<%@ Language=JavaScript %> قاسم عز الدين «حزب الله» وفلسطين.. ومسألة الديموقراطية

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

«حزب الله» وفلسطين..

 

ومسألة الديموقراطية

 

 

قاسم عز الدين

 

من يُرِد النيل من حزب الله بأي ثمن، يتهمه بالكيل بمكيالين في دعمه ثورات تونس ومصر والبحرين من جهة، والنظام السوري من جهة أخرى. لكن في حقيقة الأمر أن الحزب لم يدعم أيا من الثورات العربية ولو بمظاهرة حاشدة وقت الشدّة، وخاصة في مصر وتونس. فقد ظل متمسكاً بمقولة «عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى»، وما زال. الحزب أيّد سقوط ما يربط مبارك وزين العابدين بن علي بسياسات الدول الغربية وإسرائيل، ولم يدعم القوى المصرية والتونسية الثورية التي أسقطت رأسي السلطتين ولم يعارض أويؤيد القوى التي قطفت الثورتين وخطفتهما. لكن الحزب لم يؤيّد سقوط القذافي على يد الأطلسي ودول الخليج برغم تنافره مع القذافي.

ولم يؤيد تدخل الأطلسي في اليمن لتنحّي علي صالح عن السلطة برغم عدم أي تعاطف مع سلطته.

وفي هذا السياق لا يؤيّد الحزب سقوط الرئيس السوري بتدخّل أطلسي أو بتدخّل دول النفط وتركيا لا سيما أن الرئيس ساند المقاومة طويلاً وتعرّض لضغوط وعقاب بسبب ممانعته. إنما لا يدعم الحزب سلطة أو خروجاً عليها فهو يعتبر هذا الأمر «خلافاً داخلياً» سواء أيّد هذا وعارض ذاك. فهو يؤيد أو يعارض بناء على أثر هذا «الخلاف الداخلي» في إطار استراتيجية حرب تشنّها دول الأطلسي وإسرائيل لتفتيت الجغرافيا السياسية في المنطقة وتعزيز هيمنة إسرائيل، وهو ما يسميه الحزب «القرب أو البعد عن فلسطين».

الحزب يتعرّض لحرب أطلسية ـ إسرائيلية مديدة هي جزء من حرب أوسع تشمل منطقة الشرق الأوسط. ولا يعوز الحزب الحجج والبراهين على أن هذه الحرب التي تتعرّض لها المنطقة بالنار والحديد لا يفلّها إلاّ النار والحديد. وهذه الحرب تندرج تحت عنواني «استراتيجية السلام والمفاوضات لحل النزاع الفلسطيني ــ الاسرائيلي» ثم «الملف النووي الإيراني»، وقد شملت المقاومة عام 2006 مثلما تشمل استمرار القتل والتهويد في فلسطين. وهي لم تعد مدعومة سرّاً من دول النفط والغاز التي تخطف «الربيع العربي» في ليبيا واليمن وسوريا، بل باتت دول النفط والغاز رافعة أمام إسرائيل لتسهيل مهمتها في ابتزاز البيت الأبيض نحو حرب مدمّرة. فهي تتوهّم الحرب المقبلة ساحقة خاطفة تحقق لها الخلاص من النظام الإيراني كما تخلّصت من النظام العراقي إثر تدمير العراق. وعلى هذه الرافعة تبتزّ إسرائيل البيت الأبيض لدفع أميركا إلى الحرب بدعوى»أن إيران تهدد المنطقة ولا تهدد إسرائيل وحدها».

لا ريـب في أن إسرائيل تضـمن مـشاركة دول النفـط والغـاز في هذه الحرب بالتحريض المذهبي بين السنة والشيعة وشيطنة إيران والمقاومة. وتضمن مشاركتها في «الحرب الناعمة» بالعقوبات وبالقواعد العسكرية وتسهيل عبور الغزو، والمشاركة أيضاً في تغطية النفقات وربما مشاركة ميليشياتها بالحرب في الوكالة على الأرض في المنطقة. وهذه الحرب تستهدف المقاومة ربما قبل العدوان على إيران، لكنها ستتدحرج في المنطقة دون شك. والخلاف حول توقـيت العـدوان بين الإدارة الأمـيركية وبين إسرائيل ودول النفط والغاز، هو خلاف في تقدير مدى الاهتراء في المنطقة الذي يسهّل استيعاب ارتدادات الحرب. فبينما تعتقد الإدارة الأميركية أن الاهتراء لم يبلغ مداه بعد بانتظار آثار العقوبات الاقتصادية على إيران وسوريا ونتائج الحرب الأمنية «الناعمة» لتفتيت المنطقة، تظن إسرائيل أن الأوان قد آن.

إسرائيل تعتمد على أن دول النفط والغاز انتقلت من مرحلة التعايش السلمي معـها إلى مرحلة تحالف المصــالح في الحــرب ضد إيران والمقاومة. فدول النفط والغاز تعايشت مع احتلال فلسطين ومع القنبلة النووية الإسرائيلية أبد الدهر، وتعايشت مع احتلال الأراضي العربية ومع هيمنة إسرائيل في المنطقة، وتعايشت أيضاً مع تمريغ رؤوســها في ما يسمى «استراتيجة السلام» والمفاوضات، نتيجة تبعيتها و«تلاقي مصالح» أنابيب النفط والغاز مع دول الأطلسي. لكن دول النفط والغــاز انــتقلت إلى مرحلة تالية باتت تزايد فيها على دول الأطلسي، هي مرحلة خوض غمار الحرب رافعــة لإسرائيل. لم تحاول المقايضـة بين النــووي الإيراني والنووي الإسرائيلي لإثبات وجودها في المعادلة الإقليمية، أو مقايضة تنازلات متبادلَة مع إيران نحو حفظ الأمن القومي العربي والأمن القومي الإيراني، ولا حتى مقايضة تنازلات من إسرائيل نحو وقف بناء المستوطنات وتهويد القدس فضلاً عن «المبادرة العربية للسلام».... بل أخذت بمقولة « إذا كان الإسرائيلي عدو عدوي الإيراني، فهو صديقي في الحرب»، وهو ما تعتبره إسرائيل بحق برهاناً على مدى الاهتراء في المنطقة وتوقيتاً ذهبياً لاندلاع الحرب.

حزب الله أمام سيناريو استراتيجية حرب أطلسية في المنطقة تستهدف المقاومة قبل أو بعد إيران. وأمام تحالف مصالح بين دول النفط والغاز وإسرائيل، يستعجل اندلاع الحرب لدى أمـيركا والأطلسي. وفي هـذا السياق تخوض دول النفط والغاز معركة رافعة لاسرائيل من جهة ومعركة الركوب على «الحريات وحقوق الانسان» في البلدان العــربية من جهة أخرى، على اعتبار أن لها طول باع في هذا المجال وتجارب عريقة! وفي هذه المعركة الثانية تستكمل المعركة الأولى، فهي تحاول أن تسوّق تعلّقها بالحريات وحقوق الانسان كي تبعد شبحها قدر المستطاع عن شعوب الخليج، لكن همها الأساس هو الحرب ضد إيران والمـقاومة. فدول النفط والغاز لا تستطيع محاربة النفـوذ الإيراني والمقاومــة بغير الحـريات وحقوق الانسان. ولا تستطيع تبرير تبعيتها العارية لدول الأطلسي وتغطية حلفها مع إسرائيل في الحرب ضد إيران والمقاومة، بغيرهما. فضلاَ عن ذلك يوفر لها الركوب على الحريات وحقوق الانسان إجهاض أهداف الثورات العربية في وصول المعارضات السلفية والاسلامية والليبرالية القريبة منها، إلى السلطة. ويوفر لها كذلك مكاسب سياسية واقتصادية «رخيصة»، كأن تستطيع قطر على سبيل المثال شراء نفوذ زعماء القبائل في ليبيا والاستحواذ على تسويــق الغاز وشراء برميل النفط بأقل من نصــف سعره في السوق. وفوق طبق الحلوى هذا يوفر لها الركوب على الحــريات ولادة «كيانات» طائفية وعرقية وإثنية على شاكلة «دولها» وفي فلكها السياسي.

المراهنة على الحريات المدنية والفردية، بمعزل عن بقية الحــقوق الوطنية والحقوق الانسانية الديموقراطية، لا تؤدي إلى تحقيق الحريات المدنية والفردية كما يحلم آكلو الطعم. إنما تؤدي إلى تحرر الجماعات العصبية من قيود الدولة الناظمة للمصالح الوطنية العـليا، وإلى إطلاق حرية قلّة من الأفراد المرتبطين بالتبعية للسيطرة على السلــطة وعلى المرافق العامة والأراضي والتجارة والمال والأعمال. فهي فرع من أصل «نيوليبرالي» يعتبر ماهية الانسان مجرد مستهلك في السوق يبحث عن أفضل الأسعار بأرخص الأسعار. هذا الانسان «النيوليبرالي» لا حاجات وطنية له ولا حـاجات اجتــماعية ولا حاجة له لدولة قادرة علــى الدفاع عن الأمن القومي أو السياسات الخارجية والاقتصادية ـ الاجتماعية. إنما تنحصر حقوقه الطبيعية في «تعددية ثقافية» إثنية وطائفية وعرقية وقبلية ينبغي أن تحفظها له الحريات المدنية والفرديـة في «كيانات» ينتخب ممثلوها بحرية تامة. لذا تسير الحريات المدنية والفردية «النيوليـبرالية» متلازمـه مع حريات السـوق والتجـارة والاستـثمار الأجنبي المباشر، ومع إلغاء دور الدولة الناظمة للحقوق الانسانية الديموقراطية والناظمة لسياسات الدفاع عن الأمن القومي والمصالح الوطنية العليا.

وعلى أرض واقع «الربيع العربي»، ما سهّل وصول أهل الردة إلى السلطة بعد ثورة شعبية في تونس ومصر، هو مراهنة القوى الثورية على الحريات المدنية والفردية لتحقيق أهداف الثورة، فصبّت الماء في طاحونة قوى سلفية وإسلامية وليبرالية قطفت الثورة وخطفتها. القوى الثورية تشبّعت في المراهنة على الحريات متوهمة أنها تؤدي إلى الديموقراطية أو أنها الديموقراطية ذاتها. لم تقارع خصومها من النظام القديم ومن أهل الردّة في الحقوق الوطنية وحق الدفاع عن الأمن القومي. وبينما دلّت الموجة الثورية على وحدة الجغرافيا السياسية العربية من تونس إلى سوريا، علقت قوى الثورة في فخ الوطنية الشوفينية وأهملت وحدة شعوب المنطقة للتحرر من نموذج التبعية إلى مصالح دول الأطلسي في الأمن القومي و«استراتيجية السلام» وفي الاصلاحات الهيكلية والديون والأمن الغذائي وغيرها. لم تقارع خصومها في صلة تحرر كل بلد عربي بتحرير فلسطين وفي صلة الحقوق الديمقراطية بالتحرر من التبعية. ولم تقارعهم في حقوق الفئات الشعبية التي ضحّت بشبابها في الثورة من أجل الكرامة في حق العمل والأرض والغذاء والمرافق العامة.... راهنت على الحريات المدنية والفردية لتحقيق أهداف الثورة، فخدمت خصومها من القوى السلفية والاسلامية والليبرالية في قطف الثورة وخطفها. فحين يكون الخيار في صناديق الاقتراع بين حريات دوغمائية طارئة وبين دوغمائيات متأصلة، لا يصعب تفسير فوز أهل الردّة. وأهل الردة الفائزون في قطف الثورة وخطفها تسابقوا زرافات ووحدانا إلى «دافوس» ينهلون من العلم في التنمية والاصلاحات قيَماً مشترَكة بين الديمقراطيات العريقة والديموقراطيات الناشئة على قول الشيخ راشد الغنوشي. وحين يتحمس منصف المرزوقي للعمل الوحدوي في المغرب العربي، يتمخّض حماسه عن تنسيق أمني بين وزراء الداخلية والمخابرات لحماية أمن أوروبا كأنكِ «يا سلمى لا رحتي ولا جئتي». أما الاسلاميون فيأخذون بعبرة «تمسكن حتى تتمكّن»، وللصدفة البحتة يتمسكنون أمام دول الأطلسي وإسرائيل ودول النفط والغاز، لكنهم يتمكنون ولا يتمسكنون أمام إيران والمقاومة وأمام حقوق الفئات الشعبية التي شاركوها للوصول إلى السلطة. يتمسكنون في نصرة فلسطين حتى يأمر الله أمراً كان مفعولا، لكنهم يتمكّنون من تقليص حريات الفئات الأكثر تهميشاً واضطهادا وحقوق العاملين والمنتجين. فمصلحة «الأمة»، على رأيهم، هي اليوم مصلحة كبار القوم في «الأمن والاستقرار» لتسهيل حرية الاستثمار وحرية التجارة والبورصة والمال والأعمال والاستيلاء على الأراضي بالتبعية إلى مصالح دول الأطلسي، وليست مصالح الأمة في «المطالب الفئوية» للدهماء، بل على هؤلاء المؤمنين الصابرين أن يدعوا بتوفيق كبار القوم الصالحين لينالوا منهم الصدقات والحسنات.

حزب الله في كل هذه المتغيرات الدراماتيكية المتسارعة لا يدعم هذا أو يساند ذاك. وعندما سمى الحزب رئيس المجلس الوطني السوري بالاسم، فلإن رموز المجلس زايدوا على أهل الردة في التحريض على المقـاومة وفي الولاء للأطلسي وإسرائيل. وهذا الأمر استدعى تدخّل «المفكر العربي» عزمي بشارة لتأنيب تلاميذه على الملأ بالصوت والصورة. الحزب يعتبر هذه المتغيرات «خلافاً داخلياً» ينبغي حلّه بالحوار والتفـاهم خوفا من أن تستغلّه إسرائيل، ويتمسّك بمقولة «عدم التدخّل في الشؤون الداخلية» وهي نقطة ضعف الحزب في مواكبة المتغيرات. هذه المتغيرات هي انتقال دول النفط والغاز من التعايش السلمي مع إسرائيل إلى خـوض غمار الحرب رافعة لإسرائيل ضد المقـاومة والمنطــقة. وهي ركوب الأطلــسي ودول النفط والغاز وأهل الردة على الحريات الفردية والمدنية لإجهاض الثورات العربية وتفتيت المنطقة في «كيانات» مذهبية وقبلية وعرقية لا تضاهيها حرب داحس والغبراء، وعلى الضفة المقابلة من هذه المتغيرات قوى شبابية ثورية وفئات شعبية واسعة على امتداد البلـدان العـربية تريد أن تتقرّب من فلسطين في حقوقها الوطنية وفي كرامتها وحقوقها الاجتماعية والانسانية، فتتعرّض للقتل ولا تجد نصيراً. السلطة مرتاحة لقتل الدهماء، والأطلسي ودول النفط والغاز وأهل الردة مرتاحون لتحضيرهم حطب وقود في حرب مقبلة ومذابح عصبية إلى ما شاء الله. ارتياحهم يقلقنا!

 

كاتب وباحث ـ لبنان

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا