصحاب المذاهب من الديانة الواحدة هو ضرب من الخيال. فالطريق الأسلم والحل الصحيح هو أن يحترم كلُ شخصٍ قوميةَ ودينَ ومذهبَ وفكرَ الآخر على ما هو عليه دون قمع أو إقصاء أو تهميش أو إكراه على التغيير القسري؛ ويتم كل ذلك في إطار الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.

 

أما الطائفية المقيتة والمدانة فهي الطائفية السياسية، بمعنى إضطهاد وإقصاء وتهميش طائفة على يد طائفة أخرى أو على يد سلطة طغموية لا تمت بصلة لأية طائفة.

 

لو تعمقنا في موضوع الطائفية السياسية لوجدناها ترتبط بمصالح طبقية.

والطائفي هو من يمارس الطائفية بهذا المعنى أو يؤيدها أو يدعو لها.

 

طائفية السلطة الطغموية ضد الشيعة وغيرهم هي التي حصلت في العراق إبان العهد الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري- الصدامي؛ ولم يحصل إضطهاد طائفة لطائفة أخرى. وعلى يد تلك النظم الطغموية مورست العنصرية، أيضا، ضد الأكراد والتركمان والقوميات الأخرى، كما مورس إضطهاد الأحزاب الديمقراطية واليسارية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بسبب أفكارها الديمقراطية والوطنية والتقدمية. وقد حوربت الأحزاب الدينية الديمقراطية بوحشية خاصة أثناء الحكم البعثي الطغموي.

 

الحل الصحيح للقضاء على الطائفية السياسية يكمن بإعتماد الديمقراطية بكامل مواصفاتها اساساً لنظام الدولة المدنية وإحترام الحريات العامة وحقوق الإنسان حسب اللائحة العالمية الصادرة عن الأمم المتحدة.

 

لا نجد اليوم في الدستور العراقي والقوانين ما ينحو بإتجاه الطائفية. وحتى برامج الأحزاب الدينية لا تحتوي على هكذا إتجاهات. وهو أمر يمتاز به العراق بسبب طبيعة المذاهب والأديان السائدة فيه وهي الأقرب إلى تمجيد رفعة الإنسان وعقله بين المذاهب الإسلامية، وهذا  أمر يدعو إلى التفاؤل ، آخذين بنظر الإعتبار ضرورة التمييز بين ما هو شأن سياسي وما هو شأن ثقافي تراثي شعبي قابل للتطوير في أشكاله الطقوسية التأريخية التي إرتبطت كثيراً بمبدأ الدفاع عن الهوية الفرعية في وجه محاولات التذويب والتهميش والإقصاء؛ وإرتبطت مؤخراً بالتصميم على مواجهة الإرهاب وضبط العلاقة مع المحتل وحماية الديمقراطية وصولاً إلى الحفاظ على الثروة الوطنية وتحقيق إنسحاب القوات الأجنبية وإسترجاع السيادة  .

 

بكلام آخر يجب التمييز بين الإحلال المفاجئ والطبيعي للثقافة الشعبية، من شعائر وطقوس دينية ومذهبية، محلَ الثقافة الطغموية التي فُرضت بالقسر على المجتمع لتمجيد النظام الطغموي والحاكم ولتبرير إستلاب السلطة من الشعب لوضعها بيد الطغمويين – ضرورة التمييز بين هذا الإحلال وبين الهيمنة السياسية التي لا نلمس لها  وجوداً في الدستور المدني الذي أقرّه الشعب العراقي في إستفتاء عام مباشر وديمقراطي، والذي وضع قيمةَ "المواطنة" فوق القيم الفرعية. على أن إحترام الدستور والقوانين وتجسيد روح المواطنة قد يستغرق بعض الوقت في ظروف إصرار الطغمويين، يؤازرهم التكفيريون والخارجيون، على الإطاحة بالنظام الديمقراطي وإسترجاع سلطتهم بالإرهاب وبالتخريب من داخل العملية السياسية.

 

رابـــــــــــــعاً: الوطــنــيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:

الأصل في الوطنية أن يحترم المواطن حكومة بلاده المنتخبة وقوانين وتشريعات البلد على ألا يمنعه، المواطنَ، أيُّ عائق من ممارسة حريته في التظاهر والإحتجاج السلمي والنقد البناء والمسؤول مهما بلغ من الشدة في ظل نظام ديمقراطي أو في طريقه إلى الديمقراطية ذي المعايير الدولية التالية: التعددية، ضمان الحريات الشخصية والعامة، وجود دستور مدني دائم للبلاد مُقر بإستفتاء شعبي حر مع إحترامه والإلتزام به كأعلى مرجعية؛ التداول السلمي للسلطة عبر الإحتكام إلى صناديق الإقتراع في إنتخابات حرة ونزيهة بإشراف هيئة مستقلة ومراقَبة من قبل الهيئات الدولية؛ الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية؛ وإحترام حرية الصحافة ومنظمات المجتمع المدني.

 

من غير الوطنية: إعاقة التشريع بطرق غير قانونية، إعاقة عمل الحكومة والمصالح الوطنية بطرق غير شرعية، التأثير على القضاء بطرق غير مشروعة، ممارسة الفساد بأنواعه، تفضيل مصالح الغير على مصالح الوطن، التخابر مع دولة عدوة وأجنبية، إستعداء الخارج على الحكومة والداخل، تشويه سمعة البلد أو الحكومة في الخارج لأهداف حزبية أو فئوية.

ومن أخطر الممارسات غير الوطنية هي ظاهرة التحزُّب بمعنى وضع مصلحة الفرد أو الحزب أو الجماعة أو الطائفة أو القومية فوق مصلحة الوطن، مهما كانت المبررات؛ وأكثرها شراً وإيذاءاً هي رفض الآخر وعدم الإيمان بسواسية البشر لسبب أو آخر، أي يتوجب إحترام حقوق الإنسان حسب الوثيقة الصادرة عن الأمم المتحدة بهذا الخصوص.

بتشخيصي، فإن جوهر أزمة الوضع العراقي، التي نشأت بعد 2003 والإنتخابات، يكمن في هذا النهج ليس لدى إئتلاف العراقية وحسب بل لدى الآخرين، داخل وخارج البرلمان، بدرجات متفاوتة.

ومن العوامل المخلة بالوطنية هو التعامل مع الحكومة المنتخبة بموجب حكم مسبق  منطلِق من إيمان فكري إيديولوجي جامد ومتزمت لا يمت لفلسفة السياسة بصلة.

 

مارست الجماعات السياسية العراقية، وخاصة اليسارية منها، أقصى درجات المرونة والإيجابية مع حكومات دكتاتورية بشعة فاشية لمجرد أنها إدعت النية في خدمة البلد والشعب بشكل غامض غير محدد تَبَيَّنَ أنه كيدي. يصبح من الأولى، إذاً،التمسك بنفس القدر من ذلك الحرص العالي، إن لم يكن أكثر، حيال النظام الجديد والحكومة المنتخبة حتى بالقدر الذي أحرزه من مستلزمات الديمقراطية لحد الآن، مع طلب المزيد من هذا النظام الديمقراطي الوليد.

 

أعتقد، في ظل ظروف العراق الحديث التي أفرزتها النظم الطغموية وبالأخص النظام البعثي الطغموي الذي أجج ومارس التطهير الطائفي والعنصري بصورة ممنهجة رعتها وحمتها دولته ونظامه الدكتاتوري الديماغوجي، وفي ظل ما أنتجه في المجتمع العراقي، من طائفية وحقد أعمى وإجرام إرهابي هائل، الشحنُ الطائفي فائقُ الكثافة الذي بثه الطغمويون والتكفيريون المحليون والأجانب، بعد سقوط نظامهم الطغموي في 2003 وبحجة كاذبة هي "مقاومة" الإحتلال،أصبحت الديمقراطية شرطاً لازماً من شروط الوطنية.

فالوطنية تعني ضمان أمن المواطنين أولاً، وتحقيق العدالة الإجتماعية والكفاية وإحترام الكرامة والعقائد والأفكار ثانياً، والحفاظ على السلم الأهلي ووحدة البلاد ثالثاً؛ وكل هذه الحاجات الإنسانية الأساسية لا يمكن تحقيقها إلا في ظل نظام ديمقراطي حقيقي يرقى إلى المعايير الدولية.

 

وإني أرى أن الديمقراطية شرط لازم للتقدم الإقتصادي الذي يشكل، هو الآخر، شرطاً لازماً للسير نحو الإشتراكية.

 

على أن تطوير النظام الديمقراطي المنشود بناءاً على ما تحقق من إنجازات هامة لحد الآن، لا يتم عبر إستفزاز السلطة ودفعها نحو مواقع القمع؛ والمزايدات والإثارة والتجريح والتحقير  ومحاولات التشويش والتشويه وترويج الإشاعات والتسقيط والكسب الرخيص والتطاول على مقدسات الناس؛ والإستفادة، إنتهازياً، من ترويج منتجات حقبة شل يد الحكومة والتسبب بنقص الخدمات والدفع بإتجاه التشتيت والتخريب؛ وأخيراً الوقوف، موضوعياً ومن حيث لا يشعر المرء، في خندق فكري واحد مع الطغمويين والتكفيريين أعداء الديمقراطية.

 

هناك عدة عوامل أدت بمجموعها إلى الحط من قيمة الوطنية لدى المواطن العراقي ينبغي تداركها. هذه العوامل هي:

 

(أ):إبتلاء العراق بنظم طغموية طائفية عنصرية دكتاتورية ديماغوجية، مارس آخرها، أي النظام البعثي الطغموي، أقصى درجات التهميش والإقصاء والإضطهاد الذي بلغ حد التطهير العرقي والطائفي والإبادة والتهجير الجماعيين ما نتجت عنه الإستهانةُ والإطاحة بكل القيم والمثل الوطنية والإنسانية وخلقُ حالة من اليأس واللاأبالية لدى الفرد العراقي.

 

(ب): إحتلال العراق إذ إن الإحتلال، حتى ولو إنه حرر العراقيين من نظام عبودي ما عاد قادراً على إطاحته سوى الله أو أمريكا، وحتى ولو إن خروج القوات الأمريكية كان مؤكداً (بتقديراتي الشخصية على الأقل)، إلا أنه مُذل على المدى القصير للشعب وللفرد خاصة بوجود من مارس الإستهانة بإرادة الشعب وممثليه بغية عرقلة بناء دولة حديثة على أسس ديمقراطية وعلى أنقاض النظام الطغموي.

 

بلغت الإستهانة بقيم الوطنية حداً خطيراً فصارت إئتلافات وشخصيات سياسية تدعو للتدخل العسكري وغير العسكري الخارجي في كل صغيرة وكبيرة بحجج واهية وحاولت الإستفادة من وقوع العراق أسيراً مكبلاً بسلاسل الفصل السابع فحمَّلوه بأكثر مما يحتمل من صلاحيات  لإستثارة المجتمع الدولي ضد وطنهم المفترض بدلاً من مساعدته على التحرر من تلك العقوبات.

 

 لقد بلغ الحال من السوءً حتى أن عدداً من قادة إئتلاف العراقية وعلى رأسهم السيد أياد علاوي دعوا إلى تدخل عسكري أمريكي (بعيد الإنسحاب بأيام معدودة) بزعم وجود حرب أهلية قائمة في العراق أخفق الرئيس أوباما في رصدها!! وذلك في رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة النيويورك تايمز.

 

وذاك نائب رئيس الجمهورية، السيد طارق الهاشمي، الذي أقسم على القرآن بصيانة سيادة العراق وأمنه وإستقلاله تبين فيما بعد أنه متهِم ب(150) جريمة إرهابية، وتَوَقَّعَ بتأريخ 1/2/2012 في فضائية أل (سي.إن.إن.) (من باب الأمل والتحبيذ) أن "الولايات المتحدة قد تضطر إلى التدخل عسكرياً في العراق مجدداً للسيطرة على الوضع ..... إن إنعدام الإستقرار في العراق سيؤثر بشكل كبير على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة".

 

كما أن نائب رئيس الجمهورية، عينه، طلب من الرئيس الأمريكي بوش تجاوزَ الديمقراطية والبناء الديمقراطي في العراق وعقد صفقة مصالح متبادلة مع الطغمويين، حسبما نقلت صحيفة (ألبيسو) الإسبانية في تقرير لمراسلها في واشنطن عام 2007.

 

من تداعيات هكذا مواقف لا وطنية أن قيمة الوطنية قد إنحطت في العراق لدى بعض الناس بقدر مرعب حتى أن عدداً من شباب الفيسبوك أعربوا عن خيبة أملهم بأمريكا لأنها لم ترسل جيوشها لإحتلال بغداد ثانية وإطاحة حكومة المالكي لمجرد أن ذلك البعض قد خرج في تظاهرة في ساحة التحرير يوم 25/2/2011 دعوا فيها إلى إسقاط الحكومة بعد أيام من نشرهم بياناً كرر شعار "الموت للديمقراطية التي......." لأكثر من عشر مرات.

 

(ج): إعتماد التأجيج الطائفي والعنصري من قبل الطغمويين من أجل التغطية على فيض جرائم نظامهم ومسؤوليته في التسبب بإحتلال العراق ومحاولة التنصل من هذه المسؤولية وإلقائها على عاتق الديمقراطيين وتخوينهم. كل ذلك زاد من إضعاف الشعور الوطني لدى قسم من الجمهور.

 

(د): الدور المشين الذي لعبه المتخوفون من مستقبل الديمقراطية العراقية  في المنطقة ودور إعلامهم التخريبي وأخص بالذات فضائية الجزيرة القطرية وكثيراً من الصحف.

أورد مثلاُ على التشويش الفكري. كتب السيد عدنان حسين مقالاً في صحيفة "الشرق الأوسط" بتأريخ 31/10/2006 أقتطفُ منه المقطعَ التالي الذي يدل على عدم إتزانه وعدم موضوعيته وتحيزه الطائفي: ".... وكان من الممكن الحؤول دون نشوب مقاومة مسلحة واسعة وقوية، كما هو حاصل اليوم، لو أن الطبقة السياسية الجديدة في بغداد، خصوصاً العربية وبالذات الشيعية، تصرفت بحكمة وإيثار ووطنية متجاوزة الأحقاد والضغائن ومترفعة عن نزعة الثأر والإنتقام".

 

للعلم أن السيد عدنان كان موظفاً في صحيفة الشرق الأوسط السعودية الصادرة في لندن وكان يشتم المعارضة العراقية فيها، وأصبح الآن نائباً لتحرير صحيفة المدى.

 

(هـ): الإرهاب البشع الذي ضرب العراق وسط إدراك الجميع الرعايةَ والحمايةَ والتسترَ الذي أولاه الطغمويون له، ووسط إدراك الجميع أن هدف ذلك الإرهاب هو إستعادة النظام الطغموي ما سبب الإحباط لدى المواطن إذ هز جدوى تمسكه باللحمة الوطنية.

 

(و): نجاح خطة هجومية إعلامية طغموية خبيثة لزرع الشكوك وعدم الثقة وقد إنطلت على كثيرين حتى على بعض الطيبين لا لتصديقها وحسب بل ولترويجها أيضاً.

 

(ز): التطرف في ممارسة النقد حتى إنقلب بعضه وبالاً. فالمبالغة والتعميم في قضايا الفساد وعدم مقاربته مقاربة موضوعية وإستخدامه للتسقيط السياسي والدعاية السياسية أشاع روح اليأس واللاأبالية لدى المواطن البسيط خاصة وأن العراق الجديد قد ورث بلداً محطماً من النظام السابق بسبب الحروب الخارجية والداخلية، ولا يُنسى دور المحتل في هذا الصدد.

 

(ح): إبتلاء العراق بإرث ثقيل من السلبيات، رافق سماته الإيجابية الأصيلة، وطَبَع شخصية ونفسيةَ الفرد العراقي بالتمرد والشك بالحاكم والإستعجال وطلب الكمال بلمح البصر واللاواقعية والملل السريع من الحاكم وعبادة الفرد والتعصب.

 

والأسوأ هو إستغلال هذه السمات في التنافس والصراع والتسقيط السياسي.

 

هذه السمات ستضعف وتتغير أو تزول بمرور الزمن إذا ما أثبت النظام الديمقراطي قدرته على تعميق صيانة الحريات العامة ومنع حصول حالة قمع تعزز تلك السلبيات في المطاف الأخير، وعلى تحقيق مزيد من الإنجازات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها خاصة في مجال تحقيق العدالة الإجتماعية وإنصاف الفقراء بالذات وهو إلتزام دستوري أقسم الجميع على إحترامه. وهذا بدوره يعتمد على العراقيين حكومة وبرلماناً وقضاءاً وجماعات وأحزاباً ومنظمات مجتمع مدني وأفراداً، ويعتمد على تصرفهم الديمقراطي السليم بدعم الحكومة المنتخبة ونقدها على طول الخط نقداً موضوعياً بناءاً.

 

رغم السلبيات التي ذكرتُها في وصف بعض جوانب الشخصية العراقية، إلا أن تطورها نحو الأفضل يظهر جلياً إذا ما  إستعرضنا ما قيل بحقها تأريخياً إلا أن بعض آثارها مازالت باقية للآن:

 

قال الإمام علي " يا أهل العراق , ما شغب شاغب أو نعب ناعب أو زفر كاذب , إلا كنتم أشياعه وأتباعه وحماته وأنصاره  ....".

ويُنقَل عن معاوية بن أبي سفيان أنه أوصى إبنه يزيد قائلاً: "إذا أراد منك أهل العراق أن تغير لهم الوالي كل يوم فإفعل ذلك".

وبعد سنتين تقريباً من قيام ثورة 14 تموز عام 1958، وصفت صحيفة الأوبزرفر البريطانية الشعب العراقي بكونه صعب القياد أو المراس، أو لا يمكن حكمه (ungovernable).

ويقول الدكتور علي الوردي إن العراقي هو جيمس ستيوارت في الظاهر وملا عليوي في الباطن.

وكتب إبراهيم علاوي، المهندس المعماري الإستشاري والقيادي في الحزب الشيوعي العراقي (القيادة المركزية)، بأن الشعب العراقي، على مر التأريخ، يتجه تماماً عكس ما يريد حكامه، أي بعكس المقولة المعروفة "الناس على دين ملوكهم".

ولكن سمة التطرف مازالت ضاربة أطنابها في الشخصية العراقية المعاصرة.

يتطلب الأمر تكاتف الجميع للخروج من هذه الحالة الشاذة وإعادة القدسية والهيبة للوطنية، وعدم إخضاع مخرجات المرحلة الراهنة للمزايدات والتعصب والكسب الضيق.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا