<%@ Language=JavaScript %> قاسم عز الدين روسيا في مواجهة قعقعة السلاح في الشرق الأوسط

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

روسيا في مواجهة قعقعة السلاح في الشرق الأوسط

 

 

 

قاسم عز الدين

 

الفيتو الروسي في مجلس الأمن أبعد من الأزمة في سوريا وأشمل.

 فالشائعات غمزت من قناة روسيا قبل مشروع القرار، بأنها تبحث عن مقايضة رخيصة جرياً على ما دأبت عليه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي حتى التدخل الأطلسي في ليبيا. لكن بعد الفيتو تطورت الشائعات إلى اتهام بتغطية القتل من أجل تلك المصالح الرخيصة، وأصرّ «المنزَّهون عن المصالح الخاصة» في الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي على التحريض، بأن روسيا تحوّلت من سمسار إلى مرتزَق. قبل ذلك بأشهر معدودة لم تسأل روسيا عن مصالحها الرخيصة في ليبيا بل سألت عن حماية المدنيين على حساب مصالحها الخاصة.

ولم تجاريها الإدارة الأميركية والأوروبية في ذلك بل استغلّت حماية المدنيين من أجل تعزيز مصالحها المباشرة ومصالحها الاستراتيجية في ليبيا والمنطقة بأسرها. لقد حمت مدنيين وقتلت مدنيين، ودمرت من دون أي مبرر، المدن والجسور والبنية التحتية والقطاعات المدنية والعسكرية، وخلّفت وراءها أشلاء بلد كانت تتقصد تدميره والاستيلاء على ثرواته (من ضمنها الصناديق السيادية) كما تقصّدت تدمير العراق بدعوى نشر الديموقراطية وحقوق الانسان.

ليبيا كانت المفصل في التحوّل الروسي.

 فعندما كانت روسيا متقهقرة اقتصادياً وسياسياً طيلة العقود الثلاثة الماضيــة كما هي حال أميركا وأوروبا اليوم، طغى على روسيا العقل السياسي الشرقي الذي يطأطئ رأسه حين يمد يده. فروسيا لم يسبق لها أن استعبدت شعـباً واستعمرت أمماً، ولم تتربَ جيناتها على غريزة العنجهية في فرض ضريبة إطعام المتحضّر على البرابرة. وفي تاريخها الطويل كانت تحتاج إلى صدمة عنجهية استعمارية، كي تستفيق من بلادتها السياسية.

هكذا استفاقت روسيا مع كاترين الثانية وهكذا هزمت نابوليون وهتلر. وفي مؤتمر باريس عشية التدخل الأطلسي، استفاقت روسيا على صدمة قرار في مجلس الأمن، «جوعان يأكل من زادها ويمسكها حتى يقال عظيم القدر مقصود». لقد أخذها القرار من حماية المدنيين إلى مساعدة الدول الغربية على تغيير الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.

وهو شرط ضروري لاستـعادة هيمنة أميركا وأوروبا على موازين القوى الدوليــة، ما يتيــح لها الوقوف على أرجلها المثقلَة بأزمات متفجّرِة في داخل بلدانها. أثبت التدخـل الأطلسي في ليبيا بواسطة الجامعة العربية ومجلس الأمن أن استراتيجية الدول الغربية تعتمد على «البروباغندا» وعلى المناورة لشل حـركة منافسيها وخصومها، ولا تستند إلى قدرة دول الأطـلسي على التدخل الذاتي. بل تستند إلى أخذ الروس (وغيرهم) على حين غرة وإغراقهم في بلادتهم السياسية.

مصالح روسيا الخاصة في سوريا أقل مما كانت في ليبيا. ومصالح روسيا الرخيصة في الشرق الأوسط أقل بما لا يقاس من مصالحها في أفريقيا التي أخلتها بسبب انكفائها على نفسها.

 لكن على خلاف ذلك كانت مصالح دول الأطلسي في الشرق الأوسط، ومن ضمنها سوريا، وما زالت، مصالح رخيصة مباشرة ومصالح استراتيجية حيوية، تتوقف عليها هيمنة دول الأطلسي على التوازنات الدولية، ويتوقف عليها استقرارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي في داخل بلدانها. فكل مقومات ازدهار دولها وديموقراطيتها السياسية والاجتماعية تستند إلى ضخ براني يغذي نموذجها التوسعي بالقدرة على إعادة تجديد نفسه وقت الأزمات.

وليس صحيحاً ما تشيعه أيديولوجية هذه الدول، وما يأخذ به مؤدلجو التبعية بأن ازدهار الدول الغربية وديموقراطيتها شأنان حضاريان داخليان، يستندان إلى الحريات الفردية وتداول السلطة.

 بل يستندان أساساً إلى قدرتها على فرض التبعية بالحرب والاقتصاد والسياسة والإيديولوجيا أيضاً. والشرق الأوسط هو واسطة العقد في فرض التبعية على العالم، إلى النموذج الذي يغذي دول الأطلسي بضخ براني يتيح لها الازدهار والاستقرار السياسي والاجتماعي في بلدانها. الشرق الأوسط هو ممر عبور آمن لاستراتيجيات الدول الغربية، بل هو سند قوي لهذه الاستراتيجيات. وسبب ذلك أن الطبقة السياسية ومعظم فئات النُخب الثقافية تحقق ذاتها وطموحاتها في نموذج التبعية إلى مصالح الدول الغربية في ملحقاتها. فهي تختلف في أحسن الأحوال مع التبعية الثقافية الغربية التي تمس المعتقدات والتدخل في شؤون الحكم، لكن قلما رأت أن هذا الاختلاف هو من ضمن تناقض اجتماعي أو من ضمن تناقض المصالح الوطنية مع مصالح الدول الغربية، بل على العكس من ذلك، ترى على وجه الإجمال تماثلاً «حضارياً» فيما تسميه تلاقي المصالح وكذلك أسطورة الحداثة و«التنمية» الغربية. وفي أغلب الظن، أن هذا التماثل المتعدد الأوجه هو ما أدى إلى ضعف الحركات الاجتماعية العربية وإلى اقتصارها على مطالب «مدنية» ونقابية. وهو ما أدى إلى عدم جذرية الحركات الاستقلالية والوطنية، بل أدى إلى تبعيتها السياسية في آخر المطاف.

الحركات الاستقلالية العربية وفّرت للحلفاء عبوراً آمناً نحو الشرق بين الحربين العالميتين، لكنها وفّرت لهم أيضاً تقسيم المنطقة العربية في معاهدة سايكس ــ بيكو وفق خطوط أنابيب النفط وخطوط تجارة تصدير المواد الأولية واستيراد السلع الاستهلاكية. ووفرت لهم كذلك استعمار فلسطين واستيطانها وقت إزالة الاستعمار القديم. وقد تعايشت الحركات الاستقلالية، وما زالت تتعايش قوى التماثل «الحضاري»، مع تقسيم الجغرافيا السياسية ومع احتلال فلسطين كإشكالية عرَضيّة لا تؤثر في بناء «الدولة الوطنية» وفي حياة مواطنيها، بل على العكس تتعايش معها كإشكالية «متخلّفة» تقف حائلاً أمام تسريع تلاقي المصالح مع الدول الغربية وبالتالي النهوض بالحداثة و«التنمية». وبالمقارنة لم تستطع الطبقة السياسية والنخب الثقافية الأفريقية، على الرغم من شدة فساد أغلبها، أن تقبل التعايش مع جمهورية جنوب أفريقيا العنصرية لأن الطبقة السياسية ونخبها الثقافية الأفريقية أقل فساداً من مثيلتها العربية وأقل غريزية بدائية.

وفي أثناء الحرب الباردة وفّرت دول النفط العربي عبوراً آمناً للدول الغربية نحو الشرق ودعمتها مقابل حماية الستاتيكو. فالدول الآسيوية التي تحالفت مع الدول الغربية في مواجهة النفوذ الصيني والروسي كاليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها، تبادلت مع الدول الغربية المصالح الوطنية والخدمات. لكن الدول النفطية جنّدت جيشاً عرمرماً من «الدعاة» دفاعاً عن توسع النفوذ والمصالح الغربية «لوجه الله» وإكراماً لعيون المصالح المتقاطعة في توريد النفط واستيراد السلع الاستهلاكية. فالشرق الأوسط العربي هو أولاً وأخيراً نفط وغاز وقواعد عسكرية لحماية الأنابيب وإسرائيل لحماية ستاتيكو التبعية. والنفط ليس سلعة تجارية وريعاً فحسب، إنما هو سلاح تضعه دول النفط العربية في يد الدول الغربية، مقابل الحماية الأمنية، لاستخدامه في الحرب الاقتصادية ضد خصومها ومنافسيها في الشرق على وجه الخصوص.

اليوم تحتاج الدول الغربية أكثر من أي يوم مضى إلى سند عربي يوفر لها العبور الاستراتيجي الآمن نحو الشرق. فالأزمة في أميركا وأوروبا هي أزمة انهيار نموذج اقتصادي ــ اجتماعي امبراطوري، يتغذى بضخ براني يتجاوز الأزمة المالية والصناديق السيادية. لقد خرجت بعض الدول مثل البرازيل والارجنتين وغيرها من طوق الديون والاصلاحات الهيكلية، مستفيدة من غلاء أسعار المواد الأولية، وأصبحت تهدد نفوذ الدول الغربية وتوسّع مصالحها في أميركا اللاتينية والسوق الدولية. وإلى جانبها خرجت الهند والصين وروسيا من طوق التبعية الاقتصادية، وأصبحت قادرة على تبادل التبعية في السوق الدولية. فروسيا الأضعف بين العمالقة الثلاثة باتت تملك في جيبها أكثر من اثنين تريليون دولار واحتياطي هائل من الغاز يمكنها أن تخنق به أوروبا. في مقابل ذلك وقعت أوروبا والولايات المتحدة في طوق الديون والاصلاحات الهيكلية ولا تملك أن تفك هذا الطوق بغير حديد طوق الخناق الاجتماعي، على شاكلة الخناق في اليونان، وبرامج التقشف القاسي في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا. لكنها ما زالت تملك التصرف باحتياطي نقدي في بلدان النفط العربي خاصة. فهذه البلدان تستخدم فائض أموال النفط كبدوي «تكثر زبداته فيدهن شيّاته». وهي فوق ذلك تحارب بشراسة لتغذية البلدان الغربية بضخ براني حفاظاً على نعيمها في التبعية، فتؤمن لها عبوراً آمناً نحو الشرق.

العبور الآمن نحو الشرق، أوضحته استراتيـجية أوباما الجــديدة في ملفين تحت شعار «من الأطلسي إلى الهادئ». الملف الأول هو المقصد في آسيا والشرق ومحاصرة الصين على المدى البعيد والهــند على المدى الأبعد وروسيا على المدى الأقرب. ففي الهادئ تجارة تتـجاوز خمـسة تريليون دولار في السنة. وفيه عملاق صيني ينحو نحو التوسع في أفريقـيا وأميركا اللاتينية ويغزو أسواق الولايات المتحدة وأوروبا ويشتري ديونها السيادية. فضلاً عن ذلك يطوّر ترسانة عسكرية وأسطولاً بحـرياً مقــاتلاً. لكن روسيا هي الهدف الأقرب وهذا الهدف الأقرب يمكنه أن يحمي نفسه من القواعد البحرية والقوة الجوية التي تعتمدها استراتيجية أوباما الجديدة، لكنه لا يمكنه حماية نفسه من الملف الثاني الذي تعتمده استراتيجية أوباما في الشرق الأوسط. فهي حرب بالوكالة تمتد إلى المجال الحيوي الروسي في القوقاز وتصل إلى جمهوريات الاتحاد الروسي الاسلامية. ففي هذا الملف الثاني لا تملك استراتيجية أوباما أي حل سياسي مع إيران ولا للقضية الفلسطينية. ولا تملك أي حل اقتصادي ــ اجتماعي لأي بلد عربي، بل على العكس تعِد بالمزيد من الشيء نفسه. لكنها تملك سلاحاً أمضى وأفتك هو سلاح الحريات الفردية والسياسية والمدنية. وهذا السلاح إذا لم يترافق بتعزيز المصلحة الوطنية الجامعة في الحد من التبعية وتعزيز الأمن القومي، يؤدي إلى الاهتراء والحروب العصبية. فهو يؤدي إلى احتراب العصبيات الطائفية والإثنية وإلى احتراب عصابات الإجرام ومافيات تجارة الموت والجوع. ويؤدي كذلك إلى تفتيت وشرذمة الدول وإلى إنشاء «كيانات» مصوملة قد تصل إلى باكستان وأفغانستان. وقد راعت استراتيجية أوباما كل هذه المآثر الكبرى معززة بكل أنواع العناية المخابراتية على الأرض والمعلوماتية عبر الأقمار الصناعية وعبر ضربات جوية بطائرات من دون طيار وعبر القواعد العسكرية الثابتة والعــائمة. وعلى خلاف ما أشيع عن هذه الاستراتيجية الجــديدة، لم تتخلّ إدارة أوباما العسكرية عن القوات الأرضية. لقد تخلَت عن تدخل قواتها البرية لكنها استعاضت عن تدخل قواتها البرية بقوات برية حليفة تقوم بالحرب عنها بالوكالة نتيجة احتراب العصبيات، وتمهّد أيضاً لحرب جـوية ضد إيران وحزب الله.

سلاح الحريات الفردية الذي توفر له دول النفط العربي عبوراً آمناً من الشرق الأوسط نحو الشرق، هو قعقعة سلاح حرب لاتبقي ولا تذر. روسيا تفلّ الحديد بالحــديد قبــل امتداد الحرب بالوكالة إلى عقر دارها. لكن روسيا يمكن أن تمنع امتداد اللهب ولا يمكنها إخماد النار في الهـشيم. استراتيجية أوباما الجديدة توقد الحرب بالحريات لتوطيد أواصر التبعية وإغراق البلدان العربية بأزماتها الاقتصادية ـ الاجتماعية واحتلال إسرائيل أمنها القومي ومصالحها الحيوية. ولا تترك خياراً غير الاستناد إلى سلاح الحريات السياسية والمدنية للحد من التبعية نحو حماية الأمن القومي والمصالح الحيوية وتفكيك الأزمات الاقتصادية ــ الاجتماعية. فسلاح الحريات سيف ذو حدين إذا لم تحارب بحدّه الأيسر يقتلك حدّه الأبطر.

 

كاتب وأكاديمي ـ لبنان

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا