<%@ Language=JavaScript %> حارث النقيب بشت ئاشان ضحايا تواطؤ والتواطؤ مستمر  (1)

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

بشت ئاشان ضحايا تواطؤ والتواطؤ مستمر 

 

 (1)

 

 

حارث النقيب

 

 

   الحديث عن بشت ئاشتان، هو بقدر ما يثيرمن الامٍ في النفس، ونكأٍ لجراح لم ولن تندمل يوما، بقدراكبر ينطوي على واجب الشعوربالمسؤولية ازاء احداث لا تتحدد لا في الزمان ولا المكان المعينيين، حديثٌ يستحضر ارواحا دماءاً انفسا وبشرا، كانوا ورودا يعزفون ابدع الالحان، ويصوغون اجمل لآلئ من حبات ندى الصباحات لحبيباتهم، ويروون احلى الحكايات عن الحب والطيب والخير، عن السلام والجمال، عن زهو الحياة، دفقها ودفئها القادمين، كانوا ضحايا تآمرات وتواطؤآت،قذرة ودنيئة، خفية وسافرة.

  كتب العديد من الذين عاشوا وعايشوا التجربة.  وجرت مناشدات للكتابة بقصد استجلاء حقيقة ما حصل. وناشد قسمٌ قبل عدة سنوات ولا زال، الاخرين من الذين لديهم ما يقولونه. بل وصل الامر بالبعض ان ناشَدَ اسماءً بعينها، كعبد حسين شعبان لان يكتب. ساءلت نفسي وقتها ما الذي سيكتبه السيدعبد حسين، الذي امضى ما يقرب على المائة وستون ليلة في بشتاشان، اكثر من مائة وخمسين منها، امضاها بين الجوكر والبوكر. علاوة لذلك هل يوجد بين هؤلاء الذين قضوا او بقوا اسماً ، "يستحق" ان يكون الى جواراسم عبد حسين؟!! (فجُلُهم ـ وانا استميحُهُمْ عُذرا، وأجُلُهم ـ اقلَ "مَرتبةً") من ان يرفعوا "مفكرا كبيرا" الى سلطات المعرفة والحق والكلمة. والاهم من كل ذلك، هل ستسمح ارصدة الحسابات، بل بتعبير ادق حسابات الارصدة بذلك. ولكنه ها هو اخيرا يكتب! وماذا يكتب؟ فكعادته لم يقل شيأ الا عن نفسه، ولا موقف لديه الا موقف اللاموقف.

   يقول عبدحسين في لقاء اجراه معه توفيق التميمي على صفحة الناس بتاريخ 20120407 :  وان المرحلة قد اسدل الستار عليها(يعني الجريمة)... وبكى الرفاق عند تنفيذهم القرارـ (يقصد قرار حرق اذاعة الحزب)ـ الذي لم يكن حكيما، مثلما كان قرارنا لخوض المعركة، ليس له مبرر، لكن اندفاعات البعض وانجرارهم لاستفزازات الاتحاد الوطني الكردستاني في ظل الثقافة السائدة....

   لم تات عبارات السيد عبد حسين سهوا، بل يعني مايقول وبمنتهى الدقة، ولديه "ما يبررها"، والمسالة هنا ليست زيغ او مجانبة للحقيقة، بقدر ما هو اكثر من ذلك، انه تزييف وتشويه الحقائق مع سبق المعرفة بها، انه التواطؤ. لقد اسدل عبد حسين الستار على بشت ئاشان. فهل يستطيع ان يسدل الستار على حلبجة والدجيل والانفال؟ ام ان للحسابات هنا امر مختلف باختلاف الارقام! اختزل عبد حسين، شهداء بشتاشان الاولى والثانية الى رقم جدا صغير وهو60 شهيداً!!!. ويا للغرابة. لم يكتف باسدال الستارـ بل ويعدم ثانيةً العشرات من الذين استشهدوا او اعدموا، حينما يعمد الى الغائهم و شطبهم. من هوالشهيد الذي يمكن الغاءه من الذاكرة الحية التي لا تموت؟. ان حقيقة الاسباب الكامنة وراء تشويهات عبد حسين واساءاته للشهداء وذويهم ورفاقهم، هي السلطة. وجود أوك في السلطة، وما يعنيه ذلك بالنسبة له. هذه السلطة وكأية سلطة قال عنها رائد مدرسة التجديد في الشعر الشعبي العراقي، الوطني الصادق، المتربع على عرش الثقافة العراقية شاكر سماوي في لوح السياسة، من حدائق الروح: (السلطة هي العاهر الوحيدة في التاريخ التي تستطيع ان تهب اكليل الشرف والمجد للبعض ممن يَقترِن بها او يُقوِد لها حين يجيد ان يقف في محرابها عاريا منها).   يعرف السيد عبد حسين الذي يخطئ في كل شئ الا لغة الارقام، انه قد سقط في معركتي بشت ئاشان الاولى والثانية 128 شهيدا. سقط فقط في بشت ئاشان الاولى 73 شهيداً، عدد كبير منهم تم اعدامهم. 68 شهيدا شطبهم "الباحث والمفكر" عبدحسين.

  ان يكون المرء باحثا ومفكرا، يعني انه يحوط بالدقة المتناهية كل ما يبحث عنه ويفكر به ويقوله ويكتبه. لكن هاهنا يتكشف زيف تلك الادعاءات التي تنطوي عليها مثل تلك المفاهيم. ان محاولة تشويه الحقائق والسكوت على الجريمة، بل تبريرها، واعطاء المجرم الحق في ليس حماية جريمته والدفاع عنها فحسب؛ انما اعادة استنساخها وانتاجها باستمرار، هو ما ينطوي عليه المفهوم الاجوف "اسدال الستار".هو التواطؤ بعينه. والتواطؤ كما الجريمة لا يسقطان بالتقادم. المصالح هي التي تسدل الستار وليس شيأً اخر، فلا المبادئ ولا الزمن ولا المعاني ولاالقيم النبيلة. لقد فات السيد عبد حسين ان معارك اوك ـ وهو المختصر للاتحاد الوطني الكردستاني ـ لم تبدا في بشت ئاشان ولا في عام 1983 لقد سبقهم ولحق بهم، اعني شهداء بشت ئاشان، شهداء كثيرون، ومعارك عديدة، لكن بشت ئاشان كانت منعطفا مهما وخطيرا كشفت عن حقيقة مايجري وقتها، من تحالف وتواطؤ مع النظام واوك من جانب، ومن حرف فكري وسياسي للحزب، وتخريب حياته الداخلية،وتصفية كوادره الحريصه ـ العربية في مقدمتها ـ والمخلصه وشقه وصولا الى حضن بريمر الرمز القبيح للاحتلال من جانب اخر.اذ كانت بشت ئاشان اهم حلقات تلك السياسة التي ادت بالبعض لان يولي وجهه شطر اوك والنظام معا، والبعض الاخر لاحقا، شطر ال سي آي إي، و إم آي 6. لقد كشفت بشت ئاشان عن القدرات الحقيقية البائسة في احسن حالات التوصيف، والنزعات الشوفينية والثارية للذين كانوا مؤتمنين على قيادة الحزب والتجربة. ان تسليط الضوء على جملة الاحداث والوقائع كفيل بالرد بل بردع كل من يحاول ان يشوه الحقائق ويغمط الحقوق، ويختزلها بحق قانوني، معياره دراهم. فاذا كان البعض قد امتشق جيوبه، قبل واثناء وبعد العدوان على العراق واحتلاله، ويحاول ان يتمظهر كونه يمثل قمة هرم الفضيلة والحكمة والمعرفة الزائفة فهو واهم، لان للناس عيونا وللتاريخ لسانا، وللحق طلابا، والحياة لم تغف ولن تعفو. سيتم رد الاعتبار لكل قطرة دم اريقت، وروح ازهقت نيابة عن النظام او غيره. في بشت ئاشان او اي زاوية من مدن العراق العزيزة التي عاشت بشت ئاشانات لن يستطع احد ان يسدل عليها الستار.

   هل اندفع خضر حسين وانجر وراء استفزازات اوك؟  ذلك الشيوعي ابن راوندوز، في الثلاثينيات من عمره، كان يتمتع بمواصفات القائد الغير مزيف. بُعد النظر، نفاذ البصيرة، تقدير العواقب لكل خطوة يفكر في الاقدام عليها وتاصيل الروح الجماعية لدى المجموعة التي كان يقودها. خارجا بمفرزته من قرية ليدخل بها اخرى بمهمة ادركها لاحقا رفاقه عندما كانوا يلحون عليه والحماس يعتمل في صدروهم للقيام بعمليات عسكرية، رافضا كل تلك الطلبات، وعندما صارحوه بافتقاده للشجاعة، لحظتها اجابهم : ان حياة اي شيوعي لاتقدر بثمن، ولا يوجد من اوما يساويها في قيمتها الحقيقية، وان هذه القرى لم ترى مقاتلين منذ 1974 عندها تيقن الجميع ان المهمة الدعائية لا تقل اهمية ولا تاثيرا عن المهمة القتالية، بل تفوق عليها في احايين كثيرة. مثل هكذا شخصية تثير الرعب في نفوس قوى الاستبداد، ان كانت في السلطة او خارجها. عندها قرر اوك التخلص من خضر حسين، فدسوا له مادة الثاليوم ـ (معلوم ان هذه المادة لا تمتلكها الا السلطة) ـ في كاس لبن قدموها له في قرية دركَله. لم يمهله الجلاليون سوى ثلاثة اشهر حتى فارق الحياة وفارق والدته التي لم تفارقه لحظة وهو يختفي من امامها غير مصدقة لما تراه عيناها، بعد ان وهنت قواه وتساقط شعره مطلع 1981. كذلك كان مصير (ماموستا قادر) الذي جردوه من كل شئ واعدموه في منطقة شاربازير. اما ئازاد رضا(ئارام) فمزقه مجرمو اوك بالسكاكين اكتوبر82  في منطقة اغجلر. كما هو حال الكثير من شهداء الحزب الشيوعي ضحايا اوك. 

   زاركريم احمد عضو المكتب السياسي للحزب، اليمن الجنوبي عام 1980، والتقى هناك بالشيوعيين الذين استمعوا الى ماقدمه لهم من صورعن الوضع في كردستان قائلا: ان سقوط النظام قاب قوسين اوادنى، وانه ربما لا يتسنى لكم شرف المشاركة في توجيه الطلقة الاخيرة الى صدر النظام، وذلك لتسارع الاحداث. الامر الذي حفز الكثيرين ودفعهم بحماس لا حدود له، للتوجه الى كردستان، آملين في الحصول على شئ من ذلك الشرف، في توجيه طلقة الرحمة على نظام يحتضر.

   استغرقت رحلة هؤلاء من حزم للحقائب، الى تدريب، وصولا الى اخر نقطة، انطلاقا نحو كردستان، اشهرا طويلة. تيسر لهم خلال الانتظار، ان يلتقوا بالقادمين من كردستان، وكان الفضول سيد الوجود، واذا بهم يقعون على صور اخرى مغايرة تماما لما قدمها كريم احمد، الذي التقاهم مرة اخرى بعد مايقرب من العام والنصف في نقطة الانتظار حيث حوصر بسؤال واحد، وهو موضوع الطلقة الاخيرة، الذي اصبح معروفا لدى الكثيرين ب (لو تلحكَ على اخر طلقة لو متلحكَ). انكر ابو سليم انه تحدث هكذا قبل ان يتراجع بعد ان قدموا له كل الاحداثيات من مكان وزمان وشخوص. قائلا: ان كنت قد تحدثت هكذا فانا ساذج. هذه السذاجة تكشفت مرارا قبل وخلال وبعد احداث بشت ئاشان، تلك المنطقة التي تقع ضمن سلسلة جبال قنديل، وتتبع محافظة اربيل، حيث كان فيها وحدات من الجيش العراقي والتي تم سحبها بعد بدء الحرب العراقية الايرانية. سكان هذه المنطقة ولاؤهم  بالمطلق لـ اوك وهم مُهَجَرون بالكامل، ولا يوجد شخص واحد في كل هذه القرى.

    كان لحاثة قتل الشيوعي عبدالله ماويلي في دركلة من قبل اوك، الذين حاصروه في بيت شقيقته، سبباً مباشرا لوقوع معركة وورته بين الشيوعيين والجلاليين خريف 1981، والتي اسر فيها الحزب 56 مقاتلا من اوك، الامر الذي دفع باذاعتهم ان تطلق نداءات استغاثة، على مدى ايام بلياليها، مذكرة الشيوعيين بقييمهم واخلاقهم العالية. تم اطلاق سراح جميع الاسرى، ولم يُمس احد بسوء.بعد تلك المعركة قام رجال اوك بالاستفسار واستقصاء المعلومات حول انعكاس هذه المعركة على الشيوعيين العرب!!!.   كنا نحن في الضفة الاخرى للجبهة، على قمة حصاروست، نطارد قواتهم. حيث تعقبناهم وهم يفرون من قرية الى اخرى، حتى تسلقوا كالجرذان صخورا تغطيها الغيوم، في وضع لا يحسدون عليه. بعد هذه المعركة اصبح الميل اكبربان تكون بشت ئاشان قاعدة عسكرية للحزب. اذ كان فيها اساسا سَرية مؤلفة من اربعة فصائل، امرها العسكري جوتيار، الذي كان يتميز بامكانات وقدرات عسكرية جيدة، وقد منحه ما كان يتمتع به من خلق رفيع وطيبة وتواضع، احترام وحب واعتزاز الجميع. مُنِحَ جوتيار صفة حزبية اعلى مما كان عليها لكي تضفي المشروعية "الحزبية" لمهمته العسكرية، لكنه رفض اسلوب "الزحف" هذا وقال: اعرف امكاناتي وقدراتي العسكرية وانا اضعها في خدمة الحزب، وهذا لا يبرر ان امنح صفة حزبية لا استحقها. بقي جوتيار على نقائه وصفائه ومبدأيته، فهوبعد ثلاثة عقود رفض مايسمى ب"تقاعد الانصار" الذي يمنحه السيد مسعود البارازاني للشيوعيين الذين كانوا بيشمركة.  

   توجهنا يوم 30 ديسمبر 81 من حصاروست صوب بشت ئاشان. كانت كثافة الثلوج تعيق مسيرنا، الا اننا واصلنا المسير بالرغم من وجود مجموعة بغال معنا، تحمل اسلحة، ومنها مضادات للطائرات. تعرضنا لكمين نصبه مقاتلواوك، حيث قاموا باطلاق رصاصات تنبيهية صوب ثكنات عسكرية للجيش. الامر الذي اضطرنا للعودة وتاجيل رحلتنا ليومين، وهذا ما حصل. فتم لنا وصول بشت ئاشان بعد مسير ما يقرب 30 ساعة.

   بين وصولنا بداية 81 وصيف نفس السنة، حصلت احداث كثيرة ومعارك ووقائع، واستشهد العديد من الشيوعيين. الذين سقطوا دفاعا عن النفس، في معارك فرضت عليهم  ولم تكن متكافأة ابدا. احداها وقعت في سهل اربيل مع قوات السلطة شباط 82، وشاركت الهيليكوبترات في المعركة التي استشهد فيها على ما اتذكر 11 من مقاتلي الحزب. الامر الذي اضطر قيادة المكتب العسكري استدعاء هذه القوة المقاتلة ، وقد قوبل الطلب بالرفض مرات من قبل كاويس، آمر هذه الوحدة، واخيرا قدِمت المجموعة بدون آمرها. خلال حزيران، عُقد اجتماع لهؤلاء الرفاق ودعينا عدد محدود لحضوره. قاده المرحوم يوسف سطيفان عضو م.س. وكان يدًوِن المحضر الشهيدان نزار ناجي ابو ليلى الذي قتلته قوات اوك، وابو بشرى الذي اعدمه النظام، مع عدد من اعضاء تنظيم مدينة السماوة، تم تسليمهم لاجهزة النظام من قبل ابوهيمن، الذي حظي برعاية كاملة من قبل حميد مجيد موسى وعمرعلي الشيخ. حضر الاجتماع كاظم حبيب الذي قدم لتوه لبشت ئاشان. ومن بين الاسئلة التي وجهت اليه، ان كان للحزب عيونا داخل الاحزاب الاخرى؟ فاجاب كاظم: ان الحزب الذي لا يملك هكذاعيون لدى القوى الاخرى حزبا مغفلا. لقد اثبتت الاحداث والوقائع والايام بما لايقبل الشك سلامة وسداد راي كاظم حبيب. وتبين ان كل الاحزاب في الساحة لها عيونا كثيرة الا الحزب الشيوعي، الذي نسي كاظم حبيب ان ("مجموعة مسؤولة فيه انشأت جهاز امني بدعوى حماية الحزب، وابرز هؤلاء عزيز محمد وفخري كريم و(ابوطالب) نجم عبدالجبوري ـ الذي اصبح عضو لجنة مركزية. اعدمه الحزب مطلع التسعينات لانه ضابط استخبارات كما اعلن الحزب ذلك ـ وظف النشاط الكامل لهذا الجهاز في التجسس فقط على الشيوعيين ومحاربتهم")!!!.

   خلال هذه الفترة بادر كاظم حبيب الى تاسيس مدرسة حزبية في بشت ئاشان. كلَف عشيتها مهندسان من ذوي الاختصاص للقيام بمسح هندسي للمساقط المائية، اذ كان ينوي توليد الطاقة الكهربائية في القاعدة. كانت المدرسة الحزبية من الخطوات الجيدة التي اتُخذت الى جانب مدرسة اخرى ذات مهمة اخرى. فالمعرفة وحدها هي التي تنير العقول وتقود الى الارتقاء بمستوى الوعي والادراك، وبدونها تتحول كل الجهود الى سراب. والوعي كما يقول هيجل يشترط الشخصية("فليس المهم وجود الوعي فحسب، بل المهم وجود الوعي والشخص ـ الذي يعي ذاته ـ في آن واحد. وبما ان الارادة غاية مطلقة، لذا فان الشخص الذي يملكها يعتبر غاية مطلقة ولا يمكن ان يستخدمه الاخرون كوسيلة لغايتهم الخاصة او يعاملوه على انه شخص اخر").

 تم تخريج دورة واحدة ومن ثم الغيت المدرسة الحزبية في اليوم التالي لانتقال كاظم حبيب من بشت ئاشان، لاسباب عديدة تطبع كاظم حبيب بطابعها. منها:انه يجعل الشئ الذي يشيده او يقيمه او يبنيه، مرتبطا به شخصيا، فما ان يبتعد عنه او يسحب منه او يطرأ عليه تغييرحتى ينهار ليظهر ان بدونه يتوقف كل شئ عن الحركة والحياة. ومنها: نزعة المناطقية التي تتملكه بقوة، الامر الذي كان يترك اثرا سلبيا لدى الشيوعيين. كذلك تجنيده لذوي النفوس الميتة والضمائر الخاوية، لاداء مهمة طالما آذت العراقيين ودفعوا اثمانا غالية على مدى عقود،، سلطة ومعارضة الا وهي التجسس وكتابة التقاريرعلى الاخرين. هذه النزعات قد توجت لاحقا بسلسلة اجراءات لم يشهد الشيوعيون العراقيون لها مثيلا. اذ عَمِلَ معوله في جسم الحزب للتهديم لا البناء كما تقتضي مشترطات الثورة. حيث قام كاظم حبيب بعد المؤتمر الرابع للحزب باوسع عملية اقصاء وتجميد وتعليق للعضويات الحزبية، وطَرَدَ الكثيرين من صفوف الحزب ـ خصوصا عندما اصبح مسؤول تنظيم الخارج للحزب ـ. بل وصل الامر "بالاستاذ الدكتور البروفسور الرفيق" كاظم حبيب الى اتلاف مسودة كتابٍ عن الحزب للمرحوم ماجد عبدالرضا، والذي نشر وقتها رسالة تشرح وتفضح حقيقة الذي جرى. فالتبدلات والتحولات والانقلابات السريعة هي الصفة الغالبة التي تطبع السيد كاظم حبيب بطابعها. فلم تكن المسافة التي تفصل (بناء الاشتراكية مع البعث عبر طريق التطور اللارأسمالي، والقاء محاضرات لضباط الامن العامة، عن "الفاشية الجديدة") سوى اشهرا. تلك "الفاشية" التي لم يكن باستطاعة السيد كاظم ان يتلمس ملامحها طيلة تلك السنين. علما ان الماركسي العراقي، الشاعر شاكر سماوي،  قد حدد ملامح تلك الفاشية بعد ثمانية عشر يوما من مجيئ البعث للسلطة؛ يوم 5 اب 68 بقصيدته المشهورة { َقسَمْ الفارس }، والتي تناولتها العقول والضمائر قبل الايادي، لتسمي تلك السلطة ب "الفاشية الحمراء".

   منذ صيف 1982  وحتى اواخر نفس السنة، توافدت اعداد كبيرة من الشيوعيين الى بشت ئاشان. وحصل ارتباك كبير بسبب الزخم الموجود وضعف التنظيم، وكيفية استيعاب تلك الاعداد. من بين القادمين، عدد من الذين انهوا دورات في كليات عسكرية. كان يطلق عليهم "ضباط الحزب". بعضهم وصم بالجبن لتخاذله وعدم اثبات كفائته في لحظات حرجة. اما البعض الاخر فاظهر جدارته واثبت مقدرته لا لانه خريج مدرسة عسكرية بقدر ما ينطوي عليه من بناء واعداد لقدراته الذاتية، والذهنية والفكرية، ولما يمتلك من روح الشجاعة والاقدام والتضحية. وانتقلت هيأة الاعلام والاذاعة، اضافة الى عدد كبير من قيادة الحزب خريف نفس الفترة من نوزنك قرب الحدود مع ايران الى بشت ئاشان. بالاضافة الى قسم الطبابة وعيادة طب الاسنان. حتى ان اقليم كردستان للحزب افتتح دكانا للبيع. هنا بدات  تلوح نزعة الاستقرار وما تولده من خدر وارتخاء، والابتعاد عن حدود اليقظة والحذر، الامر الذي ادى الى  نسف مبدا مهم في حرب الانصار وهو عدم تركز الاعداد الكبيرة لتتوفر امكانية سرعة الحركة  والمناورة ،"الكر والفر". في نفس الوقت قامت السلطة بارسال عيونها من الملتحقين بوحدات الحزب العسكرية، وبث رجال المخابرات و الامن في القرى القريبة. كان مقاتلو الحزب متيقظين ازاء نشاط القادمين ومهامهم المغلفة بمختلف الاقنعة. ومن بين هؤلاء القادمين اثنان وصلا الى قاعدة قريبة من بشت ئاشان. كان سلوكهما يشي بالمهمة التي قدما من اجلها، فقدًم المسؤول الحزبي"ا.و" رسالة الى عضو في م.س ، يشرح من خلالها المهمة الحقيقية لهؤلاء. لكن عضو م.س ابدى غضبه واستهجانه لان الملتحقان يحملان" تزكية" من قبله. واخذ ينتظر عودة كاتبها الذي توجه الى بغداد للعمل ضمن تنظيم الداخل، لكن قبل عودته ترك الملتحقين صاحبي "التزكية"، القاعدة تحت جنح الظلام، الامر الذي وضع عضو م.س في وضع حرج للغاية، واخذ يبحث عن تبرير لموقفه!!.والحالات الشبيهة كثيرة، في حين ان ملتحقا من تنظيم مدينة الناصرية للحزب، خريج كلية التربية"ر.ف" استدعي من فصيلنا تموز 82 الى مقر المكتب العسكري وهناك ابلغه ابو( تارا)"نائب رئييس المكتب العسكري" ان بامكانه الذهاب الى ايران وان يسلم نفسه للسلطات الايرانية، لان هناك تقريرا ـ"تبين لاحقا انه مفبرك" ـ يؤكد على عدم قدرته اداء واجباته كمقاتل شيوعي !!! فاجابه: اذا كان حزبي يتنكرلي ولا يحتضنني فهل ستقبلني ايران.

   في كانون الاول، بادر كل من عمر علي الشيخ وكريم احمد، بزيارة المقرات، محاضرين في الشأن التنظيمي والسياسي. كان مستوى تلك المحاضرات لا يرقى الى درجة مستوى مدارك ووعي اغلب الموجودين، ولا تتوازى مع المتغيرات التي تضرب كل مناحي الحياة. كانت تناسب فلاحي اوائل القرن الماضي. حيث ان اغلببية الموجودين خليط ما بين الطالب الجامعي والفيزيائي والمهندس والاقتصادي والعامل والطبيب والكيميائي والفلاح وحتى عالم الذرة. محاولين التاكيد على فكرة راسخة في الاوهام وليس في الافهام، بانهم يقودون عملا ثوريا بهدف التغيير، غافلين عن مسالة مهمة وهي ان من يريد ان يغيرعليه ان يتغير اولا وهذا ما استعصى عليهما.  في نفس الفترة قام عدد من اختصاصيي الهندسة الكيميائية، في تاسيس مركز لتدريب واعداد المقاتلين على الاسس العلمية فيما يتعلق بالمتفجرات وما يرتبط بها، حيث تم تخريج عدد من الدورات المؤهلة لذلك.في نفس هذا الشهر ارسل م.س للحزب دكتور بهاء الى منظمة الحزب في طهران بمهمة اعتاد الحزب ارساله الى هناك، خصوصا وان عائلته مهجرة وتقيم في طهران، وبينما كنت في طريقي الى نوزنك، فاذا بي التقيه عائدا الى بشت ئاشان. حين استفسرت منه عن سبب رجوعه، قال: لم يسمح لي ابو "شوان" قادر رشيد بالذهاب الى طهران وواصل حديثه قائلا: انا على قناعة بان قادر رشيد يعمل لصالح جهة ما، وان سلوكه يصب للاضرار بوضع الحزب وساتحدث مع المسؤؤل في م.س.

    ليلة 3 كانون الثاني حصلت عملية تهريب قسم من السجناء. والذي تم بمساعدة اشخاص من داخل القاعدة!!. كان هؤلاء السجناء الهاربون يعملون ضمن اجهزة امن السلطة في منطقة قلعة دزة، وكان نشاطهم موجه بالاساس ضد رفاقنا. استقال المسؤول عن السجن مع مجموعته لافتضاح التواطؤ الذي كان يجري من خلف الكواليس. علما انه حصلت اشكالات وتجاذبات فيما يتعلق بالسجن والمجموعة المسؤولة عنه قبل ايام غير قليلة من عملية التهريب.

   3 شباط 1983 زار وفد من قيادة الحزب، قيادة اوك في مقرهم الكائن في نوزنك. واجرى مباحثات، ووقع بيانا مشتركا معهم. اكد مضمونه على اهمية التعاون بين الحزبين. ضم الوفد كريم احمد، احمد باني خيلاني، عبدالرزاق الصافي و كاظم حبيب. بعدها بعشرة ايام القى كريم احمد محاضرة في مقر الادارة العامة، اقتصرت على طبيعة اللقاء والاتفاق والبيان الذي ُوقِعَ. من بين ما ذكره كريم ان نوشيروان الشخص الثاني في هذا الحزب، اخبرهم، انهم اي اوك يرغبون في التوجه الى المدن لانهم لا يستطيعوا البقاء اكثر في الجبال. هنا ينير ابو سليم الاذهان ويزهي العقول بتحليله" ان هؤلاء برجوازيون صغار يتميزون بالنَفَس القصير ويسأمون النظال". وواصل ابو سليم حديثه بان كاظم حبيب الَحً عليهم مرات عديدة القاء محاضرة في الاقتصاد، الا انهم اعتذروا له لانشغالهم بامور اخرى اهم. وينتقل كريم احمد من نوزنك الى بغداد، مسترسلا في حديثه الذي يعكس "نظريته الثورية" في الكفاح الجماهيري قائلا: كي نعبئ الجماهير علينا القيام بتفجيرات داخل بغداد، لمحطات الوقود والمحال الكبيرة والمراكز الحكومية، عندها سيقوم النظام باعتقال المواطنين المجاورين لتلك المراكز، وهذا سيزيد من غضب الناس وحقدهم وعدائهم للنظام!!. هنا "يصبح من اليسيرعلى كريم احمد قيادة هذه الجماهير" التي تشبه الماء الذي لا يملك ارضا ولا تملكه سماء.

   اثناء القاء ابوسليم محاضرته، حصلت حركة غير اعتيادية خارج المقر. تبين لحضتها، ان مايقرب من 12 شيوعيا استشهدوا اثر كمين نصبه لهم الجلاليون بعد ثمانية ايام من توقيع الحزب اتفاق التفاهم معهم. اصدر الحزب مباشرة بيان حمل عنوان"بيان الناطق الرسمي باسم المكتب السياسي"ادان من خلاله الهجوم على مفرزة الشيوعيين، وذَكًرأوك بالاتفاق الذي وقعوه قبل اسبوع، ناعتا اوك بالحلفاء بالرغم مما حصل. رد م.س للجلاليين ببيان على بيان م.س للشيوعين، وكانت لهجته حادة، وعباراته مشحونة بروح العداء، وتعكس رغبة في التصعيد . الامر الذي دفع قواعد الشيوعيين قاطبة، لان تضغط على الحزب لاتخاذ مواقف مغايرة، معتبرين الجلاليين جحوشا وليسوا حلفاءً، وان الثقة بهم معدومة. تم مواجهة حالة الغضب هذه بطريقة مشابهة للطريقة التي ووجه بها معارضو التحالف مع البعث مطلع السبعينيات. بل ان البعض عوقب لاصراره على مواقفه وعدم تهاونه في هذه المسالة.

   منذ ربيع 82 حتى وقوع المعركة، اخذ يتوارد الى بشت ئاشان الكثير من الشيوعيين استعدادا للتوجه الى الداخل لانجاز مهمات تنظيمية. الا ان هناك حالة غريبة لم يعرف اسبابها وقتها، ولا الدوافع الكامنة وراءها. وهي معاملة هؤلاء بطريقة تثير الاستغراب والتساؤل. كان قطع الارزاق عنهم ابرز تلك المواقف. حيث يضطر العديد منهم الى اللجوء للمقرات الاخرى التي فيها اصدقاء اومعارف لهم، تحديدا فترة الغداء. وكان المرحوم (ابواثير) علي الجبوري عضو منطقة الفرات الاوسط، احد هؤلاء الذين كان يحتمي بعلاقتنا القديمة والحميمة. شمل هذا الموقف ايضا، اللجنة التي شكلتها قيادة الحزب، لانجاز الوثائق اللازمة للمتوجهين الى الداخل، والمؤلفة من اربعة اشخاص من ذوي الكفاءة في هذا المجال، من ضمنهم المرحوم انور طه ابو "عادل". اقاموا في غرفة منعزلة عن بقية المقرات. وضعت شروط امامهم! فاما تلبيتها او حرمانهم من وجبات الطعام. وتم حقا اقفال الباب بوجههم. عندها قررنا نحن في الادارة العامة ـ (المؤلفة من اربعة اشخاص، تقوم بشراء وتخزين وتوزيع المواد الغذائية) ـ تغيير شروط التوزيع لهم، مع احتسابهم ضمن الادارة العامة فترة الغداء، وهذا ما حصل الى حين وقوع المعركة. هذا الموقف يذكر بمواقف اتخذت لاحقا بعد المؤتمر الرابع 86. احداها: تم قطع المساعدة المالية التي يقدمها الحزب للبعض من اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية الذين تم اخراجهم من مواقعهم القيادية والتي تشكل 50 دولاراً للشخص الواحد، ومثلها ان كانت تصحبه زوجته. حينما علمت القيادة في اليمن الديمقراطية بذلك الموقف، قررت مساعدة هؤلاء القادة من الحزب. كان خمسة منهم لا يملكون اي مصدر يؤمن لهم ما يلبون به اهم ضروريين: السكن والطعام. واصبح كل من هؤلاء الخمسة يستلم مبلغا قدره 100 دولار. مضت شهورا على ذلك قبل ان يعلم عزيز محمد وصحبيه، بان زكي خيري، باقر ابراهيم، حسين سلطان، ناصر عبود، وعامرعبدالله، يستلمون مبلغا مجموعه 500 دولار. عندها طلب عزيز محمد شخصيا من علي ناصر محمد ايقاف المساعدة التي تقدم لهؤلاء. فاجابه ناصر باننا لانتدخل في شؤون حزبكم، لكن هؤلاء قادة، نحترمهم ونحترم تاريخهم، ولا يمكن ان نتخلى عن موقفنا الانساني بطبيعته لمساعدتهم. في نفس الوقت، طلب عزيز محمد خلال لقائين مع عبدالله الاحمر الامين القطري المساعد لحزب البعث في سوريا، اطلاق سراح عبدالخضر هزام المعروف ب "ابوعرفان" الذي اعتقلته السلطات السورية نفس الفترة، والمجند مع زوجته من قبل المخابرات العراقة. رُدَ طلب عزيز محمد في المرة الثانية، بعد ان اجابه الاحمر قائلا: ان هذا الشخص لم يعمل ضدنا فقط، وانما ضدكم انتم الحزب الشيوعي العراقي. ومعلوم انه قد تم طرد ابوعرفان من الحزب ـ الذي بسببه استقال العديد من الشيوعيين العراقيين في سوريا ـ قبل فترة من اعتقاله، وكلف اثنان من الكوادر الحزبية تبليغه بقرار م.س. ولدى وصول المكلفان لبيت ابوعرفان، صادفا مفاجئة لم يتوقعاها، هي وجود عبدالرزاق الصافي عضو م.س  في ضيافة ابو عرفان. انتهزا دخول ابو عرفان المطبخ، فقالا لعبدالرزاق: ما الذي اتى بك الى هنا؟ الا تعلم بقدومنا لتنفيذ قرار الطرد، الذي شاركت انت في اتخاذه. اجابهم ابو مخلص الذي لم يكن مخلصا لقراره: (يمكنكما تاجيل التنفيذ لوقت اخر)!!!. 

 قيل: انه كان لعلي ابن ابي طالب بغلة يقاتل عليها في احدى المعارك، فقالوا له: دع بغلتك وخذ فرسا بدلها. اجابهم: انا لااقاتل مع من يفر ولا افر ممن يكر فبغلتي تكفيني.        

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا