<%@ Language=JavaScript %>  حارث النقيب بشتاشان ضحايا تواطؤ والتواطؤ مستمر   3

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

بشتاشان ضحايا تواطؤ والتواطؤ مستمر  

 

 3

 

عمل نحتي لشهداء بشتاشان للفنان مكي حسين

 حارث النقيب

 

مساء اليوم الثاني للمعركة توجه م.ق الى ح.ع الذي ما زال مرابضا في موقعه، قائلا له: ما الذي تفعله هنا؟. لقد انسحبَ الجميع وعلينا اللحاق بهم، فحثا الخطى والتحقا بمجموعة اخرى. ساروا الليل بطوله حتى صباح اليوم الثالث للمعركة في اتجاه اخر. وصلا الى مكان ما فجرا، واذا بهم يلتقون مجموعة ثانية من الرفاق نياما على الثلج، اخذ الاعياء منهم ماخذه، فبادروا الى ايقاضهم، وتبين سريعا ان على راس هؤلاء الرفاق، كريم احمد واحمد باني خيلاني. حيث اصبح مجموعهم 73. ساروا نهار اليوم الثالث حتى وصلوا مساءً قرية عند اعالي قمة من قمم قنديل تحت جنح الظلام. كان للجوع والبرد حد انجماد الاقدام دورا سلبيا. عند وصولهم الى مفترق طرق، حصل خلاف حول صحة التوجه وسلامة الطريق، وانعدام احتمال الوقوع في الكمائن. كان احمد باني خيلاني يشير الى اتجاه معاكس للاتجاه الاخر الذي اصر عليه (ابو شوان) قادر رشيد، الذي قاد المجموعة، صاعدا بها الى اعلى، لم يلبث حتى يتركه ليعود ثانية، وهكذا الى ان سار بهم نزولا عند خرائب احدى القرى المهجرة. وقبيل انبلاج فجر اليوم الرابع للمعركة، اخذ الرصاص ينهمر من كل اتجاه واستمر القتال النهار بطوله. تبين سريعا ان ابناء هذه القرية غير مهجرين، وبث الجلاليون اشاعات بينهم، ان لدى الشيوعيين اموالا كثيرة، ولكم نصيبكم منها، فشاركوا في القتال الى جانب مقاتلي اوك. من الذين استشهدوا ابو(سلام) مهندس، كبيرفي السن، صورته لم تغادر مخيلتي ابدا، تُذكِّرْ ب "بطل رواية مُذلون مُهانون". كان صامتا اغلب الوقت، يتطلع بوجهه ذي الابتسامة المريرة والقلب الجريح، حيث ترك وراءه اطفاله وامهم. كذلك استشهد ابو(ماجد) حامد الخطيب، من مدينة عنه، فصل عام 56 من الاعدادية لقيادته المظاهرات الطلابية ضد العدوان الثلاثي على مصر، اعتقل شباط 63، وكان ضمن الشيوعيين الذين زج بهم في  قطار الموت. طورد عام 70 من قبل اجهزة الامن التي اقتحمت بيته ولم تعثرعليه فاعتقلت زوج شقيقته عزيز حميد من مدينة العمارة، الذي استشهد تحت التعذيب في قصر النهاية، وسلمت السلطة وقتها ـ "وفقاً للقانون البدوي" ـ مبلغا ماليا(ديِّة) تعويضاً عن الشهيد، رُفض من قبل زوجته ام حيدر. فهل ستقبل ام حيدر ثانيةً تعويضا عن شقيقها؟. اعتقل مجددا عام 78 مع المجموعة العسكرية للحزب والذين حكم عليهم بالاعدام، الا انه تم الافراج عنهم وفقا للعفو العام آب 79. جرح يوم 28 ايار، وجرح ثانية خلال معركة اليوم الرابع، لكنهم عندما وجدوا بحوزته مبلغا كبيرا من المال ـ يعود للحزب ـ اجهزوا عليه فاعدموه وهو جريح اعزل. كان مرشحا لعضوية اللجنة المركزية عن قائمة الحزب السرية الخاصة بالخط العسكري للحزب. كذلك استشهد رستم وسرور حيث تم اعدامهما. ومن بين الذين جُرحوا (شاكر) الذي اصيب بذراعه، فحاولوا اعدامه، الا انهم بعد اتصالٍ بمسؤول في اوك، قرروا العدول عن قرار الاعدام. كان ضمن المقاتلين احد ضباط الحزب، الذين طُلب منه ان يقوم بحماية مجموعة من الرفاق، الا انه فر تاركا الاخرين يقاتلون ـ الان هو عضو م.س ـ حتى انتهت الذخيرة لديهم وتم تطويقهم من كل جانب. في هذه الاثناء شعر ح.ع بفوهة بندقية توضع على راسه مع صوت يطلب منه القاء سلاحه، قائلا له: اذا وقعت بين ايادي اولئك الذين تراهم في الجانب الاخر فسيجهزون عليك بلا تردد. في نفس الوقت قام الجلاليون بتوجيه نداءات بمكبرات الصوت: "لا تقاتلوا، ان كريم احمد يقول: لا تقاتلوا". فاخذوا يقبضون على المقاتلين بعد تجريدهم من سلاحهم، في الوقت الذي قُدِّرَ لمجموعة بلغ عددها 38 ان ينسحبوا وينجوا بانفسهم، الا انهم وقعوا في التيه لايام ثلاث، كانوا خلالها بين اشعة الشمس والثلج الذي يكسو الكون وبين الجوع. كان مع الناجين كلبا، قد انسحب مع المنسحبين بالرغم من عرج يعاني منه في احد ساقيه، كان وفاؤه كبيرا لدرجة لا يمكن مقارنتها بمواقف عديدين!. البعض اقترح: ان لا حيلة امامهم من الهروب من الموت جوعا الا بذبح الكلب واكل لحمه. رُفِضَ هذا المقترح، وواجه معارضة قوية، معتبرين ان وفاء هذا الكلب كافٍ للحفاظ عليه وحمايته. في اليوم السادس او السابع للمعركة، ذهبنا سبعة برفقة يوسف سطيفان عضو م.س، و(علي) عضو م.س لحدك، فوصلنا الى قرية ايرانية عند الحدود، هناك التقينا مجموعة ال 38 الناجية. حين تطلعنا الى وجوههم للوهلة الاولى، بانت لنا ابتسامات عريضة، لكن سرعان ما تبدد ذلك الانطباع، وتبين ان وجوههم اصيبت بحروق جراء اشعة الشمس والثلج في نفس الوقت. كانت لحظات صعبة للغاية، فهؤلاء قد خرجوا من الموت مرات عديدة، اضافة الى المرارة التي تركها استشهاد البعض واعدام البعض الاخر في بشت ئاشان، واذا بهم يفقدون كوكبة اخرى، ما بين اعدام اواسير. بعدها استقلينا عربة وصولا الى مدخل احد الوديان، وقبل ان نشرع بنصب الخيام، تحدث يوسف سطيفان مع المجموعة: مُحددا من سيدير شؤونها الى حين، عندها انفجر احد الناجين وقد سحب سلاحه، وبيت طلقة في بيت النار مهددا بهذا السلاح، وقال: "لقد ضحينا ستة ايام، ونحن ألأوْلى بان نقود انفسنا، لذا نرفض ان يقودنا الاخرون"، اجابه البعض، منتقدين اسلوبه الغريب والغير مالوف للشيوعيين، وجرت مشادات قوية  بينه وبين البعض الاخر. [("عندما قدِم هذا الشخص احد ايام ربيع 80 من اثينا الى دمشق، لم تكن له اية علاقة بالحزب. وان بعض الوقائع والمواقف والاحداث  تزيل بعضاً من الغموض الذي كان يكتنفه"). والفترة الزمنية القصيرة التي اجتازها ليصبح عضوا في الحزب ومن ثم عضوا في لجنتة المركزية!!، لم يشهدها تاريخ الحزب منذ تاسيسه !. لقد شمله اجتثات البعث بعد الاحتلال. هو الان عضو م.س في الحزب!!] 

   في هذا الوقت اُخِذَ الاسرى الى قرية وورتة، اذ تحول جامع القرية الى سجن، بعد ان سدت كل نوافذه. كان بين الاسرى، كريم احمد عضو م.س واحمد باني خيلاني عضو ل.م. بلغ الاسرى 33 وانضم اليهم ثلاث اسيرات (تانية) و(نادية) ومن ثم(ليلى) التي اسرت في اليوم الثالث للمعركة بعد ان اعدم امامها كل الاسرى والذين كان من بينهم ابو سحر وملازم حامد. باستثناء اسكندر، فكان الوحيد الذي نجا من الاعدام بعد ان امسك بليلى وصرخ بوجههم قائلا: هذه شقيقتي ولن ادعها لوحدها. حاول احدهم اعدامه الا ان اخرا منعه فضمن لاسكندر البقاء على قيد الحياة. وضعت ليلى مع مجموعة من الرجال الاسرى، الا ان اصرار ابو شوان على نقلها اضطرهم الى نقلها. كان من بين الاسرى (ازاد) ضرغام، من بغداد، خريج كلية الادارة والاقتصاد، لم يمضِ على زواجه اشهرا، حتى اضطر للاختفاء من ملاحقة الاجهزة الامنية. قبل اسابيع من عدوان الاول من ايار في بشت ئاشان، التقى زوجته وهي الاخرى عضو في الحزب، في منطقة قريبة من بشت ئاشان. اعتقلت بعد فترة قليلة من قبل اجهزة امن النظام السابق واستشهدت تحت التعذيب. اما زوجها (ازاد) الذي اسره الجلاليون، فاستشهد هو الاخر صيف 85  مع مجموعة من الشهداء الذين تمت محاصرتهم  قرب عين ماء، كان خيارهم  اما الموت عطشا او الموت قنصا، وكان ضمن المجموعة ابن المرحوم اسعد خضرعضو ل.م للحزب جبار، والذي استشهد في هذه المعركة مع الجلاليين.

   وقعَّ كريم احمد على وثيقة مع الجلاليين وهو"اسير" تقضي "بوقف القتال"!. وارسل من السجن، الاسير (ابو شوان) قادر رشيد، لايصال رسالة للحزب. كان قادر رشيد يحمل وقتها مسدسا، اهداه اياه جلال الطالباني وهو في الاسر ـ كما اهدى جلال لكل من كريم احمد واحمد باني خيلاني مسدسا سلماها للحزب ـ امام الاسرى الاخرين، مع تاكيده لهم بان الامور طبيعية وان هناك مفاوضات مع اوك!!. وقتها اجتمع بنا مباشرة ثابت حبيب العاني وقال: لا يحق لاي عضو في القيادة، ان يوَقِع على او يصرح او يعلن عن اي شئ. وكل ما لا يصدر عن قيادة الحزب يعتبر مرفوضا.

   في نفس الوقت، او بتعبير ادق عشية الهجوم على بشت ئاشان وقعَّ بهاء الدين نوري عضو ل.م للحزب اتفاقا مع الجلاليين يقضي بعدم الدخول في معارك مع الجلاليين في منطقة السليمانية، مع علمه المسبق باستعداد الجلاليين للعدوان على الحزب في اربيل وبشت ئاشان.

   اطلق سراح كريم احمد الذي رفض عملية اطلاق سراحه دون الاسيرات، وهذا ما تم، واطلق سراح احمد باني خيلاني وقادر رشيد والاسيرات.

   بالرغم من تعاطف الكثير من منتسبي اوك من الذين كانوا يحرسون السجن، الا ان المحاولات للنيل من الاسرى لم تتوقف، الامر الذي دفع الاسرى للقيام بمحاولات للاتصال باهاليَّهم للضغط بطريقة او اخرى للحيلولة دون قتلِهِمْ. كما طُلب منهم ان يسجلوا اسماءهم الصريحة وصفاتهم الحزبية وعناوينهم في مدنهم. حين قدَّم كل واحد منهم اسمه الحركي وكون صفته الحزبية عضواً فقط. ثارت ثائرة جلال الطالباني الذي جمع منتسبي حزبه المتواجدين هناك، واخذ يضربهم بهراوته ويقول: ارأيتم كيف يعلمونهم، هل بامكانكم فعل ذلك؟.

   وجه الاسرى رسالة للحزب، اكدوا من خلالها: ان بمقدور الحزب ان لا يعتبرنا ورقة لموقف سياسي، وبالامكان اعتبارنا شهداء. كان السجانون يسربون الكثير من المعلومات للاسرى، ومن بينها قرار اوك في ضرب السجن، او الجامع الذي يضم الاسرى بقذائف ار. بي. جي والادعاء بان ذلك قد حصل عن طريق الخطا. تم تبديل السجانين والاتيان باخرين. كان على راسهم فلاح يحمل تعليمات ممزوجة بحقد دفين. تتكشف من خلال اخراجه للاسرى يوميا للقيام باعمال عديدة، مع الاجهاز عليهم بالضرب دون سبب ودون سابق انذار، الامر الذي اثار حفيظة الاخرين.

   لعب جلال الطالباني على اكثر الاوتار حساسيةً للمتعصبين المصابين بداء تقديس العنصر وتقديمه على الطابع الانساني للبشر، ذلك المَيِّلْ  الذي كان ولا يزال يحرك النزعات المريضة لجلال الطالباني ولامثاله ـ في كل بقاع الارض من شوفينين وطائفيين وعنصريين وفاشيين ونازيين وموساديين ـ ألا وهو وتر العرب والاكراد. قد يبدو للوهلة الاولى ان ذلك بحكم الخضوع وعقدة الاستعداد لخدمة السلطات ـ وطنية، اقليمية او سلطات احتلال ـ لكن سرعان ما يتبدد وهم التقدير هذا عندما يقرأ المرء عبارة قالها جلال الطلباني يوما لكريم احمد: "إنني اكره ثلاثةَ اشياء: النخلةَ والجملَ والعربيِ".

   قد يُعذر جلال، لا لسبب الا لجهله بان العربي والنخلة والجمل يرتبطون بعلاقة ظفرتها الحياة، ومن ايحائها جُبل العربي على صفات هي من ذروة خصال المرء: حدة الذكاء والفطنة والصبر والاناة وتحمل واجتيازعوادي الزمن والاهوال والكرم والسماحة. فقد تَمثّلَ العربي النخلة وهي تمد جذورها عميقا في الارض لترتشف الماء الزلال. شامخة بصمود واباء، كشموخه امام نحت الانواء لتعطي اطيب واشهى ثمرة، بل لتعطي كل شئ. كذلك الجمل. الذي اشتقت الاناقة منه، عندما قيل نوَقْتُ الجمل؛ اي روضته وصيرته وديعا رقيقا كالناقة، ومن ثم نوقت الاشياء ولاحقا تنوق الرجل. كذلك الجَمالْ إشْتُقَ من الجمل لما يتميز به من فضيلة الصبرعلى تحمل الجوع والعطش. وشبهوا العربي، لاحقا الصابر الجَلْد بقولهم تَجَمَلَ فلان ، وفلان يتجمل. والحُكمْ الذي يجلس على كرسيه اليوم جلال دون ان يمارسه، مشتق من الحَكَمَةَ التي توضع في فم الجمل والفَرَسْ. وكذلك الحِكْمة والحِنكْة كلها تعبر عن اجزاء من لجام الجمل كما الفرس. اقول لو علم جلال بان العربي لم يشتق تلك المفردات لما تحْمِلُ من معانٍ فحسب، بل اشاد منها حضارة وهو ينحت في جزئياتها الدقيقة. حضارة شامخة كشموخ نخلته وصابرة كصبر جمله، واصبح فارس لسان كما فارس وغى على جواد وليس على بغلٍ. وكما يقول الشاعر العربي حسان ابن ثابت:

   لاعيب في القوم من طولٍ ومن قصرِ             جسم البغـال واحـلامُ العصافيـرِ

                                            ********

    قام كريم احمد بعقد اجتماعات واسعة وعلنية لتجمعات الشيوعيين لشرح الظروف التي احاطت بتوقيعه على بيان وقف اطلاق النار مع الجلاليين وهو في الاسر. محاولا انتقاد نفسه خضوعا لمبدأ النقد الذاتي. اسيئ لكريم احمد كثيرا من قبل جلال الطالباني، لاعتقاله فقط، بل واجباره على التوقيع على وثيقة وهو اسير بعد اعدام رفاقه. حيث استدعى جلال كلاً من كريم واحمد باني خيلاني وقال بعد ان قدم لهما اوراقا بيضاء: اكتبا كل ما تريدونه من طلبات!. كان القبول بالتوقيع ـ مهما كانت المبررات ـ انتكاسة كبيرة لكريم وللشيوعين، الذين تبين لهم ان القيادي هو من تتكشف قدراته وتَبْينُ في المنعطفات الصعبة. شرط القيادي كي يثبت انه قيادي ان يترجم القول الى سلوك، الى فعل ثابت بعيدا عن الترددات، وان يتخذ القرار الصعب في اللحظة الحرجة، ماسكا بمقاود الامور مهما كان الاهتزاز، متلمسا ذلك القبس من نور الفكرـ الذي يمنحه العقل ـ في دياجير الظلام. واجه كريم احمد وهو يحاول تفسير او تبرير ما جرى، مواقفا كان بعضها قاسيا، حد اتهام البعض له بالجبن والخيانة، بينما البعض الاخر قال : لو كُنتَ قد وقعَّتَ بعثيا كان خيرا لك من التوقيع على هكذا بيان، لحظتها فقد كريم احمد كل بواصله، واخذ (الجمداني) ـ وهو ما يُلاثُ او يُعتَمرُ به الرأس ـ بيده والقى به بالارض صارخا اجلس يا ولد. حاول المسؤول الحزبي للموقع تهدئة الموقف قائلا: هل تعلمون بان اثمن راسمال هو البقاء على حياة الرفيق ابو سليم. بعد اعوام ذكَّرْتهُ بتلك العبارة، فاشاح بوجهه وكانه القائل: "لا راس ولا مال".كان كريم احمد اثناء التقائه تجمعات الشيوعيين يصرح: بان الحزب سيطرد كل من يترك العمل العسكري كاجراء عقابي. هذا الموقف جاء بعد ترك العديد من الشيوعيين العمل العسكري والقوا ببنادقهم احتجاجا على مجمل الوضع، الى درجة ان احدهم دخل الى خيمة فيها عدد من قياديي الحزب والقى ببندقيته قائلا: لقد كان لدى الحزب الف ضابطاً عام 63 ولم يستلم السلطة، فهل سيستلمها الان "بامكانات ملازم اسعد". كان قرار الطرد اوالعقوبة والابعاد من الحزب هو القانون المطبق بحق كل من يرفض الانخراط بالعمل العسكري للحزب، ذلك العمل الذي اُكسب صيغة(الوطن)، حيث قُزِّم الوطن بكردستان، واصبحت الرسائل تختتم بعبارة (انا على استعداد للتوجه للوطن) اي الى كردستان. اما اذا كان الموقف نقيض ذلك فالعقوبات الحزبية هي لغة التعامل.   

   كان موقف كريم احمد ـ بطرد كل من يترك العمل العسري ـ خاضعا لحالة ارتدادية مرتبطة بالظروف التي احاطت بقرار اعلان الكفاح المسلح من قبل قيادة الحزب. حيث ان الكيفية التي اتخذ فيها هذا القرار كانت معروفة لاغلب الشيوعيين. اذ كانت المساهمة الطوعية بالعمل العسكري للحزب هو القرار المتخذ من قبل م.س. لكن احتجاج اغلب اعضاء اللجنة المركزية الذين يعيشون في منطقة كردستان على الصيغة التي اتخذت ـ معتبرين ان مثل هكذا صيغة ستجعل طواعية المشاركة في العمل العسكري مقتصرة على شيوعيي كردستان ـ جعلت  تغيير صيغة القرار من طواعية الى الزامية المشاركة هي التوجه الواضح والمحدد الذي حدد ملامح مرحلة لاحقة امتد تاثيرها الى اللحظة.

  شخصيا اقدر واحترم عاليا كريم احمد وعمرعلي الشيخ، فهؤلاء شيوعيون قدموا التضحيات وليس اقلها ان عُمْراً بكامله اجتازوه في حياة كفاح شاقة ومريرة. بل ان بعضها فادحة ولا يمكن تعويضها، كاستشهاد الابن البكر لكريم احمد (بوتان). الا ان المسالة ليست الشخوص بقدر ما هي الامكانات والقدرات، والتي لا يمتلكانها. كما ليس بمقدور الكثير من قيادة الحزب الاضطلاع بقيادة هكذا عمل اريد له بالاساس تخريب وتدمير الحزب وسرقته ومن ثم جعله اقطاعية مستملكة وبحق التصرف لمالكه او لملاكه، مستهينين بارواح المئات الكثيرة من الذين استشهدوا.

   عقد الحزب اجتماعات على مستوى اللجان وكذلك موسعة على مستوى القواعد لاجراء تقييم للاحداث.  كان يقود الاجتماعات الموسعة المرحوم يوسف سطيفان. ففي موقعنا الذي كان يضم اكبر عدد، تحدث كثيرون، الا ان اكثرالمتحدثين دقة، ووضعا للنقاط على الحروف، كان الدكتور الشهيد (ابو ظفر) محمد بشيشي. حيث اشار من بين ما اشار اليه الى:  ان نصف اعضاء اللجنة المركزية غير قادرين على فهم ومواكبة المتغيرات السياسية والفكرية واستيعابها وبالتالي اصبحوا عاجزين عن لعب الدور القيادي.

 

 

   في ظل كل هذه الاجواء كان العمل يسير حثيثا للقيام بعمل عسكري ضد قوات اوك، انتقاما لمجزرتهم ضدالحزب، واخذا بثأر رفاقنا الذين استشهدوا. كان عمر علي الشيخ ابرز المخططين والمتحمسين لهذا العمل، الذي لم تسمح السلطات الايرانية بتنفيذه، لانها كانت تعد لعمل عسكري كبيرلاحتلال مرتفعات حاج عمران، والذي ساعدت بعض القوى الكردية على تحقيقه. ففي يوم 12 تموز 83 اجتازت موقعنا ـ كنا على الجانب الايراني من مرتفعات حصاروست ـ 11 سيارة جيب عسكرية تحمل بيشمركة من حدك، تلك القوات التي صادفناها بعد ثلاثة ايام لدى اجتيازنا قمة حصاروست باتجاه العراق، وهي تتموضع في نقاط استراتيجية، في نفس الوقت الذي كانت فيه القوات الايرانية تزحف على مرتفعات حاج عمران والتي احتلتها وقتها.

   استشهد اكثر من 50 رفيقا في هذه المعركة، من بينهم نزار ناجي (ابو ليلى) و(دكتور عادل) غسان عاكف و (ملازم حسان) جبار شهد وابو(مازن) فاخر الخليلي وابو(اذار) من شيخان.

   كانت هذه المعركة بمثابة تخبط في الظلام. فهنا لم يعد الخيط الفاصل بين الحزب والعشيرة واضحا في ضل الاخذ بالثار والانتقام دون حساب العواقب، انها محاولة للامساك بالسراب. او كما يقول استاذ علم النفس ورائد النقد الادبي رتشاردز: "رجل اعمى يبحث عن قط اسود في غرفة سوداء والقط غير موجود".

 كانت الاخبار الاتية من قاطع السليمانية شحيحة جدا، والموقف هناك غير معروف. الى الدرجة التي تجعل هذا القادم كانه ملاك يحمل مفاتيحا سحرية. كان البعض من قيادة الحزب يلتقون بهؤلاء القادمين يستمعون اليهم ويحصلون على اجابات لبعض الاسئلة. الا انه وصلت الحالة بالبعض ان حمل ورقةً وقلماً مثل الدكتور كاظم حبيب والمرحوم (ابوسيروان) محمد سليمان، اذ كانا يركضان وراء كل قادم من قاطع السليمانية وهم جدُ قليلون، طالبين منهم ان يكتبوا عن موقف بهاء الدين نوري. رفض اغلب هؤلاء ان يلبوا تلك الرغبات، الا ان "ا.ف" كتب بعد الحاح د.كاظم حبيب رسالة ذيلها بعبارة مظفر النواب" تفاً لهذا اليسار الغبي الذي لا يثأرُ لدمِهْ ".

   تم طرد بهاء الدين نوري من عضوية اللجنة المركزية خلال اجتماعها ودون حضوره!، في حين لم تحصل اية محاسبة لكريم احمد!!. ان الكيفية التي طرد بها بهاء تعكس حالة التشفي وروح الانتقام لدى العديد من قيادة الحزب. كان ينبغي ان يتم ذلك بحضوره، لانه عضوا في ل.م ومن حقه الدفاع عن موقفه كما كان لزاما على الحزب وقتها ان يكشف حقيقة ما جرى و يفضح ذلك الموقف ويعريه. بهاء الدين يستحق الطرد لانه تواطأ وكان ثمن ذلك التواطؤ الكثيرمن الشهداء سقطوا في معركة الدفاع عن الحزب. اما المبالغ الطائلة التي استلمها بهاء من جلال فكانت عربون ذلك التواطؤ. ولم يكن بهاء الدين الوحيد الذي اغدق عليه جلال لقاء التواطؤ والتآمر لذبح الشيوعيين. فاذا كان غضب المقاتلين وهيجانهم الذين لم تفارق صورالشهداء اذهانهم، قد اضطر (ابو شوان) قادر رشيد الى القائه بمسدسه والذي اهداه اياه جلال وهو في الاسر في القمامة، فان ذلك الغضب والهيجان وتلك الانظار لم ترصد وقتها لا الموال ولا مستلميها ولا التنازلات التي قدمت لقاء تلك الاموال. لقد ذكر فخري كريم من على شاشة قناة العربية، شباط 2008 بانه استلم من جلال الطالباني مليون دولار!!. مقابل ماذا؟ وما هو ثمن ذلك المبلغ الذي قُدِمَ لجلال ولمن ورائه؟. لقد دفعت السلطة لابناء قرى باهدينان مبلغا لا يتجاوز العشرات من الدنانير لمن ياتي بالاسم الحقيقي ل (دكتورعادل) غسان عاكف حمودي، لدوره في كسب احترام وتعاطف اهالي هذه القرى مع الحزب. اما عبدالخضر هزام (ابو عرفان) وعلى اهمية دوره الثمين لمخابرات النظام السابق، فكان يستلم مرتبا قدره 2000 دولار شهريا. وحتى يكون لديه مبلغ مليون دولار عليه ان يقدم خدمات لمدة 40 عاما.

  تقع المسؤولية الاولى في كل ذلك على عزيز محمد المسؤول الاول للحزب، والذي لم يكن له وجود خلال كل هذه الفترة. فهو يكشف من خلال مقابلة مع الصحفي توفيق التميمي خريف 2010 عن ما هو ابعد من كونه تناقض صارخ. اذ يقول ردا على سؤال بخصوص الكفاح المسلح الذي خاضته القيادة المركزية بعد انشقاق عام67: "انا باعتقادي بان اي عمل ثوري وخصوصا اقصاه واشده هي الثورة، تحتاج الى مستلزمات. نحن باعتقادنا في ذلك الوقت لم تكن هذه حركة كفاح مسلح بل هي افتعال الكفاح المسلح كان يجب عدم الاقدام عليها لانها ليست بشئ بسيط وليست لعبا ولهوا. واليك المثل البسيط: حرب الانصار في اية منطقة تحتاج الى اهالي المنطقة بالاساس والى معرفة خصوصية المنطقة واسلوبها ولغة سكانها، لان الانصار دائما هم الاقل عددا من سكان المنطقة التي يعملون على ارضها، وعليهم ان يعتمدوا على هذه المواصفات لكي يتصدوا للنظام بجبروته وعسكرته، كالنظام العارفي مثلا في وقتها".

   كلام يعبر عن خبرة ومعرفة وان كانت بسيطة! الا انها مهمة للغاية. هل توفرت تلك المستلزمات التي حددها ابو سعود عند اتخاذ قرار الكفاح المسلح عام 80؟. وهل يندرج ذلك تحت توصيف اللعب والهو؟. خصوصا اذا علمنا ان اغلب الشيوعيين الذين شاركوا في هذا الكفاح غرباء عن المنطقة. لايعرفون لغتها ولا تضاريسها. اضافة الى ان نظام الاخوين عارف لا يعدو عن كونه ورقة في مهب ريح عواصف وزوابع وكوارث نظام صدام حسين؟.

  والحوار الذي جرى بين عزيز محمد المرحوم عزيز شريف عام 88 يسلط شيئا من ضوء الحقيقة على ما كان يجري وما هو مبيت. اذ سال عزيز محمد السيد شريف حول رايهِ  فيما اذا اقدم الحزب على خطوة المفاوضات مع  النظام ـ حيث كانت الجهود حثيثة وقتها، وكان كل من مكرم الطالباني و السفير الفلسطيني في براغ وجلال الطالباني وسطاء عملية المفاوضات ـ كان جواب عزيز شريف : (أنَّ لاخوف من المفاوضات، إن الخوف من ذهابكم مشتتين، عندها سيكون موقفكم ضعيفا. شرط ذهابكم الى اي مفاوضات هو توحيد الحزب، كي تكونوا في موقع اقوى وتكون اوراقكم ذا ثقل ووزن كبيرين). بعد هذا الجواب وجه عزيز شريف بدوره سؤالا الى ابو سعود قائلا له: (ماالذي حققتموه من حملكم مدافعكم والذهاب الى كردستان؟ هل حققتم شيئا؟ وهل تقدمت القضية الكردية خطوة الى الامام بفعل تلك المدافع ام تراجعت كثيرا؟).

  بعد ثلاثة اعوام جاء رد عزيز محمد على سؤال السيد عزيز شريف. ففي عام 91 وخلال عقد اللجنة المركزية للحزب اجتماعها في اربيل. اقدم عزيز محمد وكريم احمد وبدعم كامل من قبل عمر علي الشيخ على شق الحزب الشيوعي العراقي الى حزبين. حزب شيوعي كردي واخر شيوعي عربي. وكانت الصورة المظلِلِة هي: امكان وجود حزبين شيوعيين في اطار حزب واحد. كانت العشرة اعوام السابقة لهذا الحدث بكل ماحملته من ارهاصات، تمثلت بعسكرة الحزب وزج الالاف من اعضائه في طريق ما كان ليقود الا الى المجهول، وطرد الكثيرين منهم ومحاربتهم بطرق بعضها مؤلم. وسرقة مؤسسات الحزب المالية والاعلامية، وتشظي الحزب الى مجاميع، التقى معظمها لاحقا عند ابواب مكاتب وزارات الخارجية البريطانية والامريكية و... واجهزة مخابراتهما، وساهم البعض في التهيئة للعدوان على العراق واحتلاله. كان هذا العقد هو الميدان "الزمكاني" الذي تم فيه الاجهاز على الحزب.  كانت واحدة من اخطر الخطوات التي اتخذت في المؤتمر الرابع للحزب والتي هيأت لاجتماع 91. هي اضافة عشرة اعضاء سريِّين جدد للجنة المركزية، لايَعرف بهم لا المؤتمر باعتباره اعلى هيأة حزبية ولا الاخرين، في سابقة لم يقدم عليها حتى جنكيز خان.(البعض من اولئك كانوا اعضاءاً في جهاز مخابرات النظام السابق، ولا زال البعض الاخر عضوا في ل.م وعليه علامات استفهام). حيث كان يتم ضم الى اواخراج من ل.م حسب درجة الولاء. هؤلاء كانوا الضمانة لتمرير مؤامرة شق الحزب. فما كانوا ليملكون سوى ان يقولوا(لعم). داخل هذا الاجتماع تصدى المرحوم (ابو سيروان) محمد سليمان بقوة، لجهود عزيز محمد وكريم احمد لشق الحزب. وتوجه بصريح الحديث الى عمر علي الشيخ قائلا له: لماذا تصمت وانت ترى كيف يتآمر عزيز وهو يتحدث بطريقة داخل الاجتماع يعمل على نقيضها خارجه. وقال لعزيز محمد: لا يحق لك القيام بما تقوم به، والحزب امانة بيدك. استقال احد اعضاء ل.م احتجاجا على ما كان ينسج لتهديم الحزب موجها كلامه لعزيز محمد، قائلا له: اني لاعجب كيف تسنى لك قيادة الحزب طيلة هذه السنين وبهذه الطريقة من التآمر والدسيسة والاحتيال.

   لقد كانت قيادة عزيز محمد للحزب اسوأ من قيادته لسيارته، اواسط السبعينات، حين خرج من حفل خاص في احدى بيوتات بغداد، يحيط به طارق عزيز وام عرفان، خرج ثملا، فهوى بسيارته في حفرة على جانب الطريق، فانتشله رجال الامن الذين كانوا يراقبون المشهد منذ بدايته، فاخذوه الى دائرة الامن وسجلت القضية باسم سائق المقر. انها لمن السذاجة ان نطلب من هكذا سكرتيراً، ومن هكذا مسؤولين ومن خَلَفَهم موقفا او قولا او صوتا يعلن انهم احياء.  البعض عبر عن اسغرابه لصمت الحزب على مجزرة بشت ئاشان. بكل وضوح انه ليس بصامت من يُقزِّم الوطن بشخص الحاكم، ويختزل الشعب الى انتماءات حزبية او عقائدية. من أيَّد ضرب بلده وتدميره تحت اية ذريعة، ومن وقف مع حصار جائر لمدة اثني عشرعاما بدعوى محاصرة النظام، ذلك الحصارالذي سحق فقراء العراق ومعدميه وكادحيه الذين قدَّموا مئات الالاف من شهداء الخبز والدواء، ومن ايد تدمير العراق لاحقا واحتلاله ورهْنِّهِ باتفاقية ـ كان للحزب الشيوعي العراقي موقفا رائدا ومشرفا في قيادة الشعب واسقاطها عام 48 ـ من كانت مواقف التخاذل تلك ونهج التواطؤ ذاك تشكل جوهر سياساته لا يُنتظر منه موقفا مغايرا، لان ذلك يتناقض ومنطق الاشياء. فسياسات الحزب الشيوعي قائمة على اساس فكري منحرف، يشكل القبول بالنظام الراسمالي، تحت شعار حرية السوق ـ كاهم مطلب للراسمال العالمي ـ والتنكر للاهداف والشعارات التي شكلت تميزا ومغناطيسا جذبت الملايين من فقراء وكادحي العراق صوب الحزب، اهم ملمح له، وما يترتب على كل ذلك من ارتهانات سياسية وثقافية وغيرها من اشكال التبعية، ولا غرابة ان يكون قادة الحزب الشيوعي في المقدمة والابرز للطابورالاعلامي الذي اعدته ال سي.آي.إي عشية العدوان على العراق واحتلاله للترويج لجريمة العصر.

 

   تِهنَة ...

            اوتاهَت النية.

            اوصُفينة ابعاصفات الريح

                          بيرغ شارد امن خيال صاريه!

اوبجيتك ياعراق الضيم

               من شِفت الزِّلم نيران بالدخان تتغتّر!

اوبجيت اكثر بعد ، وردود ،

         من شِفت النخاوي ابخابط السكتة ،

                         تدوِّر ع العذر ـ هلْبت ! ـ

                         تغسل بيه طيف المستحىَ ، لاجن ...

                         عذرها من عذرها ايجيك يتعذّر !

 

                       مقطع من قصيدة بجينة، ضمن المجموعة الشعرية نعم انا يساري

                                                                     للشاعر الكبير شاكر سماوي

  

        

   07.07.2012

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا