<%@ Language=JavaScript %>  حارث النقيب بشتاشان ضحايا تواطؤ والتواطؤ مستمر    2 

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

بشتاشان ضحايا تواطؤ والتواطؤ مستمر

 

   2 

 

عمل نحتي لشهداء بشتاشان للفنان مكي حسين

 

 حارث النقيب

 

 

   كنا في الادارة العامة على اتصال مباشر بالمهربين الذين يزودون القاعدة باحتياجاتها الضرورية. البعض منهم كان يتعاون معنا، في حين ان البعض الاخر يعمل لحساب السلطة واوك. كان قسما من هؤلاء يحاول الذهاب الى مقر الاقليم للقاء فاتح رسول (ابو آسوس) عضو اللجنة المركزية للحزب، لم يكن يسمح لاحد بذلك. كان حامد الخطيب ابو "ماجد" ينقل كل المعلومات التي نحصل عليها مباشرة الى يوسف سطيفان وكريم احمد. 

   خريف 82 تشكلت وحدات عسكرية عديدة، حيث بلغ عددها حين وقوع المجزرة بحدود 20 وحدة مقاتلة، بعد تشكيل سريتين مقاتلتين تتمركزان في المواقع الامامية، الاولى عند اعلى الخاصرة اليمنى لبشت ئاشان او سلسلة قنديل. كان امرها خضر كاكيلي. والثانية متقدمة الى الامام على يسار سلسلة قنديل، وهي وحدة مشتركة مع الحزبين الديمقراطي و الاشتراكي الكردستانيين. يقودها الشيوعييون، وامرها مام رسول. هاتان السريتان ابيدتا بالكامل بعد قتال شرس، ولم ينجوا منهما اي رفيق.

   ما قبل وبعد توقيع الحزب على بيان التعاون مع أوك وصولا الى منتصف نيسان، كان الجلاليون ينقلون قواتهم من القواطع الاخرى استعدادا للمعركة. وكان العديد من هذه القوات يحلوًن ضيوفا على احد مقرات الحزب في رِزْكًة، التي تتوسط المسافة بين بشت ئاشان ونوزنك. مقاتلي هذا الموقع معظمهم من بشدر، والمتميزون بالشجاعة وروح الاقدام والتضحية. كان امر السرية حسن بشدر يبعث برسائله الى عمرعلي الشيخ عضو م.س، مشيرا فيها: (ان الجلاليين يجمعون قواتهم ويتهيأون لضربنا، وبامكاننا ابادتهم). كان جواب عمر علي الشيخ هو: اكرموهم ودعوهم! الشئ نفسه حصل ايضا نهاية اذار، عندما قدمت قوة من 160 مقاتلا يقودها عضو م.س من أوك. كانت تسيرعلى طريق اسفلتي، على اسفل يمين سلسلة بشتائاشان، لا تسيرعليه الا الاليات العسكرية، حوصرت هذه القوات من قبل مقاتلي الحزب، الامر الذي اضطرهم للمبيت ليلتين في العراء. في الوقت الذي كان فيه قائدها يلح على ضرورة لقاء كريم احمد، سمح له بذلك، وتم اللقاء، ومن ثم سويت المسالة بين" البرجوازي الصغير والثوري العتيد" فسمح لهم بالعبور، وكان هؤلاء جزءاً من القوة التي هاجمتنا وقتلت واعدمت العشرات. يقولون: ان الشك في محله يقين. لم يتيقنا لا ابو سليم ولا ابو فاروق، لانهم يعملون فقط بصدق النوايا وحسن الضنون، ولا يوجد في ذهنيهما شئ اسمه الافتراض، ويقال: ان الانسان حيوان يفترض، كي يكون اقرب الى الحقيقة او صدق الموقف. 

   خلال الاشهر التي سبقت الهجوم، حدثت اشيائأ لها دلالاتها. منها تسلل العديد من الاكراد ليلا، ولقائهم (ابو آسوس) الذي يقيم قرب مقر الاقليم في اخر نقطة داخل بشت ئاشان. وعلى جانب الطريق المؤدي الى مقر الاقليم، يوجد مقر اخر للرفاق، كان لديهم كلب، منحوه رعايتهم فالتصق بهم. كان الكلب ينبح لدى قدوم هؤلاء ليلا للمنطقة مما يتسبب في كشف ما يحدث. علما ان هذه المنطقة لا يستطيع دخولها اي غريب، لان يوجد ضمنها المكتب العسكري وعدد من قيادة الحزب. ولإخفاء حقيقة ما كان يجري في الخفاء وتحت جنح الظلام، وعدم كشف هوية القادمين، قرر(آبو اسوس) التخلص من الكلب. فارسل شخصا من مقر الاقليم وقتل الكلب في وضح النهار. لحضتها تصاعد غضب الموجودين في المكان، الذين ادركوا حقيقة الدوافع لقتل الكلب، وكادت ان تحصل مواجهة بالسلاح بين القاتل و(حامد)(مؤيد عبدالكريم) وهو شيوعي قدم مع رفيق اخر بعد ان شاركا في الدفاع عن بيروت صيف 82 ضد الاجتياح الاسرائيلي. أودعا الاثنان السجن، وتم لفلفة المسالة، ونسي الجميع ما كان يجري وراء الكواليس، بين أوك ورجالاتهم داخل الحزب. استشهد (حامد) في المعركة ضد اوك.  

بموازات ذلك، وطيلة وجودنا في بشت ئاشان، لم يستطع احد من ابناء كل هذه القرى المجئ الى المنطقة ولوباطلالة خاطفة، باستثناء اثنان من اهالي بيانة، قدما تموز 82 قبل انبلاج الفجر، ومكثا النهار بطوله معنا قبل عودتهم تحت جنح الظلام. لكن نهاية اذار بداية ايار 83 قدم عدد محدود جدا لا يتجاوز العشرة عوائل، ولا يوجد بينهم اي رجل، الكل شباب وصغار في السن، قدمو بطريقة تثير الشكوك. هذا هو العدد الحقيقي وليس كما يذكر عزيز محمد ضمن اللقاء الذي اجراه معه توفيق التميمي 1013 2010 حيث يقول:"سالت بعض الرفاق كم كان العدد من اهل المنطقة الذين كانوا مع أوك؟ قيل: كانوا بحدود 200ـ 250"ـ معلوم ان السلطة هي الجهة الوحيدة التي تمنح وتمنع حق القدوم. فقدم هؤلاء وتركز اكثرهم في منطقة كاسكان لكون المنطقة تشكل بوابة الدخول والخروج السريع والسهل ودون رقيب. كانت مهمتهم الابلاغ عن كل ما يتعلق بالقاعدة من اعداد واسلحة وتحركات، الامر الذي استعصى على السلطة تحقيقه طيلة عام 82 عندما كانت ترسل المندسين كونهم "ملتحقين". [ لقد فات السيد عزيز محمد ان موقف هؤلاء كان على النقيض من موقف الفلاحين الاكراد ابناء منطقة باهدينان، والذين تعرضت منطقتهم للاجتياح التركي بعد شهر من معركة بشت ئاشان.عادوا سريعا ـ بعد ان اجلوا عوائلهم الى اماكن امنة ـ للقتال الى جانب قوات الحزب التي واجهت الاجتياح التركي بمفردها]. والبعض من هؤلاء العائدين الى بشت ئاشان قد نسق مع آبو اسوس، واستعان به عند ما  توجه بطلب الى قيادة فوج بشتاشان باخلاء المقر، كونه يعود لهم، بهدف خلق حالة من الارباك، ووجه ابو اسوس رسالة الى قيادة الفوج استهلها بعبارة "انتم ايها العرب". سُلِمْت الرسالة الى عبدالرزاق الصافي من قبل امر الفوج ابو عادل. علما انه لم يَطلب احدا من تلك العوائل اخلاء اي مقر من مقراتنا وهي بالعشرات. 

   وصل الى بشت ئاشان عشية الهجوم، اعدادأ غير قليلة من القواطع الاخرى للحزب لاغراض عديدة، واستشهد عدد منهم، واسر قسم اخر. وقبل المعركة بيومين، اي يوم28 نيسان، قصفت بشت ئاشان بقذيفتي مدفع من جهة الشارع المعبد. كنا لحضتها خمسة  نعقد اجتماعا تحضيريا  للترتيب لعودة  نشاط اتحاد الشباب الديمقراطي العراقي. احد المشاركين في هذا الاجتماع استشهد بعد يومين، وهوحسين محسن (ابو خليل) مهندس خريج بريطانيا، كان كتلة من الاخلاق والنبل والقيم والالتزام. اما الاخر ويا للمفارقة فقد اصبح سكرتيرا او مستشارا لجلال الطالباني بعد الاحتلال الامريكي. جرح خلالها حامد الخطيب (ابو ماجد) بكتفه. واتضح فيما بعد ان في هذا اليوم بدات المعركة في سهل اربيل،  حيث كانت قواتنا مع قوات حدك و حسك، اكثر استعدادا واحكم خططا، فهي التي اخذت دور المبادأة، ولهذا استطاعت ان تسحق قوات اوك وتلحق الهزيمة بهم، بعد تكبيدهم خسائر كبيرة.

يوم 29 ايار، وانا في طريقي الى بولي ، التقيت (ابوسحر) ناصر عواد، كان يصعب عليه لقائي لما تركه في نفسه استشهاد ابو فيروز، كانت اللحضات موشات بظلال من الحزن، ومن اين ندري ان تلك الظلال ستصبح اكثر قتامة. واذا كان لحظتها لم يجد الكلمات المعبرة عن صدق المشاعر، فهل ساجد ما يعبر عن شعور صادق ان لم اقل اصدق ازاء رجل يحمل قلب طفل ببرائته وصدقه وتلقائيته ونبله، كما يمتلك ارادة ملاك في شجاعته وروح الاقدام حد الشهادة، كان يضفي على لحظة ومكان وجوده شياً اكثر من البهجة والفرحة، انه يُطرز الامال في لحظة العتمة، ويزرع الثقة حين يحصد الاخرون الانهيار. كان التوتر القائم مع اوك والاجواء المشحونة هي الحديث الطاغي، وقال كلمته المشهورة: هؤلاء جحوشاً وليسوا حلفاءً كما يصفهم الحزب، وينبغي التعامل معهم على اساس هذا الفهم. وواصل كلامه قائلا: لقد عاقبوني حزبيا لانني اُسمي اوك جحوشاً. يبدوا ان تلك العقوبة لم تكن كافية. فاعدموه ثاني يوم المعركة مع مجموعة من الرفاق من بينهم (ملازم حامد) وهاب عبدالرزاق من مدينة الحلة، احتل (ملازم حامد) مكانة خاصة في قلوب رفاقة الذين احبوه وحملوا له الاحترام والاعتبار والتقدير لشجاعته ولدوره المتميز قبل واثناء المعركة. لقد دفنوا في قبر جماعي.   

   

   مساء يوم 30 ابريل رصدت تحركات لقوات كثيرة صوب بشت ئاشان باتجاه نقاط عديدة، وتم ارسال خمسة رفاق لزرع الغام في مدخل الوادي، عند البوابة الواقعة قبل مدخل كاسكان. استشهدت المجموعة بكاملها، وكان من بينهم الشهيد دكتور بهاء(طارق) الذي كان كتلة حقيقية من طاقة وحيوية لا يحدهما شئ،  وجه ضحوك، ودائم الاشراق مهما كانت حلكة الظروف.  تعانقنا لحضتها والمزاح يغلب على حديثنا، وكانها لعبة، قال ضاحكا وهو يمد يده ليناولني شئ ما: ان لم اعد فهذه السلسلة ستذكرك بي.

 بدأ الهجوم فجر يوم 1 نيسان ومن عدة محاور. سقط اول شهيد فجر هذا اليوم في منطقة بيانة وهوشهيد عبدالرضا (ابويحيى) مخرج سينمائي من مدينة النجف. ربما هو الشهيد الوحيد الذي دفن بعد اجراء مراسيم الدفن من تغسيل وصلاة، حيث صلى عليه (ابو ماجد) حامد الخطيب. ودفن في مقر المكتب العسكري.

   كان الهجوم شديدا على المواقع الاخرى خصوصا السرية التي عند الخاصرة اليمنى لسلسلة قنديل وآمرها خضر كاكيلي، والسرية  التي عند اقصى الجهة اليسرى الى الامام، وامرها مام رسول. استشهد رفاق هاتين المجموعتين بالكامل. من الذين اتذكرهم: كاظم طوفان (ابو ليلى) وخضر كاكيلي وعميدة عذيبي(احلام) و رسول صوفي( مام رسول) وعبدالوهاب عبدالرحمن (ابوهندرين) وابو( يوسف) مازن محي الدين كمال الدين ومحمد رسول الذي لم يبقى من عائلته سوى والدته وشقيقه الصغير وسمير عبدالحسين (ابو صابرين) ومحمد صالح الساعدي(ابو وطفاء) الذي قاتل في بيروت ضد الاجتياح الاسرائيلي والتحق مع رفاق له بقواعد الانصار في كردستان و(ابو سمير) عبدالحسين احمد معلم من العمارة وعبدالله حسن وشقيقه قادر حسن من بشدر.

  

   كانت الاعداد المهاجمة كبيرة جدا بالقياس لاعدادنا، حيث قدر وقتها ما بين ثلاثة الاف، وثلاثة الاف وثلاثمائة، مدججين باسلحة متنوعة، ابرزها ب ك س. ومعلوم ان اوك استلم من السلطة قبيل المعركة بايام، عربات محملة بالسلاح. بينما كان عددنا ـ باستثناء الاعداد التي قدمت الى بشتاشان عشية المعركة  وقد لاتزيد عن 30 ـ بحدود 450 بينهم مرضى وكبار في السن، ومعظم هؤلاء خارج حساب العمل العسكري. من بينهم الشاعر الكردي احمد دلزار وشقيقته. في حين كان عمر اصغرنا ثلاثة اسابيع. كانت بحوزتي سجلات بكامل اسماء الفصائل والسرايا والعوائل، بحكم المهمة الموكلة الي وهي تخزين وتوزيع المواد الغذائية على الوحدات، تلك السجلات حملتها معي مع سجلات حسابية اخرى، اذ قمت بتمزيقها ورميها في احد الانهر. لم اُسأل عنها يوما ما!.

   بالرغم من التفوق العددي ونوعية السلاح وفاعليته لدى اوك، الا ان الشيوعيين قاتلوا ببسالة نادرة يُشهَد لها. بسلاح متنوع الفعالية، فبعضه بسيط لا يعدو كونه سلاح شخصي ك الكلاشينوف الذي لا يناسب القتال في الجبال. اما في الجبهة عند جهة اليسار كان رفاقنا في منطقة منخفضة جدا، استعانوا بمدفع 57، وكان (ابو خالد) كان طالبا في كلية الطيران الحربي، استطاع مع مجموعة من المقاتلين متواجدين في منطقة منخفضة، ايقاف تقدم اوك ليومين، بالرغم من تركزاوك في القمة. استدعي ابو خالد الى المكتب العسري، فحصل شبه انهيار في هذه الجبهة بعد يومين من القتال دون  نوم وشحة في الطعام وانعدام اجهزة الاتصال والنواظير، هكذا كان حال جميع الوحدات. استمر القتال طوال اليوم الاول، وفي المساء ارسلت مجموعة من 50 مقاتلا الى مواقع عند اعلى الطرف الايمن، والذي يشرف على فصائل بولًي وفصيل المتفجرات من جهة اليمين، لكن تبين ان قوات اوك قد احتلتها قبل وصول قواتنا، عندها بدا الحديث عن حالات الخيانة التي تعرضت لها قواتنا. كان من بين الذين قدموا الى بشتاشان الايام الاخيرة قبل المعركة رفيق كردي من قاطع باهدينان، كان من امهر رمات المدفعية، لا يعرف تضاريس المنطقة، فقط يتم وصف الموقع والمسافة والارتفاع والانخفاض، فيحدد ضرباته، وقد اوقع خسائر غير قليلة بالجلاليين باعتراف نوشيروان، الذي قال لكريم احمد: لديكم هداف ماهر حيث سقطت القذائف في وسطنا فساله كريم لمرتين كم عدد قتلاكم؟ فلم يجبه.

    صباح اليوم الثاني للمعركة استدعى م.س حامد الخطيب(ابو ماجد) و(ازاد) ضرغام. فتبين ان مجموعة من الحزب على راسها كريم احمد واحمد باني خيلاني قررا الانسحاب مع مسؤلي المالية. بعدها بوقت قصير تم استدعائي من قبل قيادة الفوج، عندها طلب مني ان أأخذ حصان واذهب الى اربعة رفاق كانوا في انتظاري. حين وصولي تبين ان هؤلاء سبق لهم وان خرجوا ليلة امس يقودهم احمد باني خيلاني ويحملون مدفع رشاش روسي الصنع"ثقيل الوزن جدا" الا انه تعذر عليهم المواصلة فقفلوا راجعين. حزمنا اسلحتنا وسرنا هبوطا ثم اخذنا بالصعود الى ان تعذرعلى الحصان المواصلة، فاخذت قاعدة المدفع على كتفي وتناول الاخرون بقية الاسلحة وواصلنا الى المكان الذي رايناه مناسبا، عند الانتهاء من تثبيت المدفع، وقبل ان اهم بالعودة طلبوا مني ان ابلغ قيادة الفوج بحاجتهم للطعام والناظور وجهاز اتصال وتعليمات!!!. وصلت قيادة الفوج، الثانية بعد الظهر. كانت الاعداد الكثيرة الموجودة تنبئ بالسئ، حيث الوجوم يلف الوجوه، وعلائم الغضب وحالة الانفعال بادئة في كل حركة. عندها علمت بسقوط شقولكة. اخبرت ابو عادل من قيادة الفوج بطلبات رجال المدفع، اجابني تناول طعامك وعد ثانية مع الحصان، وحاول ان توفر ما استطعت من تلك الطلبات. تناولت كاس من اللبن وقطعة خبز، وهذا ما عز على الكثير من المقاتلين الذين استشهد البعض منهم واعدم البعض الاخر وسلم من لم يقع في الاسر، فالجوع كان هو الاخر قرين لاوك. عدت مع الحصان واخذت طعاما وخبزا دون المستلزمات الاخرى وسرت طريقي، ولدى اجتيازي اخر مقر وهواقليم كردستان للحزب. رايت الجميع متهيئاً للانسحاب، على راسهم عمر علي الشيخ. وصلت الى مجموعة المدفع. قررنا نقله صوب منطقة اكثر ارتفاعا، وفعلا حملناه وسرنا به، لكن الجو بدا انه ضمن عداد جحوش السلطة، حيث اخذ هطول الامطار الشديدة يعيق كل حركة، والتي تنذر بالقادم، فتوقعنا ما سيعقبها من هجوم واسع تسبقه زخات الرصاص، وهذا ما حصل، وكأن الكون كله قد اجتمع في هذا المكان. في اللحظة نفسها كان القتال متواصل في عدة مواقع، وصوت المدافع لن يهدا لحظة واحدة. في هذه الاثناء كان يجتازنا العشرات من مقاتلي حدك وحسك في طريقهم للانسحاب وكلنهم في سباق ماراثوني. وبينما كانت خيوط الظلام تنسج ستائرها، عانقت السنة لهب نارمستعرة السماء، تشرأب من خللها ارواحا بريئة  تُزهق، ودمائا زكية تُراق لتملا ارض العراق بكردستانه العطشى للحرية، مقابل ان تمتلأ جيوب القتلة والمتواطئين دراهم معفرة بذل الخيانة والاجرام. عرفنا انها اذاعة الحزب التي تقرر حرقها، والتي بثت يومي المعركة نداءات كان يكررها مفيد الجزائري بصوته الباهت والذي لا يحرك مشاعر نملة"لا لاقتتال الاخوة". اي اخوة؟ ولا لغة الا لغة السلاح والقتل باخس الاساليب.

كان الموت المحتم هذا المساء في موعد مع كوكبة من انبل الرجال. منهم (ابو بسيم) رعد عبدالمجيد من البصرة، لم يمضي على زواجه سوى اربعة اشهر. قدم من الجزائر مع رفيقه الذي استشهد نفس اليوم (ابوعلي) عطوان حسين من بغداد ابن عائلة كادحة، الاثنان مهندسان،حيث تميزا بالطيبة والبساطة وعدم التردد في تنفيذ اية مهمة يكلفان بها، وكسبا محبة واحترام وتقدير رفاقهما. الشهيد(سعد) ثائر عبدالرزاق، كان مع شقيقه الاصغر في بشتائاشان ، فوالديهما وشقيقتهما استشهدا تحت التعذيب في سجون النظام، كان ضحوكا على الدوام، يصاحب مرحه المزاح، لم يبقى من عائلتهم سوى شقيقه الاصغر الذي ترك بشتائاشان قبل المعركة. الشهيد(ابوظفار) قيس عبدالستار القيسي، التحق مع شقيقه الاصغرعام 82 بقواعد الحزب في بشتائاشان. حينما دخلت شقيقتهما الى المقرالذي حلا به تفاجئت حد الصدمة حينما رات شقيقيها جالسان بين الاخرين. والده عبدالستار القيسي استشهد تحت التعذيب في سجون النظام، وكان من الاصدقاء الشخصيين لجلال الطالاباني. تم اسر شقيقه الاخر من قبل قوات اوك. الشهيد (رعد) طارق عودة من البصرة. الشهيد(سمير) عبدالامير عباس علي من الكوت. الشهيد (ابو سليم) نعمة فاضل من مدينة الكوت. الشهيد(ابومكسيم) سيدوخلو اليزيدي، طيب، بسيط ، كانت كلماته تبدد حالة السأم والضجر والملل في اكثر الاوقات. اما الشهيد(عمار) سمير يوسف كامل، فكان من الرفاق المحبوبين، يتميز بالرقة والشفافية والحس المرهف، كان يعوم على بحر من الامال والاحلام، يشع الالق من عينيه الصافيتين،عمل مهندسا في اذاعة الحزب. الشهيد (عادل بهديني) علي جبر، او كما كان يكنى من قبل الرفاق ب(عادل لبرالي)، للسرعة التي ينقل بها الخبر الذي لم يسمع به احد، لتلك الخاصية التي تمتع بها، منحه الاخرون ودهم ومحبتهم واعتزاهم. الشهيد ابو(حاتم) علي حسين بدر من مدينة السماوة. الشهيد(قاره مان) دارا حسين شريف من قرية سورتكة. الشهيد(ابومعالي) عماد شهيد هجول من مدينة الحلة. الشهيد احسان عباس الهاشمي مهندس زراعي من بغداد. الشهيد(هيمن) من خانة قضاء اربيل. الشهيد(هاور) احمد بكر ابراهيم. الشهيد(دهشتي) محمد امين عبدالله. الشهيد(كاراوان) ستار مصطفى اسماعيل من قضاء مخمور. الشهيد(سليم) زهير عمران موسى. الشهيد(ابو صوفيا)سعد علوان هادي. الشهيد يوسف شمسة من مدينة النجف، قاتل ضمن سرية بشدر. الشهيد منير رمزي يونس. الشهيد بهاء الدين احمد.

   كنا نسير خطوات ونتوقف برهة من الوقت، لاننا لم نتخذ قرارنا بالانسحاب بعد بالرغم من اجتياز العديد لنا من رفاقنا. حين قررنا الانسحاب، وصلنا رفيقين او اكثر. فبادرت ان اساعد احدهما وكان يعاني من الربو، قال: كيف تساعدني؟ اجبته احمل بندقيتك شرط ان تبقى بجواري، كي تكون بمتناول يدك حال حصول طارئ. رحب بالمقترح وسرنا باتجاه القمة التي استغرق الوصول اليها عدة ساعات. اصبح عددنا 15 رفيقا. كلما نبتعد كلما يخفت صوت الرصاص المتناهي الى اسماعنا. في منتصف اليل سقط احدنا مغمى عليه وعجزعن الحركة متمدداً على الثلج الذي كان يكسو كل شئ وبطبقات سميكة، بعدها بفترة وجيزة انهار الاخر من شدة الاعياء والجوع وقلة النوم، حملت بندقيته، وحمله الاخرون على بطانية حتى ساعات الصباح الذي بدات خيوطه تتكشف، كما تكشفت الظلمة عن ظلال تتحرك من امامنا عند الجهة اليمنى، فتبين انهم رفاقنا الذين استلقوا طريقا اخرى تبعها كثيرون، احد هؤلاء من مقر الاعلام وكان برفقة (ابو نادية) نصير محمد الصباغ من مدينة الكوفة، جرح في المعركة، وبقي ينزف طوال النصف الثاني من يوم 2 نيسان وحتى صباح الثالث منه، لكن نزفه كان متواصلا، ففقد كل طاقة لديه، فاودعه مغارة عند اعلى قمة قنديل بامل العودة اليه، الا انه فارق الحياة التي كان يحياها بكل جوارحه وجوانحه، كان يضفي على مكان وجوده الفرحة والحيوية والبهجة التي اغتالها القتلة الجلاليون بكل دم بارد، وهو ثالث ابن تفقده عائلته.   

   كان الكثير من مقاتلينا لم تصلهم اية معلومات بخصوص الانسحاب، وبعض الوحدات ارسلت من يتزود بالمعلومات الى قيادة الحزب العسكرية ، والبعض من هؤلاء عند وصوله ولدى مشاهدته الاخرين في طريق الانسحاب، انسحب معهم دون الاكتراث برفاقه ولا بحياتهم. انسحب اغلب المقاتلين بقرار اتخذوه بانفسهم كمجاميع او كافراد، وبقي عدد غير قليل لا يعرفون بان هناك قرارا بالانسحاب لذلك وقعوا في الاسر وتم اعدامهم على الفور بعد تجريدهم من سلاحهم ومقتنياتهم. مساء اليوم الثاني للمعركة اعدم (ابو علي) قرب مقر الاعلام، حينما امطروه بزخة رصاص، اطلق بعدها صرخات مدوية، رددها الصدى، ليسمع المدى الذي لا زال يرجع تلك الصرخات. وهل يظن احدا انها ستسكن؟. كلا، ستاتي اللحظة التي يعلن فيها دم (ابوعلي) ودماء كل رفاقه، بانه دمٌ، وان له فمٌ يصرخ وسيقُض مضاجع القتلة ، وان القضية التي استشهدا في سبيلها حية لم ولن تموت، وان عقاب المجرمين سيقع لا محالة مهما امتد الزمن وكثرت الخطوب. سيبقى (ابوعلي) بوداعته ووجهه الباسم حاضرا في ضمائر الشيوعيين الحقيقيين. لم اقرا في اي كراس اوجريدة ولا صفحة من كتاب عن اسم (ابو علي)، لكن ذلك مستودع بالتاكيد وفقط في افئدة وضمائر رفاقه ومحبيه واهله من مدينة النجف، تلك المدينة التي قدمت الكثير من الشهداء، حيث التحق بعد ساعات ب ابو علي، صبيحة اليوم الثالث من نيسان، كل من  الشهيد (رشدي) يحيى مرتضى، مهندس خريج المانيا  والشهيد(ابو تيسير) سمير مهدي شلال مهندس زراعي، اعدموه وهو جريح، كان اخرمن بقي مع رفيقتيه (تانيا) و(ناديا) اللتان تم اسرهما. الشهيد (ابو توفيق) رشاد عباس حسين، وابن عمه الشهيد(ابو ظفر) جعفر عبدالائمة، طلاب في كلية التكنلوجيا جامعة بغداد، كلهم اعدموا مباشرة بعد ان طلب منهم ترك مقتنياتهم من اموال وساعات وخواتم زواج!!!. حين اخبرت ابو توفيق صيف 81 بوجوب  التهيؤ للسفر، لتمثيل رابطة الطلبة العراقيين في سوريا، في المؤتمر السابع للروابط والجمعيات الطلابية خارج الوطن في براغ، قال لي : انتظروني حتى اعود، لا تذهبوا بدوني. لحق بنا وقدم الى بشت ئاشان مع ابن عمه قبيل ايام من المعركة.لم ننتظره في قدومنا، كما لم ينتظرنا في اقدامه على الشهادة، كان طموحا ينهل من الحياة التي لم يذق منها شيئا بعد، ودع حبيبته، التي لم تخفي حبها الجارف له، فترك استشهاده في نفسها ندوبا لم تلتأم. كابن عمه الذي اتى للقاء حبيبته فكان الموت في انتظاره. كذلك اعدم ابو( طارق) محمد هادي من مدينة البصرة، قَدِم منذ اشهر الى كردستان، تاركا ورائه زوجهته وطفله، واضعا دمه على كف راحته، شجاعا لم يهادن، قاتل وقاوم وهو جريح حتى خر صريعا في معركة غير متكافئة على الاطلاق، قبل استشهاده بلحظات اعدم الشهيد (عبير) علي عبدالكريم النعيمي، الذي هوى الى قعر الوادي مع صرخات مدوية احدثتها رصاصات القتلة، بقيت عائلة عبير ممسكة بخيط امل، من ما يتناها الى اسماعها من نتف اخبارفي وجوده حيا. كذلك اعدم الشهيد(ابو مهيدي) صلاح حميدي، مهندس من مدينة عنة. نشأ في عائلة معدمة بكل ما تعنيه الكلمة. عام 76 اكتشف بحذقه وذكائه المتميز عملية الاحتيال لنهب المال العام عبر صفقة ابرمت مع شركة اجنبية، وكان يمثل الطرف العراقي طه الجزراوي. كان المبلغ بحدود ثلاثة ملايين دينار. قَدم بدوره المعلومات للحزب، الذي فاتح السلطات، والتي لم تهدأ حتى علمت من هو المصدر.احيل صلاح الى محكمة الثورة، لكن الحزب سارع فساعده لترك العراق عام 77. فكما كان كريما مع الاخرين طيلة حياته ، لكن كرمه اكبر مع رفاقه وحزبه وشعبه، كان نموذجا للالتزام والانظباط، لكنه كالاخرين كان ضحية تآمر وتواطؤ على الحزب من خارجه وداخله.

            

 

   

  

       

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا